الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثامن: الاستصحاب
1-
تعريفه.
2-
حجيته.
تعريفه:
الاستصحاب في اللغة: اعتبار المصاحبة: وفي اصطلاح الأصوليين: هو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل، حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال، أو هو جعل الحكم الذي كان ثابتا في الماضي باقيا في الحال حتى يقوم دليل على تغيره.
فإذا سئل المجتهد عن حكم عقد أو تصرف، ولم يجد نصا في القرآن أو السنة ولا دليلا شرعيا على حكمه، حم بإباحة هذا العقد أو التصرف بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وهي الحال التي خلق الله عليها ما في الأرض جميعه، فما لم يقم دليل على تغيرها فالشيء على إباحته الأصلية.
وإذا سئل المجتهد عن حكم حيوان أو جماد أو نبات، أو أي طعام أو أي شراب أو عمل من الأعمال، ولم يجد دليلا شرعيا على حكمه، حكم بإباحته؛ لأن الإباحة هي الأصل ولم يقم دليل على تغيره.
وإنما كان الأصل في الأشياء الإباحة؛ لأن الله سبحانه قال في كتابه الكريم:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} وصرح في عدة آيات بأنه سخر للناس ما في السماوات وما في الأرض، ولا يكون ما في الأرض مخلوقا للناس ومسخرا لهم إلا إذا كان مباحا لهم؛ لأنه لو كان محظورًا عليهم ما كان لهم.
2-
حجيته:
الاستصحاب آخر دليل شرعي يلجأ إليه المجتهد لمعرفة ما عرض له. ولهذا قال الأصوليون: إنه آخر مدار الفتوى هو الحكم على الشيء بما كان ثابتًا له ما دام لم يقم دليل يغيره، وهذا طريق في الاستدلال قد فطر عليه الناس، وساروا عليه ف جميع تصرفاتهم، وأحكامهم. فمن عرف إنسانا حيا حكم بحياته وبنى تصرفاته على هذه الحياة، حتى يقوم الدليل على وفاته، ومن عرف فلانة زوجة فلان شهد بالزوجية ما دام لم يقم له دليل على انتهائها، وهكذا كل من علم وجود أمر حكم
بوجوده حتى يقوم الدليل على عدمه، ومن علم عدم أمر حكم بعدمه حتى يقوم الدليل على وجوده.
وقد درج على هذا القضاء، فالملك الثابت لأي إنسان بسبب من أسباب الملك يعتبر قائما حتى يثبت ما يزيله، والحل الثابت للزوجين بعقد الزواج يعبر قائما حتى يثبت ما يزيله، والذمه المشغولة بدين أو بأي التزام تعتبر مشغولة به حتى يثبت ما يخليها منه، والذمة البريئة من شغلها بدين أو التزام تعتبر بريئة حتى يثبت ما يشغلها، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.
وعلى هذا الاستصحاب بنيت المادة 180 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، ونصها:"تكفي الشهادة بالدين وإن لم يصرح ببقائه في ذمة المدين وكذا الشهادة بالعين" والمادة 181منها ونصها: "تكفي الشهادة بالوصية أو الإيصاء، وإن لم يصرح بإصرار الموصي إلى وقت الوفاة".
وعلى الاستصحاب بنيت المبادئ الشرعية الآتية:
الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره -الأصل في الأشياء الإباحة- ما ثبت باليقين لا يزول بالشك، الأصل في الإنسان البراءة.
والحق أن عد الاستصحاب نفسه دليلا على الحكم فيه تجوز؛ لأن الدليل في الحقيقة هو الدليل الذي ثبت به الحكم السابق، وما الاستصحاب إلا استبقاء دلالة هذا الدليل على حكمه. وقد قرر علماء الحنفية أن الاستصحاب حجة للدفع لا للإثبات، مرادهم بهذا أنه حجة على بقاء ما كان على ما كان، ودفع ما يخالفه حتى يقوم دلل يثبت هذا الذي يخالفه، وليس حجة لإثبات أمر غير ثابت، ويوضح هذا ما قرروه في المفقود، وهو الغائب الذي لا يدرى مكانه ولا تعلم حياته ولا وفاته، فهذا المفقود يحكم بأنه حي باستصحاب الحال التي عرف بها حتى يقوم دليل على وفاته، وهذا الاستصحاب الذي دل على حياته حجة تدفع بها دعوى وفاته والإرث منه وفسخ إجارته. وطلاق زوجته، ولكنه ليس حجة لإثبات إرثه من غيره؛ لأن حياته الثابتة بالاستصحاب حياة اعتبارية لا حقيقية.