الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجحه جمَاعَة على غَيره من الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة؟ قلت: لِأَنَّهُ وَقت التَّعَرُّض لنفحات رَحْمَة الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ زمَان عبَادَة أهل الْإِخْلَاص، وروى أَن آخر اللَّيْل أفضل للدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار، وروى محَارب بن دثار عَن عَمه أَنه كَانَ يَأْتِي الْمَسْجِد فِي السحر ويمر بدار ابْن مَسْعُود، فَسَمعهُ يَقُول: أللهم إِنَّك أَمرتنِي فأطعت، وَدَعَوْتنِي فأجبت، وَهَذَا سحر فَاغْفِر لي، فَسئلَ ابْن مَسْعُود عَن ذَلِك؟ فَقَالَ: إِن يَعْقُوب صلى الله عليه وسلم أخر الدُّعَاء لِبَنِيهِ إِلَى السحر. فَقَالَ: {سَوف اسْتغْفر لكم} (يُوسُف: 89) . وروى أَن دَاوُد صلى الله عليه وسلم سَأَلَ جِبْرِيل عليه السلام: أَي اللَّيْل أسمع؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، غير أَن الْعَرْش يَهْتَز فِي السحر. قَوْله:(الآخر)، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وارتفاعه على أَنه صفة للثلث. قَوْله:(من يدعوني) الْمَذْكُور هَهُنَا الدُّعَاء وَالسُّؤَال وَالِاسْتِغْفَار، وَالْفرق بَين هَذِه الثَّلَاثَة أَن الْمَطْلُوب: إِمَّا لدفع الْمضرَّة، وَإِمَّا لجلب الْخَيْر، وَالثَّانِي إِمَّا ديني أَو دنياوي، فَفِي لفظ الاسْتِغْفَار إِشَارَة إِلَى الأول، وَفِي السُّؤَال إِشَارَة إِلَى الثَّانِي وَفِي الدُّعَاء إِشَارَة إِلَى الثَّالِث. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين الدُّعَاء وَالسُّؤَال؟ قلت: الْمَطْلُوب إِمَّا لدفع غير الملائم، وَإِمَّا لجلب الملائم، وَذَلِكَ إِمَّا دُنْيَوِيّ وَإِمَّا ديني، فالاستغفار وَهُوَ طلب ستر الذُّنُوب، إِشَارَة إِلَى الأول، وَالسُّؤَال إِلَى الثَّانِي، وَالدُّعَاء إِلَى الثَّالِث، لَا وَالدُّعَاء مَا لَا طلب فِيهِ نَحْو قَوْلنَا: يَا الله يَا رَحْمَن، وَالسُّؤَال هُوَ الطّلب، وَالْمَقْصُود وَاحِد، وَاخْتِلَاف الْعبارَات لتحقيق الْقَضِيَّة وتأكيدها. قَوْله:(فأستجيب لَهُ)، يجوز فِيهِ النصب وَالرَّفْع: أما النصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام، وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَأَنا أستجيب لَهُ، وَكَذَا الْكَلَام فِي قَوْله: فَأعْطِيه فَأغْفِر لَهُ) . وَأعلم أَن السِّين فِي: (فأستجيب) لَيْسَ للطلب، بل هُوَ بِمَعْنى: أُجِيب وَذَلِكَ، لتحول الْفَاعِل إِلَى أصل الْفِعْل نَحْو: استحجر الطين فَإِن قلت: لَيْسَ فِي وعد الله خلف وَكثير من الداعين لَا يُسْتَجَاب لَهُم؟ قلت: إِنَّمَا ذَاك لوُقُوع الْخلَل فِي شَرط من شُرُوط الدُّعَاء مثل: الِاحْتِرَاز فِي الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس، أَو لاستعجال الدَّاعِي، أَو يكون الدُّعَاء بإثم أَو قطيعة رحم، أَو تحصل الْإِجَابَة ويتأخر الْمَطْلُوب إِلَى وَقت آخر يُرِيد الله وُقُوع الْإِجَابَة فِيهِ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة.
51 -
(بابُ منْ نامَ أوَّلَ اللَّيْلِ وَأحْيَا آخِرَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن من نَام أول اللَّيْل وأحي آخِره بِالصَّلَاةِ أَو بِقِرَاءَة الْقُرْآن أَو بِالذكر.
وقالَ سَلْمَانُ لأِبِي الدَّرّدَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَمْ فَلَمَّا كانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ قُمْ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ سَلْمَانُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن سلمَان الْفَارِسِي أَمر لأبي الدَّرْدَاء بِالنَّوْمِ فِي أول اللَّيْل، ويالقيام فِي آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل أوردهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب من حَدِيث أبي جُحَيْفَة، قَالَ:(آخى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء، أقرى سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء فَرَأى أم الدَّرْدَاء مبتذلة، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك، قَالَت: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي الدُّنْيَا، فجَاء أَبُو الدَّرْدَاء فَصنعَ لَهُ طَعَاما، فَقَالَ: كل فَإِنِّي صَائِم، قَالَ: مَا أَنا بآكل حَتَّى تَأْكُل، فَأكل، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ذهب أَبُو الدَّرْدَاء يقوم، فَقَالَ: نم، فَنَامَ فَذهب يقوم، فَقَالَ: نم، فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل قَالَ سلمَان: قُم الْآن. قَالَ: فصلينا، فَقَالَ سلمَان: إِن لِرَبِّك عَلَيْك حَقًا. وَلِنَفْسِك حَقًا، ولأهلك عَلَيْك حَقًا، فأعط كل ذِي حق حَقه، فَأتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمَان) .
6411 -
حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ وحدَّثني سُلَيْمَانُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَيْفَ كانَ صَلاةُ النبيِّ بِاللَّيْلِ قالَتْ كانَ يَنامُ أوَّلَهُ ويَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي ثُمَّ يرْجِعُ إلَى فِراشِهِ فإذَا أذَّنَ المُؤَذَّنُ وَثَبَ فَإِن كانَ بِهِ حاجَةٌ اغْتَسَلَ وَإلَاّ تَوَضِّأَ وخَرَجَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ ينَام أَوله وَيقوم آخِره) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.