المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الخامسة: في التعارض والترجيح - علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع ط المدني

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌لمحة عن حياة المؤلف:

- ‌الكتاب الأول: علم أصول الفقه

- ‌الطبعة السابعة:

- ‌افتتاحية الطبعة السابعة:

- ‌فاتحة طبعة سنة 1947:

- ‌فاتحة طبعة سنة 1942:

- ‌مقدمة:

- ‌القسم الأول: في الأدلة الشرعية

- ‌مدخل

- ‌الدليل الأول: القرآن

- ‌الدليل الثاني: السنة

- ‌الدليل الثالث: الإجماع

- ‌الدليل الرابع: القياس

- ‌الدليل الخامس: الاستحسان

- ‌الدليل السادس: المصلحة المرسلة

- ‌الدليل السابع: العرف

- ‌الدليل الثامن: الاستصحاب

- ‌الدليل التاسع: شرع من قبلنا

- ‌الدليل العاشر: مذهب الصحابي

- ‌القسم الثاني: في الأحكام الشرعية

- ‌ الحاكم:

- ‌ الحكم:

- ‌ المحكوم فيه:

- ‌ المحكوم عليه:

- ‌القسم الثالث: في القواعد الأصولية اللغوية

- ‌تمهيد:

- ‌القاعدة الأولى: في طريق دلالة النص

- ‌القاعدة الثانية: في مفهوم المخالفة

- ‌القاعدة الثالثة: في الواضح الدلالة ومراتبه

- ‌القاعدة الرابعة: في غير الواضح الدلالة ومراتبه

- ‌القاعدة الخامسة: في المشترك ودلالته

- ‌القاعدة السادسة: في العام ودلالته

- ‌القاعدة السابعة: في الخاص ودلالته

- ‌القسم الرابع: في القواعد الأصولية التشريعية

- ‌القاعدة الأولى: في القصد العام من التشريع

- ‌القاعدة الثانية: فيما هو حق الله. وما هو حق المكلف

- ‌القاعدة الثالثة: فيما يسوغ الاجتهاد فيه

- ‌القاعدة الرابعة: في نسخ الحكم

- ‌القاعدة الخامسة: في التعارض والترجيح

- ‌الكتاب الثاني: خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌تمهيد في بيان المراد من التشريع:

- ‌ عهد الرسول:

- ‌ عهد الصحابة:

- ‌ عهد التدوين والأئمة المجتهدين:

- ‌ عهد التقليد:

- ‌المحتويات:

- ‌محتويات علم أصول الفقه:

- ‌محتويات خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي:

الفصل: ‌القاعدة الخامسة: في التعارض والترجيح

‌القاعدة الخامسة: في التعارض والترجيح

"إذا تعارض النصان ظاهرا وجب البحث والاجتهاد في الجمع والتوفيق بينهما بطريق صحيح من طرق الجمع والتوفيق، فإن لم يمكن وجب البحث والاجتهاد في ترجيح أحدهما بطريق الترجيح، فإن لم يمكن هذا ولا ذاك وعلم تاريخ ورودهما كان اللاحق منهما ناسخا للسابق، وإن لم يعلم تاريخ ورودهما توقف عن العمل بهما.

وإذا تعارض قياسان أو دليلان من غير النصوص، ولم يمكن ترجيح أحدهما عدل عن الاستدلال بهما".

التعارض بين الأمرين معناه في اللغة العربية اعتراض كل واحد منها الآخر. والتعارض بين الدليلين الشرعيين معناه في اصطلاح الأصوليين اقتضاء كل واحد منهما في وقت واحد حكما في الواقعة يخالف ما يقتضيه الدليل الآخر فيها.

مثلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ، هذا النص يقتضي بعمومه أن كل من توفي عنها زوجها تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، سواء أكانت حاملًا أم غير حامل.

وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} هذا النص يقتضي بعمومه أن كل حامل تنقضي عدتها بوضع حملها، سواء كانت متوفى عنها زوجها أم مطلقة.

فمن توفي عنها زوجها وهي حامل، واقعة يقتضي النص الأول أن تنقضي عدتها بتربص أربعة أشهر وعشرة أيام، ويقتضي النص الثاني أن تنقضي عدتها بوضع حملها، فالنصان متعارضان في هذه الواقعة.

ولا يتحقق التعارض بين دليلين شرعيين إلا إذا كانا في قوة واحدة، أما إذا كان أحد الدليلين أقوى من الآخر، فإنه يتبع الحكم الذي يقتضيه الدليل الأقوى، ولا يلتفت لخلافه الذي يقتضيه الدليل الآخر. وعلى هذا لا يتحقق التعارض بين نص قطعي وبين نص ظني، ولايتحقق التعارض بين نص وبين إجماع أو قياس، ولا بين إجماع وبين قياس، ويمكن التعارض بين آيتين أو حديثين متواترين أو بين آية، وحديث متواتر أو حديثين غير متواترين، أو بين قياسين.

ص: 214

ومما ينبغي التنبه له أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين، أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح؛ وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص إنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا، وليس بتعارض حقيقي؛ لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه دليل يقتضي حكما في واقعة، ويصدر عنه نفسه دليل آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكما خلافه في الوقت الواحد.

فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر، والوقوف على حقيقة المراد منهما تنزيهًا للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه. فإن أمكن إزالة التعارض الظاهري بين النصين بالجمع والتوفيق بينهما، جميع بينهما وعمل بهما، وكان هذا بيانا؛ لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما.

مثال1- قوله تعالى في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} .

وقوله تعالى في سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إلى آخر آية المواريث. الآية الأولى توجب على المورث إذا قارب الموت أن يوصي من تركته لوالديه وأقاربه بالمعروف. والآية الثانية توجب لكل واحد من الوالدين والأولاد والأقربين حقا من التركة بوصية الله لا بوصية المورث. فهما متعارضتان ظاهرًا، ويمكن التوفيق بينهما بأن يراد في آية سورة البقرة الوالدان، والأقربون الذين منع من إرثهم مانع كاختلاف الدين.

مثال2- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .

وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .

ويمكن التوفيق بينهما بأن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين، فإن وضعت حملها قبل أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة، تربصت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن مضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تضع حملها تربصت حتى تضع حملها.

ص: 215

ومن طرق الجمع والتوفيق تأويل أحد النصين أي صرفه عن ظاهره، وبهذا لا يعارض النص الآخر. ومن طرق الجمع والتوفيق، اعتبار أحد النصين مخصصا لعموم الآخر، أو مقيدا لإطلاقه، فيعمل بالخاص في موضعه وبالعام فيما عداه، وبعمل بالمقيد في موضعه وبالمطلق فيما عداه.

وإن لم يمكن الجمع والتوفيق بين النصين المتعارضين، نظر في ترجيح أحدهما على الآخر بطريق من طرق الترجيح، فإذا اظهر البحث رجحان أحدهما على الآخر عمل بما اقتضاه الدليل الأرجح، وكان هذا تبيينا؛ لأن النصين غير متساويين في المرتبة. وقد يكون الترجيح من جهة طريق الدلالة فيرجح المدلول عليه بعبارة النص على المدلول عليه بإشارة النص، ويرجح المفسر على الظاهر أو النص، وتقدمت عدة أمثلة لهذا التعارض والترجيح. وإن لم يمكن الجمع والتوفيق بين النصين، ولم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بطريق من طرق الترجيح، نظر في تاريخ صدروهما عن الشارع، فإذا علم أن أحدهما سابق كان المتأخر منهما ناسخًا للسابق فيعمل به، ويعمل هذا من الرجوع إلى أسباب نزول الآيات، وورود الأحاديث، وجميع الأمثلة التي قدمناها في نسخ بعض الآيات لأحكام بعض آيات أخرى، ثابت فيها أن الناسخ لاحق في وروده للمنسوخ، وإن لم يمكن الجمع والتوفيق بين النصين، ولا ترجيح أحدهما على الآخر، ولم يعلم تاريخ ورودهما، توقف عن الاستدلال بهما، ونظر في الاستدلال على حكم الواقعة التي فيها التعارض بدليل غيرهما كأنها واقعة لا نص فيها، وهذه صورة فرضية لا وجود لها.

وإن كان التعارض بين دليلين شرعيين ليسا نصين، كالتعارض بين قياسين، فهذا قد يكون تعارضا حقيقيا؛ لأنه قد يكون أحد القياسين خطأ، فإن أمكن ترجيح أحد القياسين على الآخر عمل به، ومن طرق ترجيح أحد القياسين على الآخر أن تكون علة أحدهما منصوصا عليها، وعلة الآخر مستنبطة، أو تكون علة أحدهما مستنبطة بطريق إشارة النص، وعلة الآخر مستنبطة بطريق المناسبة.

ومجال الأصوليين في طرق التوفيق أو الترجيح بين النصوص، والأقيسة المتعارضة ذو سعة، ومن طرق الترجيح طرق موضوعية قرروا فيها مبادئ ترجيحية عامة، مثل قولهم: إذا تعارض المحرم والمبيح، رجح المحرم. وقولهم: إذا تعارض المانع والمقتضي، قدم المانع.

والله يوفق من يريد الحق، ويهدي من يشاء إلى صراط المستقيم.

ص: 216