الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدُبَ بنَ سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ اشْتَكَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أوْ ثَلاثَا فَجَاءَتِ امْرأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ إنِّي لأَرْجُو أنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا فَأنْزَلَ الله عز وجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (الضُّحَى: 1، 3) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه بَيَان سَبَب نزُول هَذِه السُّورَة، وَزُهَيْر مصغر زهر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَالْأسود بن قيس الْعَبْدي وَقيل: البَجلِيّ، جُنْدُب، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا وَهُوَ جند بن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ تَارَة ينْسب إِلَى أَبِيه وَتارَة إِلَى جده.
والْحَدِيث قد مر فِي قيام اللَّيْل فِي ترك الْقيام للْمَرِيض، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن الْأسود الخ. قَوْله:(اشْتَكَى) أَي: مرض. قَوْله: (فَجَاءَت امْرَأَة) وَهِي أم جميل، بِفَتْح الْجِيم، امْرَأَة أبي لَهب وَهِي بنت حَرْب أُخْت أبي سُفْيَان وَاسْمهَا العوراء. قَوْله:(قربك) بِكَسْر الرَّاء وَلَفظ قرب يَجِيء لَازِما ومتعديا يُقَال: قرب الشَّيْء بِالضَّمِّ أَي: دنا وقريته بِالْكَسْرِ أَي: دَنَوْت مِنْهُ، وَهنا مُتَعَدٍّ.
2 -
(بَابٌ قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} كَذَا ثبتَتْ هَذَا للمستملي، وَهِي مكررة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيره لِأَن غَيره لم يذكرهَا فِي الأولى.
تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ
أَي: يقْرَأ قَوْله: (مَا وَدعك) بتَشْديد الدَّال وتخفيفها فالتشديد قِرَاءَة الْجُمْهُور وَالتَّخْفِيف قِرَاءَة ابْن أبي عبلة قَوْله: (بِمَعْنى وَاحِد) يَعْنِي كلتا الْقِرَاءَتَيْن بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ قَوْله: (مَا تَركك) يَعْنِي: ودع، سَوَاء كَانَ بِالتَّشْدِيدِ أَو بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنى ترك فِيهِ تَأمل، فَإِن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: التَّشْدِيد من التوديع وَالتَّخْفِيف من ودع يدع، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أماتوا ماضيه فَلَا يُقَال: ودعه وَإِنَّمَا يُقَال: تَركه قلت: قِرَاءَة ابْن أبي عبلة ترد عَلَيْهِ مَا قَالَه.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا أبْغَضَكَ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله: {مَا وَدعك مَا تَركك} وَفِي تَفْسِير قَوْله: (وَمَا قلى) أَي: (وَمَا أبغضك) وَأَصله: وَمَا قلاك فَحذف الْكَاف مِنْهُ وَمن قَوْله: (فأغنى) وَقَوله: (فهدى) للمشاكلة فِي أَوَاخِر الْآي، وَيُقَال لهَذَا فواصل. كَمَا يُقَال: فِي غير الْقُرْآن أسجاع، وقلى يقلى من بَاب ضرب يضْرب ومصدره قلى وقلى، قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا فتحت مددت وَمَعْنَاهُ البغض، وقلاه أبغضه وتقليه تبْغضهُ ولغة طي: تقلاه.
1594 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنِ الأسْوَدِ بنِ قَيسٍ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدُبا البَجَلِيِّ قَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسولَ الله مَا أُرَى صَاحِبَكَ إلَاّ أبْطاعَتْكَ فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبِّكَ وَمَا قَلَى} (الضُّحَى: 3) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جُنْدُب أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار هُوَ بنْدَار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَضم الدَّال وَفتحهَا. وَكِلَاهُمَا لقب.
قَوْله: (قَالَت امْرَأَة) ، قيل إِنَّهَا خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمَرْأَة كَانَت كَافِرَة فَكيف قَالَت: يَا رَسُول الله؟ قلت: قَالَت إِمَّا استهزاء وَإِمَّا أَن يكون هُوَ من تَصَرُّفَات الرَّاوِي إصلاحا للعبارة، وَقَالَ بَعضهم، بعد أَن نقل كَلَام الْكرْمَانِي: هُوَ موجه لِأَن مخرج الطَّرِيقَيْنِ وَاحِد. قلت: أما قَول الْكرْمَانِي: الْمَرْأَة كَانَت كَافِرَة، فِيهِ نظر، فَمن أَيْن علم أَنَّهَا كَانَت كَافِرَة فِي هَذَا الطَّرِيق؟ نعم كَانَت كَافِرَة فِي الطَّرِيق الأول لِأَنَّهُ صرح فِيهِ بقوله إِنِّي لأرجو أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك، وَهَذَا القَوْل لَا يصدر عَن مُسلم وَلَا مسلمة، وَهنا قَالَ صَاحبك، وَقَالَ: يَا رَسُول الله، وَمثل هَذَا لَا يصدر عَن كَافِر، وَقَول بَعضهم: هَذَا موجه، لِأَن مخرج الطَّرِيقَيْنِ، وَاحِد، فِيهِ نظر أَيْضا لِأَن اتِّحَاد الْمخْرج يسْتَلْزم أَن يكون هَذِه الْمَرْأَة هُنَا بِعَينهَا تِلْكَ الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة هُنَاكَ، على أَن الواحدي ذكر عَن عُرْوَة أَبْطَأَ جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَخرج جزعا شَدِيدا. فَقَالَت خَدِيجَة: قد قلاك رَبك لما يرْوى من جزعك فَنزلت وَهِي فِي (تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير) ، عَن جُنْدُب ابْن عبد الله، فَقَالَت امْرَأَة من أَهله وَمن قومه: ودع مُحَمَّدًا فَإِن قلت: ذكر ابْن بشكوال أَن الْقَائِل بذلك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. قَالَ: ذكره ابْن سنيد فِي تَفْسِيره. قلت: هَذَا لَا يَصح لِأَن هَذِه السُّورَة مَكِّيَّة بِلَا خلاف وَأَيْنَ عَائِشَة حِينَئِذٍ. قَوْله: (إلَاّ أَبْطَأَ عَنْك) ، وَكَأَنَّهُ وَقع فِي نُسْخَة الْكرْمَانِي، أبطأك، ثمَّ تكلّف فِي نقل كَلَام وَالْجَوَاب عَنهُ، فَقَالَ: قيل الصَّوَاب أَبْطَأَ عَنْك، وَأَبْطَأ بك أَو عَلَيْك، قَول: وَهَذَا أَيْضا صَوَاب إِذْ مَعْنَاهُ مَا أرى صَاحبك يَعْنِي جِبْرِيل إلَاّ جعلك بطيئا فِي الْقِرَاءَة لِأَن بطأه فِي الإقراء إبطاء فِي قِرَاءَته، أَو هُوَ من بَاب حذف حرف الْجَرّ وإيصال الْفِعْل بِهِ، وَهنا فصلان:
الأول: فِي مُدَّة احتباس جِبْرِيل، عليه الصلاة والسلام، فَعَن ابْن جريج: اثْنَا عشر يَوْمًا، وَعَن ابْن عَبَّاس: خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَعنهُ: خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا. وَعَن مقَاتل: أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَقيل: ثَلَاثَة أَيَّام.
وَالثَّانِي: سَبَب الاحتباس، فَفِيهِ أَقْوَال فَعَن خَوْلَة خادمة النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَن جروا دخل الْبَيْت فَمَاتَ تَحت السرير فَمَكثَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي، فَقَالَ: يَا خَوْلَة مَاذَا حدث فِي بَيْتِي؟ قَالَت. فَقلت: لَو هيأت الْبَيْت وكنسته فَأَهْوَيْت بالمكنسة تَحت السرير فَإِذا شَيْء ثقيل فنطرت فَإِذا جرو ميت فألقيته فجَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرعد لحياه، فَقَالَ: يَا خَوْلَة! دثريني. فَنزلت: {وَالضُّحَى} وَعَن مقَاتل: لما أَبْطَأَ الْوَحْي قَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله تلبث عَلَيْك الْوَحْي؟ فَقَالَ: كَيفَ ينزل عليّ الْوَحْي وَأَنْتُم لَا تنفقون براجمكم وَلَا تقلمون أظفاركم؟ وَعَن ابْن إِسْحَاق أَن الْمُشْركين سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْحَضَر وَفِي القرنين وَالروح فَوَعَدَهُمْ بِالْجَوَابِ إِلَى غَد وَلم يسْتَثْن فَأَبْطَأَ جِبْرَائِيل، عليه الصلاة والسلام، اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة. وَقيل: أَكثر من ذَلِك. فَقَالَ الْمُشْركُونَ: ودعه ربه، فَنزل جِبْرَائِيل، عليه الصلاة والسلام، بِسُورَة (وَالضُّحَى) بقوله:{وَلَا تقولن لشَيْء أَنِّي فَاعل ذَلِك غَدا} (الْكَهْف: 32) انْتهى. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض رِوَايَة جُنْدُب. قلت: لَا إِذْ يكون جَوَابا بالذينك الشَّيْئَيْنِ أَو جَوَابا لمن قَالَ: كَائِنا من كَانَ.
49 -
(سُورَةُ: {ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة: {ألم نشرح لَك} (الشَّرْح 1:) كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: (ألم نشرح) وَهِي مَكِّيَّة، وَهِي مائَة وَثَلَاثَة أحرف، وَسبع وَعِشْرُونَ كلمة، وثمان آيَات. قَوْله:(ألم نشرح) يَعْنِي: ألم نفتح ونوسع ونلين لَك قَلْبك بِالْإِيمَان والنبوة وَالْعلم وَالْحكمَة؟ والهمزة فِيهِ لَيْسَ على الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ، وَمَعْنَاهُ: شرحنا لَك صدرك، وَلِهَذَا عطف (ووضعنا) عَلَيْهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلَاّ لأبي ذَر وَحده.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وِزرَكَ فِي الجَاهِلِيَّةِ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {ووضعنا عَنْك وزرك} (الشَّرْح: 2) رَوَاهُ ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن عَمْرو: أخبرنَا أَبُو عَاصِم أخبرنَا عِيسَى عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَقَرَأَ عبد الله: وحللنا عَنْك وزرك، وَقَالَ الْكرْمَانِي:(فِي الْجَاهِلِيَّة) صفة للوزر لَا مُتَعَلق بِالْوَضْعِ، وَأَرَادَ بِهِ