الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى الصَّحرَاء حَال كَونه مرِيدا الاسْتِسْقَاء. قَوْله: (وحول رِدَاءَهُ)، عطف على:(خرج)، قَالَ الْخطابِيّ: اخْتلفُوا فِي صفة التَّحْوِيل، فَقَالَ الشَّافِعِي: بنكس أَعْلَاهُ أَسْفَله وأسفله أَعْلَاهُ، ويتوخى أَن يَجْعَل مَا على شقَّه الْأَيْمن على الشمَال، وَيجْعَل الشمَال على الْيَمين، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاق، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِذا كَانَ الرِّدَاء مربعًا يَجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله وَإِن كَانَ طيلسانا مدورا قلبه وَلم ينكسه، وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِن كَانَ مربعًا يَجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله، وَإِن كَانَ مدورا يَجْعَل جَانب الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن. وَقَالَ ابْن بزيزة: ذكر أهل الْآثَار أَن رِدَاءَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ طوله أَرْبَعَة أَذْرع وشبرا فِي عرض ذراعين وشبر، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ طوله سِتَّة أَذْرع فِي ثَلَاثَة أَذْرع وشبر، وَإِزَاره من نسج عمان طوله أَرْبَعَة أَذْرع وشبر فِي عرض ذراعين وشبر، كَانَ يَلْبسهُمَا يَوْم الْجُمُعَة والعيد، ثمَّ يطويان. وَالْحكمَة فِي التَّحْوِيل التفاؤل بتحويل الْحَال عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ: حول رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّل الْقَحْط. قَالَ القَاضِي أَبُو بكر: هَذِه أَمارَة بَينه وَبَين ربه لَا على طَرِيق الفأل، فَإِن من شَرط الفأل إِن لَا يكون يقْصد، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: حول رداءك فيتحول حالك. فَإِن قلت: لَعَلَّ رِدَاءَهُ سقط فَرده، وَكَانَ ذَلِك اتِّفَاقًا قلت: الرَّاوِي الْمشَاهد للْحَال أعرف، وَقد قرنه بِالصَّلَاةِ وَالْخطْبَة وَالدُّعَاء، فَدلَّ أَنه من السّنة، وَيشْهد لذَلِك مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) على شَرط مُسلم، من حَدِيث ابْن زيد: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم استسقى وَعَلِيهِ خميصة سَوْدَاء فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ أَسْفَلهَا فَيَجْعَلهُ أَعْلَاهَا فَثقلَتْ عَلَيْهِ فقلبها عَلَيْهِ الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن. قلت: هَذَا يرشح قَول أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ وُجُوه: الأول: أَنه احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة على أَن الاسْتِسْقَاء اسْتِغْفَار وَدُعَاء وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاة مسنونة فِي جمَاعَة، فَإِن الحَدِيث لم يذكر فِيهِ الصَّلَاة. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : فَإِن صلى النَّاس وحدانا جَازَ، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: السّنة أَن يُصَلِّي الإِمَام رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَة كَهَيئَةِ صَلَاة الْعِيد، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَذكر فِي (الْمُحِيط) قَول أبي يُوسُف مَعَ أبي حنيفَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ لم يقل أحد غير أبي حنيفَة هَذَا القَوْل. قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ مثل قَول أبي حنيفَة، فروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا هشيم عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه خرج مَعَ الْمُغيرَة بن عبد الله الثَّقَفِيّ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فصلى الْمُغيرَة فَرجع إِبْرَاهِيم حَيْثُ رَآهُ يُصَلِّي، وروى ذَلِك أَيْضا عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع عَن عِيسَى بن حَفْص عَن عَاصِم عَن عَطاء بن أبي مَرْوَان الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه، قَالَ: خرجنَا مَعَ عمر ابْن الْخطاب يَسْتَسْقِي فَمَا زَاد على الاسْتِغْفَار.
الْوَجْه الثَّانِي: أَنه يدل على أصل الاسْتِسْقَاء وَأَنه مَشْرُوع.
الثَّالِث: يدل على أَن تَحْويل الرِّدَاء فِيهِ سنة. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : تَحْويل الرِّدَاء سنة عِنْد الْجُمْهُور، وَانْفَرَدَ أَبُو حنيفَة وَأنْكرهُ وَوَافَقَهُ ابْن سَلام. من قدماء الْعلمَاء بالأندلس وَالسّنة قاضية عَلَيْهِ. قلت: أَبُو حنيفَة لم يُنكر التَّحْوِيل الْوَارِد فِي الْأَحَادِيث إِنَّمَا أنكر كَونه من السّنة لِأَن تحويله صلى الله عليه وسلم كَانَ لأجل التفاؤل لينقلب حَالهم من الجدب إِلَى الخصب، فَلم يكن لبَيَان السّنة، وَمَا ذَكرْنَاهُ من حَدِيث ابْن زيد الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِم يُقَوي مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، وَوقت التَّحْوِيل عندنَا عِنْد مُضِيّ صدر الْخطْبَة، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون، وَفِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم: بعد تَمامهَا، وَقيل: بَين الْخطْبَتَيْنِ، وَالْمَشْهُور عَن مَالك: بعد تَمامهَا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَلَا يقلب الْقَوْم أرديتهم عندنَا، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَالثَّوْري وَاللَّيْث بن سعد وَابْن عبد الْحَكِيم وَابْن وهب وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْقَوْم كَالْإِمَامِ، يَعْنِي يقلبون أرديتهم، وَاسْتثنى ابْن الْمَاجشون النِّسَاء، وَفِي هَذَا الْبَاب وُجُوه كَثِيرَة يَأْتِي بَيَان ذَلِك عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
2 -
(بابُ دُعاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اجْعَلْهَا عَلَيّهِم سِنِينَ كَسِنِي يوسُفَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْقُنُوت على الْكَافرين بقوله: (إجعلها) أَي: اجْعَل تِلْكَ الْمدَّة الَّتِي تقع فِيهَا الشدَّة، وَهِي الَّتِي قَالَ صلى الله عليه وسلم:(اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر)، وَهَذَا الضَّمِير هُوَ الْمَفْعُول الأول لقَوْله:(اجْعَل)، وَقَوله:(سِنِين) ، بِالنّصب هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي، وسنين جمع: سنة، وَفِيه شذوذان: أَحدهمَا: تَغْيِير مفرده من الفتحة إِلَى الكسرة. وَالْآخر: كَونه جمعا لغير ذَوي الْعُقُول، وَحكمه أَيْضا مُخَالف لسَائِر الجموع فِي أَنه يجوز فِيهِ ثَلَاثَة أوجه. الأول: أَن يعرب كإعراب مُسلمين. وَالثَّانِي: أَن تجْعَل نونه متعقب الْإِعْرَاب منونا. وَالثَّالِث: أَن يكون منونا وَغير منون، منصرفا وَغير منصرف.
قَوْله: (كَسِنِي يُوسُف) بِإِضَافَة سِنِين إِلَى يُوسُف، فَلذَلِك سَقَطت نون الْجمع، وَالْمرَاد بِهِ مَا وَقع فِي زمَان يُوسُف، عليه الصلاة والسلام، من الْقَحْط فِي السنين السَّبع، كَمَا وَقع فِي الْقُرْآن. فَإِن قلت: مَا وَجه إِدْخَال هَذَا الْبَاب فِي أَبْوَاب الاسْتِسْقَاء؟ قلت: للتّنْبِيه على أَنه كَمَا شرع الدُّعَاء فِي الاسْتِسْقَاء للْمُؤْمِنين، كَذَلِك شرع الدُّعَاء بِالْقَحْطِ على الْكَافرين، لِأَن فِيهِ إضعافهم وَهُوَ نفع للْمُسلمين.
6001 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا مُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأَعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا رَفَعَ رَأسهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يقُولُ اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْج سَلمَة بن هِشَام أللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينِ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا كَسِنِي يُوسُفَ وَأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ غِفَارُ غَفَرَ الله لَهَا وأسْلَمُ سالمَهَا الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا صيغت من قَوْله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِين كَسِنِي يُوسُف)، وَقد مضى حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا مطولا فِي: بَاب يهوي بِالتَّكْبِيرِ حِين يسْجد، أخرجه البُخَارِيّ، هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأبي سَلمَة: أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يكثر الحَدِيث، وَفِي آخِره قَالَ أَبُو هُرَيْرَة:(وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين يرفع رَأسه يَقُول: سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَيَدْعُو لرجال فيسميهم بِأَسْمَائِهِمْ. فَيَقُول: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَسَلَمَة ابْن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف) . وَأهل الْمشرق يَوْمئِذٍ من مُضر مخالفون لَهُ. انْتهى. وَهَهُنَا أخرج بِزِيَادَة قَوْله: (وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى آخِره عَن قُتَيْبَة ابْن سعيد عَن ال مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الزَّاي: الْمدنِي عَن أبي الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَقد فسرنا هُنَاكَ معنى الحَدِيث مُسْتَوفى.
قَوْله: (الْمُسْتَضْعَفِينَ) عَام بعد خَاص، وَالْوَطْأَةُ، بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ: الدوس بالقدم، وسمى بهَا الإهلاك لِأَن من يطَأ على شَيْء بِرجلِهِ فقد استقصى فِي إهلاكه، وَالْمعْنَى: خذهم أخذا شَدِيدا. وَالضَّمِير فِي: (اجْعَلْهَا)، يرجع إِلَى الْوَطْأَة. قَوْله:(كَسِنِي يُوسُف) وَجه الشّبَه غَايَة الشدَّة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:{ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد} (يُوسُف: 84) . وَقَوله: {تزرعون سبع سِنِين} (يُوسُف: 74) . وسنين جمع سنة بِالْفَتْح وَهُوَ الْقَحْط والجدب قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} (الْأَعْرَاف: 031) . قَوْله: (وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى آخِره حَدِيث آخر، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، فَكَأَنَّهُ سَمعه هَكَذَا، فَأوردهُ كَمَا سَمعه. وَقد أخرجه أَحْمد كَمَا أخرجه البُخَارِيّ، وروى مُسلم من حَدِيث خَيْثَم بن عرَاك عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أسلم سَالَمَهَا الله، وغفار غفر الله لَهَا، أما إِنِّي لم أقلهَا وَلَكِن قَالَهَا الله) . وروى أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (غفار غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله، وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله) . وروى أَيْضا عَن خفاف بن أيماء الْغِفَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاة: (اللَّهُمَّ الْعَن بني لحيان وَرِعْلًا وذكوان وَعصيَّة عصوا الله وَرَسُوله، وغفار غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله) . وروى عَن جَابر أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أسلم سَالَمَهَا الله وغفار غفر الله لَهَا) . وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة عَن عَليّ ابْن يزِيد عَن الْمُغيرَة بن أبي بَرزَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (غفار غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله) ، وَرَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي نَحوه، وَزَاد فِي آخِره:(مَا أَنا قلته وَلَكِن الله، عز وجل، قَالَه) وغفار، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء: أَبُو قَبيلَة من كنَانَة، وَهِي: غفار بن مليك بن ضَمرَة بن بكر بن مَنَاة بن كنَانَة، قَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من غفر إِذا ستر، مِنْهُم أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ. وَأسلم، بِالْهَمْزَةِ وَاللَّام المفتوحتين قَبيلَة أَيْضا من خُزَاعَة وَهِي: أسلم بن أقْصَى، وَهُوَ خُزَاعَة بن حَارِثَة ابْن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد، مِنْهُم: سَلمَة الْأَكْوَع، وَفِي مدحج: أسلم بن أَوْس الله بن سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج، وَفِي بجيلة: أسلم بطن، هُوَ: أسلم بن عَمْرو بن لؤَي بن رهم بن مُعَاوِيَة بن أسلم بن أخمس بن الْغَوْث بن بجيلة، ذكره ابْن الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: (غفار غفر الله لَهَا) ، يحْتَمل أَن يكون دُعَاء لَهَا بالمغفرة، أَو إِخْبَارًا بِأَن الله تَعَالَى قد غفر لَهَا، وَكَذَلِكَ معنى:(أسلم سَالَمَهَا الله) ، يحْتَمل أَن يكون دُعَاء لَهَا إِن يسالمها الله تَعَالَى، وَلَا يَأْمر بحربها، أَو يكون إِخْبَارًا بِأَن الله قد سَالَمَهَا وَمنع من حربها، وَإِنَّمَا خصت هَاتَانِ القبيلتان بِالدُّعَاءِ لِأَن غفارًا أَسْلمُوا قَدِيما، وَأسلم سالموا النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
وَفِيه: الدُّعَاء بِمَا يشتق من الِاسْم، كَمَا يُقَال لِأَحْمَد: أَحْمد الله عاقبتك، ولعلي أعلاك الله وَهُوَ من جناس الِاشْتِقَاق وَفِيه الدُّعَاء على الظَّالِم بِالْهَلَاكِ وَالدُّعَاء للْمُؤْمِنين بالنجاة وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانُوا منتهكين لحُرْمَة الدّين يدعى عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ، وإلاّ يدعى لَهُم بِالتَّوْبَةِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:(اللَّهُمَّ اهدِ دوسا وأت بهم) . وَرُوِيَ أَن أَبَا بكر وَزَوجته، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَا يدعوان على عبد الرَّحْمَن ابنهما يَوْم بدر بِالْهَلَاكِ إِذا حمل على الْمُسلمين، وَإِذا أدبر يدعوان لَهُ بِالتَّوْبَةِ.
قَالَ ابنُ أبِي الزِّنَادِ عنْ أبِيهِ هاذا كُلهُ فِي الصُّبْحِ
أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان: هَذَا الحَدِيث كُله فِي صَلَاة الصُّبْح، يَعْنِي أَنه روى عَن أَبِيه هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَبين أَن الدُّعَاء الْمَذْكُور كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح، وَيدل على هَذَا قَوْله:(فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة من الصُّبْح)، وَقيل: كَانَ ذَلِك فِي الْعشَاء، وَقيل: فِي الظّهْر وَالْعشَاء، وعَلى كل حَال قد بَينا أَنه مَنْسُوخ.
7001 -
حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ أبِي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عنْدَ عَبْدِ الله فَقَالَ إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأى مِنَ النَّاسِ إدْبَارا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعا كَسَبْعِ يُوسُفَ فأخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَالجِيفَ وَيَنْظُرَ أحَدُهُمْ إلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الجُوعِ فأتَاهُ أبُو سُفْيَانَ فقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ الله وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإنَّ قَوْمَكَ قدْ هَلَكُوا فادْعُ الله لَهُمْ قَالَ الله تَعَالَى: {فارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (الدُّخان: 01) . إلَى قَوْلِهِ عَائِدُونَ {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى} (الدُّخان: 61) . فالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ والبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وآيةُ الرُّومِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اللَّهُمَّ سبعا كسبع يُوسُف) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ عُثْمَان ابْن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان بن خواستي الْعَبْسِي، مَوْلَاهُم أَبُو الْحسن الْكُوفِي أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة وَالقَاسِم بن أبي شيبَة، وَكَانَ أكبر من أبي بكر، مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: جرير بن عبد الحميد، وَقد مر غير مرّة. الثَّالِث: مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أَبُو عَبَّاس الْكُوفِي. الرَّابِع: أَبُو الضُّحَى، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة، واسْمه: مُسلم بن صبيح، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الْهَمدَانِي الْكُوفِي الْعَطَّار. الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع الْهَمدَانِي أَبُو عَائِشَة الْكُوفِي. السَّادِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كوفيون مَا خلا جَرِيرًا فَإِنَّهُ رازي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ فِي الاسْتِسْقَاء أَيْضا عَن الْحميدِي، وَعَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَعَن يحيى عَن أبي مُعَاوِيَة وَعَن يحيى عَن وَكِيع وَعَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان، وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن بشر بن خَالِد، وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن إِسْحَاق عَن جرير وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي سعيد الْأَشَج وَعَن عُثْمَان عَن جرير وَعَن يحيى ابْن يحيى وَأبي كريب، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن بشر بن خَالِد بِهِ وَعَن أبي كريب بِهِ وَعَن مَحْمُود بن غيلَان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عِنْد عبد الله) يَعْنِي ابْن مَسْعُود. قَوْله: (لما رأى من النَّاس) أَي: قُرَيْش، وَاللَّام للْعهد. قَوْله:(إدبارا) أَي: عَن الْإِسْلَام، وَفِي تَفْسِير الدُّخان:(أَن قُريْشًا لما أبطأوا عَن الْإِسْلَام) . قَوْله: (سبعا) مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر
أَي: اجْعَل سنيهم سبعا، أَو ليكن سبعا، ويروى سبع بِالرَّفْع، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الْبلَاء الْمَطْلُوب عَلَيْهِم سبع سِنِين، كالسنين السَّبع الَّتِي كَانَت فِي زمن يُوسُف، وَهِي السَّبع الشداد الَّتِي أَصَابَهُم فِيهَا الْقَحْط، أَو يكون الْمَعْنى: الْمَدْعُو عَلَيْهِم قحط كقحط يُوسُف، وَيجوز أَن يكون ارتفاعه على أَنه اسْم كَانَ التَّامَّة، تَقْدِيره: ليكن سبع. وَفِي الْوَجْه الأول: كَانَ، نَاقِصَة. وَجَاء فِي رِوَايَة (لما دَعَا قُريْشًا كذبوه واستعصوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف، قَوْله: (سنة)، بِالْفَتْح: الْقَحْط والجدب. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} (الْأَعْرَاف: 031) . قَوْله: (حصت كل شَيْء)، بحاء وصاد مهملتين مُشَدّدَة الصَّاد أَي: استأصلت وأذهبت النَّبَات، فَانْكَشَفَتْ الأَرْض، وَفِي (الْمُحكم) : سنة حصاء: جدبة قَليلَة النَّبَات. وَقيل: هِيَ الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا. قَوْله: (حَتَّى أكلُوا)، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي وَعند غَيرهمَا:(حَتَّى أكلنَا)، وَالْأول أشبه. قَوْله:(والجيف)، بِكَسْر الْجِيم وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: جمع الجيفة، وَهِي جثة الْمَيِّت وَقد أراح، فَهِيَ أخص من الْمَيِّت لِأَنَّهَا مَا لم تلْحقهُ ذَكَاة. قَوْله:(وَينظر أحدكُم)، ويروى:(أحدهم)، وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله:(فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَان) يَعْنِي: صَخْر بن حَرْب، وَدلّ هَذَا على أَن الْقِصَّة كَانَت قبل الْهِجْرَة. قَوْله:(قَالَ الله تَعَالَى: فَارْتَقِبْ) يَعْنِي: لما قَالَ أَبُو سُفْيَان: إِن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم، قَرَأَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم:{فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} (الدُّخان: 01) . وَكَذَا فِي: بَاب إِذا استشفع الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين عِنْد الْقَحْط، فَإِن البُخَارِيّ أخرج حَدِيث الْبَاب أَيْضا هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق. قَالَ: أتيت ابْن مَسْعُود. . الحَدِيث. وَفِيه: (فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: يَا مُحَمَّد تَأمر بصلَة الرَّحِم وَأَن قَوْمك قد هَلَكُوا؟ فَادع الله عز وجل فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} (الدُّخان: 0) . .
وَأخرج فِي تَفْسِير سُورَة الدُّخان، حَدثنَا يحيى حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى (عَن مَسْرُوق، قَالَ: دخلت على عبد الله، فَقَالَ: إِن من الْعلم أَن تَقول لما لَا تعلم: الله أعلم، إِن الله قَالَ لنَبيه، صلى الله عليه وسلم: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين} (ص: 68) . إِن قُريْشًا لما غلبوا النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، واستعصوا عَلَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف، فَأَخَذتهم سنة أكلُوا فِيهَا الْعِظَام وَالْميتَة من الْجهد، حَتَّى جعل أحدهم يرى مَا بَينه وَبَين السَّمَاء كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجُوع، قَالَ:{رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ} (الدُّخان: 21) . فَقيل لَهُ: إِن كشفنا عَنْهُم عَادوا، فَدَعَا ربه فكشف عَنْهُم. فعادوا، فانتقم الله مِنْهُم يَوْم بدر، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى:{فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان} (الدُّخان: 01) . إِلَى قَوْله، جلّ ذكره:{إِنَّا منتقمون} (الدُّخان: 61) . وَأخرج مُسلم (عَن مَسْرُوق قَالَ: جَاءَ إِلَى عبد الله رجل فَقَالَ: تركت فِي الْمَسْجِد رجلا يُفَسر الْقُرْآن بِرَأْيهِ، يُفَسر هَذِه الْآيَة: {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} (الدُّخان: 21) . قَالَ: يَأْتِي النَّاس دُخان يَوْم الْقِيَامَة فَيَأْخُذ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذهُمْ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام، فَقَالَ عبد الله؛ من علم علما فَلْيقل بِهِ، وَمن لَا يعلم فَلْيقل: الله أعلم، فَإِن من فقه الرجل إِن يَقُول لما لَا يعلم: الله أعلم، إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَن قُريْشًا لما اسْتَعْصَتْ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَيْهِم بسنين كَسِنِي يُوسُف، فَأَصَابَهُمْ قحط وَجهد حَتَّى جعل الرجل ينظر إِلَى السَّمَاء فَيرى بَينه وَبَينهَا كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجهد، حَتَّى أكلُوا الْعِظَام، فَأتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجل، فَقَالَ: يَا رَسُول الله اسْتغْفر الله لمضر فَإِنَّهُم قد هَلَكُوا. فَقَالَ لمضر: إِنَّك لجريء، قَالَ: فَدَعَا الله لَهُم، فَأنْزل الله:{إِنَّا كاشفوا الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} (الدُّخان: 51) . قَالَ: فَمُطِرُوا، فَلَمَّا أَصَابَهُم الرَّفَاهِيَة، قَالَ: عَادوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَأنْزل الله تَعَالَى:{فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون} (الدُّخان: 01، 11) . يَعْنِي: يَوْم بدر. انْتهى. وَقد علمت أَن الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، وَذَلِكَ أَن أَبَا سُفْيَان لما قَالَ: ادْع الله لَهُم قَرَأَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَوْله تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} (الدُّخان: 01) . كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن كثير الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَصرح فِي رِوَايَة مُسلم أَنه لما دَعَا الله لَهَا أنزل الله تَعَالَى:{إِنَّا كاشفوا الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} (الدُّخان: 51) . فَقبل الله دعاءه صلى الله عليه وسلم، فَمُطِرُوا، فَلَمَّا أَصَابَهُم الرَّفَاهِيَة عَادوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَأنْزل الله تَعَالَى:{فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} (الدُّخان: 01) . المعني: فانتظر يَا مُحَمَّد عَذَابهمْ. ومفعول ارتقب، مَحْذُوف وَهُوَ: عَذَابهمْ.
قَوْله: (يغشى النَّاس) صفة للدخان فِي مَحل الْجَرّ يَعْنِي: يشملهم ويلبسهم. وَقيل: {يَوْم تَأتي السَّمَاء} (الدُّخان: 01) . مفعول {فَارْتَقِبْ} (الدُّخان: 01) . قَوْله: {هَذَا عَذَاب أَلِيم} (الدُّخان: 11) . يَعْنِي: يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب، يمْكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة، أما الْمُؤمن فَيُصِيبهُ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام، وَأما الْكَافِر كمنزلة السَّكْرَان يخرج من مَنْخرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدبره. وَقَوله:{هَذَا عَذَاب أَلِيم رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ} (الدُّخان: 21) . كل ذَلِك مَنْصُوب الْمحل بِفعل مُضْمر، وَهُوَ: يَقُولُونَ، وَيَقُولُونَ