الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستوجب ذلك أو بعضه، ولو تقدم عمل لم يقع إلا بمشيئته وتوفيقه وإرادته ولا يستوجب أحد عليه شيئاً وإنما هو فضله يوتيه من يشاء، فقال سبحانه منبها على ما وقع الإيماء إلى بعضه "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) . ومع ذلك لا ينفعه وقوع صورته الظاهرة في عالم الشهادة على أكمل خلق وأتم وضع، بل إذا لم يصحبه توفيق وسبقية سعادة من خالقه ولم يجعل له نورا يمشي به لم ير غير نفسه، ولا عرف إلا أبناء جنسه فقصر نظره على أول ما شاهد، ووقف عندما عاين من غير اعتبار يجره إلى تحقيق مآله وتبيين حاله أنه لم يكن شيئا مذكورا، فلما قصر وما أبصر اعتقد لنفسه الكمال وعمي عن المبدأ والمآل، فصار أسفل سافلين حيث لم ينتفع بآلات نظره ولا تعرف حقيقة خبره، "أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ".
ثم قال تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "
فهم الذين هداهم ربهم بإيمانهم فجروا بسنة من خلقهم في أحسن تقويم، واستوضحوا الصراط المستقيم، واستبصروا، فأبصروا ونظروا فاعتبروا، وقالوا ربنا الله ثم استقاموا، "فلهم أجر غير ممنون ".
سورة العلق
لما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) .
وكان معنى ذلك على هذا بعد وضوح الأمر لك وبيانه، وقد نزهه تعالى عن التكذيب بالحساب وأعلى قدره عن ذلك، ولكن سبيل
هذا إذا ورد كسبيل قوله تعالى: "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ"
وبابه، وحكم هذا القبيل واضح في حق من تعدى إليه الخطاب وقصد بالحقيقة به من أمته صلى الله عليه وسلم من حيث عدم عصمتهم وإمكان تطرق الشكوك والشبهة إليهم
فتقدير الكلام أي شىء يمن فيه أن يحملكم على التوقف والتكذيب بأمر
الحساب، وقد وضح لكم ما يرفع الريب ويزيل الإشكال، فلم تعلموا أن ربكم أحكم الحاكمين، أفيليق به وهو العليم الخبير أن يجعل اختلاف أحوالكم في الشكوك بعد خلقكم في أحسن تقويم، أيحسن أن يفعل ذلك عبثا وقد قال تعالى:"وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا"(ص: 27) فلما قرر سبحانه للعبيد على أنه أحكم الحاكمين مع ما تقدم من موجب نفي الاسترابة في وقوع الجزاء إذا اعتبر ونظر، وقعت في الترتيب سورة العلق مشيرة إلى ما به يقع الشقاء، ومنه يعلم الابتداء والانتهاء أوهو كتابه المبين الذي جعله تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمحسنين، فأمر بقراءته ليتدبروا آياته فقال:"اقرأ باسم ربك "
أي مستعينا به فسوف يتضح سبيلك وينتهج دليك، "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"
وأيضا فإنه تعالى أعلم عباده بخلقه الإنسان "في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين "
وحصل منه على ما قدم بيانه افتراق الطرفين وتباين المتقابلين، كل ذلك بسابق حكمته وإرادته "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا".
وقد بين سبحانه أقصر غاية ينالها أكرم خلقه وأجل عباده لديه من
الصنف الإنساني وذلك فيما أوضحت السورتان قبل من حال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم وجليل وعده الكريم له في قوله: "ولسوف يعطيك ربك فترضى"
وفصل حال ابتداء "ألم نشرح " على ما تقدم سؤال "رب اشرح لي صدري "
إلى ما أشارت إليه آي السورتين من خصائصه الجليلة وذلك أعلى
مقام يناله أحد ممن ذكر، فوقع تعقيب ذلك بسورة تضمنت الإشارة إلى حال من جعل في الطرف الآخر من الجنس الإنساني، وذلك حال من، أشير من لدن قوله تعالى: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) - إلى قوله -: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) .