الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَلَاء بن زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف الْعَدوي الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الزَّاهِد، قَلِيل الحَدِيث وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ ذكر إلَاّ فِي هَذَا الْموضع، مَاتَ قَدِيما سنة أَربع وَتِسْعين. قَوْله:(يذكر النَّار)، قَالَ بَعضهم: هُوَ بتَشْديد الْكَاف. قلت: لَيْسَ بِصَحِيح بل هُوَ بِالتَّخْفِيفِ على مَا لَا يخفى. قَوْله: (لم تقنط النَّاس) ؟ من التقنيط لَا من قنط يقنط قنوطاً، وَهُوَ أَشد الْيَأْس من الشَّيْء، وأصل: لم لما فحذفت الْألف وَهِي اسْتِفْهَام. قَوْله: (أَن تبشروا)، على صِيغَة الْمَجْهُول من التبشير. قَوْله:(ومنذراً)، ويروى: ينذر. قَوْله: (من عَصَاهُ)، ويروى: لمن عَصَاهُ.
5184 -
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حَدثنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حَدثنِي يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ قَالَ حَدثنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ حَدثنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ الله بنِ عَمْروِ بنِ العاصِ أخْبَرَنِي بأشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ برَسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِفِناءِ الكَعْبَةِ إذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أبِي مُعَيْطٍ فأخَذَ بِمَنْكِبِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ولَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقاً شَديداً فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ فأخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: {أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جاءَكُمْ بالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ} (غَافِر: 82) .
(انْظُر الحَدِيث 8763 وطرفه) .
الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي يروي عَن عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ. والْحَدِيث مضى فِي آخر مَنَاقِب أبي بكر رضي الله عنه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْكُوفِي عَن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
14 -
(سورَةُ حم السَّجْدَةِ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة حم السَّجْدَة، وَهِي مَكِّيَّة بِلَا خلاف نزلت بعد الْمُؤمن وَقبل الشورى، وَهِي ثَلَاثَة آلَاف وثلثمائة وَخَمْسُونَ حرفا، وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ كلمة، وَأَرْبع وَخَمْسُونَ آيَة.
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلَاّ لأبي ذَر.
(بابٌ: وَقَالَ طاوُوسٌ عَن ابنِ عبَّاسٍ {ائْتِيا طَوْعاً أَو كَرَها} (فصلت:
11)
لَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب، أَي: قَالَ طَاوُوس عَن عبد الله بن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {ائتيا طَوْعًا أَو كرها} وَفسّر: ائتيا. بقوله: (اعطيا) ، هُوَ صِيغَة أَمر للتثنية من الْإِعْطَاء، وَفسّر: أَتَيْنَا من الْإِتْيَان بقوله: (أعطينا) ، وَهُوَ الْفِعْل الْمَاضِي للمتكلم مَعَ الْغَيْر وروى هَذَا التَّعْلِيق أَبُو مُحَمَّد الْحَنْظَلِي عَن عَليّ بن الْمدْرك كِتَابَة، قَالَ: أخبرنَا زيد بن الْمُبَارك أخبرنَا ابْن ثَوْر عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس: وَقَالَ ابْن التِّين: لَيْسَ (أَتَيْنَا) بِمَعْنى (أعطينا) فِي كَلَامهم إلَاّ أَن يكون ابْن عَبَّاس قَرَأَ بِالْمدِّ، لِأَن أَتَى مَقْصُورا مَعْنَاهُ: جَاءَ، وممدوداً رباعياً مَعْنَاهُ: أعْطى، وَنقل عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَهَا آتِيَا، بِالْمدِّ على معنى أعطيا الطَّاعَة، وَأَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ: آتَيْنَا بِالْمدِّ أَيْضا على الْمَعْنى الْمَذْكُور، وَقَالَ عِيَاض: لَيْسَ، أَتَى: هَهُنَا بِمَعْنى: أعْطى، وَإِنَّمَا هُوَ من الْإِتْيَان وَهُوَ الْمَجِيء، وَبِهَذَا فسره الْمُفَسِّرُونَ قلت: فِي (تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ)(طَوْعًا وَكرها) أَي: جيئا بِمَا خلقت فيكما من الْمَنَافِع وأخرجاها وَأظْهر الخلقي، وَعَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الله عز وجل لِلسَّمَوَاتِ: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وَقَالَ للْأَرْض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، وَقَالَ السُّهيْلي فِي:(أَمَالِيهِ) : قيل: إِن البُخَارِيّ وَقع لَهُ فِي: أَتَى، من الْقُرْآن وهم: فَإِن كَانَ هَذَا وإلَاّ فَهِيَ قِرَاءَة بلغته وَوَجهه أعطيا الطَّاعَة كَمَا يُقَال فلَان يعْطى الطَّاعَة وَقَالَ وَقد قرى ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها بِالْمدِّ وَالْقصر والفتنة ضد الطَّاعَة، وَإِذا جَازَ فِي إِحْدَاهمَا جَازَ فِي الْأُخْرَى. انْتهى، وَجوز بعض الْمُفَسّرين أَن: آتِيَا، بِالْمدِّ بِمَعْنى الْمُوَافقَة، وَبِه جزم
صَاحب (الْكَشَّاف) ، فعلى هَذَا يكون الْمَحْذُوف مَفْعُولا وَاحِدًا، وَالتَّقْدِير: ليُوَافق كل مِنْكُمَا الْأُخْرَى. قَالَتَا: فَوَافَقنَا، وعَلى الأول يكون الْمَحْذُوف مفعولين، وَالتَّقْدِير: أعطيا من أمركما الطَّاعَة من أنفسكما، قَالَتَا: أعطيناه الطَّاعَة، وَإِنَّمَا جمع: طائعين، بِالْيَاءِ وَالنُّون، وَإِن كَانَ هَذَا الْجمع مُخْتَصًّا بِمن يعقل، لِأَن مَعْنَاهُ آتَيْنَا بِمن فيهمَا، أَو لِأَنَّهُ لما أخبر عَنهُ بِفعل من يعقل جَاءَ فِيهِنَّ بِالْيَاءِ وَالنُّون، كَمَا فِي قَوْله:{رَأَيْتهمْ لي ساجدين} (يُوسُف: 4) . وَأَجَازَ الْكسَائي أَن يجمع بِالْيَاءِ وَالنُّون وَالْوَاو وَالنُّون، وَفِيه بعد.
وَقَالَ المِنْهالُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ إنِّي أجِدُ فِي القُرْآنِ أشْياءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ:{فَلَا أنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَساءَلُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 101) و {أقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَساءَلُونَ} (الصافات: 72 و 05 وَالطور: 52) . {وَلَا يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً} . {وَلَا يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً} (النِّسَاء: 24){وَالله رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (الْأَنْعَام: 32) فَقَدْ كَتَمُوا فِي هاذِهِ الْآيَة، وَقَالَ:{أم السَّماءُ بَناها} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحاها} (النازعات: 72 و 03) فَذَكَرَ خَلْقَ السَّماءِ قَبْلَ خَلْقِ الأرْضِ، ثُمَّ قَالَ:{أئِنَّكُمْ لَتكْفُرُونَ بالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى {طائعين} (فصلت: 9 و 11) فَذَكَرَ فِي هاذِهِ خَلْقَ الأرْض قَبْلَ السَّماءِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وكانَ الله غَفُوراً رَحِيماً} . عَزِيزاً حَكِيماً. سَميعاً بَصِيراً. فَكأنَّهُ كانَ ثُمَّ مَضَى، فَقَالَ: فَلَا أنْسابَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْخَةِ الأولى {ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّور فصَعِقَ مَنْ فِي السَّماوَاتِ ومَنْ فِي الأرْضِ إلَاّ مَنْ شاءَ الله فَلَا أنْسابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذالِكَ وَلَا يَتَساءَلُونَ} ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ. {أقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} وأمّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . {وَلَا يَكْتُمُونَ الله حدِيثاً} فإنَّ الله يَغْفِرُ لأهْلِ الإخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ المُشْرِكُونَ: تَعالَوْا نقُولُ: لَمْ نكُنْ مُشرِكينَ، فَخُتِمَ عَلَى أفْواهِهِمْ فَتَنْطِقُ أيْدِيهِمْ فَعِنْدَ ذالِكَ عُرِفَ أنَّ الله لَا يُكْتَمُ حَدِيثاً. وعِنْدَهُ:{يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النِّسَاء: 24) . و {خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَينِ ثُمَّ خَلَقَ السَّماءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحا الأرْضَ ودَحْوُها أنْ أخْرَجَ مِنْهَا المَاءَ والمرْعَى وخَلَقَ الجِبالَ والجمالَ والآكامَ وَمَا بَيْنَهُما فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ} فذلِكَ قَوْلُهُ: {دحاها} وقَوْلُهُ: {خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} (فصلت: 9) فَجُعِلَتِ الأرْضُ وَمَا فِيها مِنْ شَيْءٍ فِي أرْبَعَةِ أيَّامٍ وخُلِقَتِ السَّماوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ وكانَ الله غَفُوراً سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ وذَلِكَ. قَوْلُهُ: أيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فإنَّ الله لَمْ يُرِدْ شَيْئاً إلَاّ أصابَ بِهِ الَّذِي أرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ القُرْآنُ، فإِنَّ كُلاًّ مِنْ عِنْدَ الله.
لما ذكر الله تَعَالَى فِي هَذِه السُّورَة الْكَرِيمَة خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ذكر مَا علقه من الْمنْهَال أَولا، ثمَّ أسْندهُ عَقِيبه، وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون: ابْن عَمْرو الْأَسدي مَوْلَاهُم الْكُوفِي، صَدُوق من طبقَة الْأَعْمَش وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَالْعجلِي وَآخَرُونَ، وَتَركه شُعْبَة لأمر لَا يُوجب فِيهِ قدحاً، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر تقدم فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام. قَوْله:(عَن سعيد) ، هُوَ ابْن جُبَير، وَصرح بِهِ الْأصيلِيّ والنسفي فِي روايتهما. قَوْله:(قَالَ: قَالَ رجل) ، الظَّاهِر أَنه نَافِع بن الْأَزْرَق الَّذِي صَار بعد ذَلِك رَأس الْأزَارِقَة من الْخَوَارِج، وَكَانَ يُجَالس ابْن عَبَّاس بِمَكَّة ويسأله ويعارضه، وَحَاصِل سُؤَاله فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع على مَا نذكرهُ. قَوْله:(يخْتَلف عَليّ)، أَي: يشكل ويضطرب عَليّ، إِذْ بَين ظواهرها تنافٍ وتدافع، أَو تفِيد شَيْئا لَا يَصح عقلا: الأول: من الأسئلة قَالَ: {فَلَا أَنْسَاب بَينهم} إِلَى قَوْله: {وَلَا يتساءلون} فَإِن بَين قَوْله: وَلَا يتساءلون، وَبَين قَوْله: يتساءلون، تدافعاً ظَاهرا. الثَّانِي: قَوْله: {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} فَإِن بَينه وَبَين قَوْله: {مَا كنامشركين} تدافعاً ظَاهرا لِأَنَّهُ علم من الأول أَنهم لَا يكتمون الله حَدِيثا، وَمن الثَّانِي: أَنهم يكتمون كَونهم مُشْرِكين. الثَّالِث: قَوْله: {أم السَّمَاء بناها} إِلَى قَوْله: قبل خلق السَّمَاء
فَإِن فِي الْآيَتَيْنِ المذكورتين تدافعاً لِأَن فِي إِحْدَاهمَا خلق السَّمَاء قبل الأَرْض، وَفِي الْأُخْرَى بِالْعَكْسِ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر:{وَالسَّمَاء وَمَا بناها} (الشَّمْس: 5) وَهُوَ فِي سُورَة الشَّمْس، وَقَوله:{وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} (النازعات: 03) يدل على أَن المُرَاد {أم السَّمَاء بناها} (النازعات: 72) الَّذِي فِي سُورَة والنازعات، الرَّابِع:(وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما) إِلَى قَوْله: ثمَّ مضى، فَإِن قَوْله:(وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما وسميعاً بَصيرًا) يدل على أَنه كَانَ مَوْصُوفا بِهَذِهِ الصِّفَات فِي الزَّمَان الْمَاضِي ثمَّ تغير عَن ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله: فَكَأَنَّهُ كَانَ ثمَّ مضى. قَوْله: (فَقَالَ: فَلَا أَنْسَاب إِلَى قَوْله وَلَا يتساءلون) جَوَاب عَن سُؤال الأول، أَي قَالَ: فَقَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي الْجَواب مَا ملخصه: أَن التساؤل بعد النفخة الثَّانِيَة وَعدم التساؤل قبلهَا، وَعَن السّديّ: أَن نفي المساءلة عِنْد تشاغلهم بالصعق والمحاسبة وَالْجَوَاز على الصِّرَاط وإثباتها فِيمَا عدا ذَلِك. قَوْله: وَأما قَوْله: {مَا كُنَّا مُشْرِكين} إِلَى قَوْله: {يود الَّذين كفرُوا} فَهُوَ جَوَاب عَن السُّؤَال الثَّانِي وَمُلَخَّصه: أَن الكتمان قبل إنطاق الْجَوَارِح وَعَدَمه بعده. قَوْله: (فَعِنْدَ ذَلِك) أَي: عِنْد نطق أَيْديهم. قَوْله: (وَعِنْده يود الَّذين كفرُوا) أَي: وَعند علمهمْ أَن الله لَا يكتم حَدِيثا يود الَّذين كفرُوا هَذَا فِي سُورَة النِّسَاء. وَهُوَ قَوْله: {يومئذٍ يود الَّذين كفرُوا وعصوا الرَّسُول لَو تسوى بهم الأَرْض وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} (النِّسَاء: 24)، أَي: يَوْم الْقِيَامَة يود الَّذين كفرُوا بِاللَّه وعصوا رَسُوله لَو تسوى بهم الأَرْض أَي لَو تسوت بهم الأَرْض وصاروا هم وَالْأَرْض شَيْئا وَاحِدًا، أَو أَنهم لم يكتموا أَمر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَلَا نَعته، لِأَن مَا عملوه لَا يخفى على الله تَعَالَى فَلَا يقدرُونَ كِتْمَانه، لِأَن جوارحهم تشهد عَلَيْهِم. قَوْله:{وَخلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} (فصلت: 9) إِلَى قَوْله وَخلق السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ جَوَاب عَن السُّؤَال الثَّالِث ملخصه: أَن خلق نفس الأَرْض قبل السَّمَاء ودحوها بعده، يُقَال: دحوت الشَّيْء دحوا بسطته بسطاً، وَقيل فِي جَوَابه: إِن خلق بِمَعْنى قدر. قَوْله: (ان أخرج) بِأَن أخرج فَإِن مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (والآكام) ، جمع أكمة بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْموضع الْمُرْتَفع من الأَرْض كَالتَّلِّ والرابية، ويروى: والأكوام. جمع كوم قَوْله: {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} (النِّسَاء: 69 و 001 و 251 وَالْفرْقَان: 072 والأحزاب: 5 و 05 و 95 و 37 وَالْفَتْح: 41) . الخ جَوَاب عَن السُّؤَال الرَّابِع، وَمُلَخَّصه: أَنه سمى نَفسه بِكَوْنِهِ غَفُورًا رحِيما، وَهَذِه التَّسْمِيَة مَضَت لِأَن التَّعَلُّق انْقَطع، وَأما معنى الغفورية والرحيمية فَلَا يزَال كَذَلِك لَا يَنْقَطِع، وَأَن الله إِذا أَرَادَ الْمَغْفِرَة أَو الرَّحْمَة أَو غَيرهمَا من الْأَشْيَاء فِي الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَلَا بُد من وُقُوع مُرَاده قطعا. قَوْله:(سمى نَفسه ذَلِك)، أَي: سمى الله تَعَالَى ذَاته بالغفور والرحيم وَنَحْوهمَا، وَذَلِكَ قَوْله:(وَإنَّهُ لَا يزَال كَذَلِك لَا يَنْقَطِع وَأَن مَا شَاءَ كَانَ)، وَقَالَت النُّحَاة: كَانَ لثُبُوت خَبَرهَا مَاضِيا دَائِما، وَلِهَذَا لَا يُقَال: صَار مَوضِع: كَانَ، لِأَن مَعْنَاهُ التجدد والحدوث، فَلَا يُقَال فِي حق الله ذَلِك. قَوْله:(فَلَا يخْتَلف) بِالْجَزْمِ، أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس للسَّائِل الْمَذْكُور: لَا يخْتَلف عَلَيْك الْقُرْآن فَإِنَّهُ من عِنْد الله {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} (النِّسَاء: 28) .
حَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بنُ عَدِيّ حَدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عَمْرٍ وَعَنْ زَيْدِ بنِ أنَيْسَةَ عَنِ المِنْهالِ بِهاذَا
أسْند الحَدِيث الْمَذْكُور بعد أَن علقه كَمَا ذَكرْنَاهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه سمع أَولا مُرْسلا وآخراً مُسْندًا فنقله كَمَا سَمعه، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْإِسْنَاد لَيْسَ بِشَرْطِهِ، واستبعد بَعضهم كَلَام الْكرْمَانِي هَذَا، وليت شعري مَا وَجه بعده وَمَا برهانه على ذَلِك؟ بل الظَّاهِر هُوَ الَّذِي ذكره، وَقَول الْكرْمَانِي: وَفِيه إِشَارَة
…
إِلَى آخِره يُؤَيّدهُ كَلَام البرقاني حَيْثُ قَالَ: وَلم يخرج البُخَارِيّ ليوسف وَلَا لِعبيد الله بن عَمْرو وَلَا لزيد بن أبي أنيسَة مُسْندًا، سواهُ وَفِي مغايرته سِيَاق الْإِسْنَاد عَن ترتيبه الْمَعْهُود إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ على شَرطه، وَإِن صَارَت صورته صُورَة الْمَوْصُول. قَوْله:(حَدَّثَنِيهِ يُوسُف بن عدي)، وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: حَدَّثَنِيهِ عَن يُوسُف، بِزِيَادَة: عَن، وَهُوَ غلط وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَدَّثَنِيهِ
…
إِلَى آخِره، وَكَذَا سقط من رِوَايَة أبي نعيم عَن الْجِرْجَانِيّ عَن الفريري، وَلَكِن ذكر البرقاني فَقَالَ: قَالَ لي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الأزدستاني: شوهدت نُسْخَة بِكِتَاب: (الْجَامِع) للْبُخَارِيّ فِيهَا على الْحَاشِيَة: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا يُوسُف بن عدي، فَذكره وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أَحْمد بن زَنْجوَيْه: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن خَالِد الرقي: حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن زيد عَن الْمنْهَال. قلت: يُوسُف بن عدي بن زُرَيْق التَّيْمِيّ الْكُوفِي نزيل مصر، وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّاء بن عدي، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَعبيد الله بن عَمْرو بِالْفَتْح الرقي بالراء وَالْقَاف، مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة، وَزيد بن أبي أنيسَة مصغر الأنسة بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة الجزيري، سكن الرها، قيل: إسم أبي أنيسَة زيد، وَمَات زيد الرَّاوِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: {لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (فصلت: 8) مَحْسُوب
ويروي قَالَ: غير مَحْسُوب، رَوَاهُ عبد بن حميد فِي تَفْسِيره عَن عَمْرو بن سعد عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، فِي قَوْله: غير ممنون، قَالَ: غير مَنْقُوص.
أقْوَاتَها أرْزَاقَها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَبَارك فِيهَا وَقدر فهيا أقواتها} (فصلت: 01) وَفسّر (أقواتها) بقوله: (أرزاقها) وَهَذَا أَيْضا تَفْسِير مُجَاهِد، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وأحدها قوت، وَهُوَ الرزق.
فِي كُلِّ سَماء أمْرَها مِمَّا أمَرَ بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا} (فصلت: 21) وَفَسرهُ بقوله: (مِمَّا أَمر بِهِ) وَهُوَ أَيْضا عَن مُجَاهِد. وَفِي لفظ: مِمَّا أَمر بِهِ، وأراده، وأراده أَي: من خلق النيرَان والنجوم والرجوم وَغير ذَلِك. وَعَن قَتَادَة وَالسُّديّ: خلق فِيهَا شمسها وقمرها ونجومها، وَخلق فِي كل سَمَاء من الْمَلَائِكَة والخلق الَّذِي فِيهَا من الْبحار وجبال الْبر دَوْمًا لَا يعلم.
نَحِساتٍ: مَشائيمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّام نحسات} (فصلت: 61) وَفَسرهُ بقوله: (مشائيم) جمع مشومة، وَهُوَ أَيْضا عَن مُجَاهِد، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الصرصر شَدِيدَة الصَّوْت الْعَاصِفَة، نحسات ذَوَات نحوس أَي: مشائيم.
{وقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ} (فصلت: 52) قُرَنَّا بِهِمْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ عِنْدَ المَوْتِ
كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي وَجَمَاعَة وَعند الْأصيلِيّ: {وقيضنا لَهُم قرناء} قرناهم بهم تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْد الْمَوْت وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَلَيْسَ قَوْله:{تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} (فصلت: 03) عِنْد الْمَوْت تَفْسِير قَوْله: {وقيضنا لَهُم قرناء} وَفِي التَّفْسِير معنى: قيضنا سلطنا وبعثنا لَهُم قرناء يَعْنِي نظراء من الشَّيَاطِين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وقيضنا لَهُم قَدرنَا لَهُم، وَعَن مُجَاهِد: قرناء شياطين، وَقَالَ فِي قَوْله:{تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَن لَا تخافوا وَلَا تحزنوا} قَالَ: عِنْد الْمَوْت، وَكَذَا قَالَ الطَّبَرِيّ مفرقاً فِي موضِعين.
اهْتزَّتْ بالنباتِ ورَبَتْ ارْتَفَعَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} (فصلت: 93) وَفسّر: اهتزت يَعْنِي بالنبات وربت يَعْنِي ارْتَفَعت من الربو وَهُوَ النمو وَالزِّيَادَة، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي، وَعند غَيرهمَا بِزِيَادَة وَهِي قَوْله:
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أكْمامِها حِينَ تَطلعُ
أَي: وَقَالَ غير مُجَاهِد: معنى وربت ارْتَفَعت من أكمامها حِين تطلع، والأكمام جمع كم بِالْكَسْرِ، وَهُوَ وعَاء الطّلع، وَإِنَّمَا قُلْنَا غير مُجَاهِد لِأَن مَا قبله من قَوْله: قَالَ مُجَاهِد
…
إِلَى هُنَا كُله عَن مُجَاهِد، وَلم يعْمل الشُّرَّاح هَهُنَا شَيْئا يجدي.
لَيَقُولَنَّ هاذَا لي أيْ بِعَملِي أَنا مَحْقُوقٌ بِهاذَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِن أذقناه رَحْمَة منا من بعد ضراء مسته ليَقُولن هَذَا لي} (فصلت: 05) وَفَسرهُ بقوله: (أَي بعملي)
إِلَى آخِره، وَمعنى قَوْله: أَنا محقوق، أَي: مُسْتَحقّ لَهُ، وَقَالَ النَّسَفِيّ: ليَقُولن هَذَا لي أَي هَذَا حَقي وصل إِلَيّ لِأَنِّي استوجبه بِمَا عِنْدِي من خير وَفضل وأعمال بر، وَقيل: هَذَا لي لَا يَزُول.
وَقَالَ غَيْرُهُ سَوَاءً لِلسائِلِينَ قَدَّرَها سَوَاءً
لَيْسَ فِي رِوَايَة غير أبي ذَر والنسفي. قَوْله: (وَقَالَ غَيره)، أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} (فصلت: 01) قَوْله: (فِيهَا)، أَي: فِي الأَرْض، أقواتها أَي: أرزاق أَهلهَا ومعائشهم وَمَا يصلحهم. قَوْله: (فِي أَرْبَعَة أَيَّام) يَعْنِي: هَذَا مَعَ قَوْله خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ أَرْبَعَة أَيَّام وَأُرِيد باليومين يَوْم الْأَحَد والإثنين. قَوْله: (سَوَاء)، فسره بقوله:(قدرهَا سَوَاء) أَي: سَوَاء للسائلين عَن ذَلِك، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: سَوَاء بِالنّصب على المصدرية، أَي: اسْتَوَت سواهُ، وَقيل: على الْحَال، وبالرفع
أَي: هُوَ سَوَاء، وبالجر على نعت أَرْبَعَة أَيَّام، وَقيل معنى للسائلين أَي للسائلين الله حوائجهم، وع ابْن زيد: قدر ذَلِك على قدر مسائلهم، وَقيل: مَعْنَاهُ للسائلين وَغير السَّائِلين، يَعْنِي أَنه بَين أَمر خلق الأَرْض وَمَا فِيهَا للسائلين ولغير السَّائِلين، وَيُعْطِي لمن سَأَلَ وَلمن لَا يسْأَل.
فَهَدَيْناهُمْ لَلْناهُمْ على الخَيْرِ والشَّرِّ كَقَوْلِهِ: {وهَدَيْناهُ النَّجُدَينِ} (الْبَلَد: 01) وكَقَوْلِهِ: {هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} (الْإِنْسَان: 3) والهُدَى الَّذِي هُوَ الإرْشادُ بِمَنْزِلَةِ أسْعَدْناهُ وَمِنْ ذالِكَ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الْأَنْعَام: 09) .
أَشَارَ بقوله: (فهديناهم) إِلَى قَوْله عز وجل: {وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى} (فصلت: 71) وَفسّر: فهديناهم بقوله: (دللناهم على الْخَيْر وَالشَّر) أَرَادَ أَن الْهِدَايَة هُنَا بِمَعْنى الدّلَالَة الْمُطلقَة فِيهِ وَفِي أَمْثَاله، كَقَوْلِه:{وهديناه النجدين} أَي: دللناه الثديين، قَالَه سعيد بن الْمسيب وَالضَّحَّاك، والنجد طَرِيق فِي ارْتِفَاع، وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين: بَينا لَهُ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر وَالْحق وَالْبَاطِل وَالْهدى والضلالة، وَكَذَلِكَ الْهِدَايَة بِمَعْنى الدّلَالَة فِي قَوْله:{هديناه السَّبِيل} وَهُوَ فِي سُورَة الْإِنْسَان {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكراً وَإِمَّا كفوراً} قَوْله: (وَالْهدى الَّذِي هُوَ الْإِرْشَاد)
إِلَى آخِره، وَالْمعْنَى هُنَا الدّلَالَة الموصلة إِلَى البغية، وَعبر عَنهُ البُخَارِيّ بالإرشاد والإسعاد فَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى:{أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده} وَنَحْوه، وغرضه أَن الْهِدَايَة فِي بعض الْآيَات بِمَعْنى الدّلَالَة، وَفِي بَعْضهَا بِمَعْنى الدّلَالَة الموصلة إِلَى الْمَقْصُود، وَهل هُوَ مُشْتَرك فيهمَا أَو حَقِيقَة ومجاز؟ وَفِيه خلاف.
يُوزَعُونَ: يُكَفُّونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} (فصلت: 91) وَفَسرهُ بقوله: (يكفون)، وَعَن أبي عُبَيْدَة: يدْفَعُونَ، من وزعت إِذا كَفَفْت ومنعت، وَقيل: مَعْنَاهُ يساقون ويدفعون إِلَى النَّار.
مِنْ أكْمامِها قِشْرُ الكُفرَّى هِيَ الكُمُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها} (فصلت: 74) وَفسّر أكمامها بقوله: (قشر الكفرى) بِضَم الْكَاف وَفتح الْفَاء وَضمّهَا أَيْضا وَتَشْديد الرَّاء مَقْصُور، وَفَسرهُ بقوله:(هِيَ الْكمّ) قد ذكرنَا أَنه بِكَسْر الْكَاف، وَقَالَ بَعضهم: كَاف الْكمّ مَضْمُومَة ككم الْقَمِيص وَعَلِيهِ يدل كَلَام أبي عُبَيْدَة وَبِه جزم الرَّاغِب، وَوَقع فِي (الْكَشَّاف) بِكَسْر الْكَاف، فَإِن ثَبت فلعلها لُغَة فِيهِ دون كم الْقَمِيص. انْتهى. قلت: لَا اعْتِبَار لأحد فِي هَذَا الْبَاب مَعَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ فرق بَين كم الْقَمِيص وَكم الثَّمَرَة بِالضَّمِّ فِي الأول وَالْكَسْر فِي الثَّانِي، وَكَذَلِكَ فرق بَينهمَا الْجَوْهَرِي وَغَيره، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: قشر الكفرى الْكمّ بِدُونِ لفظ: هِيَ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: وَاحِدهَا، يَعْنِي: الْكمّ وَاحِد الأكمام، وَعَن أبي عُبَيْدَة: من أكمامها، أَي: أوعيتها، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أكمامها أوعيتها وَاحِدهَا كمة وَهِي كل ظرف لمَال وَغَيره، وَلذَلِك سمى قشر الطّلع أَي الكفراة الَّتِي تَنْشَق عَن الثَّمَرَة كمة، وَعَن ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الكفرى قبل أَن تَنْشَق فَإِذا انشقت فَلَيْسَتْ بأكمام.
ويُقالُ لِلْعِنَبِ إِذا خَرَجَ أيْضاً كافُورٌ وكُفُرَّى
هَذَا لم يثبت إلَاّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَفِي بعض النّسخ: وَقَالَ غَيره وَيُقَال
…
إِلَى آخِره، وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: قَالُوا: وعَاء كل شَيْء كافورة.
وَلِيَ حَمِيمٌ قَرِيبُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم} (فصلت: 43) وَفسّر الْحَمِيم بقوله. (قريب) ويروى: الْقَرِيب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَعند النَّسَفِيّ قَالَ معمر
…
فَذكره، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن الْمثنى أَبُو عُبَيْدَة.
مِنْ مَحِيصٍ حاصَ عَنْهُ حادَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وظنوا مَا لَهُم من محيص} (فصلت: 84) وَفَسرهُ من فعله، وَهُوَ حَاص يحيص، وَفسّر حَاص بقوله: حاد، ويروى: حَاص عَنهُ حاد عَنهُ، حَاصِل الْمَعْنى: مَا لَهُم من مهرب، وَكلمَة: مَا، حرف وَلَيْسَت باسم فَلذَلِك لم يعْمل فِيهِ، قَوْله: ظنُّوا، وَجعل الْفِعْل ملغًى.