الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأوله: وَأنكر أَن يتحدث بِحَدِيث: اهتز الْعرض لمَوْت سعد بن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمِنْهُم من تأولها تَأْوِيلا يكَاد يُفْضِي فِيهِ إِلَى القَوْل بالتشبيه.
2 -
(بابُ قَوْلِهِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ} (ق:
93)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَسبح بِحَمْد رَبك} الْآيَة، وَوَقع فِي بعض النّسخ: بَاب {فسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا} وَقَالَ بَعضهم: كَذَا لأبي ذَر فِي التَّرْجَمَة: وَفِي سِيَاق الحَدِيث وَلغيره. وَسبح، بِالْوَاو فيهمَا وَهُوَ الْمُوَافق للتلاوة فَهُوَ الصَّوَاب، وَعِنْدهم أَيْضا. وَقيل الْغُرُوب، وَهُوَ الْمُوَافق لآيَةَ السُّورَة قلت: لَا حَاجَة إِلَى هَذِه التعسفات وَالَّذِي فِي نسختنا هُوَ نَص الْقُرْآن فِي السُّورَة الْمَذْكُورَة، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُمْدَة، فلأي ضَرُورَة يحرف الْقُرْآن وينسب إِلَى أبي ذَر أَو غَيره؟ .
1584 -
حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ جرِيرٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بنِ أبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ بنِ عَبْدِ الله قَالَ كُنَّا جُلُوسا لَيْلَةً مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إلَى القَمَرِ لَيْلَةَ أرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَالَ إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هاذا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فإنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ} .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {وَسبح بِحَمْد رَبك} إِلَى آخِره وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير بن عبد الحميد وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقيس بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، واسْمه عَوْف البَجلِيّ قدم الْمَدِينَة بَعْدَمَا قبض النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب فضل صَلَاة الْعَصْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن الْحميدِي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لَا تضَامون) ، بالضاد الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم من الضيم وبتشديدها من الضَّم، أَي: لَا يظلم بَعْضكُم بَعْضًا بِأَن يستأثر بِهِ دونه أَو لَا يزاحم بَعْضكُم بَعْضًا. قَوْله: (فَإِن اسْتَطَعْتُم) ، إِلَى آخِره، يدل على أَن الرُّؤْيَة قد ترجى بالمحافظة على هَاتين الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أما لفظ: فسبح، فَهُوَ بِالْوَاو وَلَا بِالْفَاءِ وَالْمُنَاسِب للسورة، وَقبل الْغُرُوب لَا غُرُوبهَا، وَقَالَ بَعضهم: لَا سَبِيل إِلَى التَّصَرُّف فِي لفظ الحَدِيث، وَإِنَّمَا أورد الحَدِيث هُنَا لِاتِّحَاد دلَالَة لآيتين انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي هُوَ الصَّحِيح لِأَن قِرَاءَة: فسبح، بِالْفَاءِ تصرف فِي الْقُرْآن، والْحَدِيث هُنَا بِالْوَاو، وَفِي النّسخ الصَّحِيحَة كَمَا فِي الْقُرْآن، وَقد رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر مُوَافقا لِلْقُرْآنِ وَلَفظه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد بِلَفْظ: ثمَّ قَرَأَ: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل الْغُرُوب} وَالظَّاهِر أَن نُسْخَة الْكرْمَانِي كَانَت بِالْفَاءِ وَقبل غُرُوبهَا، فَلذَلِك قَالَ مَا ذكره.
2584 -
حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا وَرْقَاءُ عنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أمَرَهُ أنْ يُسَبِّح فِي أدْبَارِ الصَّلَواتِ كُلِّها يَعْنِي قَوْلَهُ وَأدْبَارَ السُّجُودِ.
آدم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد أَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان، وورقاء، تَأْنِيث الأورق بِالْوَاو وَالرَّاء ابْن عمر الْخَوَارِزْمِيّ بن أبي إِيَاس، وَاسم أبي نجيح يسَار. ضد الْيَمين الْمَكِّيّ.
قَوْله: (قَالَ ابْن عَبَّاس)، وَفِي كثير من النّسخ قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس. قَوْله:(أمره)، أَي: أَمر الله النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يسبح، وَالْمرَاد من التَّسْبِيح هَذَا حَقِيقَة التَّسْبِيح لَا الصَّلَاة وَلِهَذَا فسره بقوله: يَعْنِي قَوْله: وأدبار السُّجُود، يَعْنِي: أدبار الصَّلَوَات، وَتطلق السَّجْدَة على الصَّلَاة بطرِيق ذكر الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل.
15 -
(
{سُورَةَ وَالذَّارِيَاتِ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الذاريات، وَهِي مَكِّيَّة كلهَا. قَالَه مقَاتل: وَغَيره، وَقَالَ السخاوي: نزلت بعد سُورَة الْأَحْقَاف وَقيل: سُورَة الغاشية، وَهِي ألف ومائتان وَسَبْعَة وَثَمَانُونَ حرفا، وثلاثمائة وَسِتُّونَ كلمة، وَسِتُّونَ آيَة.
قَوْله: (والذاريات) ، قسم على
مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
لم تثبت لغير أبي ذَر الْبَسْمَلَة وَلَا قَوْله: سُورَة.
قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام الذَّارِياتُ الرِّياحُ
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: المُرَاد بالذاريات الرِّيَاح، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَقَالَ عَليّ: الذاريات الرِّيَاح، رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الْحَنْظَلِي عَن أبي سعيد الْأَشَج حَدثنَا عقبَة بن خَالِد السكونِي حَدثنَا سعيد بن عبيد الطَّائِي عَن عَليّ بن ربيعَة أَن عبد الله بن الْكواء سَأَلَ عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا الذاريات، قَالَ: الرّيح. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَمُجاهد وَالْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَقَتَادَة وَالسُّديّ وخصيف مثل ذَلِك، وروى ابْن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن ابْن أبي حُسَيْن سَمِعت أَبَا الطُّفَيْل قَالَ: سَمِعت ابْن الْكواء سَأَلَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن {الذرايات ذَروا} (الذاريات: 1) قَالَ: الرِّيَاح، وَعَن {الْحَامِلَات وقرا} (الذاريات: 2) قَالَ السَّحَاب: وَعَن {الْجَارِيَات يسرا} (الذاريات: 3) قَالَ السفن، وَعَن:{المدبرات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة وَصَححهُ الْحَاكِم من وَجه آخر عَن أبي الطُّفَيْل. وَأخرجه عبد الرَّزَّاق من وَجه آخر عَن أبي الطُّفَيْل، قَالَ: شهِدت عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ يخْطب وَهُوَ يَقُول: سلوني، فوَاللَّه لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء يكون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إلَاّ حدثتكم بِهِ، وسلوني عَن كتاب الله، فوَاللَّه مَا من آيَة إلَاّ وَأَنا أعلم بلَيْل أنزلت أم بنهار أم فِي سهل أم فِي جبل، فَقَالَ ابْن الْكواء، وَأَنا بَينه وَبَين عَليّ وَهُوَ خَلْفي، فَقَالَ:{فالذاريات ذورا} فَذكر مثله، وَقَالَ فِيهِ: وَيلك سل تفقها وَلَا تسْأَل تعنتا.
وَقَالَ غَيْرُهُ تَذْرُوهُ تُفَرِّقُهُ
أَي: قَالَ غير عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قَوْله تَعَالَى:{تَذْرُوهُ الرِّيَاح} (الذاريات: 5) تفرقه وَهَذَا فِي سُورَة الْكَهْف، وَهُوَ قَوْله عز وجل:{فَأصْبح هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح} (الْكَهْف: 54) وَإِنَّمَا ذكره هُنَا لأجل قَوْله: والذاريات، يُقَال ذرت الرّيح التُّرَاب تَذْرُوهُ ذَروا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ذرت الرّيح التُّرَاب، وَغَيره تَذْرُوهُ وتذريه ذَروا وذريا أَي: نسفته.
{وَفِي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ} تَأكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ
أَي: وَفِي أَنفسكُم آيَات أَفلا تبصرون أَفلا تنْظرُون بِعَين الِاعْتِبَار، لِأَنَّهُ أَمر عَظِيم حَيْثُ تَأْكُل وتشرب من مَوضِع وَاحِد وَيخرج من موضِعين أَي: الْقبل والدبر.
فَرَاغَ فَرَجَعَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين} (الذاريات: 62) وَفسّر: (فرَاغ) بقوله: (فَرجع) وَكَذَا قَالَ الْفراء، وَفِي التَّفْسِير: فرَاغ فَعدل، وَمَال إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام، وَعَن الْفراء لَا ينْطق بالروغ حَتَّى يكون صَاحبه مخيفا لذهابه أَو مَجِيئه.
فَصَكَّتْ فَجَمَعَتْ أصَابِعَها فَضَرَبَتْ جَبْهَتِهَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَقْبَلت امْرَأَته فِي صرة فصكت وَجههَا} (الذاريات: 92) الْآيَة، وَفسّر:(فصكت) بقوله: (فجعمت) إِلَى آخِره، وَهُوَ قَول الْفراء بِلَفْظِهِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، جمعت بِغَيْر فَاء، حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: فصكت وَجههَا، قَالَ: فَضربت بِيَدِهَا على جبينها. وَقَالَت: يَا ويلتاه. قَوْله: (فِي صَلَاة)، أَي: فِي صَيْحَة.
وَالرَّمِيمُ نَبَاتُ الأرْضِ إذَا يَبِسَ ودِيسَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم} (الذاريات: 24) وَفسّر: (الرميم) بقوله: (نَبَات الأَرْض إِذا يبس) أَي: جف قَوْله: (ودبس) بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، مَجْهُول الْفِعْل الْمَاضِي من الدوس وَهُوَ وَطْء الشَّيْء بالقدم حَتَّى يتفتت، وَأَصله: دوس نقلت حَرَكَة الْوَاو إِلَى الدَّال بعد سلب ضمتها ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وَتَفْسِيره مَنْقُول عَن الْفراء وَعَن ابْن عَبَّاس: كالرميم كالشيء الْهَالِك، وَعَن أبي الْعَالِيَة: كالتراب المدقوق، وَقيل: أَصله من الْعظم الْبَالِي.
لِمُوسُعُونَ أيْ لَذُو وِسْعَةٍ وَكَذَلِكَ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ يَعْنِي القَوِيِّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد، وَإِنَّا لموسعون} (الذاريات: 74) وَفسّر: (الموسعون) بقوله: (لذُو سَعَة) لخلقنا وَعَن ابْن عَبَّاس: لقادرون، وَعنهُ: لموسعون الرزق على خلقنَا، وَعَن الْحسن: المطيقون. قَوْله: (وَكَذَلِكَ){وعَلى الموسع قدره} (الْبَقَرَة: 632) أَي: وَكَذَلِكَ فِي معنى: لموسعون، قَوْله: وعَلى الموسع قدره، وَالْحَاصِل أَنه عبارَة عَن السعَة وَالْقُدْرَة.
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: (وَمن كل شَيْء خلقنَا زَوْجَيْنِ)(الذاريات: 94) والزوجان: الذّكر وَالْأُنْثَى من جَمِيع الْحَيَوَانَات، وَفِي التَّفْسِير: زَوْجَيْنِ صنفين ونوعين مُخْتَلفين كالسماء وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالْبر وَالْبَحْر والسهل والوعر والشتاء والصيف وَالْإِنْس والجان وَالْكفْر وَالْإِيمَان والشقاوة والسعادة وَالْحق وَالْبَاطِل وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَاخْتِلافُ الألْوَانِ حُلْوٌ وَحَامِضٌ فَهُمَا زَوْجَانِ
الظَّاهِر أَنه أَشَارَ بقوله: (وَاخْتِلَاف الألوان) إِلَى قَوْله تَعَالَى: وألوانكم فِي سُورَة الرّوم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَمن آيَاته خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين} (الرّوم: 22) وَمن جملَة آيَاته، عز وجل، اخْتِلَاف ألوان بني آدم وَهُوَ الِاخْتِلَاف فِي تنويع ألوانهم إِذْ لَو تشاكلت وَكَانَت نوعا وَاحِدًا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصَالح كَثِيرَة وَكَذَلِكَ اخْتِلَاف الألوان فِي كل شَيْء، وَكَذَا الِاخْتِلَاف فِي المطعومات حَتَّى فِي طعوم الثِّمَار، فَإِن بَعْضهَا حُلْو وَبَعضهَا حامض، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:(حُلْو وحامض) قَوْله: (فهما زوجان)، أَي: الحلو والحامض، وَأطلق عَلَيْهِمَا زوجان لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا يُقَابل الآخر بالضدية كَمَا فِي الذّكر وَالْأُنْثَى، فَإِن الذّكر يُقَابل الْأُنْثَى بالذكورة وَهِي ضد الْأُنُوثَة وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح خُصُوصا الْمُدَّعِي مِنْهُم حرر هَذَا الْموضع.
فَفِرُّوا إلَى الله مِنَ الله إلَيْهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَفرُّوا إِلَى الله إنى لكم مِنْهُ نَذِير مُبين} (الذاريات: 05) وَفَسرهُ بقوله: (من الله إِلَيْهِ) يَعْنِي: من مَعْصِيَته إِلَى طَاعَته أَو من عَذَابه إِلَى رَحمته، وَكَذَا قَالَه الْفراء، وَفِي التَّفْسِير أَي: فاهربوا من عَذَاب الله إِلَى ثَوَابه بِالْإِيمَان ومجانبة الْعِصْيَان. وَعَن أبي بكر الْوراق، فروا من طَاعَة الشَّيْطَان إِلَى طَاعَة الرحمان.
إلَاّ لِيَعْبُدُونِ مَا خَلَقَتْ أهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أهْلِ الفَرِيقَيْنِ إلَاّ لِيُوحِّدُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ حُجِّةٌ لأهْلِ القَدَره.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وجل: {مَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} (الذاريات: 65) قَوْله: (إِلَّا ليعبدون) كَذَا ابْتِدَاء الْكَلَام عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر من أول الْآيَة. {مَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَالْمعْنَى بِحَسب الظَّاهِر: مَا خلقت هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ إلَاّ ليوحدوني، وَلَكِن فسره البُخَارِيّ بقوله: مَا خلقت أهل السَّعَادَة من أهل الْفَرِيقَيْنِ أَي: الْجِنّ وَالْإِنْس إلَاّ ليوحدون، وَإِنَّمَا خصص السُّعَدَاء من الْفَرِيقَيْنِ لتظهر الْمُلَازمَة بَين الْعلَّة والمعلول، فَلَو حمل الْكَلَام على ظَاهره لوقع التَّنَافِي بَينهمَا، وَهُوَ غير جَائِز، وَعَن هَذَا قَالَ الضَّحَّاك وسُفْيَان: هَذَا خَاص لأهل عِبَادَته وطاعته، دَلِيله قِرَاءَة ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس من الْمُؤمنِينَ، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعْنَاهُ: إلَاّ لآمرهم بعبادتي وأدعوهم إِلَيْهَا، وَاعْتمد الزّجاج على هَذَا، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى:{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله} (الْبَيِّنَة: 5) فَإِن قلت: كَيفَ كفرُوا وَقد خلقهمْ للإقرار بربوبيته والتذلل لأَمره ومشيته؟ قلت: قد تذللوا لقضائه الَّذِي قضى عَلَيْهِم لِأَن قَضَاءَهُ جَار عَلَيْهِم لَا يقدرُونَ على الِامْتِنَاع مِنْهُ إِذا نزل بهم، وَإِنَّمَا خَالفه من كفر فِي الْعَمَل بِمَا أَمر بِهِ، فَأَما التذلل لقضائه فَإِنَّهُ غير مُمْتَنع. قَوْله:(وَقَالَ بَعضهم خلقهمْ ليفعلوا)، أَي: التَّوْحِيد فَفعل بعض مِنْهُم وَترك بعض، هَذَا قَول الْفراء. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين هذَيْن التَّأْويلَيْنِ؟ قلت: الأول لفظ عَام أُرِيد بِهِ الْخُصُوص وَهُوَ أَن المُرَاد أهل السَّعَادَة من الْفَرِيقَيْنِ، وَالثَّانِي على عُمُومه بِمَعْنى خلقهمْ معدين لذَلِك. لَكِن مِنْهُم من أطَاع وَمِنْهُم من عصى، وَمعنى الْآيَة
فِي الْجُمْلَة أَن الله تَعَالَى لم يخلقهم لِلْعِبَادَةِ خلق جبلة وَاخْتِيَار، وَإِنَّمَا خلقهمْ لَهَا خلق تَكْلِيف واختبار. فَمن وَفقه وسدده أَقَامَ الْعِبَادَة الَّتِي خلق لَهَا، وَمن خذله وطرده حرمهَا وَعمل بِمَا خلق لَهُ كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ، وَفِي نفس الْأَمر: هَذَا سر لَا يطلع عَلَيْهِ غير الله تَعَالَى، وَقَالَ:{لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} (الْأَنْبِيَاء: 32) قَوْله: (وَلَيْسَ فِيهِ حجَّة لأهل الْقدر)، أَي: الْمُعْتَزلَة وهم احْتَجُّوا بهَا على أَن إِرَادَة الله تَعَالَى لَا تتَعَلَّق إلَاّ بِالْخَيرِ، وَأما الشَّرّ فَلَيْسَ مرَادا لَهُ، وَأجَاب أهل السّنة بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الشَّيْء مُعَللا بِشَيْء أَن يكون ذَلِك الشَّيْء أَي: الْعلَّة مرَادا وَلَا يلْزم أَن يكون غَيره مرَادا. قَالُوا: أَفعَال الله لَا بُد أَن تكون معللة أُجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من وُقُوع التَّعْلِيل وُجُوبه، وَنحن نقُول: بِجَوَاز التَّعْلِيل قَالُوا: أَفعَال الْعباد مخلوقة لَهُم لإسناد الْعِبَادَة إِلَيْهِم أُجِيب بِأَنَّهُ لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الْإِسْنَاد من جِهَة الْكسْب وَكَون العَبْد محلا لَهَا.
وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ العَظِيمُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِن للَّذين ظلمُوا ذنوبا مثل ذنُوب أَصْحَابهم فَلَا يستعجلون} (الذاريات: 95) وَهَذَا التَّفْسِير الَّذِي فسره من حَيْثُ اللُّغَة فَإِن الذُّنُوب فِي اللُّغَة: الدَّلْو الْعَظِيم، المملوء مَاء وَأهل التَّفْسِير اخْتلفُوا فَعَن مُجَاهِد: سَبِيلا، وَعَن النَّخعِيّ ظرفا وَعَن قَتَادَة وَعَطَاء، عذَابا. وَعَن الْحسن دولة، وَعَن الْكسَائي: حظاً وَعَن الْأَخْفَش نَصِيبا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ ذنُوبا سَجْلاً
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير ذنوبا سجلاً، وَهُوَ المُرَاد هُنَا، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَذَا بعد قَوْله: صرة صَيْحَة، وَهُوَ تخبيط من النَّاسِخ، والسجل، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وباللام. هُوَ الدَّلْو الممتلىء مَاء. ثمَّ اسْتعْمل فِي الخظ والنصيب.
صَرَّةٍ صَيْحَةٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَت عَجُوز عقيم} هِيَ: سارة، وَكَانَت لم تَلد قبل ذَلِك فَولدت وَهِي بنت تسع وَتِسْعين سنة، وَإِبْرَاهِيم، صلوَات الله عَلَيْهِ، يَوْمئِذٍ ابْن مائَة سنة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: والحُبكَ اسْتوَاؤُها وَحُسْنُها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء ذَات الحبك} (الذاريات: 7) وَفسّر الحبك باستواء السَّمَاء وحسنها، وَكَذَا روى ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَشَج: حَدثنَا ابْن فُضَيْل أخبرنَا عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالربيع: ذَات الْخلق الْحسن المستوي، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة، وَقَالَ: ألم تَرَ إِلَى النساج نسج الثَّوْب وأجاد نسجه. قيل: مَا أحسن حبكه؟ وَعَن الْحسن: حبكت بالنجوم، وَعَن سعيد بن جُبَير: ذَات الزِّينَة، وَعَن مُجَاهِد: هُوَ المتقن الْبُنيان، وَعَن الضَّحَّاك: ذَات الطرائق وَلكنهَا تبعد عَن الْخَلَائق فَلَا يرونها.
فِي غَمْرةٍ فِي ضَلالَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قتل الخراصون الَّذين هم فِي غمرة ساهون} (الذاريات: 01، 11) وَفسّر الغمرة بالضلالة، وَقيل: الغمرة الشُّبْهَة والغفلة، وَفِي بعض النّسخ. فِي غمرة فِي ضَلَالَة يتمادون يتطاولون. قَوْله:(ساهون)، أَي: لاهون.
وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَاصوْا تَوَاطَؤُا
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {أتواصوا بِهِ بل هم قوم طاغون} (الذاريات: 35) وَفسّر: (تواصوا) بقوله: (تواطؤا) وَأخرجه ابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بقوله: تواطؤوا عَلَيْهِ. وَأخرجه بَعضهم عَن بعض، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أوصى بَعضهم بَعْضًا بالتكذيب وَتَوَاصَوْا عَلَيْهِ، وَالْألف فِيهِ التوبيخ.
وَقَالَ: مُسَوَّمَةً مُعَلَمَةً مِنَ السَّمَا
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى: {لنرسل عَلَيْهِم حِجَارَة من طين مسومة عِنْد رَبك للمسرفين} (الذاريات: 33، 43) وَفسّر: (مسومة) بقوله: (معلمة من السيما) وَهِي من السومة وَهِي الْعَلامَة.
قُتِلَ الخَرَّاصُونَ: لُعِنُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قتل الخراصون} (الذاريات: 01) أَي: لعنُوا، وَوَقع هَذَا فِي بعض النّسخ، وَعَن ابْن عَبَّاس: الخراصون المرتابون،