الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: كتب معرفة الصحابة
المبحث الأول: تعريف الصحابي وطرق إثبات الصحبة
…
المبحث الأول: تعريف الصحابي وطرق إثبات الصحبة
أ- تعريف الصحابي:
قال الجوهري (ت 398 هـ) تقريباً: صَحِبَهُ يَصْحَبُهُ صُحْبَةً - بالضم -، وصحابة - بالفتح - وجمع الصاحب: صَحْبٌ، وَصُحْبَةٌ - بالضم - وصِحَاب (مثل جائع وجياع
…
والصَحَابة - بالفتح -: الأصحاب، وهي في الأصل مصدر، وجمع الأصحاب أصاحيب". 1
وأخرج الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) بسنده إلى أبي بكر محمد ابن الطيب الباقلاني (ت 403 هـ) أنه قال:
"لا خلاف بين أهل اللغة أن القول "صحابي" مشتق من الصحبة وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره، قليلاً كان أو كثيراً
…
، وكذلك يقال: صحبت فلاناً حولاً، ودهراً، وسنة، وشهراً، ويوماً، وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره، وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار، هذا هو الأصل في اشتقاق الاسم، ومع ذلك فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه، ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة ومشى معه خطى وسمع منه
1الصحاح (1 / 161) مادة صحب.
حديثاً، فوجب لذلك أن لا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله
…
". 1
وأخرج الخطيب - أيضاً - بسنده عن أحمد بن حنبل أنه قال:
"كل من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه". 2
وقال أبو عبد الله البخاري (ت 256 هـ) : "ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه". 3
وقال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) : "وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني، فقرأت في "المستخرج" لأبي القاسم ابن منده بسنده قال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم". 4
قال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) - بعد ذكر التعريفات السابقة والاعتراضات عليها -:
"فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً ثم مات على الإسلام، ليخرج بذلك من ارتد ومات كافراً
1الكفاية (ص: 100) باب القول في معنى وصف الصحابي أنه صحابي.
2المصدر نفسه في الباب نفسه.
3الجامع الصحيح في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. الفتح (7 / 3) .
4فتح الباري (7 / 5) .
كعبد الله بن خطل وربيعة بن أمية ومقيس بن ضبابة ونحوهم". 1
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي - المعروف بابن حجر - (ت 852 هـ) : "وأصح ما وقفت عليه من ذلك: "أن الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
وقولنا: "به" يخرج من لقيه مؤمناً بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة.
ويخرج بقولنا: "ومات على الإسلام" من لقيه مؤمنأ به ثم ارتد ومات على ردته كعبيد الله بن جحش وكعبد الله بن خطل، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت، سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا، وهذا هو الصحيح المعتمد". 2
وقال: "فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام لكن لم يره ثانياً بعد عوده، فالصحيح أنه معدود في الصحابة لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس في الصحابة، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح
1التقييد والإيضاح (ص: 251) ، وشرح التبصرة والتذكرة (3 / 3 - 4) كلاهما للعراقي.
2الإصابة، الفصل الأول من مقدمة المؤلف (1 / 7 - 8) .
والمسانيد، وهو ممن ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر". 1
ب- طرق إثبات الصحبة:
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) :
"ثم إن كون الواحد منهم صحابيّاً تارة يعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يُروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابي، والله أعلم". 2
وقال زين الدين العراقي (ت 806 هـ) :
"المسألة الأولى: فيما تعرف به الصحبة: وذلك إما بالتواتر كأبي بكر وعمر وبقية العشرة في خلق منهم، وإما بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر كعكاشة بن محصن وضمام بن ثعلبة وغيرهما، وإما بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي كحممة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطوناً فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم له بالشهادة ذكر ذلك أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" 3 وروينا قصته في مسند "أبي داود الطيالسي" 4
1المصدر السابق، وفتح الباري (7 / 4) .
2علوم الحديث (ص: 264)، وانظر: الكفاية (ص: 99 - 100) .
3انظر: ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني (1 / 71) .
4انظر: مسند أبي داود الطيالسي - الذي جمعه تلميذه يونس بن حبيب الأصبهاني عنه - (ص: 62) ح 505 مسند أبي موسى الأشعري.
و "معجم الطبراني" 1، وإما بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك، هكذا أطلق ابن الصلاح تبعاً للخطيب 2، ولا بد من تقييد من أطلق ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر، أما لو ادَّعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل، وإن كانت قد ثبتت عدالته قبل ذلك" 3 اهـ ملخصاً.
وقال الحافظ شهاب الدين بن حجر (ت 852 هـ) :
"الفصل الثاني في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيّاً، وذلك بأشياء:
أولها: أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي.
ثانيها: الاستفاضة والشهرة.
ثالثها: أن يُرْوى عن أحد من الصحابة أن فلاناً له صحبة مثلاً، وكذا عن آحاد التابعين، بناء على قبول التزكية من واحد، وهو الراجح
رابعها: أن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي.
وتعتبر المعاصرة بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله في آخر عمره لأصحابه: "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ
1المعجم الكبير (4 / 61) ح 3610 ترجمة رقم 363.
2الكفاية (ص: 100) باب القول في معنى وصف الصحابي أنه صحابي والطريق إلى معرفة كونه صحابيّاً.
3شرح التبصرة والتذكرة (3 / 11 - 12) .
رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَيها أَحَدٌ" رواه البخاري ومسلم 1 من حديث ابن عمر.
زاد مسلم من حديث جابر أن ذلكم كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر، ولفظه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: "أُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ اليَومَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وهِيَ حَيَّةٌ يَومئِذٍ". 2
ولهذه النكتة لم يصدّق الأئمة أحداً ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة، وقد ادعاها جماعة فكُذّبوا، وكان آخرهم رَتَن الهندي..".3
1أخرجه البخاري في العلم - باب السمر في العلم، الفتح (1 / 211) ح 116 ومسلم في فضائل الصحابة (4 / 1965) ح 217.
2أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (4 / 1966) ح 218.
3الإصابة، المقدمة، الفصل الثاني (1 / 9) .