الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هاذِهِ الآيَةَ: {أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أمْ هُمْ الخَالِقُونَ أمْ خَلَقُوا السَّماوَاتِ وَالأرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ} (الطّور: 53، 73) كَادَ قَلْبِي أنْ يَطِيرَ.
قَالَ سُفْيَانُ فَأمَّا أنَا فَإنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ جُبَيْرٍ بنِ مُطْعمٍ عَنْ أبِيهِ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ لَمْ أسُمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي..
مطابقته للسورة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن الزبير، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَمُحَمّد بن جُبَير ابْن مطعم الْقرشِي أَبُو سعيد النَّوْفَلِي. يروي عَن أَبِيه جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل الْقرشِي النَّوْفَلِي.
قَوْله: (حَدثُونِي عَن الزُّهْرِيّ)، اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ هُنَا بِالَّذِي رَوَاهُ من طَرِيق عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء وَابْن أبي عمر. كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة: سَمِعت الزُّهْرِيّ قَالَ مُصَرحًا عَنهُ بِالسَّمَاعِ، وهما ثقتان. قيل: هَذَا لَا يرد لِأَنَّهُمَا مَا أوردا من الحَدِيث إلَاّ الْقدر الَّذِي ذكر الْحميدِي عَن سُفْيَان أَنه سَمعه من الزُّهْرِيّ بِخِلَاف الزِّيَادَة الَّتِي صرح الْحميدِي عَنهُ بِأَنَّهُ لم يسْمعهَا من الزُّهْرِيّ، وَإِنَّمَا بلغته عَنهُ بِوَاسِطَة. قَوْله:(فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة) ، إِلَى آخر الزِّيَادَة الَّتِي قَالَ سُفْيَان إِنَّه لم يسْمعهَا عَن الزُّهْرِيّ، وَإِنَّمَا حدثوها عَنهُ أَصْحَابه. قَوْله:(أم خلقُوا من غير شَيْء) ، كلمة أم ذكرت فِي هَذِه السُّورَة فِي خَمْسَة عشر موضعا مُتَوَالِيَة متتابعة، وَمعنى:{أم خلقُوا من غير شَيْء} (الطّور: 53) من غير تُرَاب. قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقيل: من غير أَب وَأم كالجماد لَا يعْقلُونَ وَلَا يقوم لله عَلَيْهِم حجَّة، أَلَيْسَ خلقُوا من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة؟ قَالَه عَطاء. وَقَالَ ابْن كيسَان: مَعْنَاهُ أم خلقُوا عَبَثا وَتركُوا سدًى لَا يؤمرون وَلَا ينهون أم هم الْخَالِقُونَ لأَنْفُسِهِمْ؟ فَإِذا بَطل الْوَجْهَانِ قَامَت الْحجَّة عَلَيْهِم بِأَن لَهُم خَالِقًا. قَوْله: (أم خلقُوا السَّمَوَات وَالْأَرْض)(الطّور: 63) يَعْنِي: إِن جَازَ أَن يدعوا خلق أنفسهم فَلْيَدعُوا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَذَلِكَ لَا يُمكنهُم، فَقَامَتْ الْحجَّة عَلَيْهِم، ثمَّ أضْرب عَن ذَلِك بقوله:(بل لَا يوقنون) إِشَارَة إِلَى أَن الْعلَّة الَّتِي عاقتهم عَن الْإِيمَان هِيَ عدم الْيَقِين الَّذِي هُوَ موهبة من الله وَفضل وَلَا يحصل إِلَّا بتوفيقه. قَوْله: (أم عِنْدهم خَزَائِن رَبك)، (الطّور: 73) قَالَ ابْن عَبَّاس: الْمَطَر والرزق، وَعَن عِكْرِمَة: النُّبُوَّة، وَقيل: علم مَا يكون. قَوْله: (أم هم المسيطرون)، أَي: أم هم المسلطون الجبارون، قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين، وَعَن عَطاء أم هم أَرْبَاب قاهرون، وَعَن أبي عُبَيْدَة تسيطرت عليّ، أَي: اتخذتني خولاً لَك. قَوْله: (قَالَ: كَاد قلبِي)، أَي: قَالَ جُبَير بن مطعم: قَارب قلبِي الطيران، وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَ انزعاجه عِنْد سَماع الْآيَة لحسن تلقيه مَعْنَاهَا ومعرفته بِمَا تضمنته من بليغ الْحجَّة.
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان)، هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله:(لم أسمعهُ)، أَي: لم أسمع الزُّهْرِيّ (زَاد الَّذِي قَالُوا لي) يَعْنِي: بالبلاغ، وَالضَّمِير فِي: زَاد، يرجع إِلَى الزُّهْرِيّ. وَقَوله:(الَّذِي قَالُوا لي) فِي مَحل النصب مَفْعُوله فَافْهَم.
35 -
(
{سُورَةُ وَالنَّجْمِ} )
أَي: هَذَا تَفْسِير بعض سُورَة النَّجْم، وَهِي مَكِّيَّة. قَالَ مقَاتل: غير آيَة نزلت فِي نَبهَان التمار وَهِي: {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم} (النَّجْم: 23) وَفِيه رد لقَوْل أبي الْعَبَّاس فِي (مقامات التَّنْزِيل) وَغَيره. مَكِّيَّة بِلَا خلاف. وَقَالَ السخاوي: نزلت بعد سُورَة الْإِخْلَاص وَقيل سُورَة عبس، وَهِي ألف وَأَرْبَعمِائَة حرف، وثلاثمائة وَسِتُّونَ كلمة، وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ آيَة. وَالْوَاو فِي: والنجم، للقسم، والنجم: الثريا. قَالَه ابْن عَبَّاس وَالْعرب تسمي الثريا نجما وَإِن كَانَت فِي الْعدَد نجوما. وَعَن مُجَاهِد نُجُوم السَّمَاء كلهَا حِين تغرب لَفظه وَاحِد وَمَعْنَاهُ جمع، وسمى الْكَوْكَب نجما لطلوعه، وكل طالع نجم. قَوْله:{إِذا هوى} أَي: إِذا غَابَ وَسقط قَوْله: {مَا ضل صَاحبكُم} جَوَاب الْقسم والصاحب هُوَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.
(بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلَاّ لأبي ذَر. وَلم يثبت لغيره أَيْضا لفظ: سُورَة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذَو مِرَّةٍ: ذُو قُوَّةٍ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {ذُو مرّة فَاسْتَوَى} (النَّجْم: 6) أَي: ذُو قُوَّة شَدِيدَة، وَعَن أبي عُبَيْدَة: ذُو شدَّة، وَهُوَ جِبْرِيل، عليه السلام، وَعَن عَبَّاس: ذُو خلق حسن، وَعَن الْكَلْبِيّ: من قُوَّة جِبْرِيل، عليه السلام، أَنه اقتلع قريات قوم لوط، عليه السلام، من المَاء الْأسود وَحملهَا على جنَاحه ورفعها إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَلبهَا، وأصل الْمرة من أمررت الْحَبل إِذا أحكمت فتله. قَوْله:(فَاسْتَوَى) يَعْنِي: جِبْرِيل، وَهوى. أَي: مُحَمَّد، عليه السلام، يَعْنِي: اسْتَوَى مَعَ مُحَمَّد، عليهما السلام، لَيْلَة الْمِعْرَاج بالأفق الْأَعْلَى وَهُوَ أقْصَى الدُّنْيَا
عِنْد مطلع الشَّمْس فِي السَّمَاء.
قَابَ قَوْسَيْنِ حَيْثُ الوَتَرُ مِنَ القَوْسِ
هَذَا سقط من أبي ذَر، وَعَن أبي عُبَيْدَة، أَي قدر قوسين أَو أدنى، أَي: أقرب، وَعَن الضَّحَّاك، ثمَّ دنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل فَتَدَلَّى فَأَهوى بِالسُّجُود، فَكَانَ مِنْهُ قاب قوسين أَو أدنى، وَقيل: مَعْنَاهُ بل أدنى أَي: بل أقرب مِنْهُ، وَقيل: ثمَّ دنى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من سَاق الْعَرْش فَتَدَلَّى أَي: جَاوز الْحجب والسرادقات لَا نقلة مَكَان وَهُوَ قَائِم بِإِذن الله، عز وجل، وَهُوَ كالمتعلق بالشَّيْء لَا يثبت قدمه على مَكَان، والقاب والقاد والقيد، عبارَة عَن مِقْدَار الشَّيْء، والقاب مَا بَين القبضة والشية من الْقوس، وَقَالَ الواحدي: هَذَا قَول جُمْهُور الْمُفَسّرين إِن المُرَاد الْقوس الَّتِي يرْمى بهَا. قَالَ: وَقيل: المُرَاد بهَا الذِّرَاع لِأَنَّهُ يُقَاس بهَا الشَّيْء. قلت: يدل على صِحَة هَذَا القَوْل مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القاب الْقدر، والقوسين الذراعين، وَقد قيل: إِنَّه على الْقلب، وَالْمرَاد: فَكَانَ قابي قَوس.
ضِيزَى: عَوْجَاءُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزي} (النَّجْم: 22) وَفَسرهُ بقوله: (عوجاء) وَهُوَ مَرْوِيّ عَن مقَاتل، وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: قسْمَة جائرة حَيْثُ جعلتم لربكم من الْوَلَد مَا تَكْرَهُونَ لأنفسكم وَعَن ابْن سِيرِين: غير مستوية أَن يكون لكم الذّكر وَللَّه الْإِنَاث تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا.
وَأَكْدَى قَطَعَ عَطَاءَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْت الَّذِي تولى وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} (النَّجْم: 33، 43) وَفسّر: (أكدى) بقوله: (قطع عطاءه) نزلت فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة. قَالَ مقَاتل: يَعْنِي أعْطى الْوَلِيد قَلِيلا من الْخَيْر بِلِسَانِهِ ثمَّ أكدى، أَي: قطعه وَلم يتم عَلَيْهِ، وَعَن ابْن عَبَّاس وَالسُّديّ والكلبي وَالْمُسَيب بن شريك. نزلت فِي عُثْمَان بن عَفَّان، رضي الله عنه، وَله قصَّة تركناها لطولها، وأصل أكدى، من الكدية وَهُوَ حجر يظْهر فِي الْبِئْر وَيمْنَع من الْحفر ويوئس من المَاء، وَيُقَال: كديت أَصَابِعه إِذا بخلت، وكديت يَده إِذا كلت فَلم تعْمل شَيْئا.
رَبُّ الشِّعْرَى: هُوَ مِرْزَمُ الجَوْزَاءِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ هُوَ رب الشعرى} (النَّجْم: 94) وَقَالَ الشعرى مرزم الجوزاء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الزَّاي وَهُوَ الْكَوْكَب الَّذِي يطلع وَرَاء الجوزاء، وهما شعريان: الغميصاء، مصغر الغمصاء بالغين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وبالمد، والعبور. فَالْأولى فِي الْأسد وَالثَّانِي فِي الجوزاء، وَكَانَت خُزَاعَة تعبد الشعرى العبور. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي (كتاب الأنواء) الْعذرَة والشعرى العبور والجوزاء فِي نسق وَاحِد، وَهن نُجُوم مَشْهُورَة، قَالَ: وللشعرى ثَلَاثَة أزمان إِذا رؤيت غدْوَة طالعة فَذَاك صميم الْحر، وَإِذا رؤيت عشيا طالعة فَذَاك صميم الْبرد، وَلها زمَان ثَالِث وَهُوَ وَقت نوئها وَأحد كوكبي الذِّرَاع المقبوضة هِيَ الشعرى الغميصاء، وَهِي تقَابل الشعرى العبور والمجرة بَينهمَا، وَيُقَال لكوكبها الآخر الشمالي المرزم، مرزم الذِّرَاع، وهما مرزمان هَذَا وَالْآخر فِي الجوزاء، وَكَانَت الْعَرَب تَقول: انحدر سُهَيْل فَصَارَ يَمَانِيا فتبعته الشعرى فعبرت إِلَيْهِ المجرة. وأقامت الغميصاء بَكت عَلَيْهِ حَتَّى غمصت عينهَا. قَالَ: والشعريان الغميصاء والعبور يطلعان مَعًا.
الَّذِي وَفَّى وَفَّى مَا فَرِضَ عَلَيْهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} (النَّجْم: 73) وَفسّر قَوْله: {إِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} بقوله: وفَّى مَا فرض عَلَيْهِ من الْأَمر، ووفى بِالتَّشْدِيدِ أبلغ من وفى بِالتَّخْفِيفِ، لِأَن بَاب التفعيل فِيهِ الْمُبَالغَة، وَعَن ابْن عَبَّاس وَأبي الْعَالِيَة: أوفى أدّى {إِن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461) وَعَن الزّجاج: وَفِي بِمَا أَمر بِهِ وَمَا امتحن بِهِ من ذبح وَلَده وَعَذَاب قومه.
أزِفَتِ الآزِفَةُ: اقْتَرَبَتِ السَّاَعة
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أزفت الآزفة لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفة} (النَّجْم: 75، 85) وَفسّر قَوْله تَعَالَى: {أزفت الآزفة} بقوله: (اقْتَرَبت السَّاعَة) وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد كَذَلِك، وَسقط هَذَا هُنَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:(كاشفة)، أَي: مظهرة مُقِيمَة، وَالْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة.
سَامِدُونَ البَرْطَمَةُ، وَقَالَ عِكْرَمَةُ يَتَغَنَّوْن بِالحِمْيَرِيَة
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وجل: {تضحكون وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُم سامدون} (النَّجْم: 01، 16) وَقَالَ: (سامدون البرطمة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَالْمِيم، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والأصيلي والقابسي، البرطنة، بالنُّون بدل الْمِيم، وَمَعْنَاهُ الْإِعْرَاض، وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: البرطمة هَكَذَا وَوضع ذقنه فِي صَدره، وَعَن مُجَاهِد: سامدون غضاب متبرطمون، فَقيل لَهُ: مَا البرطمة، فَقَالَ الْإِعْرَاض، وَيُقَال: البرطمة الانتفاخ من الْغَضَب، وَرجل مبرطم متكبر، وَقيل: هُوَ الْغناء الَّذِي لَا يفهم، وَفِي التَّفْسِير: سامدون لاهون غافلون، يُقَال: دع عَنْك سمودك. أَي: لهوك، وَهُوَ لُغَة أهل الْيمن للَاّهي، وَعَن الضَّحَّاك: أشرون بطرون. قَوْله: (وَقَالَ عِكْرِمَة)، هُوَ مولى ابْن عَبَّاس: معنى سامدون يتغنون بلغَة الْحمير، رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن ابْن أبي نجيح عَن عِكْرِمَة.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أفَتُمَارُونَهُ أفَتُجادِلُونَهُ وَمَنْ قَرَأَ أَفَتَمْرُونَهُ يَعْنِي أفَتَجْحَدُونَهُ.
أَي: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {أفتمارونه على مَا يرى} وَفَسرهُ بقوله: (أفتجادلونه) من المراء وَهُوَ الملاحاة والمجادلة، واشتقاقه من مري النَّاقة كَانَ كل وَاحِد من المتجادلين يمري مَا عِنْد صَاحبه، وَيُقَال: مريت النَّاقة مريا إِذا مسحت ضرْعهَا لندر، وَهَكَذَا رَوَاهُ قوم مِنْهُم سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم. قَوْله:(وَمن قَرَأَ: افتمرونه)، بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْمِيم وَهِي قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَخلف وَيَعْقُوب على معنى: أفتجحدونه، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَة. وَقَالَ لأَنهم لم يماروه وَإِنَّمَا جَحَدُوا. وَتقول الْعَرَب: مريت الرجل حَقه إِذا جحدته، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: أفتجحدون، بِغَيْر ضمير.
مَا زَاغَ البَصَرُ بَصَرُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: وَمَا طَغَى وَلا جَاوَزَ مَا رَأَى
هَذَا ظَاهر. وَفِي التَّفْسِير أَي: مَا جَاوز مَا أَمر بِهِ وَلَا مَال عَمَّا قصد لَهُ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، وَقَالَ: مَا زاغ الْبَصَر، وَلم يعين الْقَائِل، وَهُوَ قَول الْفراء، يُقَال مَا عدل يَمِينا وَلَا شمالاً وَلَا زَاد وَلَا تجَاوز، وَهَذَا وصف أدب النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
فَتَمَارَوْا: كَذَبُوا
هَذَا لَيْسَ فِي هَذِه السُّورَة بل فِي سُورَة الْقَمَر الَّتِي تلِي هَذِه السُّورَة، وَلَعَلَّ هَذَا من تخبيط النساخ، وَمعنى:(تماروا: كذبُوا) وَقَالَ الْكرْمَانِي: تتمارى تكذب، وَقَالَ بَعضهم بعد أَن نقل كَلَام الْكرْمَانِي: وَلم أَقف عَلَيْهِ. قلت: لَا حَاجَة إِلَى وُقُوفه عَلَيْهِ، بل هَذِه اللَّفْظَة فِي هَذِه السُّورَة. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{فَبِأَي آلَاء رَبك تمّارى} (النَّجْم: 55) أَي: فَبِأَي نعمائه عَلَيْك تتمارى أَي: تشك وتجادل، وَالْخطاب للْإنْسَان على الْإِطْلَاق وَفِي (تَفْسِير النَّفْسِيّ) الْخطاب لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا يُعجبنِي هَذَا. وَالله أعلم.
وَقَالَ الحَسَنُ: إذَا هَوَى: غَابَ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {والنجم إِذا هوى} (النَّجْم: 1) مَعْنَاهُ: إِذا غَابَ، وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة عَن الْحسن، وَيُقَال: إِذا سقط الْهوى السُّقُوط وَالنُّزُول، يُقَال: هوى يهوي هويا، مثل مضى يمْضِي مضيا، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ {والنجم إِذا هوى} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِذا نزل من السَّمَاء لَيْلَة الْمِعْرَاج.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أغْنَى وَأفْنَى: أعْطَى فَأرْضَى
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وجل: {وَإنَّهُ أغْنى وأقنى} (النَّجْم: 84) وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَعَن أبي صَالح: غنى النَّاس بِالْمَالِ، وأفنى أعْطى الْقنية وأصول الْأَمْوَال، وَقَالَ الضَّحَّاك: أَعنِي بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وصنوف الْأَمْوَال، وأقنى بِالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم. وَعَن ابْن زيد: أغْنى أَكثر وأفنى أقل، وَعَن الْأَخْفَش: أفنى أفقر، وَعَن ابْن كيسَان أولد.
5584 -
حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا وَكِيعُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِر عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها يَا امتاهْ هَلْ رَأي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ فَقَالَتْ لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ أيْنَ أنْتَ مِنْ ثَلاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ مَنْ حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ
ثُمَّ قَرَأْت: {لَا تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الْأَنْعَام: 301) . {وَمَا كَانَ لِبَشَرِ أنْ يُكَلِّمَهُ الله إلَاّ وَحْيا أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الشورى: 15) وَمَنْ حَدَّثَكَ أنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا} (لُقْمَان: 43) وَمَنْ حَدَّثَكَ أنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأْت: {يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (الْمَائِدَة: 76) الآيَةَ وَلاكِنَّهُ رَأى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ..
مطابقته للسورة ظَاهِرَة. وَيحيى هَذَا إِمَّا ابْن مُوسَى الختي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَإِمَّا ابْن جَعْفَر الْبَلْخِي البيكندي، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي التَّوْحِيد مُطلقًا عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا وَقَالَ مُحَمَّد إِلَى آخِره وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَغَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن منيع وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَغَيره.
قَوْله: (يَا أمتاه) ، بِزِيَادَة الْألف وَالْهَاء، وَقَالَ الْخطابِيّ: هم يَقُولُونَ فِي النداء: يَا أبه أمه إِذا وقفُوا فَإِذا وصلوا قَالُوا: يَا أَبَت وَيَا أمت، وَإِذا فتحُوا للنعدبة قَالُوا: يَا أبتاه وَيَا أمتاه، وَالْهَاء الْوَقْف. وَقَالَ الْكرْمَانِي، هَذَا لَيْسَ من بَاب الندبة إِذْ لَيْسَ ذَلِك تفجعا عَلَيْهَا. وَقَالَ بَعضهم: أَصله يَا أم فأضيف إِلَيْهَا ألف الاستغاثة فأبدلت تَاء وزيدت هَاء السكت بعد الْألف. قلت: لم يقل أحد مِمَّن يُؤْخَذ عَنهُ أَن الْألف فِيهِ للاستغاثة وَأَيْنَ الاستغاثة هَاهُنَا. قَوْله: (لقد قف شعري)، أَي: قَامَ من الْفَزع لما حصل عِنْدهَا من هَيْبَة الله عز وجل، وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: القفة: بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، كالقشعريرة وَأَصله التقبض والاجتماع لِأَن الْجلد ينقبض عِنْد الْفَزع فَيقوم الشّعْر لذَلِك. قَوْله:(أَيْن أَنْت من ثَلَاث)، أَي: أَيْن فهمك يغيب من استحضار ثَلَاثَة أَشْيَاء؟ فَيَنْبَغِي لَك أَن تستحضرها ليحبط علمك بكذب من يَدعِي وُقُوعهَا. قَوْله: (من حدثكهن)، أَي: من حَدثَك هَذِه الثَّلَاث فقد كذب. قَوْله: (من حَدثَك أَن مُحَمَّدًا رأى ربه) ، هَذَا هُوَ الأول من الثَّلَاث وَهُوَ أَن من يخبر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رأى ربه يَعْنِي لَيْلَة الْمِعْرَاج فقد كذب فِي إخْبَاره، ثمَّ استدلت عَائِشَة على نفي الرُّؤْيَة بالآيتين المذكورتين إِحْدَاهمَا هُوَ قَوْله:(لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار) وَجه الِاسْتِدْلَال بهَا أَن الله عز وجل نفى أَن تُدْرِكهُ الْأَبْصَار، وَعدم الْإِدْرَاك يَقْتَضِي نفي الرُّؤْيَة بِأَن المُرَاد بالإدراك الْإِحَاطَة وهم يَقُولُونَ بِهَذَا أَيْضا وَعدم الْإِحَاطَة لَا يسْتَلْزم نفي الرُّؤْيَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: لم تنف عَائِشَة الرُّؤْيَة بِحَدِيث مَرْفُوع، وَلَو كَانَ مَعهَا فِي حَدِيث لذكرته، وَإِنَّمَا اعتمدت الاستنباط على مَا ذكرت من ظَاهر الْآيَة، قد خالفها غَيرهَا من الصَّحَابَة، والصحابي إِذا قَالَ قولا وَخَالفهُ غَيره مِنْهُم لم يكن ذَلِك القَوْل حجَّة اتِّفَاقًا، وَقد خَالف عَائِشَة ابْن عَبَّاس فَأخْرج التِّرْمِذِيّ من طَرِيق الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رأى مُحَمَّد ربه قلت: أَلَيْسَ الله يَقُول: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: وَيحك ذَاك إِذا تجلى بنوره الَّذِي هُوَ نوره، وَقد رأى ربه مرَّتَيْنِ، وروى ابْن خُزَيْمَة بِإِسْنَاد قوي عَن أنس. قَالَ: رأى مُحَمَّد ربه، وَبِه قَالَ سَائِر أَصْحَاب ابْن عَبَّاس وَكَعب الْأَحْبَار وَالزهْرِيّ وَصَاحب معمر وَآخَرُونَ، وَحكى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن أَنه حلف أَن مُحَمَّدًا رأى ربه، وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن عُرْوَة بن الزبير إِثْبَاتهَا وَكَانَ يشْتَد عَلَيْهِ إِذا ذكر لَهُ إِنْكَار عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهُوَ قَول الْأَشْعَرِيّ وغالب اتِّبَاعه. قَوْله:(وَمَا كَانَ لبشر) الْآيَة هِيَ الْآيَة الثَّانِيَة الَّتِي استدلت بهَا عَائِشَة على نفي الرُّؤْيَة، وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن الله تَعَالَى حصر تكليمه لغيره فِي ثَلَاثَة أوجه وَهِي الْوَحْي بِأَن يلقِي فِي روعه مَا يَشَاء أَو يكلمهُ بِغَيْر وَاسِطَة من وَرَاء حجاب، أَو يُرْسل إِلَيْهِ رَسُولا فيبلغه عَنهُ فيستلزم ذَلِك انْتِفَاء الرُّؤْيَة عَنهُ حَالَة التَّكَلُّم، وَأَجَابُوا عَنهُ أَن ذَلِك لَا يسْتَلْزم نفي الرُّؤْيَة مُطلقًا، وَغَايَة مَا يَقْتَضِي نفي تكليم الله على غير هَذِه الْأَحْوَال الثَّلَاثَة فَيجوز أَن التكليم لم يَقع حَالَة الرُّؤْيَة قَوْله:{وَمن حَدثَك أَنه يعلم مَا فِي غَد فقد كذب} هَذَا هُوَ الثُّلُث من الثَّلَاث الْمَذْكُورَة. واستدلت: على ذَلِك بقوله تَعَالَى: (وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا) قَوْله: (وَمن حَدثَك أَنه فقد كذب) هَذَا هُوَ الثَّالِث من الثَّلَاث الْمَذْكُورَة أَي: وَمن حَدثَك بِأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتم شَيْئا من الَّذِي شرع الله تَعَالَى لَهُ فقد كذب لِأَنَّهُ رَسُول مَأْمُور بالتبليغ فَلَيْسَ لَهُ كتم شَيْء من ذَلِك واستدلت على ذَلِك بقوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} ، قَوْله:{وَلكنه رأى جبرايل} هَكَذَا، رِوَايَة