الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصود أن بقاءهم يكون حتى يرسل الله ريحا طيبة -وهي أمر الله-، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويكون ذلك قبيل قيام الساعة، ويكون ذلك قبيل قيام الساعة، ويكون التعبير بقوله:"إلى قيام الساعة". معناه: إلى قرب قيامها.
قال الإمام النووي رحمه الله: "فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة، على أشراطها ودنوها المتناهي في القرب"1.
وقال رحمه الله تعالى: "وذكرنا هناك -أي في كتاب الإيمان- الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا المعنى، وأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يأتي أمر الله" من الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، وأن المراد رواية من روى: "حتى تقوم الساعة"، أي: تقرب الساعة، وهو خروج الريح"2.
1 شرح النووي على صحيح مسلم "2/ 132".
2 المرجع السابق "13/ 66".
ثالثا: أهل السنة مشتغلون بأبواب الخير كافة:
أهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه، بل منهم المشتغلون بألوان العلوم النافعة، بقصد حماية الدين وحفظ العلم -أصولا، وفروعا، ووسائل-، ومنهم المشتغلون برد البدع وقمع أهلها، وبيان طريق المحجة، ودفع الالتباس عنها.
ومنهم المرابطون في الثغور، المصابرون للأعداء، الساهرون على حماية الحوزة وحفظ البيضة.
ومنهم المناهضون للمنكر، الناهون عنه، الآمرون بالمعروف، الداعون إليه.
ولا شك أن المشتغلين بعلوم الإسلام -عقيدة، وفقها، وحديثا، وتفسيرا، وتعلما وتعليما، ودعوة، وتطبيقا- هم أولى الناس بهذا الوصف، وأولاهم بالدعوة،
والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرد على أهل البدع، إذ إن ذلك كله لا بد أن يقترن بالعلم الصحيح المأخوذ من الوحي.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ويحتمل أن هذه الطائفة -يعني: الطائفة المنصورة- مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير
…
"1.
وقد فسر بعض أئمة السلف الطائفة المنصورة والفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بأنهم: أصحاب الحديث.
ومقصود هؤلاء الأئمة -كما سبق أيضا- بأهل الحديث، أنهم أهل السنة، المتبعون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، المجانبون لطريقة أهل البدعة، الملتزمون بالدليل في الاعتقاد والفقه، المستقيمون على الجادة في الخلق والعبادة، والسلوك.
وهم -بهذا- الفئة المقابةل لأهل الكلام -أيا كانت بدعتهم-، والفئة المقابلة لأهل الرأي الذين يقدمون آراءهم أو أقوال شيوخهم على الدليل الصحيح، بحجة أن الدليل ظني الثبوت، أو أن شيوخهم أعلم بالدليل
…
أو بغير ذلك من الحجج الواهية.
ولذلك عبر الإمام البخاري رحمه الله تعالى عنهم بقوله: "وهم أهل العلم"2.
ومدلول العلم أوسع من مدلول الحديث، وإن كان الحديث قد يطلق عليه العلم3.
فقد يكون الرجل من أهل السنة، ومن أهل العلم الذين يرابطون على ثغور
1 شرح النووي على مسلم "13/ 67".
2 صحيح البخاري "8/ 149".
3 كما قال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". رواه مسلم في مقدمة صحيحه "1/ 14".
الإسلام، ويدافعون عنه، ولكنه ليس من أهل الحديث، بمعنى: المشتغلين به رواية ودراية، حتى عرفوا به، وأمثلة هذا كثيرة من المشتغلين بالتفسير، أو القراءات، أو اللغة، أو الأدب، أو التاريخ، أو غيرها.
وأما عبارة علي بن المديني في تعريفه أصحاب الحديث، والتي يقول فيها:"هم أصحاب الحديث الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذبون عن العلم، لولاهم لم نجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية، وأهل الرأي شيئا من سنن المرسلين"1. ففي عبارة علي بن المديني نوع من التخصيص، إذ يفسر أهل الحديث بأنهم الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذبون عن العلم، ويبلغون للناس سنن المرسلين. وهذا تفسير للشيء ببعض أجزائه، وأهل السنة الطائفة المنصورة أعم من ذلك، ولا شك أن قوما كهؤلاء الذين ذكرهم ابن المديني هم أولى الناس بالدخول في هذه الطائفة، وإلى ما عندهم يرجع كل متبع في أي تخصص كان، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكونوا -وحدهم- الطائفة المنصورة أو أهل السنة والجماعة، كما سبق تقريره.
إذن، فأهل السنة لا يجمعهم تخصص علمي ولا عملي بعينه، بل هم مفرقون في أبواب الخير كافة، يقولون بالحق، ويرحمون الخلق، ويجتمعون على منهج الاتباع.
1 رواه ابن عدي في الكامل "1/ 121" في ترجمة علي بن المديني، وانظر: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي "223".