الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: تعليل الأحكام الشرعية
المطلب الأول: معنى التعليل وأدلته:
الشريعة الإسلامية معللة بحكم مقصودة ومصالح محمودة؛ فقد جاءت لتحقيق عبادة الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإصلاحهم وإسعادهم في الدنيا والآخرة، وهذا القول هو قول جمهور العلماء والفقهاء والأصولييين والمحدثين والمفسرين والمتكلمين والفلاسفة وغيرهم. وهذه الحكم يحبها الله ويرضها، وهي مصالح تعود إلى العباد، ويتنعمون ويتلذذون بها.
أدلة القول بتعليل الأحكام:
1-
الأدلة من القرآن الكريم:
القرآن الكريم كما ذكرنا هو المصدر التشريعي الأول للأحكام ومقاصدها، وقد دل على كثير من العلل والحِكم التي أنيطت بأحكامها.
وبيان ذلك فيما يلي:-
أ- التنصيص على حكمة إنزال القرآن وبعثة الرسل، وبيان الأحكام والشرائع، قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} 1.
وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 2.
1 سورة الإسراء، آية 59.
2 سورة النساء، آية 165.
ب- قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} 1 وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 2، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} 3.
ج- قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 4؛ فقد علل الصوم لتحصيل التقوى والوقاية من الآثام والعيوب الصحية والنفسية. وقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} 5؛ فقد علل وجوب الاعتزال لكونه أذى وإذاية.
2-
الأدلة على السنة النبوية:
السنة هي المصدر التشريعي الثاني للأحكام ومقاصدها وحكمها، قد دلت على كثير من المقاصد والحِكم والإسرار المختلفة، وبيان ذلك فيما يلي:
1-
التنصيص على كثير من المقاصد الجزئية والحكم الخاصة، ومثل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"6. قد شُرِع الاستئذان، وعلل بصيانة عورات الناس وأعراضهم، وقول
1 سورة الحج، آية 87.
2 سورة البقرة، آية 185.
3 سورة النحل، آية 90.
4 سورة البقرة، آية 183.
5 سورة البقرة، آية 222.
6 سبق ذكره.
الرسول صلى الله عليه وسلم عن الهرة: "أنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات"1.
2-
إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في إجرائهم القياس، وعملهم بمقصود النصوص ومراداتها، ومثال ذلك: حديث بني قريظة "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" 2؛ فمنهم من فهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك، قد حث الصحابة على الإسراع لإدراك بني قريظة، وليس المراد بالضرورة ألا يُصلي العصر إلى عند الوصول، أما البعض الآخر فقد فهم من الحديث لزوم الصلاة بعد الوصول، وقد أقرَّ النبي كلًا من الفريقين.
3-
الدليل من الإجماع:
دل الإجماع واتفاق العلماء والمجتهدين على كون الشريعة مشروعة لمصالح العباد، بلطف من الله وتَفَضُّل وإحسان، كما يقول أهل السنة والسلف، وليس بطريق الوجوب كما يقوله المعتزلة.
4-
الدليل من الاستقراء:
الاستقراء معناه تتبع الجزئيات المتشابهة في أمر من الأمور، للوصول إلى تقرير أمرٍ كلي وأصلٍ يجمع كل تلك الجزئيات.
فمن نظر في الأحكام الجزئية المتعلقة برخص الصلاة والصوم والسفر
1 أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، وأخرجه الترمذي في كتاب أبواب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة.
2 أخرجه البخاري في كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب.