الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة إبراهيم
عليه السلام
لما كانت سورة الرعد على ما تمهد بأن كانت تلك الآيات
واليراهين التي سلفت فيها لا يبقى معها شك لمن اعتبر بها لعظيم شأنها
واتضاح أمرها، قال تعالى:"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ"
أى إذا هم تذكروا به واستبصروا ببراهينه وتدبروا آياته "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى"
ولما كان الهدى والضلال كل ذلك موقوف على مشيئة الله سبحانه وسابق إرادته، وقد قال لنبيه عليه السلام:"إنما أنت منذر ولكل قوم هاد"
قال تعالى هنا "بإذن ربهم ""فإنما عليك البلاغ " وكما قال تعالى: "وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، ثم بسطها في سورة الرعد، أعلم هنا أن ذلك كله له وملكه فقال:"الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض "
فالسماوات والأرض بجملتهما وما فيهما وما بينهما من عظيم ما أوضح لكم
الاعتبار به، كل ذلك له ملكا وخلقا واختراعا "وله أسلم من في السماوات
والأرض طوعا وكرها" "وويل للكافرين من عذاب شديد"
لعنادهم مع وضوح الأمر وبيانه، ويصدون عن سبيل الله مع وضوح
السبيل وانتهاج ذلك بالدليل ثم قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا
بلسان قومه " وكان هذا من تمام قوله سبحانه "ولقد أرسلنا رسلا من
قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية"
وذلك أن الكفار لما حملهم الحسد والعناد وبعد إِلفهم بما جبل على قلوبهم وطبع عليها على أن أنكروا كون الرسل من البشر حتى قالوا: "أبشر يهدوننا""ما أنتم إلا بشر مثلنا" وحتى قالت قريش: " لولا أنزل عليه ملك " و "مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ
"وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ"
فلما كثر هذا منهم وتبع خلفُهم في هذا سلفَهم رد تعالى أزعامهم وأبطل توهمهم في آيات وردت على التدريج في هذا الغرض شيئا
فشيئا، فأول الوارد من ذلك في معرض السرد عليهم وعلى ترتيب سور الكتاب قوله تعالى: "أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم
…
الآية "، ثم أتبع ذلك بانفراده تعالى بالخلق والاختراع والتدبير والربوبية، وفي طي ذلك أنه يفعل ما يشاء، لأن الكل خلقه وملكه وأنه العليم بوجه الحكمة في إرسال الرسل وكونهم من البشر، فأرغم الله تعالى بمضمون هذه الآى كل جاحد ومعاند، ثم ذكر تعالى في سورة هود قوم نوح: "ما نراك إلا بشرا مثلنا
…
الآية"
وجوابه عليه السلام: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ"
أي وإني وإن كنت في البشرية مثلكم فقد خصني الله من فضله وآتاني رحمة من عنده وبرهانا على ما جئتكم به عنه، وفي هذه القصة أوضح عظة، ثم جرى هذا لصالح وشعيب عليهما السلام وديدن الأمم أبدا مع أنبيائهم ارتكاب هذه المقالات، وفيها من الحيد والعجز عن مقاومتهم ما لا يخفى، وما هو شاهد على تعنتهم، ثم زاد تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تعريفا بأحوال من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام ليسمع
ذلك من جرى له مثل ماجرى لهم فقال مثل مقالتهم فقال تعالى: "ولقد
أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية" وأعلم سبحانه أن
هذا لا يحيط شيئا من مناصبهم بل هو أوقع في قيام الحجة على العباد، ثم تلى ذلك بقوله:"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " أي ليكون أبلغ في
الحجة وأقطع للعذر، فربما كانوا يقولون عند اختلاف الألسنة لا نفهم عنهم، إذ قد قالوا ذلك مع اتفاق اللغات، فقد قال قوم شعيب عليه السلام:
"مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ"
هذا وهو عليه السلام يخاطبهم بلسانهم، فكيف لو كان على خلاف ذلك، بل لو خالفت الرسل عليهم السلام الأمم في التبتل وعدم اتخاذ الزوجات والأولاد، واستعمال الأغذية وغير ذلك من مألوفات البشر لكان ذلك منفرا، فقد بان وجه الحكمة في كونهم من البشر، ولو كانوا من الملائكة لوقع النفار والشرود لافتراق الجنسية وإليه الإشارة بقوله تعالى:"ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون "
أي ليكون أقرب إليهم لئلا يقع تنافر فكونهم من البشر أقرب وأقوم للحجة.
ولما كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل طائفة من طوائف العرب بلسانها ويكلمها بما تفهم وتأمل
كم بين كتابه صلى الله عليه وسلم لأنس (رضى الله عنه) في الصدقة، وكتابه إلى وائل