الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا وحده كافٍ في الجواب لمن كان له تفقّه
(1)
في باب الأسماء والصفات، ولا عبرة بغيره.
يوضحه
الوجه الثالث عشر:
أن من أسمائه: المَلِك، ومعنى المُلْك الحقيقي ثابت له سبحانه بكل وجه، وهذه الصفة تستلزم سائر صفات الكمال؛ إذ من المحال ثبوت المُلْك الحقيقي التام لمن ليس له حياة، ولا قدرة، ولا إرادة، ولا سمع، ولا بصر، ولا كلام، ولا فعل اختياري يقوم به.
وكيف يوصَف بالمُلْك مَنْ لا يأمر ولا ينهى، ولا يثيب ولا يعاقب، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يعز ويذلّ، ويهين ويكرم، وينعم وينتقم، ويخفض ويرفع، ويرسل الرسل إلى أقطار مملكته، ويتقدم إلى عبيده بأوامره ونواهيه؟ فأي مُلْك في الحقيقة لمن عَدِم ذلك.
وبهذا يتبين أن المعطلين لأسمائه وصفاته جعلوا مماليكه أكمل منه، ويأنف أحدهم أن يقال في مُلْكه وأمْره
(2)
ما يقوله هو في ربه، فصفة مُلْكه الحق مستلزمة لوجود ما لا يتم التصرف إلا به، والكل منه سبحانه، فلم يتوقف كمال ملكه على غيره؛ فإن كل ما سواه مستند إليه، متوقف في وجوده على مشيئته وخلقه.
يوضحه
الوجه الرابع عشر:
أن كمال ملكه بأن يكون مقارنًا لحمده، فله المُلْك وله الحمد.
والناس في هذا المقام ثلاث فرق:
(1)
«د» : «فقه» .
(2)
«د» : «وأميره» .
فالرسل وأتباعهم أثبتوا له المُلْك والحمد، وهذا مذهب من أثبت له القدر والحكمة وحقائق الأسماء والصفات، ونزّهَه عن النقائص ومشابهة المخلوقات، ويوحشك
(1)
في هذا المقام جميع الطوائف غير أهل السنة، الذين لم يتحيزوا إلى نحلة ولا مقالة ولا متبوع من أهل الكلام.
الفرقة الثانية: الذين أثبتوا له المُلْك، وعطّلوا حقيقة الحمد، وهم الجبرية نفاة الحكمة والتعليل، القائلين
(2)
بأنه يجوز عليه كل ممكن، ولا يُنزَّه عن فعل قبيح، بل كل ممكن فإنه لا يقبح منه، وإنما القبيح المستحيل لذاته، كالجمع بين النقيضين، فيجوز عليه تعذيب ملائكته وأنبيائه ورسله وأهل طاعته، وإكرام إبليس وجنوده، وجعْلهم فوق أوليائه في النعيم المقيم أبدًا. ولا سبيل لنا إلى العلم باستحالة ذلك إلا من نفي الخُلْف في خبره فقط.
فيجوز عندهم أن يأمر بمسبّته ومسبَّة أنبيائه، والسجود للأصنام، وبالكذب والفجور، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وينهى عن البر والصدق والإحسان والعفاف.
ولا فرق في نفس الأمر بين ما أمر به ونهى عنه إلا التحكم بمحض المشيئة
(3)
، وأنه أَمَر بهذا ونهى عن هذا من غير أن يكون فيما أَمَر به صفةُ حُسْنٍ تقتضي محبته والأمر به، ولا فيما نهى عنه صفةُ قُبْحٍ تقتضي كراهته والنهي عنه.
(1)
«م» : «ويوحد» ، ومادة (وحش) تدل على خلاف الأنس، «مقاييس اللغة» (6/ 91).
(2)
كذا في الأصول بالنصب: «القائلين» ، ولها وجه في العربية بالنصب على الاختصاص، والجادة:«القائلون» .
(3)
«م» : «لمحض المشيئة» .
فهؤلاء عطَّلوا حمده في الحقيقة، وأثبتوا له مُلْكًا بلا حمد، مع أنهم في الحقيقة لم يثبتوا له ملكًا؛ فإنهم جعلوه مُعطّلًا في الأزل والأبد، لا يقوم به فعل البتّة، وكثير منهم عطّله عن صفات الكمال التي لا يتحقق كونه مَلِكًا وربًّا وإلهًا إلا بها، فلا مُلْك أثبتوا ولا حمد!
الفرقة الثالثة: أثبتوا له نوعًا من الحمد، وعطلوا كمال مُلْكه، وهم القدرية الذين أثبتوا نوعًا من الحكمة، ونفوا لأجلها كمال قدرته، فحافظوا على نوع من الحمد عطّلوا له كمال المُلْك، وفي الحقيقة لم يثبتوا لا هذا ولا هذا؛ فإن الحكمة التي أثبتوها جعلوها راجعة إلى المخلوق، لا يعود إليه سبحانه حكمها، والمُلْك الذي أثبتوه فإنهم في الحقيقة إنما قرّروا نفيه بنفي قيام الصفات التي لا يكون مَلِكًا حقًّا إلا بها، ونفي قيام الأفعال الاختيارية، فلم يقم به عندهم وصف ولا فعل، وهذا غاية النفي لمُلْكه وحمده؛ فإن من لا تقوم به قدرة
(1)
ولا إرادة ولا كلام ولا سمع ولا بصر ولا فعل
(2)
، ولا له حب ولا بغض= معطّل عن حقيقة المُلْك والحمد.
والمقصود أن عموم مُلْكه يستلزم إثبات القدر، وأن لا يكون في مُلْكه شيء بغير مشيئته، فالله أكبر من ذلك وأجلُّ، وعموم حمده يستلزم أن لا يكون في خلقه وأمره ما لا حكمة فيه، ولا غاية محمودة يفعل لأجلها، ويأمر لأجلها، فالله أكبر وأكمل
(3)
من ذلك.
(1)
من قوله: «وهذا غاية» إلى هنا ساقط من «د» .
(2)
«ولا فعل» من «د» .
(3)
«د» : «وأجل» .