الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمصلحة حفظ الحقوق وضمانها؛ ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي تكاثرت فيه القضايا وتشعبت في المعاملات وكثرت فيه الحيل وقلَّت فيه الأمانات؛ الأمر الذي أوجب توثيق عقود الأنكحة وغيرها، وما يترتب عليها من نسب ونفقة وحضانة ومهور ومسؤوليات قانونية وأدبية وتربوية وغير ذلك.
وهذا التصرف المتعلق بلزوم التوثيق والتسجيل لدى الدوائر الحكومية لم يُنْص عليه صراحة؛ وإنما دعت إليه الأدلة القواعد والمقاصد الشرعية وذلك من خلال الدعوة إلى أداء الحقوق وحفظ الأمانات ومنع التعدي على الغير.
العلاقة بين المقاصد والمصالح المرسلة:
يتبين مما ذكرنا أن المصالح المرسلة التي سكت عنها الشارع، والتي تتوافق مع الأدلة والقواعد والضوابط الشرعية؛ إنما هي صميم مقاصد الشريعة ومراد الشارع. فمصلحة حفظ القرآن بتدوينه، ومصلحة إذاعة الآذان والقرآن والصلوات والخطب والتراويح بالاستعانة بالوسائل العصرية، وحفظ الناس وصيانة أعراضهم وأموالهم وأنفسهم؛ فكل تلك المصالح هي مقصودة للشارع ومرادة له، على الرغم من أنها تثبت عن طريق استخدام المصلحة المرسلة.
صلة المقاصد بالاستحسان:
الاستحسان لغة:
عَدُّ الشيء حسنًا، أو العم بالأحسن والأفضل.
والاستحسان شرعًا:
بحُكْم المسألة عن نظائرها لدليل خاص. وهو حجة عند جمهور العلماء إذا توافرت فيه شروطه وضوابطه.
أمثلته:
1-
النظر إلى المخطوبة جائز وهو مستنثى من عموم تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية؛ فهناك دليلان شرعيان: أحدهما يمنع النظر إلى المرأة عمومًا ومطلقًا، وثانيهما يبيح النظر إلى المرأة عند الخِطبة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"اذهب فانظر لا فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" 1، وقد علل الاستثناء بمصلحة دوام العِشْرة الزوجية لحصول الارتياح والاطمئنان لهذا التقارب في الملامح والصفات والقناعات والتصورات والمواقف من قضايا الحياة ورسالة الاستخلاف والامتثال والتدين.
2-
أجرة الفنادق، وهي معاملة تقوم على أن يعطي النزيل مبلغًا ماليًا محددًا 100 ريال سعودي أو 20 دينار تونسي مقابل استهلاكه لطعامه وشرابه واستحمامه ومبيته وتشغيل الكهرباء، وهذا الاستهلاك غير معلوم أثناء الاتفاق؛ إذ النفوس تتفاوت في مقادير الأكل والشرب والاستحمام، وقد تقرر أن العلم بالثمن ومقدار ما يقابله من أكل وخدمات وأمتعة يعد من شروط التعامل يبين الناس؛ لأن العقد يقوم على العلم بالثمن والمثمن وعلى نفي الجهالة والغرر.
لكن النظر الدقيق لمثال أجرة الفنادق يفيد بأن علة مجهولية ما يقابل الثمن منتفية غير موجودة؛ ولذلك فلا تلحق بالمعاملات المجهولة من حيث منعها وعدم جواز العمل بها. ودليل انتفائها كون الغالب في النزلاء نهم لا يتجاوزون حدًا أقصى في الاستهلاك، وأن هذا الحد وإن صل من قبل النزلاء؛ فإنه لا يفضي إلى الضرر بصاحب الفندق، ولا يوقعه في غرر ولا جهالة ولا منازعة ولا اختلاف.
1 أخرجه الترمذي رقم / 1087 في كتاب النكاح، باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة.