المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الوجه الرابع والثلاثون: - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الباب العشرونفي ذِكْر مناظرة بين قدري وسُنّي

- ‌ أي قول التزمه الملتزم كان خيرًا من نفي الخلق

- ‌سر المسألة: الفرق بين تعلق الإرادة بفعل العبد، وتعلقها بفعله هو سبحانه بعبده

- ‌الباب الحادي والعشرونفي تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ودخوله في المَقْضي

- ‌الأصل الأول: إثبات عموم علمه سبحانه

- ‌الأصل الثاني: أنه سبحانه حيّ حقيقة

- ‌الأصل الرابع: أنه سبحانه ربط الأسباب بمسبَّباتها شرعًا وقدرًا

- ‌الباب الثاني والعشرونفي إثبات حكمة الربِّ تعالى في خَلْقه وأَمْره، وذِكْر الغايات المطلوبة له بذلك، والعواقب الحميدة التي يفعل لأجلها ويأمر لأجلها

- ‌الباب الثالث والعشرونفي استيفاء شُبَه النافين للحكمة والتعليل، وذِكْر الأجوبة عنها

- ‌الجواب الثاني:

- ‌الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌ الجواب الخامس:

- ‌ الجواب السادس:

- ‌الجواب السابع:

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌ الجواب الحادي عشر:

- ‌الجواب الثاني عشر:

- ‌الجواب الثالث عشر:

- ‌الجواب الرابع عشر:

- ‌الجواب الخامس عشر:

- ‌الجواب السادس عشر:

- ‌الجواب الأول:

- ‌الجواب الثاني:

- ‌الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌الجواب الخامس:

- ‌الجواب السادس:

- ‌ الجواب السابع:

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌الجواب الأول:

- ‌الجواب الثاني:

- ‌ الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌الجواب الخامس:

- ‌الجواب السادس:

- ‌الجواب السابع

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌الجواب الحادي عشر:

- ‌ الجواب الثاني:

- ‌الجواب الثالث:

- ‌الجواب الرابع:

- ‌الجواب الخامس:

- ‌الجواب السادس:

- ‌الجواب السابع:

- ‌الجواب الثامن:

- ‌الجواب التاسع:

- ‌الجواب العاشر:

- ‌الجواب الحادي عشر:

- ‌ الوجه الثاني عشر:

- ‌ الوجه الثالث عشر:

- ‌ الوجه الرابع عشر:

- ‌ الوجه الخامس عشر:

- ‌الوجه السادس عشر:

- ‌ الوجه السابع عشر:

- ‌ الوجه الثامن عشر:

- ‌ الوجه التاسع عشر:

- ‌ الوجه العشرون:

- ‌ الوجه الحادي والعشرون:

- ‌ الوجه الثاني والعشرون:

- ‌الوجه الثالث والعشرون:

- ‌ الوجه الخامس والعشرون:

- ‌الوجه السادس والعشرون:

- ‌الوجه السابع والعشرون:

- ‌الوجه الثامن والعشرون:

- ‌ الوجه التاسع والعشرون:

- ‌ الوجه الثلاثون:

- ‌الوجه الحادي والثلاثون:

- ‌الوجه الثاني والثلاثون:

- ‌الوجه الثالث والثلاثون:

- ‌ الوجه الرابع والثلاثون:

- ‌ الوجه الخامس والثلاثون:

- ‌الوجه السادس والثلاثون:

- ‌فصلالوجه السابع والثلاثون:

- ‌الوجه الثامن والثلاثون:

- ‌الوجه التاسع والثلاثون:

- ‌الوجه الأربعون:

- ‌الباب الرابع والعشرونفي معنى قول السلف: «من أصول الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، حلوه ومرّه»

- ‌ما الفرق بين كون القدر خيرًا وشرًّا، وكونه حلوًا ومرًّا

- ‌الباب الخامس والعشرونفي امتناع إطلاق القول نفيًا وإثباتًا: «إن الربّ تعالى مريد للشرّ وفاعل له»

- ‌الباب السادس والعشرونفيما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»…(1)من تحقيق القدر وإثباته، وما تضمّنه الحديث من الأسرار العظيمة

- ‌الباب السابع والعشرونفي دخول الإيمان بالقضاء والقدر والعدل والتوحيد والحكمة تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك» وبيان ما في هذا الحديث من القواعد

- ‌فصلوقوله: «أسألك بكل اسم هو لك

- ‌الباب الثامن والعشرونفي أحكام الرضا بالقضاء، واختلاف الناس في ذلك، وتحقيق القول فيه

- ‌كيف يجتمع الرضا بالقضاء بالمصائب مع شدة الكراهة

- ‌الباب التاسع والعشرونفي انقسام القضاء والحُكْم والإرادة والكتابة والأمر والإذن والجَعْل والكلمات والبعث والإرسال والتحريم والإنشاء إلى كوني متعلِّق بخلقه، وإلى ديني متعلِّق بأمره، وما في تحقيق ذلك من إزالة اللبس والإشكال

- ‌القضاء في كتاب الله نوعان:

- ‌الباب الموفي ثلاثينفي ذِكْر الفطرة الأولى ومعناها، واختلاف الناس في المراد بها، وأنها لا تنافي القضاء والقدر بالشقاوة والضلال

- ‌ثبت مصادر الدراسة والتحقيق

الفصل: ‌ الوجه الرابع والثلاثون:

ليثني بها عليهم هو وملائكته، وينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور، وإن كانت مُرّة المبادئ فلا أحلى من عواقبها، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع.

وقد أجرى الله سبحانه حكمته بأنّ كمال الغايات تابع لقوة أسبابها وكمالها، ونقصانها لنقصانها، فمَنْ كمل له أسباب النعيم واللذة كملت له غاياتها، ومَنْ حُرِمها حُرِمها، ومَنْ نقصها نقص له من غاياتها، وعلى هذا قام الجزاء بالقسط والثواب والعقاب، وكفى بهذا العالم شاهدًا لذلك، فربُّ الدنيا والآخرة واحد، وحكمته مطردة فيهما {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70].

يوضحه‌

‌ الوجه الرابع والثلاثون:

وهو أنّ أفضلَ العطاء وأجلّه على الإطلاقِ الإيمانُ وجزاؤه، وهو لا يتحقق إلا بالامتحان والاختبار، قال الله تعالى:{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهْوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 1 - 6].

فذكر سبحانه في هذه السورة أنه لا بُدَّ أن يمتحن خلقه ويفتنهم؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، ومَن يشكره ويعبده ممّن يكفره ويعرض عنه ويعبد غيره.

وذَكَر أحوالَ الممتحَنين في العاجل والآجل، وذَكَر أئمةَ الممتحَنين في الدنيا وهم الرسل وأتباعهم، وعاقبة أمرهم وما صاروا إليه، ثم ذَكَر

ص: 268

الممتحَنين من أعدائهم ومكذّبيهم، وما صاروا إليه

(1)

.

فافتتح السورة بالإنكار على مَنْ يحسب أنه يتخلّص من الامتحان والفتنة في هذه الدار إذا ادعى الإيمان، وأن حكمته سبحانه ومشيئته في خلقه تأبى ذلك، وأخبر عن سر هذه الفتنة والمحنة وهو تبيّن الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، وهو سبحانه كان يعلم ذلك قبل وقوعه، ولكن اقتضى عدله وحمده أنه لا يجزي العبادَ بمجرد علمه فيهم، بل بمعلومه إذا وُجِد وتحقَّق، والفتنة هي التي أظهرته وأخرجته إلى الوجود، فحينئذ حَسُن وقوع الجزاء عليه.

ثم أنكر سبحانه على من لم يلتزم الإيمان به ومتابعة رسله ــ خوف الفتنة والمحنة التي يمتحن بها رسله وأتباعهم ــ ظنَّه وحسبانَه أنه بإعراضه عن الإيمان به وتصديق رسله يتخلّص من الفتنة والمحنة؛ فإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب أعظم وأشق مما فرّ منه.

فإن المكلفين بعد إرسال الرسل إليهم بين أمرين: إما أن يقول أحدهم: آمنت، وإما أن لا يقول، بل يستمر على السيئات.

فمن قال: آمنّا؛ امتحنه الرب تعالى وابتلاه؛ ليتحقق بالامتحان صحةُ إيمانه

(2)

وثباتُهُ عليه، وأنه ليس بإيمان عافية ورخاء فقط، بل إيمانٌ ثابتٌ في حالتي النعماء والبلاء.

ومن لم يؤمن فلا يحسب أنه يُعْجِز ربَّه تعالى ويفوته، بل هو في قبضته،

(1)

من قوله: «ثم ذكر الممتحنين» إلى هنا ساقط من «د» .

(2)

«د» : «حجة إيمانه» ، وفي «ط»:«بالإيمان» بدل «بالامتحان» .

ص: 269

وناصيته بيده، فله من البلاء أعظم مما ابتُلِي به مَن قال: آمنت.

فمن آمن به وبرسله فلا بدّ أن يُبتلى من أعدائه وأعداء رسله بما يؤلمه ويشق عليه، ومن لم يؤمن به وبرسله فلابدّ أن يعاقبه، فيحصل له من الألم والمشقة أضعاف ألم المؤمنين.

فلا بدّ من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة، والكافر يحصل على اللذة والسرور ابتداء، ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة.

وهكذا حال الذين يتبعون الشهوات فيلتذون بها ابتداء، ثم تعقبها الآلام بحسب ما نالوه منها، والذين يصبرون عنها يتألّمون بفقدها ابتداء، ثم يعقب ذلك الألم من اللذة والسرور بحسب ما صبروا عنه وتركوه منها، فالألم واللذة أمر ضروري لكل إنسان، لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير، والآجل الدائم العظيم.

ولهذا كان خاصّة العقل النظر في العواقب والغايات، فمن ظنّ أنه يتخلّص من الألم بحيث لا يصيبه البتّة فظنه أكذب الحديث؛ فإن الإنسان خُلِق عُرضة للذة والألم، والسرور والحزن، والفرح والغم، وذلك من جهتين:

من جهة تركيبه وطبعه وهيئته؛ فإنه مركّب من أخلاط متعادية متضادة، يمتنع أو يعز اعتدالها من كل وجه، بل لابدّ أن يبغي بعضها على بعض، فتخرج عن حَدّ الاعتدال فيحصل الألم.

ومن جهة بني جنسه؛ فإنه مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده، بل لا

ص: 270

يعيش إلا معهم، وله ولهم إرادات ومطالب متضادة ومتعارضة لا يمكن الجمع بينها، بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء.

فهو يريد منهم أن يوافقوه على مطالبه وإراداته، وهم يريدون منه ذلك، فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب ما فاته من إراداته، وإن لم يوافقهم آذوه وعذّبوه، وسعوا في تعطيل مراداته، كما لم يوافقهم على إراداتهم، فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك.

فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أو خالفهم، ولاسيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة، وإرادات فاسدة، وأعمال مضرة في عواقبها، ففي موافقتهم أعظم الألم، وفي مخالفتهم حصول الألم.

فالعقل والدين والمروءة والعلم تأمره باحتمال أخفّ الألمين تخلّصًا من أشدهما، وبإيثار المنقطِع منهما لينجو من الدائم المستمر.

فمن كان ظهيرًا للمجرمين من الظلمة على ظلمهم، ومن أهل الأهواء والبدع على أهوائهم وبدعهم، ومن أهل الفجور والشهوات على فجورهم وشهواتهم؛ ليتخلص بمظاهرتهم من ألم أذاهم= أصابه من ألم الموافقة لهم عاجلًا وآجلًا أضعاف أضعاف ما فرّ منه، وسنّة الله في خلقه أن يعذبه بأيدي مَن أعانهم وظاهرهم.

وإن صبر على ألم مخالفتهم ومجانبتهم أعقبه ذلك لذةً عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة، وسنّة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه.

وإذا كان لابدّ من الألم والعذاب فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ومرضاتهم وتحصيل مراداتهم.

ص: 271

ولمّا كان زمن التألم والعذاب صبره

(1)

طويل، وأنفاسه ساعات، وساعاته أيام، وأيامه شهور وأعوام= سلّى سبحانه الممتحَنين فيه بأن لذلك الابتلاء أجلًا ثم ينقطع، وضرب لأهله أجلًا للقائه يسلّيهم به، ويُسكّن نفوسهم، ويهوّن عليهم أثقاله، فقال تعالى:{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهْوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5].

فإذا تصوّر العبد أجَل ذلك البلاء وانقطاعه، وأجَل لقاء المبتلِي سبحانه وإتيانه= هان عليه ما هو فيه، وخفّ عليه حمله.

ثم لما كان ذلك لا يحصل إلا بمجاهدةٍ للنفس وللشيطان ولبني جنسه، وكان العامل إذا علم أنّ ثمرة عمله وتعبه تعود عليه وحده، لا يشركه فيه غيره= كان أتم اجتهادًا وأوفر سعيًا، فقال تعالى:{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6].

وأيضًا فلا يتوهّم متوهِّم أن منفعة هذه المجاهدة والصبر والاحتمال تعود على الله سبحانه؛ فإنه غني عن العالمين، لم يأمرهم بما أمرهم به حاجة منه إليهم، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلًا منه عليهم، بل أمرهم بما يعود نفعه ومصلحته عليهم في معاشهم ومعادهم، ونهاهم عمّا يعود مضرته وعنَتُه عليهم في معاشهم ومعادهم، فكانت ثمرة هذا الابتلاء والامتحان مختصّة بهم.

واقتضت حكمته أنْ نصب ذلك سببًا مفضيًا إلى تميّز الطيب من الخبيث والشقي من الغوي، ومن يصلح له ممن لا يصلح، قال تعالى:{كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا} [آل عمران: 179]،

(1)

«د» «م» : «فصبره» ، والمثبت أشبه بالسياق، والله أعلم.

ص: 272

فابتلاهم سبحانه بإرسال رسله إليهم بأوامره ونواهيه واختباره، فامتاز برسله طيّبُهم من خبيثهم، وجيّدُهم من رديئهم، فوقع الثواب والعقاب على معلوم أظهره ذلك الابتلاء والامتحان.

ثم لما كان الممتحَن لا بدّ أن ينحرف عن طريق الصبر والمجاهدة لدواعي طبعه وهواه، وضعفه عن مقاومة ما ابتُلِي به= وعَدَه سبحانه أن يتجاوز له عن ذلك، ويكفره عنه؛ لأنه لمّا آمن به والتزم طاعته اقتضت رحمته أن كفّر عنه سيئاته، وجازاه بأحسن أعماله.

ثم ذكر سبحانه ابتلاء العبد بأبويه، وما أُمِر به من طاعتهما، وصبره على مجاهدتهما له على أن يُشْرك به

(1)

، فيصبر على هذه المحنة والفتنة، ولا يطيعهما، بل يصاحبهما على هذه الحال معروفًا، ويعرض عنهما إلى متابعة سبيل رسله.

وفي الإعراض عنهما وعن سبيلهما، والإقبال على من خالفهما وعلى سبيله من الامتحان والابتلاء ما فيه.

ثم ذكر سبحانه حال من دخل في الإيمان على ضعف عزم، وقلة بصيرة، وعدم ثبات على المحنة والابتلاء، وأنه إذا أوذي في الله ــ كما جرت به سنة الله، واقتضت حكمته من ابتلاء أوليائه بأعدائه وتسليطهم عليهم بأنواع المكاره والأذى ــ لم يصبر على ذلك، وجزع منه، وفرّ منه ومن أسبابه كما يفرّ من عذاب الله، فجعل فتنة الناس له على الإيمان وطاعة رسله كعذاب الله لمن يعذبه على الشرك ومخالفة رسله.

(1)

«ط» : «أن لا يشرك به» بإقحام حرف النفي، وبه يفسد المعنى.

ص: 273

وهذا يدل على عدم البصيرة، وأن الإيمان لم يدخل قلبه، ولا ذاق حلاوته حين سَوَّى بين عذاب الناس

(1)

له على الإيمان بالله ورسوله وبين عذاب الله لمن لم يؤمن به وبرسله.

وهذا حال من يعبد الله على حرف واحد، لم ترسخ قدمه في الإيمان وعبادة الله، فهو من المفتونين المعذَّبين، وإن فرّ من عذاب الناس له على الإيمان.

ثم ذكر حال هذا عند نصرة المؤمنين، وأنهم إذا نُصِروا لجأ إليهم، وقال: كنت معكم، والله سبحانه يعلم من قلبه خلاف قوله.

ثم ذكر سبحانه ابتلاء نوح عليه السلام بقومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وابتلاء قومه بطاعته، فكذبوه، فابتلاهم بالغرق، ثم بعده بالحرق.

ثم ذكر ابتلاء إبراهيم عليه السلام بقومه وما ردّوا عليه، وابتلاءهم بطاعته ومتابعته.

ثم ذكر ابتلاء لوط عليه السلام بقومه وابتلاءهم به، وما صار إليه أمره وأمرهم.

ثم ذكر ابتلاء شعيب عليه السلام بقومه وابتلاءهم به، وما انتهت إليه حالهم وحاله.

ثم ذكر ما ابتَلَى به عادًا وثمودًا وقارون وفرعون وهامان وجنودهم من الإيمان به وعبادته وحده، ثم ما ابتلاهم به من أنواع العقوبات.

(1)

«د» : «الله» ؛ سهو.

ص: 274

ثم ذكر ابتلاء رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنواع الكفار من المشركين وأهل الكتاب، وأَمَرَهُ أن يجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن.

ثم أمر عباده المبتلين بأعدائه أن يهاجروا من أرضهم إلى أرضه الواسعة فيعبدونه فيها، ثم نبّهَهُم بالنّقلة الكبرى من دار الدنيا إلى دار الآخرة على نقلتهم الصغرى من أرض إلى أرض، وأخبرهم أن مرجعهم إليه، فلا قرار

(1)

لهم في الدار

(2)

دون لقائه.

ثم بيّن لهم حال الصابرين على الابتلاء فيه بأنه يُبَوِّئُهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، فسلّاهم عن أرضهم ودارهم التي تركوها لأجله ــ وكانت مَباءة لهم ــ بأن بوّأهم دارًا أحسن منها، وأجمع لكل خير ولذة ونعيم مع خلود الأبد، وأنهم نالوا ذلك بصبرهم على الابتلاء، وتوكلهم على ربهم.

ثم أخبرهم بأنه ضامنٌ لرزقهم في غير أرضهم كما كان يرزقهم في أرضهم، فلا يهتمّوا بحمل الرزق، فكم من دابة إذا سافرت من مكان إلى مكان لا تحمل رزقها.

ثم أخبرهم أن مدة الابتلاء والامتحان في هذه الدار قصيرة جدًّا بالنسبة إلى دار الحيوان والبقاء.

ثم ذكر سبحانه عاقبة أهل الابتلاء ممن لم يؤمن به، وأن مقامهم في هذه الدار تمتُّع، وسوف يعلمون عند النّقْلة منها ما فاتهم من النعيم المقيم، وما

(1)

«م» : «ولا قرار» .

(2)

هكذا في «د» «م» : «في الدار» ، وفي «ط»:«في هذه الدار» .

ص: 275