الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن والعشرون
في أحكام الرضا بالقضاء، واختلاف الناس في ذلك، وتحقيق القول فيه
هذا الباب من تمام الإيمان بالقضاء والقدر.
وقد تنازع الناس: هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين، وهما وجهان لأصحاب أحمد.
فمنهم من أوجبه، واحتج على وجوبه بأنه من لوازم الرضا بالله ربًّا، وذلك واجب، واحتج بأثر إسرائيلي:«من لم يرضَ بقضائي، ولم يصبر على بلائي؛ فليتخذ له ربًّا سواي»
(1)
.
ومنهم مَن قال: هو مستحب غير واجب؛ فإن الإيجاب يستلزم دليلًا شرعيًا، ولا دليل يدل على الوجوب.
وهذا القول أرجح؛ فإن الرضا من مقامات الإحسان التي هي من أعلى المندوبات.
وقد غلط في هذا الأصل طائفتان أقبح غلط.
فقالت القدرية النفاة: الرضا بالقضاء طاعة وقربة، والرضا بالمعاصي لا
(1)
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (807)، وابن حبان في «المجروحين» (1/ 327) من حديث أبي هند الداري مرفوعًا، قال الهيثمي في «المجمع» (7/ 207):«رواه الطبراني، وفيه سعيد بن زياد بن هند وهو متروك» .
يجوز، فليست بقضائه وقدره.
وقالت غلاة الجبرية الذين طووا بساط الأمر والنهي: المعاصي بقضاء الله وقدره، والرضا بالقضاء قربة وطاعة، فنحن نرضى بها ولا نسخطها.
واختلفت طرق أهل الإثبات في جواب الطائفتين.
فأجابتهم طائفة بأن لها وجهين: وجهًا يرضى بها منه، وهو إضافتها إلى الله سبحانه خلقًا ومشيئة، ووجهًا يسخط منه، وهو إضافتها إلى العبد فعلًا واكتسابًا.
وهذا جواب جيد لو وفّوا به؛ فإن الكَسْب الذي أثبته كثير منهم لا حقيقة له؛ إذ هو عندهم مقارَنة الفعل للإرادة والقدرة الحادثة من غير أن يكون لهما فيه
(1)
تأثير بوجه ما، وقد تقدم الكلام في ذلك بما فيه كفاية
(2)
.
وأجابهم طائفة أخرى بأنّا نرضى بالقضاء الذي هو فعل الربّ، ونسخط المَقْضِيّ الذي هو فعل العبد.
وهذا جواب جيد لو لم يعودوا عليه بالنقض والإبطال؛ فإنهم قالوا: الفعل عين المفعول، فالقضاء عندهم نفس المَقْضِي، فلو قال الأولون بأنّ للكَسْب تأثيرًا في إيجاد الفعل، وأنه سبب لوجوده، وقال الآخرون بأنّ الفعل غير المفعول= لأصابوا في الجواب.
وأجابهم طائفة أخرى بأنّ من القضاء ما يؤمر بالرضا به، ومنه ما يُنْهى
(1)
«فيه» بالكاد تقرأ في «م» ، وهي ساقطة من «د» .
(2)
أفاض المؤلف في بيان ذلك في الباب السابع عشر (1/ 391).