الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: مقاصد النكاح
النكاح سنة كونية وفطرة إنسانية ومنَّة إلاهية، وله عديد المقاصد والفوائد في الدارين، ومن تلك المقاصد والفوائد نذكر ما يلي:
1-
حفظ النسل وتكثيره؛ بغرض إعمار الكون وبقاء النوع والإنساني، وكذلك إكثار أفراد الأموة المسلمة وتقويتها وتمكينها في الوجود الحياتي والكوني حتى تكون مرهوبة الجانب، عزيزة الذات، فاعلة الأثر والتأثير، وحتى تؤدي رسالة الاستخلاف في الأرض، والشهادة على الناس.
لذلك جاءت الأدلة الشرعية تحث على الزواج والإنجاب، وترغب في التناسل، وتحرم قتل الأولاد والبنات بسبب الفقر أو العار أو ما شابه ذلك وتحظر الإجهاض إلا عند الضرورات القصوى، كأن يخشى على الأم من الموت بسبب خطر الجنين، فيباح إجهاضه؛ لأن المحافظة على الأصل مقدمة على المحافظة على الفرع.
2-
حفظ النسب والعرض، وصيانته من الفوضى والاختلاط والتداخل والتلاعب، والنسل الذي ذكرناه بأنه مقصد شرعي للنكاح هو النسل المضبوط والمنضبط بمعرفة النسب الصحيح، وإلحاق الفروع بأصولها الحقيقية، ومراعاة الكرامة والعفة والحياء، ومنع كل ما يخل بحق الإنسان في النسب الصحيح، والعرض الشريف والنظيف والعفيف؛ لذلك شرعت أحكام الزواج الشرعي الصحيح، ومنع الزنا واللواط والسحاق، ومعاقبة الشاذين والمنحرفين، ومنع التبني.
ولذلك أيضا منعت الذارئع والأسباب المؤدية إلى الإخلال بمقصد
حفظ النسب والعرض، كالخلوة والنظر بشهوة والعدة، وكذلك منعت بعض الحوادث والنوازل المعاصرة، لكونها مفضية إلى هتك هذا المقصد وخدشه وتفويته، كتجميد الخلايا الجنسية واستئجار الأرحام.
3-
تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وتحقيق التآلف والتعاون على البر والتقوى ودوام العشرة بالمعروف، ومما يكون له الأثر الكبير في عبادتهما وانقيادها لله تعالى، وفي إعمار الأرض وإصلاحها وتجميلها وجعلها مزرعة للآخرة وممرًا لها.
ولم يعد خفيًا ما تعانيه المجموعة الدولية -بتفاوت ملحوظ بحسب الاعتبارات الدينية والأخلاقية- من آثار الشذوذ الجنسي، وتعاطي المخدرات، مزاولة العنف والتقتيل والترويع، وغير ذلك مما هو نتيجة حتمية في الغالب لتفكك الأسرة، وتهميش دورها التربوي والوجداني والحضاري بصورة عامة.
فلعل بعد كل ذلك نكون قد بّينا لك أخي الدارس والقارئ ما للأسرة المُسلمة الصالحة من دور فعال، وتأثير ملحوظ في بناء الأجيال والمجتمعات، وتحقيق الأمل المنشود المقصد المفقود، ألا وهو الأمة التي أخرجت للناس لإصلاحها وإسعادها في المعاش والمعاد، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1.
4-
بناء الأسرة المسلمة وإيجاد المجتمع الصالح: من مقاصد النكاح بناء الأسرة المسلمة المكونة من الزوجين الشرعيين ومن الأصل والفروع، التي
1 سورة آل عمران، آية 110.
تطيع ربها وتعمل بأحكامه وتعاليمه، وتسهم في بناء المجتمع الإسلامي الصالح، وبناء الأمة المُسلمة الرائدة والقائدة.
ومعلوم أن الأمة المُسلمة قد اختارها الله تعالى لتكون خير أمة أخرجت للناس بسبب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، وأداء العمل الصالح، والقيام برسالة الاستخلاف بكل صورها ومجالاتها وأبعادها.
وهذه الأمة لن تحقق إلا ببناء المجتمعات والشعوب الإسلامية على اختلاف أعراقها وألوانها وقاراتها ودولها وتقاليدها وخاصياتها، وبناء تلك المجتمعات والشعوب متوقف على إيجاد وبناء الأسرة المسلمة الصالحة المتزنة المستقيمة العارفة بعقيدتها الصحيحة وتدينها المطلوب وتعاملها الرشيد.
فتكون النتيجة المستخلصة والبدهية، أن الأمة المسلمة بأسرها متوقف وجودها ونجاحها على الأسرة المُسلمة الناجحة والناهضة والمجتهدة.
إن الأسرة المُسلمة مطلب له أهميته الكبرى، ومقصد شرعي دلت عليه القواطع والظاهر والقرائن المختلفة، وهو طريق وجود الأمة ووحدتها وتقدمها وقوتها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولقد أدرك خصوم الأمة وأعداؤها أهمية الأسرة المُسلمة ودورها الحضاري العام، وشأنها في تحقيق السيادة والشهادة على الناس، فراحوا يعملون بوسائل شتى لأجل تحجيمها وتشتيتها وإضعافها، ولا سيما أن كثيرًا من الأسر والمجتمعات غير المسلمة تعيش أوضاعا أخلاقية لا تحسد عليها، وتشهد التفكك الأسري، والميوعة الأخلاقية، والتسيب القيمي، والتهارج القانوني والنظامي بشك مفزع وخطير.
وقد زاد هذا في غيظهم ومكرهم وحرصهم على تدمير الأسرة المسلمة، الحصن الحصين لسلامة الأمة وقوتها وتمكينها.
5-
تطهير المجتمع من الأمراض الجنسية والآفات الخلقية: لعل هذا المقصد متضمن في المقصد السابق، المتعلق ببناء الأسرة المسلمة، والمجتمع الإسلامي، والأمة القوية والرائدة، المرتكزة على طهارة الظاهر والباطن، والسلامة من العيوب والأمراض الجنسية والخلقية والحضارية بشكل عام، وفي أغلب الأحيان وأكثرها؛ غير أننا أفردنا هذا المقصد بالذكر والبيان لأهميته وخطورته، ولا سيما في العصر الحالي وفي كثير من المجتمعات والدول التي شهدت ما لا يحصى من المشكلات والأزمات القانونية والسياسية والاجتماعية؛ بسبب الأمراض الجنسية الخطيرة "الزهري، السيلان، الإيدز
…
" وبسبب العاهات والآفات الخُلقية والقيمية التي أدت إلى التحلل الاجتماعي العام، والتَّسَيُّب الأسري الملحوظ.
بعض النوازل المعاصرة التي ضيعت مقاصد النكاح:
أ - تجميد الخلايا الجنسية للزوج قبل وفاته ووضعه فيما يعرف ببنوك المني، ثم تلقيح بويضة الزوجة عند رغبتها بعد وفاة الزوج ولو بسنين؛ فهذه العملية، والتي تمت كما يقال في إطار الزوجية أو بين زوجين شرعيين؛ غير أنها واقعة فعلى خلاف مراد الشرع في التلقيح والإنجاب.
ووجه المخالفة أن العملية قد وقعت بعد وفاة الزوج، وفي ظروف قد تؤول إلى ما لا يحصى من المفاسد والفتن، وعلى نحو التذرع بذلك
لإجراء الزنا، والإبقاء على آثاره المتعلقة بوجود الأبناء غير الشرعيين ونسبتهم إلى ذلك الأصل الموهوم، أو الأب المنسي المهجور والمقبور حقيقة وحكمًا.
وكذلك على نحو: الأخطاء المحتملة للقائمين على تجميد الخلايا وإعطائها لمن يريدها، وإذ يمكن بل يرجح أن يحصل الخطأ في اختيار الحيوان المنوي الفلاني؛ فيعطى إلى المرأة أخرى ليست زوجة صاحب ذلك الحيوان المنوي؛ فيحصل التلقيح الممنوع بين شخصين ليس بينهما علاقة شرعية البتة، وليس يربط بنهما سوى هذا التركيب المسقط، والخطأ الفادح، والخلط الشنيع الذي لم تدْعُ له ضرورة، ولا حاجة ولا كمال سوى الترف العلمي والمدني، والإفراط المادي، والاستخفاف بالحياء والكرامة والعفة.
ومعلوم أن هذا الخطأ وارد ممكن الوقوع ولا سيما بعد توارد الأخبار والتقارير العلمية والطبية المفيدة لحصول الأخطاء الطبية الكثيرة على نحو: نقل فيروس الإيدز أو السيدا1، في جسد إنسان، بسب نقل الدم الذي لم يتأكد من سلامته وخوله من الفيروس، وكذلك نسيان المقص أو الضماد أو بعض الأدوات الطبية في بطن المريض بعد إجراء العملية الجراحية، وغير ذلك من الأمثلة التي وقعت فيها الأخطاء والهفوات على الرغم من التأكد البالغ والاحتياط الشديد.
1 الإيدز: تسميها الفرنسية "السيدا" ومعناها فقدان المناعة، بسبب الانحراف الجنسي بالأساس، أو نقل الدم.