الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الضالين
ال
مقدمة:
أما بعد:
فإن المقاصد الشرعية الإسلامية قد تزايد في العصر الحالي الاهتمام بها والالتفات إليها، وعلى مستوى البحث والتأليف والتحقيق والتدوين، وعلى مستوى التدريس والتعليم والتوعية والتثقيف.
وقد كان سبب ذلك بالأساس الحاجة الماسة، والضرورة المُلحَّة لعلم المقاصد على صعيد عملية الاجتهاد والاستنباط والإفتاء والقضاء، وعلى صعيد فهم التكليف وتعقله واستيعابه وتطبيقه، وعلى صعيد تحمل خطاب التكاليف وأداء رسالة الاستخلاف، وإقامة واجب الإصلاح والتوجيه والإرشاد في الأرض.
ومعلوم أن المقاصد الشرعية سلاح ذو حدين، يمكن استخدامها في الخير والمعروف، ويمكن توظيفها لجلب الشر والمنكر والفسادن، ولذلك وجب على العلماء والمتعلمين الإحاطة بهذا العلمن ومعرفة محتويته ومضامينه، وامتلاك أدواته وآلياته وضوابطه، بغية تطبيقه بوجه حس، وبكيفية مرضية، تجلب للناس مصالحهم الحقيقية والشرعية، وتدرأ عنهم الفساد والهلاك، وتني عن الاجتهاد والاستنباط التعسف في التفسير، والتطويع في التأويل، والإساءة في القصود والنوايا، كما تُبعد -بنفس الحرص والاهتمام- التفسير الظاهري، والتعامل الحرفي مع النصوص
والأدلة الذي لا ينظر إلا إلى المباني والظواهر والصور، دون أن يُعم تلفكر في البواطن ومعاني والمرامي والمقاصد.
فالنظر المقاصدي الأصيل يقوم على الموازنة بين الظاهر النص ومقصوده، بين مبناه ومعناه، وفق ميزان الشرع، ومعيار الاجتهاد الصحيح وضوابطه.
وهذا النظر المقاصدي هو في حقيقته يتمثل في مبدأ الوسطية الإسلامية التي تقررت بأدلة كثيرة على أنها خصيصة قطعية وسمة مؤكدة من سمات شريعة الله الغراء.
ونظرًا إلى مكانة المقاصد الشرعية في العصر الحالي بالخصوص، وفي معالجة كثير من نوازله وحوادثه، تعاقب الباحثون وطلاب العلم على تناول موضوعها بالدرس والبحث والتأليف، سواء على مستوى البحوث والمؤلفات الخاصة، أو على مستو بحوث الدراسات العليا ولترقيت والجوائز، وبحوث المجامع والهيئات الفقهية الشرعية والمراكز البحثية والدراسية.
ولم أكن لأشُذّ عن هذا الاتجاه العام في العصر الحالي -فالإنسان ابن عصره، ويتأثر بأحواله وأوضاعه؛ فقد أُغريت كي أسهم بشيء يسير وقليل في هذا الاهتمام والعناية بالمقاصد الشرعية؛ فقد جعلت رسالتي للدكتوراه مخصصة لتناول المقاصد الشرعية عند المالكية1، كما ألفت كتابًا بعنوان "الاجتهاد المقاصدي: حجيته، ضوابطه، مجالاته"2، ركزت فيه
1 نوقشت هذه الرسالة بجامعة الزيتونة العامرة سنة 1997من وقد نال صاحبها أفضل تقدير معتمد في الجامعة.
2 صدر هذا الكتاب في جزأين ضمن سلسلة كتاب "الأمة" القطرية بتاريخ جمادى الأول ورجب 1419، تحت رقم: 66-67.
على النواحي التطبيقية والتميلية والتحليلية والتدليلية للمقاصد، والحكم على كثير من نوازل العصر ومشكلاته في ضوء المقاصد الشرعية التابعة للأدلة والنصوص، وليس المستقلة عنها أو المنفلتة منها. كما أسهمت ببعض المقالات القصيرة في بعض الدوريات والمجالات.
وقد رأيت من اللازم والضروري -شرعيًا وأدبيًا وأكاديميًا- تأليف هذا الكتاب لسببين رئيسين مباشرين:
1-
الاستجابة لحاجة القرّاء في معرفة علم المقاصد وإدراك عموماته، والإلمام ببعض جزئياته ومتعلقاته كي يحققوا بهذا العلم الفهم الصحيح والتطبيق السليم للإسلام، وللتكاليف، وللاستخلاف في الأرض، وكي يتمكنوا من الرَّدّ على المزاعم الشُّبه والغايات؛ حيث يقولون: إن العبرة بالمقاصد والمعاني، ويقولون: الغايات تبرير وغير ذلك.
2-
الاستجابة لحاجة الطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ولا سيما طلاب كلية الدعوة والإعلام بالخصوص1، الذين يدرسون منهج مقاصد الشرعية في المستوى الثالث والرابع؛ فقد رأيت تدوين ما كنت ألقيه عليهم في أثناء المحاضرات، بغية تيسير المنهج لهم، ويسر مراجعته، وسهولة العودة إليه أثناء المذاكرة والاختبارات.
ولا سيما والمنهج عميق ودقيق، وهو يحتاج إلى بذل جهدي التدريس
1وكذلك طلاب المعهد العالي للقضاء، الذين يدرسون حاليًا منهج المقاصد الشرعية، وكذلك طلاب الدكتوراه بقسم أصول الفقه، وبقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة، والذين سيدرسون لاحقًا هذا المنهج.
والتأليف حتى تتحقق الغاية المرجوة منه.
وقد كنت أواخر كل فصل دراسي يبادرني الطلاب بأسئلة كثيرة تتعلق بالمنهج والبرامج، وبإعداد مذكرة تحوي المادة العلمية كلها؛ ولا سيما بالنسبة للطلاب المنتسبين والراسبين وغيرهم ممن يحتاجون إلى مدونة أو مذكرة مكتوبة يعودون إليها خارج قاعات التدريس بالجامعة.
فلذلك كله، وللأسباب الأولى، قمت بتأليف هذا الكتاب الذي آمل أن يكون موفقًا ومفيدًا، وأن يُتجاوز فيه عن الأخطاء والهفوات التي هي من سمات البشر، ومن مستلزمات العجلة التسرع والحرص على الاستفادة والإفادة.
ولا أدع أنني قد أتيت على كل أو أغلب مسائل المقاصد؛ فذلك أكبر من أن تستودعه مثل هذه المذكرة؛ ولكنني أتيت على ما ظننته قريبًا من المراد والمقصود. ونسأل الله تعالى الصواب والرشاد. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه: نور الدين مختار الخادمي
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض (قسم الفقه)
صبيحة يوم الجمعة الثامن من شهر صفر 1421هج -الموافق
ليوم 12مايو 2000م.