الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ْثم ذكر خلق الأرض وما أودع فيها ثم قال سبحانه "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ"
ثم أتبع ذلك بذكر من هداه سبيل الفطرة فلم تزِغ به الشبه ولا تنكب سواء السبيل فقال: "ولقد آتينا لقمان الحكمة
…
الآية "
ليبين لنا سنن من أتبع فطرة الله التى تقدم ذكرها فِى سورة الروم ثم
تناسق الكلام وتناسج.
سورة السجدة
لما انطوت سورة الروم على ما قد أشير إليه من التنبيه بعجائب ما أودعه
سبحانه في عالم السماوات والأرض على ذكر الفطرة ثم أتبعت بسورة
لقمان تعريفا بأن مجموع تلك الشواهد من آيات الكتاب وشواهده ودلائله، وأنه قد هدى به من شاء إلى سبيل الفطرة، وان لم يمتحنه بما امتحن به كثيرا ممن ذُكر فلم يغن عنه، ودُعىَ فلم يجب، وتكررت الإنذارات فلم يُصْغِ لها، إن كل ذلك من الهدى والضلال واقع بمشيئته وسابق إرادته، وأتبع سبحانه ذلك بما ينبه المعتبر على صحته فقال:(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)
فأعلم سبحانه أن الخلاص والسعادة في الاستسلام له ولما يقع من أحكامه، وعزَّى نبيه، وصبَّره بقوله:"ومن كفر فلا يحزنك كفره "
ثم ذكر تعالى لَجْأ الكل قهرا ورجوعا بحكم اضطرارهم - لوضوح الأمر - إلى الله تعالى فقال: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ"
ثم وعظ تعالى الكل بقوله: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة"
أى أن ذلك لا يشق عليه تعالى ولايصعب، والقليل والكثير سواء، ثم نبه بما يبين ذلك من إيلاج الليل في النهار وجريان الفلك بنعمته "ذلك بأن الله هو الحق "
ثم أكد ما تقدم من رجوعهم في الشدائد إليه فقال: "وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"
فلما خلصهم سبحانه ونجاهم عادوا إلى سيء أحوالهم هذا، وقد عاينوا رفقة بهم، وأخذهم عند الشدائد بأيديهم، وقد اعترفوا بأنه خلق السماوات وسخر الشمس والأرض والقمر وذلك شاهد من حالهم
بجريانهم على ما قدر لهم ووقوفهم عند حدود السوابق
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)
ثم عطف سبحانه على الجميع فدعاهم إلى تقواه وحذرهم يوم المعاد وشدته وحذرهم من الاغترار وأعلمهم
أنه المنفرد بعلم الساعة وإنزال الغيث وعلم ما في الأرحام وما يقع من المكتسبات وحيث يموت كل المخلوقات.
ولما كانت سورة لقمان بما بين من مضمنها محتوية من التنبيه
والتحريك على ما ذكر، ومعلمة بانفراده سبحانه بخلق الكل وملكهم أتبعها تعالى بما يحكم بتسجيل صحة الكتاب وأنه من عنده وأن ما انطوى عليه من الدلائل والبراهين يرفع كل ريب ويزيل كل شك فقال:"الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ"
أى أيقع منهم هذا بعد وضوحه وجلاء شواهده، ثم أتبع ذلك بقوله ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع "
وهو تمام لقوله: "ومن يسلم وجهه إلى الله " ولقوله: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " ولقوله: "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين "
ولقوله: "ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون "
بما ذكرتم، ألا ترون أمر لقمان وهدايته بمجرد دليل فطرته فمالكم بعد التذكير وتقريع الزواجر وترادف الدلائل وتعاقب الآيات
متوقفون عن السلوك إلى ربكم وقد أقررتم بأنه خالقكم ولجأتم إليه عند
احتياجكم.
ثم أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم برجوع من عاند وإجابته حين لا ينفعه رجوع ولا يغنى عنه إجابة فقال: "وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ"
ثم أعلم سبحانه أن الواقع منهم إنما هو بإرادته وسابق من حكمه
ليأخذ الموفق الموقن نفسه بالتسليم فقال: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا"