المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس والعشرونفيما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»…(1)من تحقيق القدر وإثباته، وما تضمنه الحديث من الأسرار العظيمة - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب العشرونفي ذِكْر مناظرة بين قدري وسُنّي

- ‌ أي قول التزمه الملتزم كان خيرًا من نفي الخلق

- ‌سر المسألة: الفرق بين تعلق الإرادة بفعل العبد، وتعلقها بفعله هو سبحانه بعبده

- ‌الباب الحادي والعشرونفي تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ودخوله في المَقْضي

- ‌الأصل الأول: إثبات عموم علمه سبحانه

- ‌الأصل الثاني: أنه سبحانه حيّ حقيقة

- ‌الأصل الرابع: أنه سبحانه ربط الأسباب بمسبَّباتها شرعًا وقدرًا

- ‌الباب الثاني والعشرونفي إثبات حكمة الربِّ تعالى في خَلْقه وأَمْره، وذِكْر الغايات المطلوبة له بذلك، والعواقب الحميدة التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها

- ‌الباب الثالث والعشرونفي استيفاء شُبَه النافين للحكمة والتعليل، وذِكْر الأجوبة عنها

- ‌الجواب الثاني:

- ‌الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌ الجواب الخامس:

- ‌ الجواب السادس:

- ‌الجواب السابع:

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌ الجواب الحادي عشر:

- ‌الجواب الثاني عشر:

- ‌الجواب الثالث عشر:

- ‌الجواب الرابع عشر:

- ‌الجواب الخامس عشر:

- ‌الجواب السادس عشر:

- ‌الجواب الأول:

- ‌الجواب الثاني:

- ‌الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌الجواب الخامس:

- ‌الجواب السادس:

- ‌ الجواب السابع:

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌الجواب الأول:

- ‌الجواب الثاني:

- ‌ الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌الجواب الخامس:

- ‌الجواب السادس:

- ‌الجواب السابع

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌الجواب الحادي عشر:

- ‌ الجواب الثاني:

- ‌الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌الجواب الخامس:

- ‌الجواب السادس:

- ‌الجواب السابع:

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌الجواب الحادي عشر:

- ‌ الوجه الثاني عشر:

- ‌ الوجه الثالث عشر:

- ‌ الوجه الرابع عشر:

- ‌ الوجه الخامس عشر:

- ‌الوجه السادس عشر:

- ‌ الوجه السابع عشر:

- ‌ الوجه الثامن عشر:

- ‌ الوجه التاسع عشر:

- ‌ الوجه العشرون:

- ‌ الوجه الحادي والعشرون:

- ‌ الوجه الثاني والعشرون:

- ‌الوجه الثالث والعشرون:

- ‌ الوجه الخامس والعشرون:

- ‌الوجه السادس والعشرون:

- ‌الوجه السابع والعشرون:

- ‌الوجه الثامن والعشرون:

- ‌ الوجه التاسع والعشرون:

- ‌ الوجه الثلاثون:

- ‌الوجه الحادي والثلاثون:

- ‌الوجه الثاني والثلاثون:

- ‌الوجه الثالث والثلاثون:

- ‌ الوجه الرابع والثلاثون:

- ‌ الوجه الخامس والثلاثون:

- ‌الوجه السادس والثلاثون:

- ‌فصلالوجه السابع والثلاثون:

- ‌الوجه الثامن والثلاثون:

- ‌الوجه التاسع والثلاثون:

- ‌الوجه الأربعون:

- ‌الباب الرابع والعشرونفي معنى قول السلف: «من أصول الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، حلوه ومرّه»

- ‌ما الفرق بين كون القدر خيرًا وشرًّا، وكونه حلوًا ومرًّا

- ‌الباب الخامس والعشرونفي امتناع إطلاق القول نفيًا وإثباتًا: «إن الربّ تعالى مريد للشرّ وفاعل له»

- ‌الباب السادس والعشرونفيما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»…(1)من تحقيق القدر وإثباته، وما تضمّنه الحديث من الأسرار العظيمة

- ‌الباب السابع والعشرونفي دخول الإيمان بالقضاء والقدر والعدل والتوحيد والحكمة تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك» وبيان ما في هذا الحديث من القواعد

- ‌فصلوقوله: «أسألك بكل اسم هو لك

- ‌الباب الثامن والعشرونفي أحكام الرضا بالقضاء، واختلاف الناس في ذلك، وتحقيق القول فيه

- ‌كيف يجتمع الرضا بالقضاء بالمصائب مع شدة الكراهة

- ‌الباب التاسع والعشرونفي انقسام القضاء والحُكْم والإرادة والكتابة والأمر والإذن والجَعْل والكلمات والبعث والإرسال والتحريم والإنشاء إلى كوني متعلِّق بخلقه، وإلى ديني متعلِّق بأمره، وما في تحقيق ذلك من إزالة اللبس والإشكال

- ‌القضاء في كتاب الله نوعان:

- ‌الباب الموفي ثلاثينفي ذِكْر الفطرة الأولى ومعناها، واختلاف الناس في المراد بها، وأنها لا تنافي القضاء والقدر بالشقاوة والضلال

- ‌ثبت مصادر الدراسة والتحقيق

الفصل: ‌الباب السادس والعشرونفيما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»…(1)من تحقيق القدر وإثباته، وما تضمنه الحديث من الأسرار العظيمة

‌الباب السادس والعشرون

فيما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»

(1)

من تحقيق القدر وإثباته، وما تضمّنه الحديث من الأسرار العظيمة

قد دلّ هذا الحديث الشريف العظيم القدر على أمور:

منها: أنه يُستعاذ بصفات الربّ تعالى كما يُستعاذ بذاته، وكذلك يُستغاث بصفاته كما يُستغاث بذاته، كما في الحديث:«يا حيُّ يا قيوم، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك»

(2)

.

وكذلك قوله في الحديث الآخر: «أعوذ بعزّتك أن تضلني»

(3)

، وكذلك استعاذته بكلمات الله التامات

(4)

، وبوجهه الكريم وبعظمته

(5)

.

وفي هذا ما يدل على أن هذه صفات ثابتة وجودية؛ إذ لا يُستعاذ بالعدم،

(1)

بياض بنحو ثلاث كلمات في «د» «م» ، وأشار ناسخ الأخيرة إلى وجوده في الأصل.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 331).

(3)

تقدم تخريجه (2/ 350).

(4)

أخرجه مسلم (2708) من حديث خولة بنت حكيم.

(5)

أخرج الاستعاذة بوجهه سبحانه البخاري (4628) من حديث جابر.

ص: 351

وأنها قائمة به غير مخلوقة؛ إذ لا يُستعاذ بالمخلوق، وبهذا احتج الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة على أن كلمات الله غير مخلوقة

(1)

، وهو احتجاج صحيح؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق، ولا يستغيث به، ولا يدلّ أمته على ذلك.

ومنها: أن العفو من صفات الفعل القائمة به، وفيه ردٌّ على من زعم أن فعله عين مفعوله؛ فإن المفعول مخلوق ولا يُستعاذ به.

ومنها: أن بعض صفاته وأفعاله سبحانه أفضل من بعض؛ فإن المُستعاذ به منها أفضل من المُستعاذ منه، وهذا كما أن صفة الرحمة أفضل من صفة الغضب، ولذلك كان لها الغلبة والسبق.

وكذلك كلامه سبحانه هو صفته، ومعلوم أن كلامه الذي يُثْنِي به على نفسه، ويَذْكُر فيه أوصافه وتوحيده؛ أفضلُ من كلامه الذي يذم به أعداءه، ويذكر أوصافهم.

ولهذا كانت سورة «الإخلاص» أفضل من سورة «تبت» ، وكانت تعدل ثلث القرآن دونها، وكانت آية الكرسي أعظم

(2)

آية في القرآن.

ولا تُصغِ إلى قول من غَلُظ حجابُه: إن الصفات قديمة، والقديم لا يتفاضل؛ فإن الأدلة السمعية والعقلية تبطل قوله.

وقد جعل سبحانه ما كان من الفضل والعطاء والخير وأهل السعادة بيده اليمنى، وما كان من العدل والقبض باليد الأخرى، ولهذا جعل أهل السعادة

(1)

من قوله: «وبهذا احتج» إلى هنا ساقط من «د» .

(2)

«د» : «أفضل» .

ص: 352

في قبضته اليمنى، وأهل الشقاوة في القبضة الأخرى، والمقسطون على منابر من نور عن يمينه، والسماوات مطويات بيمينه، والأرض باليد الأخرى.

ومنها أن الغضب والرضا والعفو والعقوبة لمّا كانت متقابلة استعاذ بأحدهما من الآخر، فلما جاء إلى الذات المقدّسة التي لا ضدّ لها ولا مقابل قال:«وأعوذ بك منك» ، فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب، وبفعل العفو من فعل العقوبة، وبالموصوف بهذه الصفات والأفعال منه، وهذا يتضمن كمال الإثبات للقدر والتوحيد بأوجز لفظ وأخصره؛ فإن الذي يُستعاذ منه من الشرّ وأسبابه هو واقع بقضاء الرب تعالى وقدره، وهو المتفرّد بخلقه وتقديره وتكوينه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

فالمُستعاذ منه: إما وصفه، وإما فعله، وإما مفعوله الذي هو أثر فعله، والمفعول ليس إليه نفع ولا ضر، ولا يضر إلا بإذن خالقه، كما قال تعالى في أعظم ما يتضرر به العبد ــ وهو السحر ــ:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]، فالذي يُستعاذ منه هو بمشيئته وقضائه وقدرته، وإعاذته منه وصرفه عن المستعيذ إنما هو بمشيئته أيضًا وقضائه وقدره، فهو المعيذ من قدره بقدره، ومِن ما مصدره عن مشيئته وإذنه بما مصدره

(1)

عن مشيئته وإذنه.

والجميع واقع بإرادته الكونية القدرية، فهو يعيذ من إرادته بإرادته؛ إذ الجميع خلقُه وقدَرُه وقضاؤه، فليس هناك خلق لغيره فيعيذ منه هو، بل المُستعاذ منه خَلْقٌ له، فهو الذي يعيذ عبدَهُ من نفسه بنفسه،، فيعيذه مما

(1)

«م» : «يصدره» .

ص: 353

يريده به بما يريده به، فليس هناك أسباب مخلوقة لغيره يستعيذ منها المستعيذ به، كما يستعيذ مَنْ ظَلَمه رجلٌ وقهرَهُ برجل أقوى منه أو نظيره.

فالمُستعاذ منه هو الذنوب وعقوباتها، والآلام وأسبابها، والسبب من قضائه، والمسبَّب من قضائه، والإعاذة بقضائه

(1)

، فهو الذي يعيذ من قضائه بقضائه، فلم يُعِذ إلا بما قدّره وشاءه، وقدّر

(2)

الاستعاذة منه وشاءها، وقدّر الإعاذة وشاءها، فالجميع قضاؤه وقدره وموجَب مشيئته.

فنَتَجَتْ هذه الكلمة ــ التي لو قالها غير الرسول صلى الله عليه وسلم لبادر المتكلّم الجاهل إلى إنكارها وردّها ــ: أنه لا يملك الضر والنفع، والخلق والأمر، والإعاذة غيرك، وأنّ المُستعاذ منه هو بيدك، وتحت تصرفك، ومخلوق من خلقك، فما استعذتُ إلا بك، ولا استعذتُ إلا منك.

وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «لا مَلْجأ ولا مَنْجا منك إلا إليك»

(3)

، فهو الذي ينجّي من نفسه بنفسه، ويعيذ من نفسه بنفسه، وكذلك الفرار؛ يفرّ عبده منه إليه.

وهذا كله تحقيق للتوحيد والقدر، وأنه لا ربّ غيره، ولا خالق سواه، ولا يملك المخلوق لنفسه ولا لغيره ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، بل الأمر كله لله، ليس لأحد سواه منه شيء، كما قال تعالى لأكرم خلقه عليه، وأحبهم إليه:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، وقال

(1)

«م» : «والإيمان بقضائه» سبق قلم من الناسخ.

(2)

«د» : «وذلك» !

(3)

جزء من حديث أخرجه البخاري (7488)، ومسلم (2710) من حديث البراء.

ص: 354

جوابًا لمن قال: {هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلُّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154].

فالمُلك كله له، والأمر كله له، والحمد كله له، والشفاعة كلها له، والخير كله في يديه، وهذا تحقيق تفرده بالربوبية والألوهية، فلا إله غيره، ولا ربّ سواه.

{قُلْ

(1)

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ مُمْسِكَاتٌ رَّحْمَتَهُ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ} [الزمر: 38]، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17]، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهْوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].

فاستَعِذْ به منه، وفِرَّ منه إليه، واجْعَل لَجَأك منه إليه؛ فالأمر كله له، لا يملك أحد معه منه شيئًا، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا يضرّ سمٌّ ولا سحرٌ ولا شيطانٌ ولا حيوانٌ ولا غيرُهُ إلا بإذنه ومشيئته، يصيب بذلك من يشاء، ويصرفه عمن يشاء.

فأعرف الخلق به وأقومهم بتوحيده مَن قال في دعائه: «وأعوذ بك منك» ، فليس للخلق مَعَاذ سواه، ولا مُسْتعاذ منه إلا وهو ربه وخالقه ومليكه، وتحت قهره وسلطانه.

(1)

«د» «م» : «أرأيتم» .

ص: 355

ثم خَتَم هذا الدعاء بقوله: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ؛ اعترافًا بأن شأنه وعظمته ونعوت كماله وصفاته أعظم وأجلّ من أن يحصيها أحد من الخلق، أو بلغ أحدٌ حقيقة الثناء عليه غيره سبحانه.

فهذا توحيد في الأسماء والصفات والنعوت، وذاك توحيد في العبودية والتألّه، وإفراده تعالى بالخوف والرجاء والاستعاذة، وهذا يضاده الشرك، وذاك يضاده

(1)

التعطيل، وبالله التوفيق.

(1)

«د» : «مضاد» في الموضعين.

ص: 356