الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي يؤدي إلى التجاوز والاعتداء في غالب الأحيان، ولذلك وضعت العقوبات وضبطت الحدود والتعازير من أجل تحقيق النظام بردع المخالفين، وإرضاء المعتدي عليهم بميزان العدل والمساواة والإنصاف.
قال العلامة ابن عاشور: "فمقصد الشريعة من تشريع الحدود والقصاص والتعزيز، أروش الجنايات ثلاثة أمور: تأديب الجاني، وإرضاء المجني عليه، وزجر المقتدي بالجناة"1.
1 مقاصد الشريعة، محمد الطاهر بن عاشور، ص205.
المطلب السابع: مقاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ربَّاني مقطوع به، وعلم الأنبياء والمرسلين، وسلوك الصالحين والدعاة والمجددين، وهو سبب خيرية الأمة الإسلامية، وطريق نهضتها وتقدمها، وسبيل صلاح الإنسانية، واستقرار النظام الحياتي واستمراره، وقد دعى إليه ورغب فيه، واستنكر تركه والتهاون فيه، وسوء استخدامه واستعماله؛ فقد دعى إليه من نصوص وأدلة وقواعد وأقوال لا تحصى لكثرتها وتنوعها، ومن ذلك:
أ- قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1.
1 سورة آل عمرن، آية 110.
2 سورة الحج، آية 41.
ج- قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"1. وتلك الشعيرة الربانية الإسلامية المباركة لم يؤم بها على سبيل القطع واليقين إلا لما لها من المقاصد والمصالح القطعية الضرورية في الدنيا والآخرة.
ومن تلك المقاصد:
1-
حفظ المقاصد الضرورية الكلية اللازمة: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل أو النسب والعرض والمال،
والمقاصد الحاجية: التي تقرب من الضرورية اللازمة، والمقاصد التحسينية: التي يتم بموجبها كمال الحياة وتمام حسنها في المعاش والمعاد. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحقق ويقوي كل تلك المقاصد بالعمل على إيجادها وإحيائها وتثبيتها في الحياة، النفوس وبالعمل على إلغاء ما يناقضها ويضادها ويعارضها.
2-
تحقيق الصلاح والإصلاح في الأرض، وإبعاد الفساد والرذائل والفواحش، وتطهير المجتمع من الأمراض والأدواء الظاهرة والباطنة، وتمكين الأمة، قادة وشعوبا من اختيار أفضل المسالك، وأحسن السبل والقوم الخيارات السياسية والتنموية والتربوية؛ وذلك بإجراء النصح والتوجيه والإرشاد والتقويم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} 2.
1 أخرجه النسائي من كتاب الإيمان وشرائعه، باب: تفاضل أهل الإيمان.
2 سورة النحل، آية 125.
3-
ضمان استمرار أداء شعيرة الأمرة بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمان أدائها بكمال وتمام، بأدب وتواضع، وبأساليب تعود على الشعيرة والأمة ودعائها وشعوبها بالخير والصلاح والسعادة؛ فالاعتقاد بأن هذه الشعيرة تكليف رباني وعمل شرعي يحصل به الثواب والأجر، يجعل القائم عليها مطمئنًا لحكم الله، منتظرًا جزاءه، صابرًا محتسبًا عن الأذى، مستمرًا في مهامه، وحريصًا على التبليغ والنصح والتوجيه مهما ظهرت أمامه المصاعب والمحن، ومهما كثرت حياله الانتقادات والمزاعم والشتائم بسبب أمره ونهيه معروفًا ومنكرًا.
والجدير بالذكر: أن خير ضمان لتحقيق مقاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشائم بسب أمره ونهيه معروفًا ومنكرًا.
والجدير بالذكر: أن خير ضامن لتحقيق مقاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو اعتماد الوسطية الإسلامية من خلال توخي الأساليب والآداب المقررة في القيام بهذه الشعيرة.
ومن تلك الآداب والأساليب، اتباع الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة والمناظرة بالتي هي أحسن، وإرادة النصح والخير، وعدم الغلظة والتشديد في النصح والتوجيه، وعدم إشعار المدعو أو المنصوح بتفوق الناصح وتميزه وأفضليته، أن بفشل المنصوح، واستفحال مرضه وانحرافه، وكبر جرمه وإجرامه وإفساده، وغير ذلك مما قد يعيق عملية التأثير والتوجيه والإصلاح.
ومن الآداب كذلك: كسب قلوب المنصوحين، وليس كسب المواقف والمعارك، كذلك عدم التشهير بهم وفضحهم وإفحامهم وتعجيزهم وغير ذلك.
ومن الآداب الجامعة كذلك: أن لا يؤدي تغيير المنكر في إيجاد منكر
أشد وأكبر، بسبب سوء التقدير والتعبير والتفكير، وأن لا يؤدي تقرير المعروف إلى زوال معروف أهم منه وأوكد؛ فالمصلحة الموجودة مقدمة على المصلحة المنتظرة المساوية أو الأقل من المصلحة الموجودة، وكذلك المفسدة الموجودة لا ينبغي تغيرها بالمفسدة الأكبر والأخطر منها. وعلى القائم على هذه الشعيرة -أفراد وجماعات وهيئات- أن يفهموا الفهم الدقيق، ويستخدموا الاستخدام المفيد لهذه الشعيرة، بلا إفراط ولا تفريط.
4-
تحقيق مرضاة الله تعالى، والفوز بجناته، والنجاة من عذاب النار، ومن عذاب الدنيا وخزيها المتأتي بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.