الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: طبقات الرواة في عصر الرواية
اتفق علماء الحديث على اعتبار القرون الثلاثة الأولى للهجرة - القرون المفضلة - هي عصر الرواية وبعضهم يدخل أهل المائة الرابعة كذلك في عصر الرواية - وإن كان استعمال الإسناد والتأكيد عليه قد استمر إلى ما بعد القرن الخامس تقريباً - ويؤيد هذا الاتفاق ما جاء في النصوص الآتية:
1-
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ". 1
2-
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".
1رواه البخاري في فضائل الصحابة، الفتح (7 / 3) ح 3649.
قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة: ثم يكون بعدهم قَوْم يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلا يوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". 1
3-
وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ أَنَا فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ". 2
4-
قال الحافظ ابن حبان البستي (ت 354 هـ) :
"إني أملي في ذكر من حمل عنه العلم كتابين: كتاباً أذكر فيه الثقات من المحدثين، وكتاباً أبين فيه الضعفاء والمتروكين، وأبدأ منهما بالثقات، نذكر من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً واحداً على المعجم، إذ هم خير الناس قرناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله في الأقاليم كلها على المعجم، إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرناً، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين وأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين، ثم نذكر القرن الرابع الذي رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا
1رواه البخاري في فضائل الصحابة، الفتح (7 / 3) ح 3650.
ورواه مسلم في فضائل الصحابة (4 / 1964) ح 214، ورواه مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة وابن مسعود في الموضع نفسه (ح 210، 213) .
2رواه الإمام أحمد في المسند (5 / 357) ، وابن حبان في كتاب الثقات (8 / 1)، وقال: هذه اللفظة: "ثم الذين يلونهم" في الرابعة، تفرد بها حماد بن سلمة، وهو ثقة مأمون، وزيادة الألفاظ عندنا مقبولة عن الثقات.
القرن ينتهي إلى زماننا هذا" 1 انتهى.
5-
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) :
"فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاث مائة". 2
وقال أيضاً: "ومن هذا الوقت - أواخر المائة الرابعة من الهجرة - تناقص الحفظ، وقلَّ الاعتناء بالآثار، وركن العلماء إلى التقليد، وكان التشيع والاعتزال والبدع ظاهرة بالعراق، لاستيلاء آل بُوَيْه ثَمَّ، وبمصر والشام والمغرب، لاستيلاء بني عُبيد الباطنية نسأل الله العافية". 3
فمن هذه النصوص يمكن حصر طبقات الرواة الرئيسة في عصر الرواية في الطبقات الآتية:
الأولى: الصحابة رضوان الله عليهم.
الثانية: التابعون.
الثالثة: أتباع التابعين.
الرابعة: تبع الأتباع.
الطبقة الأولى: الصحابة الكرام رضي الله عنهم:
1الثقات لابن حبان (4 / 1) .
2ميزان الاعتدال (1 / 4) .
3رسالة ذكر من يعتمد قوله -ضمن أربع رسائل نشرها أبو غدة- (ص: 195) ، ذكر الذهبي ذلك تعليقاً في نهاية الطبقة التاسعة من طبقات من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، والتي ختمها بترجمة أبي أحمد الحاكم (ت 378 هـ) .
قال الإمام ابن أبي حاتم (ت 327 هـ) :
"فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده" انتهى ملخصاً. 1
وسيأتي مزيد تفصيل عن هذه الطبقة في الفصل الثاني من هذا الباب بإذن الله.
الطبقة الثانية: التابعون:
يقال للواحد منهم: تابع وتابعي: وهو من لقي واحداً من
الصحابة. 2
وقال الخطيب: "التابعي: من صحب الصحابي". 3
واشترط ابن حبان أن يكون عند رؤيته للصحابي في سن من يحفظ، وهو نظير اشتراط التمييز في الصحابي عند رؤيته لرسول الله. 4
1تقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1 / 7) .
2معرفة علوم الحديث للحاكم (41 - 42) ، علوم الحديث لابن الصلاح (271) .
3الكفاية (ص: 59) .
4الثقات (6 / 269) في ترجمة خلف بن خليفة.
أهمية معرفة التابعين:
قال الحافظ ابن أبي حاتم (ت 327 هـ) : فخلف من بعد الصحابة التابعون، الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه
…
فحفظوا عن الصحابة ما نشروه وبثوه من الأحكام والسنن والآثار
…
فأتقنوه، وعلموه، وفقهوا فيه، فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل ونصبهم له، إذ يقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 1، فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم بها عن أن يلحقهم مغمز أو تدركهم وصمة لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه، وإقامة سننه وسبله، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماماً مبرزاً مقدماً في الفضل والعلم ووعي السنن وإثباتها، ولزوم الطريقة واحتذائها، ورحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين، إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم ولا هو في مثل حالهم لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان" 2 اهـ ملخصاً.
وقال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : " وهذا نوع - يعني معرفة التابعين - يشتمل على علوم كثيرة، فإنهم على طبقات في الترتيب، ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يُفَرِّق بين الصحابة والتابعين ثم لم يفرق أيضاً بين التابعين وأتباع التابعين
…
وقد ذكرهم
1سورة التوبة - الآية (100) .
2تقدمة الجرح والتعديل (1 / 8) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
…
" فخير الناس قرناً بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن وهم - الصحابة - قد شهدوا الوحي والتنزيل". 1
وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : " هذا - معرفة التابعين - ومعرفة الصحابة أصل أصيل يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند". 2
طبقات التابعين:
قال أبو عبد الله الحاكم: وهم خمس عشرة طبقة، آخرهم من لقي أنس ابن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة، ومن لقي عبد الله بن الحارث بن جزء من أهل مصر، ومن لقي أبا أمامة الباهلي من أهل الشام". 3
وقال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : " ثم إن التابعين طباق، فجعلهم مسلم في كتاب "الطبقات" - مطبوع - ثلاث طبقات، وكذا فعل محمد بن سعد في "الطبقات"، وربما بلغ بهم أربع طبقات" اهـ. 4
وكذلك فعل خليفة بن خياط في "طبقاته" مثل ما فعل ابن
1معرفة علوم الحديث (41 - 42) .
2علوم الحديث (ص: 271) .
3معرفة علوم الحديث (ص: 42) .
4شرح التبصرة والتذكرة (3 / 47) .
سعد. 1
وقد قسمها الحافظ ابن حجر في مقدمة "تقريب التهذيب". 2 إلى أربع طبقات هي: الأولى: كبار التابعين. الثانية: الطبقة الوسطى من التابعين. الثالثة: طبقة تليها جُلّ روايتهم عن كبار التابعين كالزهري وقتادة. الرابعة: الطبقة الصغرى من التابعين.
المخضرمون من التابعين:
قال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "المخضرمون من التابعين - بفتح الراء - وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لهم صحبة".
وقال صاحب "الصحاح": "لحم مخضرم - بفتح الراء - لا يدرى من ذكر هو أو من أنثى، والمخضرم أيضاً الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام مثل: لبيد الشاعر". 3
فكذلك المخضرمون مترددون بين الصحابة للمعاصرة وبين التابعين لعدم الرؤية". 4
قال ابن الصلاح (ت 643 هـ) : "وذكرهم – أي المخضرمين - الإمام مسلم فبلغ بهم عشرين نفساً منهم: أبو عمرو بن إياس الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد خير الخيواني، وأبو عثمان النّهدي، وأبو رجاء العطاردي،
1طبقات خليفة (ص: 44) من مقدمة المحقق.
2تقريب التهذيب (ص: 75) طبعة محمد عوّامة.
3الصحاح للجوهري (5 / 1914) .
4شرح التبصرة والتذكرة (3 / 55 - 56) .
وغيرهم".
ثم قال: "وممن لم يذكره مسلم: أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس، وغيرهم". 1
وقال الحافظ السخاوي: "بلغ بهم الإمام مسلم عشرين، ومغلطاي أزيد من مائة، ومن طالع "الإصابة" لشيخنا وجد منهم خلقاً، وأفردهم البرهان الحلبي الحافظ (ت 841 هـ) في جزء سماه "تذكرة الطالب المعلم فيمن يقال إنه مخضرم" 2 - مطبوع -.
من أكابر التابعين "الفقهاء السبعة" من أهل المدينة:
قال أبو عمرو بن الصلاح: "
…
وهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار.
وروينا عن الحافظ أبي عبد الله الحاكم أنه قال: "هؤلاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز". 3
وروينا عن ابن المبارك قال: "كان فقهاء أهل المدينة الذين يُصْدرون عن رأيهم سبعة".
فذكر هؤلاء، إلا أنه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن، ذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر.
"وروينا عن أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلا
1علوم الحديث (ص: 273) .
2فتح المغيث (ص: 273) .
3معرفة علوم الحديث (ص: 43) .
أنه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم". 1
أفضل التابعين:
ورد عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: "أفضل التابعين سعيد بن المسيب"، فقيل له: فعلقمة والأسود؟ فقال: "سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود".
وعنه قال: "أفضل التابعين: قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين". 2
وقال أبو عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ) : "وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي في كتاب له قال: اختلف الناس في أفضل التابعين: فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري". 3
وقال الحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) : "والصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة لما روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ" 4 الحديث.
وقد يحمل ما ذهب إليه أهل المدينة وأحمد أيضاً - من تفضيل سعيد بن المسيب على سائر التابعين - أنهم أرادوا فضيلة العلم
1علوم الحديث (ص: 273 - 274) .
2علوم الحديث لابن الصلاح (274) .
3المصدر السابق (ص: 275) .
4رواه الإمام مسلم في فضائل الصحابة (4 / 1968) ح 2542.
لا الخيرية الواردة في الحديث والله أعلم" 1 اهـ.
وقال الحافظ البلقيني (ت 805 هـ) : "والأحسن في تفضيل التابعين أن يقال: من حيث الزهد والورع: أويس القرني، ومن حيث حفظ الخبر والأثر: سعيد بن المسيب". 2
وقال ابن الصلاح: "وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال: سيدتا التابعين من النساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما - وليست كهما - أم الدرداء والله أعلم". 3
قال البلقيني: "المراد: أم الدرداء الصغرى التابعية، اسمها هجيمة، ويقال: جهيمة". 4
فوائد:
الأولى: قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) : "وطبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة: منهم إبراهيم بن سويد النخعي، وإنما روايته الصحيحة عن علقمة والأسود، ولم يدرك أحداً من الصحابة، وليس هذا بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه.
وبكير بن عبد الله بن الأشج لم يثبت سماعه من عبد الله بن الحارث ابن جزء، وإنما روايته عن التابعين.
وبكير بن أبي السمط لم يصح له عن أنس رواية، وإنما أسقط قتادة من الوسط.
وثابت بن عجلان
1التقييد والإيضاح للعراقي (ص: 283) ، شرح التبصرة والتذكرة (3 / 49 - 50) .
2محاسن الاصطلاح (ص: 517) .
3علوم الحديث (ص: 275) .
4محاسن الاصطلاح (ص: 517) .
الأنصاري لم يصح سماعه من ابن عباس، وإنما يروي عن عطاء وسعيد بن جبير عن ابن عباس.
وسعيد بن عبد الرحمن الرقاشي وأخوه واصل أبو حرة لم يثبت سماع واحد منهما من أنس.
وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين وقد لقوا الصحابة منهم: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان وقد لقي عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبا أمامة بن سهل.
وهشام بن عروة وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله.
وموسى بن عقبة وقد أدرك أنس بن مالك وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص". 1
الثانية: قال السيوطي (ت 911 هـ) : "وعد من التابعين طبقة وهم صحابة، إما غلطاً: كالنعمان وسويد ابني مقرَّن المزني عدهما الحاكم في الإخوة 2 من التابعين، وهما صحابيان معروفان.
أو لكون ذلك الصحابي من صغار الصحابة يقارب التابعين في كون روايته أو غالبها عن الصحابة كما عد مسلم من التابعين: يوسف بن عبد الله بن سلام، ومحمود بن لبيد" 3 اهـ.
الثالثة: قال الحافظ البلقيني (ت 805 هـ) :
"فائدة: أول التابعين موتاً أبو زيد معمر بن زيد، قتل بخرسان
وقيل: بأذربيجان سنة ثلاثين، وآخرهم موتاً خلف بن خليفة توفي سنة
1معرفة علوم الحديث (ص: 45) .
2المصدر السابق (ص: 154) .
3تدريب الراوي (2 / 242)، وانظر: علوم الحديث (ص: 276) .
ثمانين ومائة". 1
الرابعة: قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) :
"وفي هذا الزمان - زمان آخر التابعين وأول عصر الأتباع - ظهر بالبصرة: عمرو بن عبيد العابد، وواصل بن عطاء الغزال، ودعوا الناس إلى الاعتزال والقول بالقدر، وظهر بخرسان: الجهم بن صفوان ودعا إلى تعطيل الرب عز وجل وخلق القرآن، وظهر بخرسان في قبالته: مقاتل بن سليمان المفسر وبالغ في إثبات الصفات حتى جسَّم.
فقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف، وحذروا من بدعهم، وشرع الكبار في تدوين السنن وتأليف الفروع وتصنيف العربية، ثم كثر ذلك في أيام الرشيد وكثرت التصانيف وألفوا في اللغات، وأخذ حفظ العلماء ينقص، ودونت الكتب واتكلوا عليها، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور، فهي كانت خزائن العلم لهم رضي الله عنهم" 2 اهـ.
الطبقة الثالثة: أتباع التابعين:
1محاسن الاصطلاح (ص: 519) .
تنبيهان: الأول: باعتبار المخضرمين طبقة من التابعين - كما سبق ذكره - فيكون أقدم التابعين موتاً النجاشي رحمه الله، وهو من المخضرمين، وقد توفي في حياته صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنكر الإمام أحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة وابن حبان وغيرهم أن يكون خلف بن خليفة من التابعين، ولم يصححوا سماعه من عمرو بن حريث.
انظر: تهذيب التهذيب (3 / 150) .
2تذكرة الحفاظ (1 / 159 - 160) .
قال الحافظ ابن أبي حاتم (ت 327 هـ) : "ثم خلف التابعين تابعو التابعين، وهم خلف الأخيار وأعلام الأمصار في دين الله عز وجل ونقل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وإتقانه، والعلماء بالحلال والحرام، والفقهاء في أحكام الله عز وجل، وفروضه وأمره ونهيه، فكانوا على مراتب أربع:
الأولى: فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث، فهذا الذي لا يختلف فيه، ويعتمد على جرحه وتعديله، ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال.
الثانية: ومنهم العدل في نفسه، الثبت في روايته، الصدوق نقله، الورع في دينه، الحافظ لحديثه المتقن فيه، فذلك العدل الذي يحتج بحديثه ويوثق في نفسه.
الثالثة: ومنهم الصدوق الورع الثبت الذي يَهِمُ أحياناً، وقد قبله الجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه.
الرابعة: ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام".
ثم قال: "وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة ومن قد ظهر للنقاد والعلماء بالرجال أولي المعرفة منهم الكذب، فهذا يترك حديثه وتطرح روايته" 1 اهـ.
وقال الحافظ ابن حبان (ت 354 هـ) : "
…
خير الناس قرناً بعد
1تقدمة الجرح والتعديل (1 / 9 - 10) .
التابعين من لا يكون بينهم وبين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قرناً واحداً، وهم أتباع التابعين الذين شافهوا من شافه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى حفظوا عنهم العلم والآثار، وكثرت عنايتهم في جمع الأخبار، وأمعنوا في طلب الأحكام والتفقه فيها، وضبط أقاويل السلف فيما لم يرد فيه سنة مع الاستنباط الصحيح من الدلائل الواضحة في الأصول التي هي مفزع العالم في الأحوال ورد سائر الفروع إلى ما تقدم من الأصول، حتى حفظ الله جل وعلا بهم الدين على المسلمين وصانه عن ثلب القادحين، وجعلهم أعلى من يقتدى بهم في الأمصار، ويرجع إلى أقاويلهم في الآثار" اهـ ملخصاً. 1
فائدة معرفة "أتباع التابعين":
قال أبو عبد الله الحاكم: "النوع الخامس عشر من علوم الحديث، وهو معرفة أتباع التابعين، فإن غلط من لا يعرفهم يعظم أن يعدهم الطبقة الرابعة، أو لا يميز فيجعل بعضهم من التابعين - كما قدمنا ذكره - وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمران بن حصين عنه، فقال: "خَيْرُ النَّاسِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَلا يُسْتَحْلَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، يَفْشُو فِيهِمُ السِّمَنُ". 2
قال أبو عبد الله: "فهذه صفة أتباع التابعين، إذ جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس بعد الصحابة والتابعين المنتخبين، وهم الطبقة الثالثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم جماعة من أئمة المسلمين وفقهاء الأمصار، مثل: مالك
1الثقات (6 / 1 - 2) .
2تقدم تخريجه من "الصحيحين".
بن أنس، وأبو عمرو الأوزاعي، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج العتكي، وابن جريج المكي وغيرهم.
ثم يعد فيهم أيضاً جماعة من تلامذة هؤلاء الأئمة الذين ذكرناهم مثل: يحيى بن سعيد القطان وقد أدرك أصحاب أنس، وعبد الله بن المبارك وقد أدرك جماعة من التابعين، ومحمد بن الحسن الشيباني ممن روى "الموطأ" عن مالك وقد أدرك جماعة من التابعين، وإبراهيم بن طهمان الزاهد وقد أدرك جماعة من التابعين، وفي هذه الطبقة جماعة يشتبه على المتعلم أساميهم فتوهمهم من التابعين لنسب يجمعهم أو غير ذلك مما يشتبه على غير المتبحرين في هذا العلم مثل:
إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص لم يسمع من أحد من الصحابة، وربما نسب إلى جده فيتوهمه الراوي الحديث - إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص - وهو تابعي كبير عنده عن أبيه وغيره من الصحابة
ومنهم: حفص بن عمر بن سعد القرظ، وسعد صحابي، وحفص لم يسمع من جده ولا غيره من الصحابة، وربما نسب إلى جده فيتوهمه الواهم أنه تابعي.
ومنهم: الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، وهو الذي يعرف بحسين الأصغر الذي يروي عنه عبد الله بن المبارك وغيره، وربما قال الراوي: عن حسين بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيشتبه على من لا يتحقق أنه مرسل ويتوهمه من التابعين وليس كذلك.
ومنهم: سليمان الأحول وهو سليمان بن أبي مسلم المكي، وربما روي عنه عن ابن عباس، فيتأمل الراوي حاله، فيقول: هذا كبير - وهو خال عبد الله بن أبي نجيح - لا ينكر أنه يلقى الصحابة، وليس كذلك، فإنه من الأتباع ورواياته عن طاووس عن ابن عباس.
ومنهم: سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، وعداده في المصريين، صاحب حديث الضحية، كبير السن والمحل، روى عنه عمرو بن الحارث وشعبة والليث، وقد قيل عنه عن البراء بن عازب، فإذا تأمل الراوي محله وسنه وجلالة الرواة عنه لا يستبعد كونه من التابعين، وليس كذلك، فإن بينه وبين البراء: عبيد بن فيروز.
ومنهم: سليمان بن يسار الذي يروي عن سليمان بن بلال وابن أبي ذئب، وهذا شيخ من أهل المدينة يقال له: صاحب المقصورة، فربما خفي على من ليس هذا العلم من صنعته، ويروي رواية أتباع التابعين عنه فيتوهمه: سليمان بن يسار مولى ميمونة سابع الفقهاء السبعة".
ثم قال: "فقد ذكرنا هذه الأسامي ليستدل بها على جماعة من أتباع التابعين لم نذكرهم، ويعلم بذلك أن معرفة الأتباع نوع كبير من هذا العلم" 1 اهـ ملخصاً.
1معرفة علوم الحديث (ص: 46 - 48) .
قال أبو عبد الله الذهبي - في نهاية تراجم الطبقة السادسة وهم من أتباع التابعين: "وكان في زمان هؤلاء خلق من أصحاب الحديث ومن أئمة المقرئين - كورش والكسائي - وخلق من الفقهاء - كفقيه العراق محمد بن الحسن، وفقيه مصر عبد الرحمن بن القاسم - وخلق من مشايخ القوم - كشقيق البلخي، والفضيل المذكور -، والدولة لهارون الرشيد والبرامكة، ثم بعدهم اضطربت الأمور وضعف أمر الدولة بخلافة الأمين رحمه الله، فلما قتل واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع وأبدى صفحته وبزغ فجر الكلام وعربت حكمة الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب ونشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين، قد كانت الأمة منه في عافية، وقويت شوكة الرافضة والمعتزلة، وحمل المأمون المسلمين على القول بخلق
القرآن، ودعاهم إليه فامتحن العلماء فلا حول ولا قوة إلا بالله، إن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف، ويقدم معقول الفلاسفة ويعزل منقول أتباع الرسل، ويمارى في القرآن ويتبرم بالسنن والآثار، وتقع في الحيرة، فالفرار قبل حلول الدمار وإياك ومضلات الأهواء ومجاراة العقول ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" اهـ.
ملخصاً من تذكرة الحفاظ (1 / 328 - 329) .
الطبقة الرابعة: تبع الأتباع:
أخرج ابن حبان البستي (ت 354 هـ) بسنده إلى بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ".
ثم قال: "هذه اللفظة "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" في الرابعة: تفرد بها حماد ابن سلمة وهو ثقة مأمون، وزيادة الألفاظ عندنا مقبولة عن الثقات".1
ثم قال رحمه الله في نهاية كتابه "الثقات" -:
"قد أملينا ما حضر من ذكر تبع الأتباع على حسب ما منَّ الله عز وجل به من التوفيق لذلك وله الحمد، على حسب ما ذكرنا مَنْ
1الثقات (8 / 1) .
قبلهم من الطبقات الثلاث، فربما تقدم موت إنسان ذكرته من هذه الطبقة أو تأخر موته وبينهما مائة سنة أو أكثر، فأدخلناهم في قرن واحد لطبقة واحدة لاستوائهما في اللقي، وكل من بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد أدخلناه في كتاب التابعين سواء تأخر موته أو تقدم، وكل من بينه وبين رسول الله في اللقى رجلان أدخلناه في كتاب تبع التابعين - بعد أن يكون ثقة - وكل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنفس في اللقي أدخلته في كتاب تبع الأتباع هذا". 1
وقد ذكر أيضاً في مقدمة كتاب "الثقات": أن الطبقة الرابعة هذه تمتد إلى شيوخه حيث قال: "ثم نذكر القرن الرابع الذين رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا". 2
1المصدر السابق (9 / 293 - 294) .
2المصدر السابق (1 / 11) .
وقال رحمه الله في الثقات (9 / 296) في الحاشية: "وقد بقي من هذه الطبقة الرابعة إخوان بَعُدَ موتهم إلا أن اللقي ليس يجمع بينهم وبين من ذكرنا في هذه الطبقة ممن تأخر موته وأغضينا عنهم
…
ثم اقترح على من يأتي بعده من العلماء - أن يضمهم إلى من يحدث من اليوم إلى خمسين سنة - أي إلى نهاية القرن الرابع الهجري - لأن أمر الطبقة الخامسة يتهيأ أخراها إلى خمسين سنة، ومن عني بهذا الشأن يتكلف الجمع له بعدنا ويضم مَنْ أغضينا عنه في الطبقة الرابعة فيذكرهم لأول الطبقة الخامسة في أوائل أسمائهم على حسب ما نظمنا عليه الطبقات" اهـ.
ولعلَّ ممن يدخل في الطبقة الخامسة التي اقترحها ابن حبان، كل من: ابن حبان نفسه، وابن السكن (ت 353 هـ) ، وأبو عوانة الإسفراييني (ت 316) ، وأبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ) ، وأبو القاسم الطبراني (ت 360 هـ) ، وأبو الحسن الدارقطني (ت 385 هـ) ، وأبو بكر الإسماعيلي (ت 371 هـ) ، وأبو عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) وغيرهم.