الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما فعلنا بلقان ومن أردنا توفيقه، ثم ذكر انقسامهم بحسب السوابق
فقال: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
ثم ذكر مصير الفريقين ومآل الحزبين، ثم أتبع ذلك بسوء حال من ذُكِّر فأعرض فقال:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)
وتعلق الكلام إلى آخر السورة.
سورة الأحزاب
افتتحها سبحانه بأمر نبيه باتقائه ونهيه عن الصغو إلى الكافرين والمنافقين،
واتباعه ما يوحى الله إليه تنزيها لقدره عن محنة من سبق له الامتحان ممن قدم
ذكره في سورة السجدة، وأمرا له بالتسليم لخالقه والتوكل عليه "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل "
ولما تحصل من السورتين قبل (ما يَعقب العاِلمَ من الخوف أشده لغيبة العلم بالخواتم، وما جرى في السورتين من الإشارة إلى السوابق "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" كان ذلك مظنة
لتيئيس نبي الله صلى الله عليه وسلم وصالحي أتباعه، فلهذا أعقب سورة السجدة بهذه السورة
المضمنة من التأنيس والبشارة ما يجرى على المعهود من لطفه تعالى وسعة
رحمته، فافتتح سبحانه السورة بخطاب نبيه بالتقوى وإعلامه بما قد أعطاه قبل من سلوك سبيل النجاة، وإن ورد على طريقة الأمر ليشعره باستقامة سبيله
وإيضاح دليله، وخاطبه بلفظ النبوة لأنه أمر ورد عقب تخويف وإنذار بيان كان عليه السلام قد نَزه الله قدره عن أن يكون منه خلاف التقوى وعصمه من كل ما ينافر نزاهة حاله وعَلي منصبه ولكن طريقة خطابه تعالى للعباد أنه تعالى متى جرد ذكرهم للمدح من غير أمر ولا نهي فهو موضع ذكرهم بالأخص إلا مدحٌ من محمود صفاتهم ومنه:"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ..... الآية "
فذكره باسم الرسالة، ومهما كان الأمر أو النهى عدل في الغالب إلى الأعم ومنه "يا أيها النبي اتق الله ""يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ""يا أيها النبي إذا طلقتم النساء""يا أيها النبي لِم تحرم ما أحل الله لك "
"يا أيها النبيء إذا جاءك المؤمنات "،
وقد بين في غير هذا، وإن ما ورد على خلاف هذا القانون فلسبب خاص استدعى العدول عن الطرد كقوله:"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ"، فوجه هذا أن قوله سبحانه:"وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ"، موقعه شديد فعدل بذكره عليه السلام باسم الرسالة لضرب من التلطف فهو من باب "عفا الله عنك لم أذنت لهم "
وفيه بعض غموض.
وأيضا فإنه لما قيل له: "بلغ " طابق هذا ذكره بالرسالة، فإن المبلغ رسول
والرسول مبلغ ولا يلزم النبى أن يبلغ إلا أن يرسل، وأما قوله تعالى: "يا أيها
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" (المائدة: 41) فأمره وإن كان نهيا أوضح من الأول لأنه تسلية له عليه السلام وتأنيس وأمر بالصبر والرفق بنفسه، فماَله راجع إلى ما يرد مدحا مجردا عن الطلب وعلى ما أشير إليه يخرج ما ورد من هذا.
ولما افتتحت هذه السورة بما حاصله ما قدمناه من إعلامه عليه السلام من
هذا الأمر بعلى حاله ومزية قدره، ناسب ذلك ما احتوت عليه السورة من باب التنزيه في مواضع:
منها إعلامه تعالى بأن أزواج نبيه أمهات للمؤمنين فنزههن عن أن
يكون حكمهن حكم غيرهن من النساء مزية لهن وتخصيصا وإجلالا لنبيه صلى الله عليه وسلم.
ومنها قوله تعالى: "ولما رأى المؤمنون الأحزاب.... الآية"
فنزههم لم عن تطرق سوء أو دخول ارتياب على مصون معتقداتهم وجليل إيمانهم
(قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
والآية بعد كذلك وهى قوله تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا".
ومنها "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ"
فنزههن تعالى وبين شرفهن على من عداهن.
ومنها تنزيه أهل البيت وتكرمتهم "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا"..... الآية".
ومنها الأمر بالحجاب "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ"
فنزه المؤمنات عن حالة الجاهلية من التبرج وعدم الحجاب وصانهن عن التبذل والامتهان.
ومنها قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى"
فوصاهم جل وتعالى ونزههم بما نهاهم عنه أن يتشبهوا بمن استحق اللعن
والغضب في سوء أدبهم وعظيم مرتكبهم إلى ما تضمنت السورة من هذا القبيل، ثم أتبع سبحانه ما تقدم بالبشارة العامة واللطف الشامل كقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
ثم قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا" إلى قوله "أَجْرًا كَرِيمًا "
وقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.... الآية"
وقوله تعالى: "إن المسلمين والمسلمات" إلى قوله "أجرا عظيما"
وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح
الآية إلى قوله عظيما" (آية: 70)
وقوله: "ويتوب الله على المؤمنين والمومنات وكان الله غفورا رحيماً"(آية: 73)
وقوله سبحانه مثنيا على المؤمنين بوفائهم وصدقهم "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ - إلى قوله:
- وما بدلوا تبديلا" (الآيتان: 22 - 23)
وقوله سبحانه تعظيما لحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) .
وفي هذه الآيات من تأنيس المؤمنين وبشارتهم وتعظيم حرمتهم ما يكسر
سورة الخوف الحاصل في سورتي لقمان والسجدة ويسكن روعهم تأنيسا لا رفعا،