الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: مدارس العلم في القرنين الأول والثاني الهجريين
تمهيد
…
تمهيد:
أولاً: سبق أن ذكرت في مطلع هذا البحث أن الأصل في هذا الدين تلقي الأمة له عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أوحي إليه من رب العزة والجلال.
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم تفرق الصحابة رضي الله عنهم في الأمصار التي تمكنوا من فتحها بالإسلام، وأقبل عليهم الناس ينهلون من علمهم الذي حملوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كل واحد منهم مدرسة متكاملة في الحديث والفقه والقراءة والتفسير وغير ذلك.
قال علي بن المديني: "قال مسروق: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين منهم: علي وعبد الله" 1 اهـ.
وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن مسروق بن الأجدع الهمداني قال:
"كان العلماء بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم: ستة نفر، الذين يفتون فيؤخذ بفتواهم، ويفرضون فيؤخذ بفرائضهم، ويَسُنُّونَ فيؤخذ بسنَّتهم: عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، ثم قال: فكان من هؤلاء الستة -
1العلل لابن المديني (ص: 42) .
بالكوفة ثلاثة - علي وعبد الله وأبو موسى، وثلاثة في سائر الأرض" 1 اهـ.
وقال علي بن المديني عن مسروق قال: "شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا كالإخّاذ، منهم ما يروي الرجل، ومنهم ما يروي الرجلين، ومنهم ما يروي الثلاثة، ومنهم ما يروي الناس، وكان عبد الله بن مسعود ممن يروي الناس". 2
ثم تلقى عن الصحابة هذا الدين والعلم التابعون ثم أتباع التابعين وهكذا تلقت الأمة العلم والدين خلف عن سلف جيلاً بعد جيل، حتى إذا ما دونت الكتب تُلقيت هذه الكتب وتُنوقِلت بين العلماء ولم تزل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ثانياً: أقدم من وقفت على كلامه في مدارس العلم ومراكزه الأولى هما الإمامان: علي بن عبد الله المديني (ت 234 هـ) ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) . 3
ثالثاً: قال الإمام علي بن المديني: "لم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ له صحبة يذهبون مذهبه ويفتون بفتواه، ويسلكون طريقته إلا ثلاثة:
1-
عبد الله بن مسعود.
1الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2 / 289) .
2العلل (ص: 42) .
3المصدر السابق.
2-
زيد بن ثابت.
3-
عبد الله بن عباس". 1
وقال في موضع آخر: "لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد له أصحاب يفتون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس 2.
في هذين النصين اختار ابن المديني ثلاثة أئمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يمثلون ثلاثة مراكز من مراكز العلم الأولى في الإسلام: أما مكة والمدينة فهما مهبط الوحي ومركز دولة الإسلام الأولى، ومنهما بزغ نور الإسلام وإليهما سيأرز الإيمان في آخر الزمان، وأما الكوفة فهي أول الأمصار تمصيراً في الإسلام اختطت في أول خلافة عمر رضي الله عنه وسير إليها عبد الله بن مسعود ليعلم الناس أمور دينهم".
أما اختياره لهؤلاء الأئمة فلأنهم كانوا رؤوساً في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض وقد جمعوا بين الرواية والفقه، ونلمح هذا الشرط من صنيعه رحمه الله في اختيار تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم إلى طبقة شيوخه حيث ركز اختياره على من عُرف بالرواية والفقه دون غيرهم.
أما الحافظ أبو عبد الرحمن النساني فقد توسع رحمه الله في تلك المدارس من جهتين:
الأولى: من حيث ذكره للمدارس ومراكز العلم الأخرى حيث أضاف إلى ما ذكره ابن المديني مدرسة البصرة، والشام، ومصر،
1العلل (ص: 42) .
2العلل (ص: 45) .
وخراسان.
الثانية: أنه ذكر إلى جانب المشهورين بالرواية والفقه في هذه المراكز العلمية الذين اشتهروا بالفقه ولم يكن لهم فى الرواية كبير مشاركة، كمدرسة أبي حنيفة في الكوفة مثلاً وغيرها من النماذج التى ذكرها من أهل مكة أو البصرة والشام وغيرها. 1
1انظر: النماذج في الفصل الثاني من هذا الباب.