الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مكانة الصحابة في الإسلام
قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِم} الآية. 1
وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِي حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ} . 3
وقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَروا أُولئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} . 4
1سورة الفتح - الآية (18) .
2سورة التوبة - الآية (100) .
3سورة الأنفال - الآية (64) .
4سورة الأنفال - الآية (74) .
5سورة الحديد - الآية (10) .
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ". 2
وعن عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي - وفي حديث ابن مسعود: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي" - ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" 3 الحديث.
1سورة الحشر - الآيات (8 - 10) .
2أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الفتح (7 / 21) ح 3673، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (4 / 1967) ح 221، 222.
3أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الفتح (7 / 3) ح 3650، 3651، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (4 / 1964 - 1965) ح 214، 215.
وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأَنْصَارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلَاّ مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلَاّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ". 1
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ" 2، وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي يطول ذكرها والأحاديث الشهيرة التي يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) :
"عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم"، ثم ساق طائفة من الآيات والأحاديث في ذلك ثم قال:"على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله".
1أخرجه البخاري في مناقب الأنصار - باب حب الأنصار من الإيمان، الفتح (7 / 113) ح 3783، ومسلم في الإيمان (1 / 85) ح 129.
2أخرجه البخاري في الموضع السابق، الفتح (7 / 113) ح 3784، ومسلم في الموضع نفسه (ح 128) .
ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة". 1
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر (ت 463 هـ) :
"ومن أوكد آلات السنن المعينة عليها والمؤدية إلى حفظها، معرفة الذين نقلوها عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة، وحفظوها عليه وبلغوها عنه، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين، حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت بهم حجة الله تعالى على المسلمين، فهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا أعدَلَ ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منه". 2
وقال الحافظ شهاب الدين ابن حجر (ت 852 هـ) :
"اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة". 3
وقال الإمام ابن كثير (ت 774 هـ) :
1الكفاية (ص: 93 - 97) باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة.
2مقدمة الاستيعاب (1 / 4) .
3الإصابة، الفصل الثالث من المقدمة (1 / 10) .
"والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لِمَا أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل الجميل.
وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين". 1
وقال رحمه الله أيضاً -:
"وأفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعده عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية". 2
وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ) :
"ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر
1اختصار علوم الحديث (ص: 181 - 182) .
2المصدر السابق (ص: 182 - 183) .
ونفاق وطغيان". 1
وقال أبو محمد بن حزم (ت 456 هـ) :
"الصحابة جميعهم في الجنة: قال تعالى: {لا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعْدَ اللهُ الحُسْنَى} . 2 وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} . 3 فثبت أن الجميع من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحد منهم النار، لأنهم المخاطبون بالآية السابقة. 4
قال الإمام ابن تيمية (ت 728 هـ) :
"ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، فيفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار.
ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر:
1العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي (ص: 528) .
2سورة الحديد - الآية (10) .
3سورة الأنبياء - الآية (101) .
4انظر: المحلى (1 / 56 - 57) ، والإصابة (1 / 11 - 12) .
"اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". 1 وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم 2، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة وكثابت بن قيس بن شماس 3 وغيرهم من الصحابة.
ويؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ رضي الله عنهم أجمعين - ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة.
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يُبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل،
1رواه البخاري في المغازي - باب فضل من شهد بدراً، الفتح (7 / 304) ح 3983، وأخرجه مسلم في فضائل الصحبة - باب من فضائل أهل بدر (4 / 1941) ح 161.
2رواه مسلم في فضائل الصحابة - باب من فضائل أهل الشجرة (4 / 1942) ح 163.
3انظر: تبشير رسول الله صلى الله عليه وسلم له في صحيح البخاري في كتاب التفسير - تفسير سورة الحجرات، الفتح (8 / 590) ح 4846.
ويمسكون عما شجر بين الصحابة.
ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون.
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر" 1 اهـ ملخصاً.
وقال رحمه الله:
" فإن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قدح فيه عليه السلام، كما قال الإمام مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين". 2
وقال رحمه الله:
" فأما من سب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم.
فروي عن مالك: من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل،
1مجموع الفتاوى (3 / 152 - 155) .
2مجموع الفتاوى (4 / 429)، الصارم المسلول (ص: 585) .
قيل له: لِمَ؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن، لأن الله تعالى قال:{يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
ثم فصَّل رحمه الله القول في سابِّ الصحابة فقال:
"أما من اقترن بسبه دعوى أن عليّاً إله أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبرائيل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره، وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك.
وأما من سبهم سبّاً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم.
وأما من لعن وقبح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهدا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفارٌ أو فساقٌ، كفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة يتسترون بمذهبهم.
وبالجملة فمن أصناف السابَّة من لا ريب في كفره، ومنهم لا يحكم بكفره، ومنهم من تردد فيه". 1 ملخصاً.
1المصدر السابق (ص: 591 - 592) .