الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة:
من أهم النتائج في هذا البحث:
أولاً: علم الإسناد ونقل الدين ثقة عن ثقة أمر خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قال أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت 277 هـ) : "ولم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة".
وقال أبو محمد بن حزم (ت 456 هـ) : "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، نقل خص الله عز وجل به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها
…
".
وقال أبو علي الغساني (ت 498 هـ) : "خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها مَنْ قبلها:
الإسناد، والإعراب، والأنساب".
ثانياً: إن التحري والتثبت في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرف أول ما عرف عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
وإن السؤال عن الإسناد والنظر في أحوال الرجال، قد بدأ في وقت مبكر أيضاً، وذلك في عصر التابعين، لِمَا روى الإمام مسلم في
مقدمة "صحيحه" عن ابن سيرين قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة - فتنة ابن سبأ في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم".
ولِمَا روى يعقوب بن شيبة (ت 262 هـ) عن ابن المديني (ت 234 هـ)، قال:"كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد".
ثالثاً: إن نشأة علم الرجال وجرح الرواة وتعديلهم جاء نتيجة لتطور استعمال الإسناد وانتشاره، وكلما تقادم الزمن كثرت الوسائط وطالت الأسانيد فاحتيج إلى بيان حال هذه الوسائط وتمييزها، فظهرت كتب الرجال في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وأول من ذكر أنه صنف فيه - فيما وقفت عليه - الإمام الليث بن سعد (ت 175 هـ) والإمام عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) .
رابعاً: إن تنوع التصنيف في علم الرجال، من كتب معرفة الصحابة إلى كتب الطبقات إلى كتب الجرح والتعديل إلى كتب التواريخ المحلية، ثم كتب تمييز الأسماء بمختلف أنواعها؛ ليدل على العناية الفائقة والجهود العظيمة والدقة المتناهية التي قام بها علماء هذه الأمة لمعرفة أسماء الرواة وتمييزها وبيان حال كل رجل حتى لا يكاد يوجد راوٍ في القرون الثلاثة الأولى له مشاركة في الرواية إلا وقد عُرف شخصه وبُيِّن حاله.
ولذلك كان هذا العلم - علم الرجال - بحق خاصية امتازت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي ميزة خاصة لأهل الحديث في هذه الأمة بخلاف
غيرهم من الطوائف الذين ليس لهم من هذا العلم نصيب.
خامساً: نظراً لما للصحابة من مكانة ولعظم منزلتهم في الأمة فقد اعتنى العلماء بأخبارهم وأحوالهم وبيان مكانتهم، وجمع مروياتهم، فألفوا في ذلك كتباً كثيرة متنوعة، منها كتب معرفة الصحابة، وكتب الطبقات، وفي كتب التواريخ، وكتب الفضائل، وكتب المسانيد وغيرها.
ولا غرابة في ذلك فهم صفوة الخلق بعد الأنبياء والرسل وقد اختارهم الله عز وجل لصحبة خير الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكاهم الله ورسوله وأجمعت الأمة على أفضليتهم وخيريتهم، فلم يخالف في ذلك إلا فروخ اليهود وأذنابهم من الروافض والباطنيين الذين هم مرتدون عن دين الإسلام بإجماع الأمة، وهؤلاء لا يعتد بخلافهم ولا ينظر إليه، والصحابة هم نقلة الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صلة الأمة برسولها، وكانوا أمناء في التحمل والأداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق للأمة لمعرفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق إلا هم، فمن طعن فيهم إنما أراد الطعن في هذا الدين كما قال الإمام أبو زرعة الرازي (ت 264 هـ) :"إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريد هؤلاء أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، الجرح بهم أولى وهم زنادقة".
سادساً: إن مدارس العلم ومراكزه الأولى تأسست على أيدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت مبكر، حيث كان عبد الله بن
مسعود مؤسس مدرسة الكوفة في العراق، وكان زيد بن ثابت في المدينة النبوية، وعبد الله بن عباس بمكة، وكانت هذه المراكز شاملة لعلم القراءات والتفسير والفقه والحديث رواية ودراية.
سابعاً: إن لعلماء الجرح والتعديل خبرة واسعة وتمحيصاً دقيقاً لأحوال الرواة فميزوا بين روايات الراوي في جميع شيوخه وأحواله وأطوار حياته وأماكن رحلاته، حتى ميزوا بين روايات الراوي عن شيخه في زمان دون زمان ومكان دون مكان، ومراتب تلاميذ الشيخ الواحد ومن يقدم من تلاميذه على غيره.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.