الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البديعة المعنوية (14) : الاستتباع
الاستتباع: أَنْ يؤتَى بالكلام لغرضٍ ما، كمدح أو ذمٍّ، على وجه يَسْتَتْبعُ المدحَ أو الذّمَّ بشيء آخر، وهكذا سائر الأغراض.
أمثلة:
المثال الأول: سأل صديق صديقه: هل نجحت في شهادة الدكتواره؟ فقال له: نلتها - والحمدُ لله - بدرجة الشرف، وغدا العمل الممتاز بمرتَّب رفيع مُيَسَّراً، وأصبحت العروس التي تترقب نجاحي مستعدّة أن تنتقل إلى داري.
لقد سأله صديقه عن النجاح، إلَاّ أن إعلانه الفرح بالنجاح استتبع إعلانه الفرح بالتفوّق، والفرح بتأمين العمل، والفرح بقرب انتقال العروس إلى داره.
المثال الثاني: قول المتنبّي يمدح سيف الدولة بالشجاعة وكثرة من قتل من الأعداء:
نَهَبْتَ مِنَ الأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْتَهُ
…
لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا بأَنَّك خَالِدُ
أي: لو أنّكَ حَوَيتَ الأعمار التي نهبتها من قتلاك في الحرب فضَمَمْتَها إلَى عُمْرِكَ لكُنْتَ خالداً، ولكان خُلُودُك نِعْمةً للدّنيا ولَهُنِّئَتِ الدُّنيا بذلك.
فجعل مدحه إيّاه بالشجاعة وكثرةِ من قتل في الحرب على وجه يستتبع مدحه بأنَّ قَتْلَهُ للأعداء لم يكُن بطراً وكبراً، وإنَّما كان لصلاح الناس، وتأْمين سعادتهم.
نقل "أبو البقاء" في شرح هذا البيت، عن الرّبعيّ أنه قال:
المدحُ في هذا من وُجُوه، أَحَدُها: أنّه وصَفَهُ بنهب الأعمال لا الأموال.
الثاني: أنّه كَثُرَ قَتْلَاهُ بِحَيْثُ لو وَرِثَ أعمارهم خلَد في الدّنيا. الثالث: أنّه جعل خُلودَهُ صلاحاً لأهل الدنيا بقوله: "لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا". الرابع: أنّ قتلاه لم يكن ظالماً في قتْلهم، لأنّه لم يَقْصِدْ بذلك إلَاّ صلاح الدنيا وأهلها، فهم مسرورون ببقائه، فلذلك قال:"لهنِّئَتِ الدُّنْيا" أي: أهل الدنيا.
وقال أبو الفتح: لو لم يَمْدَحْهُ إلَاّ بهذا البيت لكان قد أَبْقَى له ما لا يمحوه الزَّمان.
المثال الثالث: قولي صانعاً مثلاً لهذا النوع: "الاستتباع".
أَسْعَدْتَ أَهْلِينَا بِفَرْطِ الْجُودِ
…
والْجُودُ مِنْكَ لَنَا شَقَاءُ حَسُودِ
جاء في الشطر الأول الثناء على الممدوح بالجود الذي أسْعد أهل المادح. واستتبع هذا مدحه أيضاً بأنّ جوده كان سبباً في شقاء الحسود.
***