الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الأول
المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة الإسلامية
…
المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة الإسلامية
التعريف اللغوي لمقاصد الشريعة الإسلامية:
مقاصد الشريعة هي اسم ولقب لعلم وفن من فنون الشريعة الإسلامية، وهذا الاسم يتركب من لفظين: لفظ مقاصد، لفظ الشريعة.
ولتعريف هذا الاسم المركبَّ، أو هذا اللقب العلمي الشري يجب تعريف كل من لفظيه اللذين ركب منهما، وهما: لفظ مقاصد، لفظ الشريعة.
تعريف المقاصد لغة:
المقاصد: جمع مقصد، والمقصد: مصدر ميمي مشتق من الفعل قصد؛ فيقال: قصد يقصد قصدًا، وعليه فإن المقصد له معان لغوية كثيرة منها:
1-
الاعتماد والتوجه واستقامة الطريق. قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} 1.
2-
التوسط وعدم الإفراط والتفريط قال تعالى: {اقْصِدْ فِي مَشْيِك} 2.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "القصْدَ القصْدَ تَبْلُغُوا"3.
1 سورة النحل آية 9.
2 سورة لقمان آية 19.
3 أخرجه البخاري في كتاب الرقائق، باب: القصد والمداومة على العمل.
تعريف الشريعة لغة:
الشريعة تُطلقَ في اللغة على مورد الماء ومنبعه ومصدره، كما تُطلق على الدين والملة والطريقة والمنهاج والسنة،
والشريعة والشرع والشرِّعْة بمعنى واحد.
ووجه إطلاق الشريعة على منبع الماء ومصدره أن الماء مصدر حياة الإنسان والحيوان والنبات، وأن الدين الإسلامي مصدر حياة النفوس وصلاحها وتقدمها وسلامتها في الدنيا والآخرة؛ فالشريعة الإسلامية مصدر كل الخير والرخاء والسعادة في العاجل والآجل، في المعاش والمعاد، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم} 1.
تعريف لفظ الإسلامية:
لفظ الإسلامية مشتق من كلمة الإسلام، والإسلام لغة: الانقياد والاستسلام لله سبحانه تعالى بتوحيده وعبادته والامتثال إلى أوامره واجتناب نواهيه.
وإطلاق الإسلامية على المقاصد دليلٌ على أن هذه المقاصد مستندة إلى الإسلام، منبثقة منه ومتفرعة عنه، وليست مستقلة عنه أو مخالفة له.
التعريف الاصطلاحي لمقاصد الشريعة الإسلامية:
لم يوجد عند العلماء الأوائل تعريف واضح أو محدد أو دقيق لمقاصد
1 سورة الآنفال آية رقم 24.
الشريعة؛ وإنما وجدت كلمات وجُمَل لها تعلق ببعض أنواعها وأقسامها، وببعض تعبيرتها ومرادفاتها، وبأمثلتها وتطبيقاتها، وبحجيتها وحقيتها.
فقد ذكروا الكليات المقاصدية الخمس "حفظ الدين والنفس والعقل والنسل أو النسب والمال" وذكروا المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية، وذكروا بعض الحِكَم والأسرار والعلل المتصلة بأحكامها وأدلتها.
وذكروا أدلة من المنقول والمعقول الدالة على حقية المقاصد وحيجتها، ووجوب مراعاتها والاعتماد عليها بشروط معينه وضوابط مقررة، وبدون الخروج عن الشرع أو معارضة أدلته ومصادمة تعاليمه وقواعده وأصوله.
كما أنهم عبرا عن المقاصد بتعبيرات كثيرة دلت في مجملها بالتصريح والتلميح والتنصيص والإيماء على الْتفات هؤلاء الأعلام إلى مراعاة المقاصد واستحضارها في عملية فهم النصوص والأحكام والاجتهاد فيها والترجيح بينها.
ومن تلك التعبيرات والاشتقاقات:
المصلحة والحكمة العلة والمنفعة والمفسدة والأغراض والغايات والأهداف والمرامي والأسرار والمعاني والمراد والضرر والأذى وغير ذلك مما هو مبثوث في مصادره ومظانه.
تعريف العلماء المعاصرين للمقاصد:
حظيت مقاصد الشريعة في العصر الحديث بعناية خاصة من قبل العلماء والباحثين؛ وذلك لأهميتها ودورها في عملية الاجتهاد الفقهي، وفي معالجة قضايا الحياة المعاصرة في ضوء الأدلة والنصوص والقواعد الشرعية،
وكان من ضروب هذا الاعتناء تدوين المقاصد وتأليفها واعتبارها علمًا شرعيًا وفنًا أصوليًا له ما لسائر العلوم والفنون من تعريفات ومصطلحات وتقسيمات وغير ذلك.
وقد وردت عدة تعريفات لهذا العلم نوردها فيما يلي:
1-
عرفَّها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بأنها: المباني والحِكَم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها؛ بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها
…
ويدخل في هذا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام؛ ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها1.
2-
عرفها الفاسي بقوله: المراد بمقاصد الشريعة الإسلامية: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكمها2.
3-
عرفها الريسوني بقوله: إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد3.
4-
عرفها الدكتور محمد بن سعد بن أحمد بن سعود اليوبي: المقاصد هي المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموما وخصوصًا من أجل تحقيق مصالح العباد4.
1 مقاصد الشريعة لاب عاشور ص51.
2 مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ص3.
3 نظرية المقاصد عند الشاطبي: د. أحمد الرسيوني ص7.
4 مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، ص37.
5-
عرفها فتحي الدريني: وهي القسم التي تكمن وراء الصيغ والنصوص، ويستخدمها التشريع كليات وجزئيات1.
6-
عرفها د. مصطفى بن كرامة الله مخدوم بقوله: المقاصد وهي المصالح التي قصدها الشارع بتشريع الأحكام 2.
7-
التعريف المختار لنور الدين الخادمي: المقاصد هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتبة عليها؛ سواء أكانت تلك المعاني حكما جزئية أم مصالح كلية أم سمت إجمالية، وهي تتجمع ضمن هدف واحد، هو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين3.
الخلاصة:
إن المقاصد الشرعية هي جملة ما أراده الشارع الحكيم من مصالح تترتب على الأحكام الشرعية، كمصلحة الصوم والتي هي بلوغ التقوى، ومصلحة الجهاد التي هي در العدوان والذب عن الأمة، ومصلحة الزواج والتي هي غض البصر وتحصين الفرج وإنجاء الذرية وإعمار الكون.
وهذه المصالح كثيرة ومتنوعة، وهي تجمع في مصلحة كبرى وغاية كلية: هي تحقيق عبادة الله، وإصلاح المخلوقين وإسعاده في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} 4.
1 انظر مقاصد المكلفين عند الأصوليين، ج1 / 35.
2 قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، ص34.
3 الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضواطه، مجالاته د. نور الدين الخادمي، 1/ 52-53.
4 سورة النحل آية 36.