المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: تعريف موجز بنماذج من كتب الجرح والتعديل - علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع

[محمد بن مطر الزهراني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: كتب الرجال حسب ظهورها إلى نهاية القرن الخامس

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: كتب الطبقات

- ‌المبحث الأول: تعريف الطبقة مع بيان نشأة علم الطبقات وفائدة معرفته

- ‌المبحث الثاني: طبقات الرواة في عصر الرواية

- ‌المبحث الثالث: من أشهر المصنفات في الطبقات

- ‌المبحث الرابع: تعريف موجز بكتاب "الطبقات" لمحمد بن سعد

- ‌الفصل الثاني: كتب معرفة الصحابة

- ‌المبحث الأول: تعريف الصحابي وطرق إثبات الصحبة

- ‌المبحث الثاني: مكانة الصحابة في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: طبقات الصحابة وأشهر ما صنف فى تراجمهم

- ‌المبحث الرابع: دراسة موجزة لنموذجين من كتب معرفة الصحابة

- ‌الفصل الثالث: كتب الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول: علم الجرح والتعديل تعريفه وحكمه وتاريخ نشأته

- ‌المبحث الثاني: طبقات من يعتمد قوله في الجرح والتعديل

- ‌المبحث الثالث: أنواع كتب الجرح والتعديل، وأشهر ما صنف في كل نوع

- ‌المبحث الرابع: تعريف موجز بنماذج من كتب الجرح والتعديل

- ‌الفصل الرابع: كتب تواريخ الرجال المحلية

- ‌المبحث الأول: ما المراد بها ومتى ظهرت

- ‌المبحث الثاني: من أهم المصنفات في تواريخ الرجال المحلية

- ‌المبحث الثالث: تعريف موجز بـ "تاريخ بغداد

- ‌الفصل الخامس: كتب معرفة الأسماء وتمييزها

- ‌المبحث الأول: كتب الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المبحث الثاني: كتب المؤتلف والمختلف

- ‌المبحث الثالث: كتب المتفق والمفترق والمشتبه

- ‌المبحث الرابع: كتب الوفيات

- ‌المبحث الخامس: كتب معاجم الشيوخ

- ‌الباب الثاني: الكتب المصنفة في رجال كتب مخصوصة

- ‌الفصل الأول: ما ألف في هذا النوع إلى نهاية القرن السابع الهجري

- ‌المبحث الأول: ما ألف من ذلك في رجال كتاب مفرد

- ‌المبحث الثاني: ما ألف في الجمع بين رجال الصحيحين

- ‌المبحث الثالث: ما ألف في الجمع بين رجال الكتب الستة

- ‌الفصل الثاني: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي وعناية العلماء به

- ‌المبحث الأول: تعريف موجز بـ تهذيب الكمال

- ‌المبحث الثاني: عناية العلماء بـ "تهذيب الكمال

- ‌الباب الثالث: أنواع علوم الحديث المتعلِّقة بشخص الراوي أو اسمه مما لم يسبق ذكره في الباب الأول

- ‌الفصل الأول: الأنواع المتعلقة بشخص الراوي

- ‌المبحث الأول: معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر

- ‌المبحث الثاني: رواية الآباء عن الأبناء وعكسه

- ‌المبحث الثالث: معرفة الإخوة والأخوات

- ‌الفصل الثاني: أنواع علوم الحديث المتعلقة باسم الراوي

- ‌المبحث الأول: معرفة الوحدان

- ‌المبحث الثاني: معرفة الأفراد من أسماء الرواة

- ‌المبحث الثالث: من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌المبحث الرابع: المبهمات

- ‌المبحث الخامس: المنسوبون لغير آبائهم

- ‌المبحث السادس: معرفة النسب التي على خلاف ظاهرها

- ‌المبحث السابع: معرفة الموالي من الرواة

- ‌الباب الرابع: مدارس العلم في القرنين الأول والثاني الهجريين

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: مدارس العلم ومراكزه الأولى بحسب ما ذكره الإمام ابن المديني

- ‌المبحث الأول: الأئمة الذين عليهم مدار الرواية في الأمصار

- ‌المبحث الثاني: مدرسة المدينة النبوية

- ‌المبحث الثالث: مدرسة الكوفة

- ‌المبحث الرابع: مدرسة مكة

- ‌الفصل الثاني: مدارس العلم بحسب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه

- ‌المبحث الأول: من أهل المدينة

- ‌المبحث الثاني: أصحاب عبد الله بن عباس من أهل مكة

- ‌المبحث الثالث: الفقهاء من أهل الكوفة

- ‌المبحث الرابع: ومن فقهاء أهل البصرة

- ‌المبحث الخامس: من فقهاء الشام ومصر وخراسان

- ‌الباب الخامس: نماذج من طبقات ومراتب الرواة عن أعيان الثقات ومن يرجح قوله منهم عند الاختلاف

- ‌الفصل الأول: من مدرسة المدينة النبوية

- ‌المبحث الأول: أصحاب نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌المبحث الثاني: أصحاب الزهري

- ‌الفصل الثاني: من مدرسة الكوفة

- ‌المبحث الأول: أصحاب الأعمش

- ‌المبحث الثاني: أصحاب سفيان الثوري

- ‌الفصل الثالث: من أهل مكة والبصرة والشام ومصر

- ‌المبحث الأول: من أهل مكة: أصحاب عمرو بن دينار (ت 126ه

- ‌المبحث الثاني: من أهل البصرة

- ‌المبحث الثالث: من أهل الشام ومصر

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌المبحث الرابع: تعريف موجز بنماذج من كتب الجرح والتعديل

‌المبحث الرابع: تعريف موجز بنماذج من كتب الجرح والتعديل

1

الأول: التاريخ الكبير:

المؤلف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري أمير المؤمنين في الحديث، صاحب الجامع الصحيح المولود سنة (194 هـ) ، والمتوفى سنة (256 هـ) رحمة الله عليه. 2

تاريخ تأليف التاريخ الكبير:

أخرج الخطيب البغدادي بإسناده إلى أبي جعفر محمد بن أبي

1هذه النماذج هي:

أ- التاريخ الكبير للبخاري.

ب- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.

جـ- الثقات لابن حبان.

د- معرفة المجروحين من المحدِّثين لابن حبان أيضاً

هـ- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي.

وأقتصر عليها للأسباب الآتية:

أ - أنها شاملة لأنواع كتب الجرح والتعديل.

ب - أن كلَاّ منها مطبوع.

جـ- أنها من أوسع وأشمل كتب الجرح والتعديل.

2انظر ترجمته في: تاريخ بغداد (2 / 4- 34) ، سير أعلام النبلاء (12 / 391 - 471) .

ص: 145

حاتم الوراق - وراق البخاري - قال: "قال أبو عبد الله البخاري: فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنِّف قضايا الصحابة والتابعين وأقوالهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب " التاريخ" إذ ذاك عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة، وقلَّ اسمٌ في "التاريخ" إلَاّ وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويلَ الكتاب".

ثم قال: "هؤلاء لمْ يَفهموا كيف صنعتُ كتابي "التاريخ" ولا عرفوه، صنفته ثلاث مرات1، وصنفتُ جميعَ كُتبي ثلاث مرات2. 3

طريقة ترتيبه:

رتب البخاري رحمه الله "تاريخه الكبير" على حروف المعجم مراعياً في ذلك الحرف الأول فقط، ثم يرتب الأسماء المشتركة - إذا كثرت - على الأول - أيضاً - من اسم الأب. 4

وقدم المحمدين لشرف اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدم في كل

1قال المعلمي في مقدمة "موضح أوهام الجمع والتفريق"(/10-11) : "معنى هذا أنه بدأ فقيَّد التراجم بغير ترتيب، ثم كرَّ عليها فرتَّبها على الحروف، ثم عاد فرتب تراجم كل حرفٍ على الأسماء: باب إبراهيم، باب إسماعيل وهكذا".

2قال المعلمي في المصدر السابق: "يعني - والله أعلم - أنه يصنف الكتاب ويخرجه للناس، ثم يأخذ فيزيد في نسخته ويصلح ثم يخرجه ثانية، ثم يعود يزيد ويصلح حتى يخرجه الثالثة، وهذا ثابت لـ "التاريخ الكبير".

3تاريخ بغداد (2 / 7) ، وسير أعلام النبلاء (12 / 403) .

4انظر: موضح أوهام الجمع والتفريق (1 / 11)، وبحوث في تاريخ السنة (ص: 112 - 113) .

ص: 146

حرفٍ الصحابة على غيرهم وإن خالف ذلك ترتيب أسماء الآباء في الأسماء المشتركة. 1

سياقة التراجم في التاريخ الكبير 2:

أ - يذكر اسم الراوي، واسم أبيه وجده، وكنيته، ومنتهى نسبه ونسبته، ولا يطيل في الأنساب غالباً.

ب - يذكر بعض شيوخ وتلاميذ الراوي.

ج - يذكر نموذجاً من روايته أو أكثر وذلك ليبين مكانة صاحب الترجمة في العلم وخاصة تلك التراجم التي يسرد فيها روايات كثيرة.

د - يشير كثيراً إلى عقائد وآراء المترجمين، ومشاركاتهم في الغزوات أو الفتوح وموقفهم من أحداث عصرهم، كالفتنة في زمن عثمان رضي الله عنه ووقعة الحرة مما له أثر على اتجاه الراوي وميوله.

هـ - يذكر الوظائف التي اشتغل بها بعض الرواة وخاصة القضاء والولاية.

و اهتم البخاري بذكر زمان ومكان لقاء المترجم بشيوخه أو تلاميذه 3، ولذلك ذكر في تراجم الصحابة عدادهم في الأمصار، ومن

1انظر: تعليق المعلمي على التاريخ الكبير (4 / 87 ح 2) .

وانظر أيضاً: (4 / 1 تراجم رقم: 1752، 1753، 4 / 43 - 51 تراجم رقم: 1908 - 1927)

2انظر تفصيل ذلك في تراجم الكتاب نفسه، وفي بحوث في تاريخ السنة (ص: 112 - 114)

3وقد استفاد رحمه الله من ذلك فيما بعد عندما ألَّف "الصحيح" فاشترط في رواية المعنعن ثبوت لقائه بشيوخه ولم يكتف بمجرد المعاصرة، بينما اكتفى الإمام مسلم بها مع إمكان اللقاء. علوم الحديث (ص: 60) .

ص: 147

مكث منهم في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

كما يذكر رحلات الشيوخ وتنقلهم في الأمصار.

ز - كذلك يهتم البخاري بذكر سني الوفيات.

ح - يستعمل البخاري ألفاظ الجرح والتعديل - أحياناً - ويلاحظ تورعه عن استعمال الألفاظ الحادة أو التي فيها مبالغة سواء في الجرح أو التعديل فمن ألفاظه في الجرح: "فيه نظر"، "سكتوا عنه""تركوه"، "منكر الحديث" ونحو ذلك 2.

1قال الحافظ الذهبي في الموقظة (ص: 83) : "أما قول البخاري: "سكتوا عنه" فظاهرها أنهم ما تعرَّضوا له بجرحٍ ولا تعديل، وعلمنا مقصده بها بالاستقراء: أنها بمعنى تركوه. وكذا عادته إذا قال: "فيه نظر" بمعنى أنه متهم أو ليس بثقة، فهو عنده أسوء حالاً من الضعيف". اهـ

وقال في ترجمة عبد الله بن داود الواسطي في الميزان (2 / 416) : "وقد قال البخاري فيه نظر، ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً"، وقال في ترجمة عثمان بن فائد من الميزان (3 / 51-52) :"قال البخاري: في حديثه نظر، وقلَّ أن يكون عند البخاري رجلٌ فيه نظر إلا وهو متَّهم".اهـ

2ذكر الذهبي في السير (12 / 439 - 441) قول البخاري: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً".

ثم قال: "صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعِّفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر ونحو هذا، وقلَّ أن يقول: فلانٌ كذاب، أو كان يضع الحديث، حتى أنه قال: إذا قلت: فلان في حديثه نظر فهو متهم واهٍ، وهذا معنى قوله: "لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً" وهذا والله غاية الورع". اهـ

وقال الحافظ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث"(ص: 106) : "ومن ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه، أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده، لكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك".اهـ

وقال الحافظ في "مقدمة الفتح"(ص: 480) : "وللبخاري في كلامه على الرجال توقٍّ زائد، وتحرٍّ بليغ يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل، لأنه أكثر ما يقول: سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه ونحو هذا، وقلَّ أن يقول: كذَّاب، أو وضَّاع، وإنما يقول: كذَّبه فلان، رماه فلان يعني بالكذب".اهـ

ص: 148

ومن ألفاظه في التعديل: "ثقة"، "حسن الحديث" ونحو ذلك.

عدد تراجم التاريخ الكبير:

قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : "أخبرني فقيه من فقهائنا عن أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي - رحمنا الله وإياه - أنه قال: قد بلغ رواة الحديث في كتاب "التاريخ" لمحمد بن إسماعيل قريباً من أربعين ألف رجل وامرأة". 1

وقال الحافظ الذهبي (ت 748 هـ) : "تاريخ البخاري يشتمل على نحو من أربعين ألفاً وزيادة، وكتاب "الضعفاء" دون السبع مئة نفس". 2

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي (ت 1386 هـ) :

1المدخل إلى الصحيحين (ص: 111) .

2سير أعلام النبلاء (12 / 470) .

ص: 149

"وفي تاريخ البخاري بضعة عشر ألف ترجمة". 1

وبلغ عدد التراجم في النسخة المطبوعة من "تاريخ البخاري": (13308) . 2

الثاني: كتاب الجرح والتعديل:

المؤلف: هو الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام أبو محمد

عبد الرحمن بن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ولد سنة (240 هـ) ، ارتحل به أبوه فأدرك الأسانيد العالية، صاحب المصنفات الشهيرة المتنوعة، مات سنة

1الموضح لأوهام الجمع والتفريق (1 / 8) من المقدمة.

2هذا حسب النسخة المطبوعة بتحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في حيدر آباد الهند، وصوِّرت في بيروت بعد حذف مقدمة المعلمي للكتاب، وقد أُسيء للكتاب بحذفها.

تنبيه: لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي (ت 1386 هـ) رحمه الله صاحب كتاب "التنكيل" ومحقق "التاريخ الكبير" للبخاري و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم وغيرها دراسة مفيدة جداً عن "التاريخ الكبير"، وبيان حقيقة ما خطَّأ فيه الرازيان أبو زرعة وأبو حاتم، وكذا الخطيب البغدادي وغيرهم البخاريَّ في "تاريخه" وذلك في مصدرين، الأول: في مقدمة الموضح لأوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي (1 / 8 - 14)، والثاني: في مقدمة "بيان خطأ البخاري في تاريخه" لابن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ) الصفحات (أ، ح، د، و،) وهو مطبوع في آخر الجزء التاسع من التاريخ الكبير.

ص: 150

(327 هـ) . 1

يتكون كتاب الجرح والتعديل من قسمين:

الأول: تقدمة المعرفة للجرح والتعديل. 2

والثاني: كتاب الجرح والتعديل.

قال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - محقق كتاب الجرح والتعديل -:

"كتاب تقدمة المعرفة للجرح والتعديل هو كتاب بمنزلة الأساس أو التمهيد لكتاب "الجرح والتعديل" افتتحه المؤلف ببيان الاحتياج إلى السُّنَّة وأنها هي المبيِّنة للقرآن، ثم بيان الحاجة إلى معرفة الصحيح من السقيم، وأن ذلك لا يتم إلا بمعرفة أحوال الرواة، وأن معرفة الصحيح والسقيم ومعرفة أحوال الرواة إنما يتمكن منها الأئمة النقاد.

ثم أشار إلى طبقات الرواة، وذكر نبذة في تنزيه الصحابة وتثبيت عدالتهم، ثم الثناء على التابعين، ثم ذكر أتباعهم، وذكر مراتب الرواة، ثم ذكر الأئمة وسرد بعض أسمائهم، ثم تخلص إلى مقصود الكتاب - التقدمة - وهو شرح أحوال مشاهير الأئمة كمالك بن أنس، وسفيان ابن عيينة، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج وغيرهم وساق لكل واحد من الأئمة ترجمة مبسوطة تشتمل على بيان علمه وفضله ومعرفته

1تذكرة الحفاظ (3 / 829) ، سير أعلام النبلاء (13 / 263) .

2تضمن المجلد الأول من الجرح والتعديل كله هذه التقدمة، وللمؤلف رحمه الله مقدمة أخرى تقع في ثمانٍ وثلاثين صفحة من أول المجلد الثاني من الجرح والتعديل، وهي لا تقل أهمية عن تلك التقدمة الأولى.

ص: 151

ونقده وغير ذلك من أحواله، وجاء في ضمن ذلك فوائد غزيرة جداً في النقد والعلل ودقائق الفن لا توجد في كتاب آخر. 1 اهـ

القسم الثاني: كتاب الجرح والتعديل.

عن منهجه وترتيبه:

قال المؤلف رحمه الله: "وقصدنا بحكايتنا الجرح والتعديل في كتابنا هنا إلى العارفين به العالمين له متأخراً بعد متقدم إلى أن انتهت بنا الحكاية إلى أبي وأبي زرعة رحمهما الله، ولم نحك عن قوم قد تكلموا في ذلك لقلة معرفتهم به، ونسبنا كل حكاية إلى حاكيها والجواب إلى صاحبه، ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسؤولين عنهم فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم، وألحقنا بكل مسؤول عنه ما لاق به، وأشبهه من جوابهم.

على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من رُوي عنه العلم رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله تعالى.

وخرجنا الأسامي كلها على حروف المعجم وتأليفها، وخرجنا ما كثر منها في الحرف الواحد على المعجم أيضاً في أسماء آبائهم 2

1الجرح والتعديل (1 / ط) من مقدمة المحقق.

2وربما توسع في الترتيب كما فعل فيمن اسمه محمد، واسم أبيه عبد الله، رتَّبهم على أبوابٍ باعتبار أول اسم الجد، من اسمه محمد واسم أبيه عبد الله وأول اسم جده ألف. ثم من اسمه محمد واسم أبيه عبد الله وأول اسم جده باء، وهكذا، ويختم كل اسم من الأسماء التي تكثر التراجم فيها بباب لمن يسمى ذاك الاسم ولم ينسب، ويختم كل حرف ببابٍ للأفراد، وهم الذين لا يوجد في الرواة من يسمى إلا واحداً. اهـ ملخصاً من مقدمة المعلمي لتقدمة المعرفة للجرح والتعديل (1 / يد) .

ص: 152

ليسهل على الطالب إصابة ما يريد منها ويتجه لموضع الحاجة إليها إن شاء الله تعالى". 1

عدد تراجمه:

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي (ت 1386 هـ) : "الكتاب كبير لعله يحتوي على قريب من عشرين ألف ترجمة". 2

وبلغت تراجم الكتاب حسب ترقيم النسخة المطبوعة في بيروت التي هي صورة عن طبعة حيدر آباد التي حققها الشيخ عبد الرحمن المعلمي (18040) ترجمة.

عن مكانة وأهمية كتاب الجرح والتعديل:

يقول محققه عبد الرحمن المعلمي: "ألَّف الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري "تاريخه الكبير"، وكأنه حاول استيعاب الرواة من الصحابة فمن بعدهم إلى طبقة شيوخه، وللإمام البخاري رحمه الله إمامته وجلالته وتقدمه، ولـ "تاريخه" أهميته ومزاياه، لكن "تاريخ البخاري" خال في الغالب من التصريح بالحكم على الرواة بالتعديل والجرح، أحسَّ الإمامان الجليلان أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وأبو

1الجرح والتعديل (2 / 38) من مقدمة المؤلف رحمه الله.

2مقدمة المعلمي لتقدمة المعرفة للجرح والتعديل (1 / يو) .

ص: 153

زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي وهما من أقران البخاري ونظرائه في العلم والمعرفة والإمامة، أحسَّا بهذا النقص فأحبَّا تكميله - فأقعدا ابن أبي حاتم الرازي يسألهما فيجيبانه -، وحرص ابن أبي حاتم بإرشاد ذينك الإمامين على استيعاب نصوص أئمة الفن في الحكم على الرواة بتعديل أو جرح، وقد حصل في يده ابتداءً: نصوص ثلاثة من الأئمة وهم أبوه، وأبو زرعة، والبخاري.

ثم تتبع نصوص الأئمة فأخذ عن أبيه، ومحمد بن إبراهيم بن شعيب ما روياه عن عمرو بن علي الفلاس مما قاله باجتهاده أو يرويه عن مشائخه كيحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي أو مشايخهم كالثوري وشعبة وغيرهما، وحرص على الاتصال بجميع أصحاب الأئمة أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم. وبالجملة فقد سعى أبلغ سعي في استيعاب جميع أحكام أئمة الجرح والتعديل في الرواة إلى عصره ينقل كل ذلك بالأسانيد الصحيحة المتصلة بالسماع أو القراءة بالمكاتبة".

ثم قال: "فهذا الكتاب هو بحق أم كتب هذا الفن ومنه يستمد جميع من جاء بعده، ولذلك قال المزي في خطبة تهذيبه: (واعلم أن ما كان في هذا الكتاب من أقوال أئمة الجرح والتعديل ونحو ذلك فعامته منقول من كتاب "الجرح والتعديل"

ص: 154

لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي الحافظ ابن الحافظ" 1 اهـ ملخصاً بتصرف. 2

الثالث: كتاب الثقات لابن حبان:

المؤلف: هو الإمام الحافظ المجود شيخ خراسان أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي الدارمي البستي صاحب الكتب المشهورة والمصنفات المتنوعة، ولد سنة بضع وسبعين ومئتين، ومات سنة (354 هـ) . 3

منهج ابن حبان فى كتاب الثقات:

كثر الكلام عن منهج ابن حبان في كتاب "الثقات" عند المتأخرين، لكنني لم أقف على كلام لأحد من المتقدمين في ذلك أعني ما قبل القرن السادس الهجري.

وأولى من يعبر عن منهجه هو نفسه حيث يقول رحمه الله:

"إني أملي في ذكر من حمل عنه العلم كتابين: كتاباً أذكر فيه الثقات من المحدثين، وكتاباً أبيِّن فيه الضعفاء والمتروكين، وأبدأ منها بالثقات، فنذكر ما كانوا عليه في الحالات.

فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومولده، ومبعثه، وهجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنَّته.

ثم نذكر بعده الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلى أن قتل

1تهذيب الكمال (1 / 152) .

2مقدمة المعلمي لتقدمة المعرفة للجرح والتعديل (1 / يب، يج)

3سير أعلام النبلاء (16 / 92) ، التذكرة (3 / 920) .

ص: 155

عليٌّ رضي الله عنه. 1

ثم نذكر صحب رسول االله صلى الله عليه وسلم واحداً واحداً على المعجم 2 إذ هم خير الناس قرناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقاليم كلها على المعجم 3 إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين. 4

ثم نذكر القرن الرابع الذين رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا5. ولا أذكر في هذا الكتاب إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم".

ثم قال: "فكل من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق

1استغرق هذا القسم المجلدين: الأول والثاني من النسخة المطبوعة بالهند، وختم هذا القسم بذكر خلفاء بني أمية، وبني العباس إلى خلافة المطيع بن المقتدر العباسي الذي كان معاصراً له، وقال عنهم: إنهم كانوا ملوكاً.

2قال ابن حبان في أول هذه الطبقة: "ثم إنَّا ذاكرون أسماء الصحابة، ونقصد منهم من روي عنه الأخبار، لأنه أدعى إلى العلم، وأنشط للفهم، فأما من لم يرو عنه الأخبار فقد ذُكر بالأفعال والآثار فقد تقدم ذكرنا لهم قبل في قسم السيرة، ونقصد في ذكر هؤلاء إلى المعجم في أسمائهم مراعياً الحرف الأول فقط كما فعل البخاري، وابن أبي حاتم ليكون أسهل عند البغي لمن أرادهم".

الثقات (3 / 1) وقد استغرق هذا القسم المجلد الثالث من النسخة المطبوعة.

3انظر تراجم هذه الطبقة في المجلدين الرابع والخامس من المطبوعة.

4انظر تراجم هذه الطبقة في المجلدين السادس والسابع من المطبوعة.

5انظر تراجم هذه الطبقة في المجلدين الثامن والتاسع من المطبوعة.

ص: 156

يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال:

1-

إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره.

2-

أو يكون دونه رجل واهٍ لا يجوز الاحتجاج بروايته.

3-

أو يكون الخبر مرسلاً لا يلزمنا به حجة.

4-

أو يكون منقطعاً لا يقوم بمثله حجة.

5-

أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه

، وربما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ وقد ضعفه بعض أئمتنا ووثقه بعضهم، فمن صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيِّرة التي بيَّنتها في كتاب "الفصل بين النقلة" أدخلته في هذا الكتاب لأنه يجوز الاحتجاج بخبره ومن صح عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب "الفصل بين النقلة" لم أذكره في هذا الكتاب، لكني أدخلته في كتاب "الضعفاء" 1 لأنه لا يجوز الاحتجاج بخبره.

فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره حتى يتبين ضده، إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كُلِّفوا

1يعني كتاب: المجروحين من المحدِّثين، وسيأتي الحديث عنه قريباً.

ص: 157

الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم. 1 اهـ ملخصاً

ويقول رحمه الله عن منهجه في سياق التراجم: خير الناس قرناً بعد الصحابة من شَافَهَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن، وإنما نملي أسماءهم وما نعرف من أنبائهم من الشرق إلى الغرب على حروف المعجم، إذ هو أدعى للمتعلم إلى حفظه، وأنشط للمبتدئ في وعيه، ولست أعرج في ذلك على تقدم السن ولا تأخره، ولا جلالة الإنسان ولا قدره، بل أقصد في ذلك اللقاء دون الجلالة والسن؛ لأن اللقاء يشملهم جميعاً.

غير أنا نذكر ما نعرف من أنسابهم وأقدارهم، وأذكر عند كل شيخ منهم شيخاً فوقه وآخر دونه ليعتبر المتأمل للحفظ بهما فيقيس من وراءهما عليهما". 2

وقال - في آخر الطبقة الرابعة -: "فربما تقدم موت إنسان ذكرته من هذه الطبقة أو تأخر موته وبينهما مئة سنة أو أقل أو أكثر، فأدخلناهما في قرن واحد لطبقة واحدة لاستوائهما في اللقي، وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد أدخلناه في كتاب التابعين سواء تأخر موته أو تقدم، وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان في اللقي أدخلناه في كتاب تبع التابعين بعد أن يكونوا ثقات، وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس في اللقي أدخلناه في كتاب تبع الأتباع هذا، ولم أعتبر برواية المدلسين عنه ولا

1الثقات (1 / 10 - 13) ، وراجع أيضاً (2 / 1 ح 2) .

2الثقات (4 / 3) .

ص: 158

الضعفاء".1

آراء العلماء في توثيق ابن حبان للمجاهيل 2:

1-

قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن حبان:

إذ الناس على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يروِ عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها".

قال الحافظ: "وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذ انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهبٌ عجيبٌ الجمهور على خلافه، وهذا مسلكه في كتاب "الثقات"، فإنه يذكر خلقاً ممن نصَّ عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون، وكأنَّ عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره". 3 اهـ ملخصاً

2-

وقال الحافظ السيوطي: "وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو عند ابن حبان ثقة، وفي كتاب "الثقات" له كثير ممن هذه حاله، ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله،

1الثقات (9 / 293) .

2اقتصرت هنا على آراءٍ ثلاثة من أشهر الذين خبروا منهج ابن حبان في ثقاته، وذكروا ماله وما عليه في ذلك المنهج، وأقوال غيرهم ترجع إلى أقوالهم غالباً، والله أعلم.

3لسان الميزان (1 / 14) .

ص: 159

ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك". 1

3-

قال عبد الرحمن المعلمي: "فابن حبان قد يذكر في الثقات من يجد البخاري سمَّاه في "تاريخه" من القدماء وإن لم يعرف ما روى، وعمن روى، ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره، وإن كان الرجل معروفاً مكثراً، والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك محمد بن سعد، وابن معين، والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد وإن لم يروِ عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلَاّ حديث واحد". ثم نقل عن ابن حبان تصريحه بأن الناس على الصلاح والعدالة حتى يثبت القدح، واستغراب ابن حجر لذلك ثم قال:"ولو تدبر - يعني ابن حجر - لوجد كثيراً من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي فوجدها مستقيمة تدل على صدقٍ وضبطٍ ولم يبلغه ما يوجب طعناً في دينه وثَّقَهُ، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف". 2 اهـ ملخصاً.

وقال رحمه الله: "والتحقيق أن توثيقه على درجات:

الأولى: أن يصرح به كأن يقول: كان متقناً أو مستقيم الحديث ونحو ذلك.

1تدريب الراوي (1 / 108) .

2التنكيل (1 / 66 -67) .

ص: 160

الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.

الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.

الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف الرجل معرفة جيدة.

الخامسة: ما دون ذلك.

فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم". 1

الرابع: كتاب معرفة المجروحين من المحدثين:

المؤلف: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البستي المتوفى سنة (354 هـ) .

منهجه في كتابه:

1-

قال في خطبة كتابه: "وإني ذاكر ضعفاء المحدثين وأضداد العدول من الماضين ممن أطلق أئمتنا عليهم القدح، وصح

1التنكيل (1 / 437 - 438)، وعلَّق على هذا الكلام الشيخ ناصر الألباني فقال:"هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف رحمه الله وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره، غير أنه قد ثبت لديَّ بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يُعرف، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ كالذهبي وابن حجر وغيرهما من المحقِّقين فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة، بل والتي قبلها أحياناً".

ص: 161

عندنا فيهم الجرح، وأذكر السبب الذي من أجله جُرِح والعلة التي بها قُدِح، ليرفض سلوك الاعوجاج بالقول بأخبارهم عند الاحتجاج، وأقصد في ذلك ترك الإمعان والتطويل، وألزم الإشارة إلى نفس التحصيل". 1

وقال - أيضاً -: "وإنما نملي أسامي من ضُعِّف من المحدِّثين وتكلم فيه الأئمة المرضيون، ونذكر ما يعرف من أنسابهم وأسمائهم، ونذكر عند كل شيخ منهم من حديثه ما يستدل به على وهيٍ في روايته تلك.

وأقصد في ذكر أسمائهم المعجم إذ هو أدعى للمتعلم إلى الحفظ وأنشط للمبتدئ في وعيه وأسهل عند البغية لمن أراده". 2

2-

قدم ابن حبان لكتابه بمقدمة طويلة ونفيسة - استغرقت خمساً وتسعين صفحة من الكتاب - ومن أهم موضوعاتها:

أ- ذكر الأحاديث في الحث على حفظ السنن ونشرها.

ب- التغليظ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ج- ذكر الأمر بجرح الضعفاء واستحباب معرفة الضعفاء من المحدِّثين.

هـ- ذكر أول من وقى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ذكر بعض السبب الذي من أجله منع عمر الصحابة من إكثار الحديث، وقد

1معرفة المجروحين (1 / 4) .

2معرفة المجروحين (2 / 4)، و (92 ب) من نسخة آيا صوفيا الخطية نقلاً عن بحوث في تاريخ السنة (ص: 98) ، ولم أجده في المطبوع.

ص: 162

أطال في أئمة الجرح الذين وقوا الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عصر الصحابة إلى عصره. 1

هـ- ذكر أنواع جرح الضعفاء وقد بلغت هذه الأنواع عشرين نوعاً. 2

و ذكر إثبات النصرة للطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وفسرها بأهل الحديث.

ز- ختم تلك المقدمة بذكر أجناس من أحاديث الثقات التي لا يجوز الاحتجاج بها عند التفرد، وذكر من ذلك ستة أجناس.

3-

غالب تراجم الرواة فيه تتضمن:

أ- الاسم واسم الأب ومنتهى النسب أو النسبة.

ب- أقوال أئمة الجرح والتعديل في الراوي بالأسانيد، كما يبدي رأيه في معظم التراجم.

ج- يذكر عداده في الأمصار وعقيدته أحياناً.

د- يختم الترجمة غالباً برواية الأحاديث التي أنكرها عليه المحدثون.

هـ- يعد كتاب ابن حبان هذا سجلاً فريداً ومرجعاً هامَّاً في ضعفاء المحدثين، كما جمع كثيراً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولذلك اعتمد عليه الأئمة من بعده كابن الجوزي في "موضوعاته"، والذهبي في "الميزان".

1انظر: معرفة المجروحين (1 / 34 - 62) .

2معرفة لمجروحين (1/ 62 - 88) .

ص: 163

الخامس: كتاب الكامل في ضعفاء الرجال:

المؤلف: الإمام الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني، ويعرف - أيضاً - بابن القطان صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة، ولد سنة (277 هـ) ، توفي سنة (365 هـ) . 1

منهجه فى كتابه:

1-

بدأ كتابه رحمه الله بمقدمة نفيسة ومفيدة، ومن أهم ما اشتملت عليه:

أ- منهجه فيما ذكر من التراجم.

ب- أبواب جامعة في الكذب وتشديد العقوبة فيه، وذكر فيها ثلاثين باباً كلها مفيدة.

ج- ذكر من استجاز لنفسه الكلام في الرجال وقبل الناس قولهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طبقة طبقة إلى زمانه رحمه الله، وذكر فضائلهم والمعنى الذي به يستحقون الكلام في الرجال وتسليم الأئمة لهم بذلك.

د- صفة من يؤخذ عنه العلم والنهي عن أخذ العلم عمن لا يرضى عنه، لأن العلم دين وغير ذلك.2

2-

قال رحمه الله في بيان منهجه في كتابه -:

"وأنا أذكر في كتابي هذا كل من ذكر بضرب من الضعف، ومن اختلف فيه فجرحه البعض وعدَّله البعض الآخر، ومرجح قول

1انظر: ترجمته في: تذكرة الحفاظ (3 / 940) .

2انظر: الكامل (1 / 1 - 168) من طبعة دار الفكر، وقد حقق هذه المقدمة الأستاذ صبحي السامرائي في (270) صفحة تقريباً.

ص: 164

أحدهما مبلغ علمي من غير محاباة، فلعل من قبَّح أمره أو حسَّنه تحامل عليه أو مال إليه، وذاكر لكل رجل منهم مما رواه ما يضعَّف من أجله، أو يلحقه بروايته له اسم الضعف لحاجة الناس إليها؛ لأقرِّبه على الناظر فيه، وصنفته على حروف المعجم 1 ليكون أسهل على من طلب راوياً منهم، ولا يبقى من الرواة الذين لم أذكرهم إلا من هو ثقة أو صدوق وإن كان ينسب إلى هوىً هو فيه متأوِّل، وأرجو أني أشبع كتابي هذا، وأشفي الناظر فيه، ومضمِّنٌ ما لم يذكره أحد ممن صنَّف في هذا المعنى شيئاً، وسميته كتاب "الكامل في ضعفاء الرجال" ملتمساً في كل ذلك رضى الله عز وجل".2

1على طريقة من قَبْله ومعاصريه كالبخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان في الاكتفاء بالترتيب على الحرف الأول من الاسم فقط.

2انظر: الكامل (1 / 15 -16) .

ص: 165