الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: مشروعية هذه التسمية:
إن سند مشروعية هذه التسمية، وتلك النسبة الشريفة ثابت بدلالة الكتاب وصحيح السنة وصريح آثار الصحابة والسلف، وبيان ذلك فيما يلي:
أولًا: دلالة الكتاب:
وتتمثل في الآيات الآمرة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أتى به، وأن طاعته من طاعة الله عز وجل، والتحذير من مخالفته وعصيانه، فصار اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته اتباعا للكتاب، وطاعة للآيات القرآنية المشار إليها.
وقد ورد هذا المصطلح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فصار اتباعه اتباعًا للقرآن على الوصف المذكور.
وقد ورد تفسير بعض آي الذكر الحكيم بالسنة والجماعة، كما سيأتي هنا.
ومن ذلك أيضا تفسير الصراط المستقيم بالسنة والجماعة1.
ثانيا: دلالة السنة:
إن هذا المصطلح والوصف مستمد في الحقيقة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الآمر بالعناية بالسنة، فقال:"عليكم بسنتي" 2، وهو الآمر بالجماعة، فقال:"وأنا آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة،.." 3، وهو الذي نهى عن الفرقة، فقال: "من
1 انظر: الإتقان للسيوطي "2/ 469".
2 حديث صحيح: سبق تخريجه.
3 أخرجه أحمد "16718، 17344، 22403"، والترمذي "2863"، وابن خزيمة "1895"، وابن حبان "6233"، والحاكم "404" من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح غريب"، وصححه الحاكم، والألباني في صحيح الجامع "1724".
فارق الجماعة شبرًا فمات، إلا مات ميتة جاهلية" 1.
"فأهل السنة والجماعة إنما سماهم الرسول ووصفهم بذلك"2.
وليس لأهل السنة والجماعة رسم ولا سم يتسمون به خصوصا غير هذا الاسم، الذي يعني في الحقيقة التزام الجادة والمحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، "فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة"3.
سئل مالك رحمه الله عن السنة، فقال:"هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] "4.
ولما سئل مالك رضي الله عنه عن أهل السنة، قال:"أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي"5.
ثالثا: آثار الصحابة والسلف:
ومن ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة"6.
وقال أيضا: "النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة، وينهى عن البدعة عبادة"7.
1 أخرجه البخاري "7053، 7054"، ومسلم "1849" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
2 مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة د. ناصر العقل ص78.
3 مجموع الفتاوى لابن تيمية "3/ 346".
4 الاعتصام للشاطبي "1/ 58".
5 الانتقاء لابن عبد البر ص35.
6 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 72"، والشرح والإبانة لابن بطة "137"، وتاريخ جرجان لأبي القاسم الجرجاني ص132، وانظر: فتح القدير للشوكاني "1/ 371".
7 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 54".
وقال سعيد بن جبير رحمه الله في قوله تعالى: {وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 28": "لزم السنة والجماعة"1.
"وروي نحوه عن مجاهد، والضحاك وغير واحد من السلف"2.
وقال أيوب السختياني رحمه الله: "إذا كان الرجل صاحب سنة وجماعة، فلا تسأل عن أي حال كان فيه"3.
وقال عمرو بن قيس الملائي رحمه الله: "إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة، فارجه"4.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: "إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة، وآخر بالمغرب، فابعث إليهما بالسلام وادع لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة"5.
وقال قتيبة بن سعيد: "إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل، فاعلم أنه صاحب سنة وجماعة"6.
وورد نحو هذا في المعافى بن عمران7، وجماعة من الأئمة والرواة8.
1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 71"، وتفسير البغوي "3/ 227"، وتفسير ابن كثير "3/ 162".
2 تفسير ابن كثير "3/ 162".
3 المصدر السابق "33".
4 الشرح والإبانة لابن بطة ص133.
5 الورع للإمام أحمد ص194، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 64"، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص17.
6 الجرح والتعديل لابن أبي حاتم "1/ 308".
7 تهذيب الكمال للمزي "28/ 153".
8 انظر على سبيل المثال: تهذيب الكمال للمزي "2/ 106"، "7/ 394"، "11/ 286"، "16/ 61"، "23/ 536"، "26/ 59".
رابعًا: نصوص العلماء واستعمال الأئمة:
وقد نص العلماء على أن أهل السنة هم الصحابة، ومن اقتفى آثارهم.
قال شارح الطحاوية رحمه الله: "هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين"1.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومذهب أهل السنة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله تعالى أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومن خالف في ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة
…
وأحمد بن حنبل، وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة فليس ذلك؛ لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولا، بل إن السنة كانت موجودة معروفة قبله، علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة"2.
وسبق قول ابن حزم رحمه الله: "أهل السنة هم أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم -أي أهل السنة- الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك منهجهم من خيار التابعين، ثم أصحاب الحديث، ومن اتبعهم من الفقهاء، جيلا فجيلا إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها، رحمة الله عليهم"3.
وقال أيضا: "
…
وأن من اتبع أحدًا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتبع السنة ولا الجماعة، وأنه كاذب في دعواه السنة والجماعة، فنحن معشر المتبعين للحديث المعتمدين عليه أهل السنة والجماعة حقا بالبرهان الضروري، وأننا أهل الإجماع كذلك"4.
1 شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي "2/ 544".
2 منهاج السنة النبوية لابن تيمية "2/ 601-602".
3 الفصل في الملل والنحل لابن حزم "2/ 107".
4 الإحكام لابن حزم "4/ 525".
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صار المتمسكون بالإسلام المحض هم أهل السنة والجماعة"1.
وهذا يشمل الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولذا بدأ علماء الاعتقاد عند ذكر أئمة أهل السنة والجماعة بالصحابة، ثم من بعدهم من التابعين.
ومن ذلك:
قول اللالكائي في صدر كتابه: "باب سياق ذكر من رسم بالإمامة في السنة والدعوة، والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأمة: فمن الصحابة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي، فعد جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ثم جماعة من التابعين من أهل المدينة ومكة، ومصر وبغداد وواسط وغيرهم2.
وذكر موقف المعتزلة من أهل السنة والجماعة، ثم قال: "
…
ما قذفوا به المسلمين من التقليد" إلخ، فسوى بين "أهل السنة والجماعة"، وبين "المسلمين"3، وهذا صريح في أن أهل السنة والجماعة هم أهل الإسلام الصحيح المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم من لدن الصحابة، وأتباعهم حتى آخر الزمان، فمن خالف هؤلاء في أصولهم لم يكن من أهل السنة والجماعة.
هذا، وقد استعمل الأئمة هذا الاسم والمصطلح المبارك في النص على أمور الاعتقاد الصحيحة تمييزا لها عن غيرها، كما فعل ذلك قتيبة بن سعيد الثقفي رحمه الله، ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء4، بل جعل بعض الأئمة هذا الاسم ضمن
1 مجموع الفتاوى "3/ 159".
2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "1/ 29-49".
3 المصدر السابق "1/ 13".
4 انظر على سبيل المثال: سير أعلام النبلاء للذهبي "11/ 20".
عناوين كتبهم في العقيدة كما فعل اللالكائي رحمه الله في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، وكما فعل قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني رحمه الله في كتابه "الحجة في بيان المحجة، وشرح عقيدة أهل السنة".
خامسا: ترادفه مع مصطلحات شرعية.
ثم إن هذا المصطلح يرادف عند الإطلاق مصطلحات شرعية أخرى مثل أهل الحديث، والفرقة الناجية والطائفة المنصورة، والسلف الصالح، كما سيتبين في المبحث التالي.
ومن جملة ما تقدم يتضح جليا أن مذهب أهل السنة قديم، وأن التسمية قديمة، تبدأ ببداية الإسلام؛ لأن أهل السنة على الحقيقة هم أهل الإسلام، المتبعون لسيد الأنام، وعلى هذا سار أئمة أهل السنة والجماعة، وكلام اللالكائي السابق قريبا صريح في ذلك، ويظهر هذا جليا بالنظر إلى صفاتهم وخصائصهم، كما أن أول من دعي "بإمام أهل السنة"، هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وفي هذا رد على من زعم أن مذهب أهل السنة والجماعة، إنما عرف وظهر في زمن أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي، وأن أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية!! كما تبناه بعض العلماء قديما وحديثًا! 1. وفي نفي هذا الاسم عن الأشاعرة -مع قربهم في أصول ومسائل عقدية من أهل السنة- ما يقطع بانتفائه عن بقية أهل البدع والأهواء كالرافضة والمعتزلة، وإن تنازعوا هذه التسمية الشريفة.
وكل يدعي وصلا بليلى
…
وليلى لا تقر لهم بذاكا
وكما قيل:
والدعاوى إن لم تقم عليها
…
بينات أصحابها أدعياء
1 راجع في القديم كلام الباقلاني في "الإنصاف فيما يجب اعتقاده، ولا يجوز الجهل به" ص108، و"الفرق بين الفرق" للبغدادي ص26، ومثله الإسفراييني في "التبصير في الدين" ص25، وكذا الجويني والغزالي والرازي، وراجع في الحديث كلام الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في "كبرى اليقينيات الكونية" ص125، وكلام وهبي سليمان غاوجي الألباني في "أركان الإيمان" ص25، وغيرهم كثير.