الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: علم التوحيد مبادىء ومقدمات
الفصل الأول: مبادىء علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة
تمهيد
…
الباب الثاني: علم التوحيد مبادئ ومقدمات
الفصل الأول: مبادئ علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة.
تمهيد:
كان طلب العلم زمن الصحابة رضي الله عنهم اشتغالًا بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة حفظا وفهما، رطريقة موسوعية جامعة، فلا تتجاتوز الآية الواحدة حتى يتعلم ما فيها من أنواع العلم والعمل معًا، وذلك من غير تمييز بين أنواع المسائل الشرعية أو تفريق بين ألوانها.
فلما تطاول الزمان، كثرت المسائل، وتنوعت النوازل، واتسعت البلدان، واختلط اللسان العربي بالأعجمي، وظهرت عجمة في الأفهام نتيجة لعجمة اللسان، واقتضى حسن التعليم، ويسر التلقين، العدول عن تلك الطريقة الموسوعية الجامعة إلى ما هو أيسر وأقصر، فعمد أهل العلم إلى جمل من المسائل العلمية التي تشترك في وحدة موضوعية جامعة، فأفردوها باسم يخصها، وبلقب يميزها عن غيرها من المسائل، فتمايزت بذلك العلوم، وتباينت الفنون في اسمها ورسمها، وعرفوا تلك العلوم بما يضبط مسائلها بطريقين غالبا، إما بذكر الموضوع والمسائل التي يحتويها العلم، وسموا ذلك حدا أو تعريفا، وإما بذكر الفائدة، والثمرة، والغاية من دراسة ذلك العلم، وسموا ذلك رسما، والذي دعا إلى هذا التنويع هو أن فائدة العلم غير موضوعه ومسائله، فكما أن الثمرة ناشئة عن الشجرة وليست عينها، فالفائدة مترتبة وناشئة عن العلم بتلك المسائل وليست عينها أيضا، فصار العلم المتميز بشخصيته عند علماء التدوين هو جملة المسائل المضبوطة بجهة واحدة، موضوعية كانت أو غائية.
ثم إنه جرت عادة المصنفين من المتأخرين أن يدونوا مقدمة عن العلم وفضله وثمراته، وما يتعلق به في صدر مصنفاتهم، وذلك لفوائد منها:
1-
أن يحصل طالب العلم بصيرة، وتصورا إجماليا للعلم قبل أن يدخل إلى تفاصيله،
فيعرف الوحدة الجامعة لمسائل هذا العلم، فيأمن عندئذ من اشتباه مسائل العلوم عليه، ومن دخوله في مسائل ليس من مسائل العلم الذي عول عليه، وقصد عليه.
2-
أن يتحقق من فائدة العلم ونفعه، لينشط في طلبه وتحصيله، وليستعذب المشاق في سبيله، وليكون عند طلبه هذا العلم النافع المفيد مجتنبا للعبث والجهالة.
ثم إن كثيرا من المتأخرين وضعوا بعد ذلك كتبا في موضوعات العلوم، ومبادئ الفنون، لعل من أجمعها وأشهرها كتاب "مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم"، للشيخ أحمد بن مصطفى المعروف بـ"طاش كبرى زاده"، وكذلك كتاب "ترتيب العلوم" للشيخ محمد بن أبي بكر المرعشي المعروف بـ"ساجقلي زاده"، وغير ذلك من المصنفات.
هذا وقد استقر عمل المصنفين على ذكر مبادئ عشرة لكل علم وفن، تمثل مدخلا تعريفيا لطالب كل علم، وجمع بعضهم هذه المبادئ العشرة في قوله:
إن مبادئ أي علم كانا
…
عشر تزيد من درى عرفانا
الحد والواضع ثم الاسم
…
والنسبة الموضوع ثم الحكم
وغاية وفضله استمداد
…
مسائل بها الهنا يزداد
وقال غيره:
مبادئ أي علم كان حد
…
وموضوع وغاية مستمد
وفضل واضع واسم
…
مسائل نسبة عشر تعد
وهذه المبادئ العشر اسم لمجموعة من المعاني، والمعارف يتوقف عليها شروع الطالب والباحث في طلب العلم وتحصيله، وبيانها كالتالي:
1-
الحد: ويقصد به التعريف الجامع لمسائل العلم ومباحثه، المانع من دخول غيره فيه.
2-
الموضوع: وهو المجال المحدد الذي يبحث فيه العلم، والجهة التي تتوحد فيها مسائله.
3-
الغاية أو الثمرة: الفائدة التي يحصلها دارس العلم ومتعلمه في الدارين.
4-
الاستمداد: الروافد والمصادر والأسباب العلمية التي يستقي منها العلم مسائله ومطالبه.
5-
الفضل: ما للعلم من منزلة وشرف وأهمية بين العلوم.
6-
الواضع: أول من ابتدأ التدوين والتصنيف في العلم، ووضع أساسه وأرسى قواعده، كما يشمل تطور التأليف في العلم ومراحله.
7-
الاسم: الألقاب التي أطلقها أهل هذا العلم عليه لتمييزه عن غيره، حتى أصبحت أعلاما عليه.
8-
الحكم: ويقصد به الحكم الشرعي لتعلم هذا العلم من بين الأحكام التكليفية الخمسة.
9-
المسائل: وهي المطالب التي يبحثها، ويقررها العلم والتي تندرج تحت موضوعه.
10-
النسبة: صلة العلم وعلاقته بغيره من العلوم.
وجريا على سنن أهل العلم، فإن البحث سيسير في ضوء من هذه المبادئ العشرة للتعريف بعلم التوحيد عند أهل السنة والجماعة والتقديم له، مع ملحق يشتمل على فهارس لموضوعاته ومسائله، وآخر للتنويه بأهم مصادره ومراجعه.