الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه من الرأفة والرحمة اللتين بهما أخر العقوبة عن مستوجبها، وهدى من لم
يستحق الهداية بذاته بل كل هداية فبرأفة الخالق ورحمته، ثم أعقب ما ذكره بعد من خلق الخيل والبغال والحمير وما في ذلك كله قوله:"ولو شاء لهداكم أجمعين "
فبين أن كل الواقع من هداية وضلال، خلقه وفعله، وأنه أوجد الكل
من واحد وابتدأهم ابتداء واحدا "خلق الإنسان من نطفة"، فلا بعد في
اختلاف غاياتهم بعد ذلك، فقد أرانا سبحانه مثال هذا الفعل ونظيره في قوله:(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) .
سورة الإسراء
(291)
لما تقدم قوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
إلى قوله (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا.... الآية "
كان ظاهر ذلك تفضيل إبراهيم عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء لا سيما مع الأمر بالاتباع، فأعقب ذلك بسورة الإسراء،
وقد تضمنت من خصائص نبينا عليه السلام وانطوت على ما حَصل من
النصوص في الصحيح والمقطوع به والمجمع عليه من أنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم فاستفتحت السورة بقصة الإسراء، وقد تضمنت حسبما وقع في صحيح مسلم
وغيره إمامته بالأنبياء عليهم السلام وفيهم إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء من غير استثناء، هذه رواية ثابت عن أنس (ضي الله عنه)(وهي أنقى رواية عند أهل صناعة الحديث وأجودها) ، وفي حديث أبي هريرة أنه عليه
السلام أثنى على ربه فقال: (الحمد لله الذي أرسلنى رحمة للعالمين كافة
وللناس بشيرا ونذيرا. وأنزل علي القرآن فيه تبيان كل شي وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي وسطا، وجعل أمتى هم الأولون وهم
الآخرون، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري ورفع لي ذكرى، وجعلني فاتحا وخاتما فقال إبراهيم عليه السلام بهذا فضلكم محمد.
وفي رواية أبي هريرة (ضى الله عنه) من طريق الربيع بن أنس وذكر
صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى وأنه تبارك وتعالى قال له: سل فقال إنك اتخذت إبراهم خليلا وأعطيته ملكا عظيما، كلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألَنْتَ له الحديد وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له الجن والإنس والشياطين والرياح وأعطيته مكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرىء الأكمه والأبرص، وأعذته وأمه من الشيطان
الرجيم، فلم يكن له عليهما سبيل فقال له ربه تعالى: قد اتخذتك حبيبا فهو
مكتوب في التوراة (محمد) حبيب الرحمن وأرسلتك إلى الناس كافة، وجعلت
أمتك هم الأولون والآخرون، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيئين خلقا وآخرهم بعثا، وأعطيتك سبعا من المثاني ولم أعطهما لنبي قبلك وأعطيتك خواتم البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما.
وفي حديث شريك أنه رأى موسى عليه السلام في السماء السابعة قال
بتفضيل كلام الله، قال ثم علا به فوق ذلك ما لا يعلمه إلا الله فقال
موسى لم أظن أن يرفع علي أحد.
وفي حديث علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) أخرجه البزار في ذكر
تعليمه عليه (السلام) الأذان وخروج الملك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ياجبريل من هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه
…
الحديث، وفيه ثم أخذ الملك بيد
محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه فأم أهل السماء فيهم آدم ونوح.
وفي هذا الحديث قال أبو جعفر محمد بن علي راويه: أكمل الله لمحمد
صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السماوات والأرض، قلت: وفي هذا الحديث إشكالات صعبة فلهذا لم نورد منه إلا أطرافاً بحسب الحاجات، إذ ليس ما فيه الإشكال من مطلوبنا هنا.
وقد حصل منه تفضيله صلى الله عليه وسلم بالاسراء وخصوصه بذلك، ثم قد انطوت السورة على ذكر المقام المحمود، وهو مقامه في الشفاعة الكبرى، وذلك مما خص به حسبما ثبت في الصحيح، وانعقد عليه إجماع أهل السنة، ولا أعلم في الكتاب العزيز سورة تضمنت من خصائصه التي فضل بها كافة الأنبياء مثل ما تضمنت هذه السورة والحمد لله.