الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: أقسام المقاصد الضرورية
وهي خمسة أقسام: المقاصد الضرورية، كما ذكرنا خمسة أقسام تعرف بالكليات الخمس، وهي:"حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال".
1-
المقاصد الضرورية لحفظ الدين:
حفظ الدين يعد أكبر الكليات الخمس وأرقاها، ومعناه تثبيت أركان الدين وأحكامه في الوجود الإنساني والحياة الكونية، وكذلك العمل على إبعاد ما يخالف دين الله ويعارضه، كالبدع ونشر الكفر، والرذيلة والإلحاد، والتهاون في أداء واجبات التكليف.
ومن أجل حفظ الدين شرع الإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، وسائر الأعمال والأقوال التي تحقق الدين في النفوس والحياة، كالأذكار والقربات والوعظ والإرشاد والنصح وبناء المساجد والمدارس، وتبجيل العلماء والمصلحين والدعاة وغير ذلك.
2-
المقاصد الضرورية لحفظ النفس:
حفظ النفس هو الكلية المقاصدية الشرعية الثانية، ومعناها: مراعاة حق النفس في الحياة والسلامة والكرامة والعزة قال تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} 1 وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} 2.
ومن أجل حفظ النفس شرعت أحكام كثيرة منها: منع القتل، وتشريع القصاص، ومنع التمثيل والتشويه، ومعاقبة المحاربين وقُطَّاع الطرق والمستخفين من حرمة النفس البشرية، ومنع الاستنساخ البشري والتلاعب بالجينات، والمتاجرة بالأعضاء والتشريح لغير ضرورة معتبرة، وحرق أجساد الموتى، كما أمر بتناول ما تقوم به النفس من أكل وشرب وعلاج.
3-
المقاصد الضرورية لحفظ العقل:
حفظ العقل هو الكلية المقاصدية الشرعية الثالثة التي أقرها الإسلام، وأثبتها في كثير من المواضع والمواطن. من ذلك: اهتمامه بالعقل وجعله شرطًا في التكليف فهمًا وتنزيلًا، ومناطًا في التعامل مع أحوال النفس والكون، اكتشافًا لأسرارهما واستنباطًا لقوانينهما والاستفادة من خبراتهما، وقد أمر الله عز وجل الإنسان بالتفكير والتدبير والتأمل وميزه بذلك عن كثير من المخلوقات، كما أثنى سبحانه وتعالى على أصحاب العقول السليمة من المجتهدين والمفكرين والمتدبرين.
وكل هذا دليل على مكانة العقل في الإسلام، ودوره الملحوظ في فهم الأحكام واستنباطها وتطبيقها.
كما أن العقل قد حفظه الإسلام، واهتم به خلال منع ما يعيقه ويعطله، وذلك كمنع المسكرات والمخدرات والمفترات، وكل ما يغيب
1 سورة الإسراء، آية 70.
2 سورة التين، آية 4.
العقل عن دوره في التكفير والتديبر، وكمنع كثرة السهر ودوامه وقتل الأوقات وإضاعتها، كذلك نهى عن بقاء الجهل وانتشار الأمية، وأمر بطلب العلم ونشره وتعميمه؛ لأن بقاء العقل معطلًا بالجهل أو الأمية أو غيرها يعد من أسوء حالات العقل وأفسد سماته وعواقبه.
ومن ضروب العناية بالعقل أيضًا: نجد الإسلام قد جعل له حدودًا وقيودًا لا يتعداها ولا يتجاوزها؛ وذلك لأن إطلاق العقل وتحريره بشكل مطلق يؤدي لا محالة إلى مفاسد لا تقل خطورة عن مفاسد تعطيله وتحجيم دوره؛ فحفظ العقل مصان بالوسطية الإسلامية المعهودة بإثبات دوره ومكانته وضبطه بقيود معتبرة وضوابط معلومة.
4-
المقاصد الضرورية لحفظ النسل والنسب والعرض:
حفظ النسل: معناه التناسل والتوالد لإعمار الكون.
وحفظ النسب معناه: القيام بالتناسل المشروع عن طريق العلاقة الزوجية الشرعية، وليس التناسل الفوضوي كما هو عند الحيوانات، أو في بعض المجتمعات الإباحية المادية التي لا تعلم منها لا أصول ولا فروع ولا آباء ولا أبناء؛ إذ يعيش الفرد أحيانًا كل حياته دون أن يعلم من أبوه ومن أمه.
وحفظ العرض معناه: صيانة الكرامة والعفة والشرف. والمعاني الثلاثة المذكورة "النسل والنسب والعرض" تعد المقصد الشرعي الكلي الرابع الذي أقره الإسلام في نصوصه وأحكامه، وأثبته وجذّرَه من خلال تشريعات عدة نذكر منها:
أ- الحث على الزواج والترغيب فيه وتخفيف أعبائه وتيسير مصروفاته، قال الرسول صلى الله عليه سلم:"إن أعظم النكاح بركة أقله مؤنة"1.
ب- منع الزنا، وسد منافذه وذرائعه، كالخلوة والتبرج والنظرة بشهوة والمماسة والالتصاق.
ج- معاقبة المنحرفين الممارسين للزنا أو اللواط أو السحاق.
د- الأمر بالتمسك بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا، والنهي عن الرذائل والفواحش والمنكرات.
هـ- منع التبني، ووجوب أن يُدعى الإنسان بأبيه وليس بمتبنيه، قال تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِم} 2.
5-
المقاصد الضرورية لحفظ المال:
حفظ المال معناه: إنماؤه وإثراؤه وصيانته من التلف والضياع والنقصان.
والمال كما يقال: قوام الأعمال؛ لذلك عد مقصدًا شرعيًا كليًا وقطعيًا لدلالة النصوص والأحكام عليه. ومن تلك الأحكام نذكر ما يلي:
1-
الحث على العمل، والضرب في الأرض، والبحث عن الرزق، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} 3.
2-
النهي عن التبذير والإسراف وإضاعة الأموال.
1 أخرجه الإمام أحمد في كتاب حديث السيدة عائشة رضي الله عنها باب حديث السيدة عائشة.
2 سورة الأحزاب، آية 5.
3 سورة الملك، آية 15.
3-
تحريم السرقة، والغضب والغش والرشوة والربا، وكل وجه من وجوه أكل مال الغير بالباطل، قال تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 1.
4-
معابة آكلي أموال الناس بالباطل بالحدود والتعزيرات، كمعاقبة السارق بقطع يده، والمحارب أو قاطع الطريق بإحدى العقوبات المنصوص عليها بحد الحرابة في سورة المائدة، والآية هي: قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 2 وتكون العقوبة لازمة إذا توافرت شروط ذلك.
5-
تضمين المتلفات.
6-
منع اكتناز الأموال وتكديسها كي لا يسهم في تعطيل تروجيها والانتفاع بها والاستفادة منها.
خلاصة أقسام المقاصد الضرورية:
المقاصد الضرورية كما ذكرنا هي الصالح التي لا بد منها من أجل أن يقوم أمر الحياة ونظام الوجود على صلاح واستقرار وإسعاد في الدين والدنيا.
وهذه المقاصد واجبة الحفظ والصيانة والمراعاة من جانب الوجود؛ وذلك بفعل ما يُوجدها ويُجدِّرها في واقع النفوس والحياة، بترك ما يعطِّلها ويغيِّبها ويفوتِّها، وقد دلت على أهمية هذه المقاصد نصوص وأحكام كثيرة مثبوتة في الكتاب والسنة وإجماع المجتهدين وآثارهم وأقوالهم.
وهي تشكل مع المقاصد الحاجية والتحسينية تمام نظام المعاش، وكمال صلاح المعاد، فما هي إذًا حقيقة المقاصد الحاجية والتحسينية؟
1 سورة البقرة، آية 188.
2 سورة المائدة، آية 33.