الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: صلة المقاصد بالحكمة
الحكمة: هي ما يترتب على التشريع من جلب مصلحة وتكميلها، أو دف مفسدة وتقليلها1.
وتطلق الحكمة أحيانًا على المقصد الجزئي كحكمة تجنب الأذى باعتزال الحائض، وحكمة منع بيع المعدوم وهي نفي الجهالة وإبعاد الغرر والضرر عن المشتري، وحكمة النظر إلى وجه المخطوبة وهي حصول الألفة وإدامة العِشْرة وتحقيق الارتياح لضمان النجاح وإدراك الفلاح.
كما تطلق الحكمة للدلالة على المقصد الكلي أو المصلحة الإجمالية كمصلحة حفظ النفس، وتحقيق التيسير ورفع الحرج، وتقرير عبادة الله والامثتال إليه.
فنقول بأن الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الشرائع هي: عبادة الله واجتناب الطاغوت، ونعني بتلك الحكمة جملة المصالح العامة والمقاصد الكلية.
وبناءً على ما ذكر فإن الحكمة والمقاصد يترادفان ويتماثلان في الإطلاق والتعبير في أغلب الأحيان.
1 انظر مباحث العلة في القياس ص105.
المطلب الثالث: صلة المقاصد بالمصلحة
المصلحة كالمنفعة وزنًا ومعنى، وهي ضد المفسدة والمضرة، ويُعبَّر عنها بالخير والشر، بالنفع والضرر، بالحسنات والسيئات.
يقول عز الدين بن عبد السلام: المصالح هي اللذات وأسباها، والمفاسد: الآلام وأسبابها أو الأضرار وأسبابها؛ فتكون المصلحة متمثلة في جلب المنفعة وما يوصل إليها، وتكون المفسدة متمثلة في درء الآلام والأضرار وما يوصل إليها1.
1 انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام 1/ 10، وانظر المقاصد العامة، يوسف حامد، ص133.
أنواع المصلحة:
تتنوع المصلحة تنوعات كثيرة باعتبارات وحيثيات كثيرة، والذي يهمنا في هذا العرض الموجز الاقتصار على التركيز على نوعيها باعتبار موافقتها للشرع ومخالفتها له؛ إذ تقسم بهذا الاعتبار إلى المصالح الشرعية والمصالح غير الشرعية.
1-
المصالح الشرعية:
وهي المصالح التي تستند إلى الشرع وتنبثق منه وتتفرع عنه، ولا تعارض نصًا ولا دليلًا ولا إجماعًا.
ومثالها:
مصلحة حفظ الدين بإقامة شعائره وفرائضه وإحياء معالمه وتعاليمه، وكذلك مصلحة حفظ العرض بمنع الزنا والخلوة والنظر بشهوة ومعاقبة الزناة والشاذَّين.
ومن خاصيات المصلحة الشرعية أنها غير محدودة بالدنيا أو المتاع المادي واللذة الجسدية كما هو الحالفي المجتمعات المادية والإباحية والدهرية والعبثية؛ بل إن تلك المصلحة تشمل الدنيا والآخرة وتشمل الجسد والروح والفرد والمجتمع.
2-
المصالح غير الشرعية:
وهي المصالح التي لا تستند إلى الشرع ولا تنبثق منه؛ وإنما تُحدَّد في ضوء نزوات النفس وأهواء العقل وميول الغرائز، فليس لها ضابط ولا
رابط، وليس لها حدود ولا قيود، كما أنها تنصبُّ في الاقتصادر على منافع الدنيا وإمتاع الجسد بمختلف اللذائذ والمنافع وإشباع الذات، ولو على حساب الآخرين؛ فهي إذًا مصلحة ذاتية وجسدية دنيوية وظرفية لا تمتد إلى عالم الآخرة والجزاء.
صلة المقاصد بالمصلحة:
يتبين مما ذكرنا أن المصالح الشرعية هي مقاصد الشارع ومراده، أي أن الشارع قد قصد تلك المصالح وأراد تحصيلها بالنسبة للمكلف من خلال القيام بالأحكام الشرعية؛ فالقيام بالفرائض والتعاليم الدينية يؤدي إلى تحقيق مصالح عبادة الله وجلب مرضاته والفوز بجناته وإراحة وطمأنة نفس المكلف.
وهذه المصالح التي قصدها الشارع تعود على المكلف وتؤول إليه، وليس تؤول إلى الله؛ لأننا إذا قلنا بذلك وقعنا في وصف الخالق بالسعي إلى الأغراض التي هي من صفات النقص والسعي إلى الكمال؛ فهو سبحانه المتصف بجميع صفت الكمال. وعليه فإن المقاصد هي نفسها المصالح الشرعية.
أما المصالح غير الشرعية فالمقاصد تَأبَاهَا وتعارضها والأدلة الشرعية تمنعها وتبعدها وتدفعها.