الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُنزّه عندهم عن شيء من الممكنات البتّة، إلا ما أخبر بأنه لا يكون، فإنهم ينزهونه عن كونه لمخالفة خبره، لا لمخالفة حكمته، والقبيح عندهم هو الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة، وما دخل تحت القدرة لم يكن قبيحًا، ولا مستلزمًا نقصًا عندهم.
وجماع ذلك ب
الجواب الخامس عشر:
أنّه ما من محذور يلزم من تجويز فِعْله لحكمة إلا والمحاذير التي يلزم من كونه يفعل لا لحكمة أعظم امتناعًا، فإن كانت تلك المحاذير غير ممتنعة كانت محاذير إثبات الحكمة أولى بعدم الامتناع، وإن كانت محاذير إثبات الحكمة ممتنعة فمحاذير نفيها أولى بالامتناع.
الجواب السادس عشر:
أنّ فِعْل الحيِّ العالم الاختياري لا لغاية ولا لغرض يدعوه إلى فعله لا يُعقل، بل هو من الممتنعات، ولهذا لا يصدر إلا من مجنون أو نائم أو زائل العقل؛ فإن الحكمة والعلة الغائية هي التي تجعل المريد مريدًا، فإنه إذا علم بمصلحة الفعل ونفعه وغايته انبعثت إرادته إليه، فإذا لم يَعلم في الفعل مصلحة، ولا كان له فيه غرض صحيح، ولا داعٍ يدعوه إليه البتّة؛ فلا يقع منه إلا على سبيل العبث، هذا الذي لا يعقل العقلاء سواه.
وحينئذ فنفي الحكمة والعلة الغائية عن فعل أحكم الحاكمين نفي لفعله الاختياري في الحقيقة، وذلك أنقص النقص، وقد تقدم تقرير ذلك، وبالله التوفيق.
فصل
قال نفاة الحكمة: هب أن هذه الحجة بطلت، فلا يلزم من بطلان دليل معيّن بطلان الحكم، فنحن نذكر حجة غيرها فنقول: لو كان فعله تعالى
معلّلًا بعلّة، فتلك العلة إن كانت قديمة لزم من قدمها قدم الفعل، وهو محال، وإن كانت محدثة افتقر كونه موجدًا لتلك العلة إلى علة أخرى، وهو محال، وهذا معنى قول القائل: علّة كل شيء صنعه، ولا علّة لصنعه.
قالوا: ونحن نقرر هذه الحجة تقريرًا أبسط من هذا فنقول: لو كان فعله تعالى لحكمة فتلك الحكمة إما قديمة أو محدثة، فإن كانت قديمة فإما أن يلزم من قدمها قدم الفعل أو لا يلزم، فإن لزم فهو محال؛ لأن القدم والفعل متنافيان، وإن لم يلزم من قدمها قدم الفعل كانت موجودة بدون الفعل، والفعل موجود بدونها، فالحكمة غير حاصلة من ذلك الفعل لحصوله دونها، وما لا تكون الحكمة متوقفة على حصوله لم يكن حصوله متوقفًا عليها، وهو المطلوب.
وإن كانت الحكمة حادثة بحدوث الفعل، فإما أن تفتقر إلى فاعل أو لا تفتقر إلى فاعل، فإن لم تفتقر لزم حدوث حادث من غير فاعل، وهو محال، وإن افتقرت إلى فاعل فذلك الفاعل إما أن يكون هو الله أو غيره، لا يجوز أن يكون غيره؛ لأنه لا خالق إلا الله، وإن كان هو الله فإما أن يكون له في فعله غرض، أو لا غرض له فيه، فإن كان الأول فالكلام فيه كالكلام في الأول، ويلزم التسلسل، وإن كان الثاني فقد خلا فعله عن الغرض، وهو المطلوب.
فإن قلت: فِعْله لذلك الغرض لغرض هو نفسه، فما خلا عن غرض، ولم يلزم التسلسل.
قلنا: فيلزم مثله في كل مفعول مخلوق، وهو أن يكون الغرض منه هو نفسه، من غير حاجة إلى غرض آخر، وهو المطلوب، فهذه حجة باهرة وافية بالغرض.