المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: المشقة التي يقدر عليها المكلف - علم المقاصد الشرعية

[نور الدين الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الجزء الأول

- ‌المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الثاني: صلة المقاصد ببعض المصطلحات الأصولية

- ‌المطلب الأول: صلة المقاصد بالعلة

- ‌المطلب الثاني: صلة المقاصد بالحكمة

- ‌المطلب الثالث: صلة المقاصد بالمصلحة

- ‌المطلب الرابع: صلة المقاصد بسد الذرائع

- ‌المبحث الثالث: موضوع مقاصد الشريعة

- ‌المبحث الرابع: بيان صلة مقاصد الشريعة بالأدلة

- ‌تعريف الأدلة الشرعية:

- ‌صلة المقاصد بالقرآن الكريم:

- ‌صلة المقاصد بالسنة:

- ‌صلة المقاصد بالإجماع:

- ‌صلة المقاصد بالقياس:

- ‌صلة المقاصد بالأدلة المختلف فيها:

- ‌العلاقة بين المقاصد والمصالح المرسلة:

- ‌صلة المقاصد بالاستحسان:

- ‌صلة المقاصد بقول الصحابي:

- ‌الأدلة على تبعية المقاصد للأدلة الشرعية وعدم استقلالها عنها

- ‌المبحث الخامس: تعليل الأحكام الشرعية

- ‌المطلب الأول: معنى التعليل وأدلته:

- ‌المطلب الثاني: نباء مقاصد الشريعة على القول بتعليل الأحكام

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في ضوء المقاصد الشرعية

- ‌المبحث السادس: فوائد مقاصد الشريعة

- ‌المبحث السابع: تاريخ البحث في المقاصد الشرعية

- ‌المطلب الأول: نشأة المقاصد الشرعية

- ‌المطلب الثاني: تطور المقاصد الشرعية

- ‌المطلب الثالث: مظان مقاصد الشريعة

- ‌المطلب الرابع: أهم المؤلفات في مقاصد الشريعة

- ‌المبحث الثامن: طرق إثبات مقاصد الشريعة

- ‌المطلب الأول: الاستنباط المباشر من القرآن والسنة

- ‌المطلب الثاني: الاستخراج من المقاصد الأصلية والتابعة

- ‌المبحث التاسع: تقسيمات المقاصد وبيان أنواعها

- ‌المطلب الأول: مقاصد الشارع ومقاصد المكلف

- ‌المطلب الثاني: المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية

- ‌المطلب الثالث: المقاصد العامة والخاصة والجزئية

- ‌المطلب الرابع: المقاصد القطعية والظنية والوهمية

- ‌المطلب الخامس: المقاصد الكلية والبعضية

- ‌المطلب السادس: المقاصد الأصلية والتابعة

- ‌المبحث العاشر: مقاصد الشريعة من وضع الأحكام ابتداء تحقيق المصالح

- ‌المطلب الأول: بيان هذا المعنى والدليل عليه

- ‌المطلب الثاني: أدلة تحقيق المصالح

- ‌المبحث الحادي عشر: أنواع المقاصد من حيث قوتها في ذاتها

- ‌النوع الأول: المقاصد الضرورية "تعريفها-أمثلتها-أدلتها

- ‌المطلب الأول: تعريف المقاصد الضرورية

- ‌المطلب الثاني: أمثلة المقاصد الضرورية

- ‌المطلب الثالث: أدلة المقاصد الضرورية

- ‌المطلب الرابع: أقسام المقاصد الضرورية

- ‌النوع الثاني: المقاصد الحاجية

- ‌المطلب الأول: تعريف المقاصد الحاجية

- ‌المطلب الثاني: أمثلتها

- ‌المطلب الثالث: أدلة المقاصد الحاجية

- ‌النوع الثالث: المقاصد التحسينية

- ‌المطلب الأول: تعريف المقاصد التحسينية

- ‌المطلب الثاني: أمثلتها

- ‌المطلب الثالث: أدلتها

- ‌المبحث الثاني عشر: مكملات المقاصد الشرعية وشرطها

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: تعريف مكملات المقاصد

- ‌المطلب الثاني: أقسام مكملات المقاصد

- ‌المطلب الثالث: مكملات المقاصد الضرورية

- ‌المطلب الرابع: مكملات المقاصد الحاجية

- ‌المطلب الخامس: مكملات المقاصد التحسينية

- ‌المطلب السادس: شرط مكملات المقاصد الشرعية

- ‌المطلب السابع: ارتباط المقاصد الثلاثة ببعضها

- ‌المبحث الثالث عشر: مقصود الشارع هو الجانب الغالب في المصالح والمفاسد

- ‌المبحث الرابع عشر: تخلف الجزئيات قد يكون لمصلحة مشروعة خارجة عن مقتضى الكلي

- ‌الجزء الثاني

- ‌المبحث الأول: قدرة المكلف على فعل التكليف

- ‌المطلب الأول: قدرة المكلف على فعل التكليف

- ‌المبحث الثاني: المشقة "حقيقتها-أنواعها-أمثلتها

- ‌المطلب الأول: المشقة التي يقدر عليها المكلف

- ‌المطلب الثاني: المشقة التي لا يقدر عليها المكلف

- ‌المطلب الثالث: أمثلة المشقة التي لا يقدر عليها المكلف

- ‌المطلب الرابع: مخالفة الهوى من قبيل المشقة المستطاعة

- ‌المبحث الثالث: رفع الحرج في الشريعة وبناء أحكامها على التيسير

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: رفح الحرج لا يعني ترك التكليف أو التهاون فيه

- ‌المطلب الثاني: ومن أمثلة رفع الحرج في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: قدرة المكلف على فهم التكليف

- ‌المطلب الأول: فهم التكليف باللسان العربي

- ‌المطلب الثاني: هل يمكن فهم القرآن بغير لغته التي نزل بها

- ‌المطلب الثالث: أمية الشريعة وعالميتها

- ‌المطلب الرابع: أدلة كون الشريعة أمية

- ‌المطلب الخامس: حقيقة الأمية ومعناها

- ‌المبحث الخامس: إدخال المكلف في دائرة العبادة والامتثال وإخراجه من دائرة الهوى

- ‌المطلب الأول: واجب المكلف "عبادة الله ومخالفة هوى النفس

- ‌المطلب الثاني: العمل الذي يمتزج فيه هوى النفس ومقصود الشارع

- ‌المطلب الثالث: المقاصد الأصلية والتبعية

- ‌المبحث السادس: تطبيق مقاصد الشريعة في الأحكام الفقهية

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: مقاصد العبادات الأصل في العبادات التوقيف

- ‌المطلب الثاني: مقاصد التصرفات المالية

- ‌المطلب الثالث: مقاصد التبرعات

- ‌المطلب الرابع: مقاصد النكاح

- ‌المطلب الخامس: مقاصد القضاء والشهادة

- ‌المطلب السادس: مقاصد العقوبات

- ‌المطلب السابع: مقاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌خلاصة المبحث: "تطبيق مقاصد الشريعة في الأحكام الفقهية

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌المطلب الأول: المشقة التي يقدر عليها المكلف

‌المبحث الثاني: المشقة "حقيقتها-أنواعها-أمثلتها

"

‌المطلب الأول: المشقة التي يقدر عليها المكلف

المبحث الثاني: المشقة "حقيقتها -أنواعها- أمثلتها"

تتنوع المشقة بحسب القدرة على تحملها وعدمها إلى نوعين:

1-

المشقة التي يقدر عليها المكلف.

2-

المشقة التي لا يقدر عليها المكلف.

المطلب الأول: المشقة التي لا يقدر عليها المكلف

وهي المشقة التي يقدر عليها المكلف أثناء قيامه بما كلفه الله تعالى به في العبادات والمعاملات وغيرها.

ومثال ذلك: مشقة الصلوات وأدائها قي أوقاتها، وإدراكها في المساجد وحسن الاستعداد إليها، وتمام الاستفاد منها، وكذلك مشقة اللوم في الحر، ومشقة الحج وما فيه من عنت تغيير العوائد، ومخالطة الكثيرة من الناس، ووقوع التزاحم والتدافع، وحصول الفرقة والبعد عن الأهل والأوطان، وترك الأموال والأملاك والوظائف والمناصب، وكذلك مشقة الجهاد في سبيل الله تعالى ما فيه من ذهاب الحياة وزوال الأموال والأطراف، وكذلك الإنفاق المالي بصوره المعروفة "الزكوات، الصدقات، التبرعات" وما فيه من عنت مخالفة الهوى والراغبة في تحصيل الأموال وتجميعها، والتي تحب الخير وتسعى إليه وتستأنس به قال تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} 1.

1 سورة العاديات، آية 8.

ص: 119

فهذه المشقة ولئن بدا فيها الضيق والعنت والشدة ومخالفة الهوى ومكابدة المصاعب ومجاهدة النفس؛ إلا أنها أعباء ضرورية لا بد منها في قيام الأحكام وأداء التكليف.

فالأفعال الشرعية من عبادات ومعاملات وأنكحة وجنايات وكفارات مرتبطة بالمشاق والأعباء التي يقدر عليها المكلفون، والتي لا توقع أصحابها في الحرج والضرر، ولا تؤدي بهم إلى المفاسد والمهالك، وهي أمور تتلازم وترتبط بشكل وثيق ومتين بالأفعال والأعمال والأقوال والاعتقادات الشرعية والإسلامية؛ فالتكليف الشرعي لا يقوم إلا بها، وهي تدور معه وجودًا وعدمًا، والتكليف الشرعي لم يعتبر تكليفًا إلا لما فيه من الكلفة الشاقة، ولما ينطوي عليه من تحمل بعض الأتعاب والإجهاد النفسي والجسدي والعقلي الذي يؤهله لمرتبة التكليف المرجوة.

وحال هذه المشاق في الأعمال والأفعال الشرعية كحال المشقة في سائر أعمال الدنيا ومختلف الفنون والشئون والأحوال، وطلب الرزق والسعي في الأرض لتحصيله، ومزاولة الحرف والصناعات، والأسفار والرحلات والزيارات، وإنجاز الأفراح والزيجات والحفلات وتنظيم المناسبات والمهرجانات والملتقيات، وإعمار الأرض وتنميتها وتزيينها وتنظيمها.

كل ذلك فيه من المشاق والأعباء، ومن التعب والنصب ما يجعل استبعاد تلك المشاق الأعباء أمرًا معطلًا لقيام تلك الفنون والأعمال، ومفوتًا لمصالح المعاش والعباد، ومخربًا لنظام الحياة والوجود.

وخذ إن شئت مثال الأكل، ومثال الجماع لتدرك بمنتهى الوضوح

ص: 120

والجلاء ما لذينك الفعلين من المشاق والتكلفة والالتزامات، وهما على الرغم من ذلك فإنك تلحظ الإقبال عليهما والرغبة فيهما، وكيف أنهما من أمارات السعادة والسعة، ومن علامات الخير والرفاهية، ومن ضروب الطيبات والمباحات التي أنعم بها الخالق الأكرم جل جلاله تفضلًا وإحسانًا على عباده وخلقه.

فالأكل مسبوق بمشاق الضرب في الأرض، والبحث عن الرزق وتحصيله وإحضاره وتناوله، وهو متبوع بمشق هضمه وإفرازاته وإخراجه، وتطهير مواضعه من الآكل نفسه، ومن الأرض ومحيطها وبيئتها، ثم هو قد يتبع على المدى البعيد بآثار ورواسب من الأضرار والعيوب الصحية والنفسية والبيئية؛ بل إنه قد يتبع في الأجل الأبعد عند وفاة الإنسان وبعثه وحشره بسوء الخاتمة وسوء الحساب بسبب الكسب الحرام والأكل الحرام.

فقد لاحظت كيف أن الأكل باعتباره عملية يومية عادية، وشأنًا سعيدًا ومسعدًا، كيف أن المشاق قد أحاطت به من كل جانب، وكيف أن الآلام قد لازمته في أطوار مختلفة في المعاش والمعاد، في الدنيا والآخرة.

غير أن الأكل ظل ولا يزال أمرًا لا بد منه، وضرورةً لقيام النفس والحياة، وأن المشاق التي ينطوي عليها ويؤول إليها متلازمة لا تنفك عنه ولا تتخلص منه.

ما المثال الثاني الذي نورده للتدليل على أن المشاق المقدور عليها، ينبغي أن تتحمل للقيام بالتكليف؛ فهو مثال الجماع: فهو فعل محبوب ومرغوب، وطريق مشروع للتناسل والإعمار، وسبيل لحفظ الأعراض

ص: 121

القيم والأنساب، وإجراء لتنظيم الحياة والعلاقات، ودرء الفوضى والاضطراب، والهرج والمرج أي كثرة الاقتتال وشدته بسبب الوقوع في الأعراض والحرمات.

فالجماع المشروع الحلال موصوف بكل صفات الفضيلة والحسن والجمال، وهو استجابة للفطرة وسد للحاجة، وأداء لوظيفة التكليف والاستخلاف والإعمار، وهو فوق ذلك مدعو إليه ومرغوب فيه، ومَثْنِي عليه في نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك مما يجعل الجماع أو النكاح مقصدًا معتبرًا، أو أصلًا وسبيلًا لمقاصد جمة، ومصالح عدة.

غير أن الجماع المحبوب والمرغوب فيه منوط بالمشاق والآلام، ومرتبط بالأتعاب والإعياء، فهو منوط بمشقة الاستعداد والتحضير، وأعباء الإنفاق والتربية والرعاية ومختلف صور التعب والنصب في القيام بواجب الزوجية والأبوة وربما الجدودة في مختلف الأطوار والأحوال؛ بل إنه مسئولية عظمى أمام الله تعالى إن لم تؤدَّ على حقها وبشروطها.

فهل لك بعد هذين المثالين من قول أو تفكير لإسقاط المشاق التي لا بد منها في القيام بالأعمال الدنيوية أو الأخروية.

إن الخلاصة لهذا كله أن المشقة المقدور عليها تُتحمَّل، وتَؤُدَّى لتحقيق التكليف وإنجازه وصحته.

أما المشقة غير المقدور عليها فإنها مدفوعة ومرفوعة، كما سنبين ذلك فيما يلي:

ص: 122