الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا التَّسْبِيح فِي الْحَقِيقَة التَّنْزِيه من النقائص، ثمَّ يُطلق على غَيره من أَنْوَاع الذّكر مجَازًا: كالتحميد والتمجيد، وَغَيرهمَا، وَقد يُطلق على صَلَاة التَّطَوُّع فَيُقَال: سبْحَة، وَهُوَ من أَنْوَاع الْمجَاز من قبيل إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: أَو لِأَن الْمُصَلِّي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص الْعِبَادَة، وَالتَّسْبِيح التَّنْزِيه، فَيكون من بَاب الْمُلَازمَة. قلت: لَيْت شعري مَا مُرَاده من الْمُلَازمَة، فَإِن كَانَت اصطلاحية فَهِيَ تستدعي اللَّازِم والملزوم، فَمَا اللَّازِم هُنَا وَمَا الْمَلْزُوم؟ وَإِن أَرَادَ غير ذَلِك فَعَلَيهِ بَيَانه، وَهَذَا الْوَجْه أَيْضا يَقْتَضِي أَن لَا يخْتَص بالنافلة، وَالْحَال أَن إِطْلَاق هَذَا مَخْصُوص بالنافلة حَيْثُ قَالَ: وَأما اخْتِصَاص ذَلِك بالنافلة فَهُوَ عرف شَرْعِي، وتحرير ذَلِك مَا قَالَه ابْن الْأَثِير: وَإِنَّمَا خصت النَّافِلَة بالسبحة وَإِن شاركتها الْفَرِيضَة فِي معنى التَّسْبِيح، لِأَن التسبيحات فِي الْفَرَائِض نوافل، فَقيل لصَلَاة النَّافِلَة: سبْحَة لِأَنَّهَا نَافِلَة كالتسبيحات والأذكار فِي أَنَّهَا غير وَاجِبَة. قَوْله: (قبل) أَي: وَجه، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مُقَابل أَي جِهَة. قَوْله: (وَقَالَ اللَّيْث) قد ذكرنَا فِي بَاب يُصَلِّي فِي السّفر، أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَصله.
9901 -
حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ يَحْيى عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ ثَوْبَانَ قَالَ حدَّثني جابِرُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ فإذَا أرَادَ أنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَةَ نَزَلَ فاسْتَقْبَلَ االقِبْلَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث تقدم فِي: بَاب صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة، عَن قريب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى إِلَى آخِره. وَهَهُنَا: عَن معَاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن فضَالة أَبُو زيد الزهْرَانِي، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير. . إِلَى آخِره.
قَوْله: (نَحْو الْمشرق) وَفِي رِوَايَة جَابر السالفة: (وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة) ، وَبِهَذَا أَخذ جَمَاهِير الْعلمَاء، فَهَذَا وَنَحْوه من الْأَحَادِيث يخصص قَوْله تَعَالَى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} (الْبَقَرَة: 441 و 051) . وَيبين أَن قَوْله تَعَالَى: {فأينما تُولوا فثم وَجه الله} (الْبَقَرَة: 511) . فِي النَّافِلَة لِأَن الله تَعَالَى من لطفه وَكَرمه جعل بَاب النَّفْل أوسع، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أقاويل الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب، وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن الْوتر غير وَاجِب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لإيقاعه إِيَّاه على الرَّاحِلَة. قلت: قد ذكر عَن قريب (عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: ثَلَاث هن عَليّ فَرَائض وَهُوَ لكم تطوع: الْوتر والنحر وركعتا الْفجْر) . وَقد ذكرنَا أَن للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يُصَلِّي مَا هُوَ فرض على الرَّاحِلَة إِذا شَاءَ.
01 -
(بابُ صَلَاةِ التَطُوُّعِ عَلَى الحِمارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة التَّطَوُّع على حمَار، إِنَّمَا أفرد هَذَا الْبَاب بِالذكر، وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي: بَاب صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة، وَفِي: بَاب الْإِيمَاء على الدَّابَّة، إِشَارَة أَنه لَا يشْتَرط أَن تكون الدَّابَّة طَاهِرَة الفضلات، لَكِن يشْتَرط أَن لَا يماس الرَّاكِب مَا كَانَ غير طَاهِر مِنْهَا، وتنبيها على طَهَارَة عرق الْحمار، وَكَانَ الأَصْل أَن يكون عرقه كلحمه لِأَنَّهُ متولد مِنْهُ، وَلَكِن خص بِطَهَارَتِهِ لركوب النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه، وَعَن هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون عرق الْحمار مشكوكا لِأَن عرق كل شَيْء يعْتَبر بسؤره، لَكِن لما رَكبه النَّبِي صلى الله عليه وسلم معروريا، وَالْحر حر الْحجاز، والثقل ثقل النُّبُوَّة حكم بِطَهَارَتِهِ.
0011 -
حدَّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنَا حَبَّانُ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ سِيرِينَ. قَالَ اسْتَقْبَلَنَا أنَسا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ يَعْنِي عنْ يَسَارِ القِبْلَةِ فَقلْتُ رَأيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ القِبْلَةِ فقالَ لَوْلَا أنِّي رَأيْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ لَمْ أفْعَلُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن سعيد بن صَخْر بن سُلَيْمَان بن سعيد بن قيس ابْن عبد الله أَبُو جَعْفَر الدَّارمِيّ الْمروزِي مَاتَ بنيسابور سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وَفِي شرح
الْكرْمَانِي: أَحْمد بن يُوسُف أَبُو حَفْص الدَّارمِيّ، وَهَذَا غلط، وَالظَّاهِر أَنه من النَّاسِخ وَلَيْسَ فِي مَشَايِخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْكتاب أَحْمد بن يُوسُف. الثَّانِي: حبَان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون: أَبُو حبيب ضد الْعَدو ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، مر فِي: بَاب فضل صَلَاة الْفجْر. الثَّالِث: همام، على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ: ابْن يحيى العوادي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، وَقد تقدم. الرَّابِع: أنس بن سِيرِين أَخُو مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي والبقية بصريون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن حَاتِم، قَالَ: حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا همام قَالَ: (حَدثنَا أنس بن سِيرِين، قَالَ: تلقينا أنس بن مَالك حِين قدم من الشَّام فتلقيناه بِعَين التَّمْر، فرأيته يُصَلِّي على حمَار وَوَجهه ذَلِك الْجَانِب، وَأَوْمَأَ همام عَن يسَار الْقبْلَة، فَقلت لَهُ: تصلي لغير الْقبْلَة، قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (استقبلنا) ، بِسُكُون اللَّام، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل. وَقَوله:(أنس بن مَالك) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (حِين قدم من الشَّام) وَكَانَ أنس سَافر إِلَى الشَّام يشكو من الْحجَّاج الثَّقَفِيّ إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان، قيل: وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: حِين قدم الشَّام، وغلطوه لِأَن أنس بن سِيرِين إِنَّمَا تَلقاهُ لما رَجَعَ من الشَّام، فَخرج ابْن سِيرِين من الْبَصْرَة ليلقاه. قلت: وجدت فِي نسخ صَحِيحَة لمُسلم، من الشَّام، فعلى هَذَا نقلته آنِفا، وَلَئِن سلمنَا أَنه وَقع حِين قدم الشَّام بِدُونِ ذكر كلمة: من، فَلَا نسلم أَنه غلط، لِأَن مَعْنَاهُ: تلقيناه فِي رُجُوعه حِين قدم الشَّام، وَهَكَذَا قَالَه النَّوَوِيّ. قَوْله:(بِعَين التَّمْر) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ الْبكْرِيّ فِي (مُعْجم مَا استعجم) : عين التَّمْر على لفظ جمع تَمْرَة، مَوضِع مَذْكُور فِي تَحْدِيد الْعرَاق، وبكنيسة عين التَّمْر وجد خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الغلمة من الْعَرَب الَّذين كَانُوا رهنا فِي يَد كسْرَى، وهم متفرقون بِالشَّام وَالْعراق، مِنْهُم: جد الْكَلْبِيّ الْعَالم النسابة، وجد أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ النَّحْوِيّ، وجد مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) وَمن سبي عين التَّمْر: الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين موليا جميلَة بنت أبي قُطْبَة الْأَنْصَارِيَّة. انْتهى. قَالَ بَعضهم: كَانَت بِعَين التَّمْر وقْعَة مَشْهُورَة فِي أول خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بَين خَالِد بن الْوَلِيد والأعاجم. قلت: هَذَا غلط، لِأَن وقْعَة عين التَّمْر كَانَت فِي السّنة الثَّانِيَة عشر من الْهِجْرَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق. وَكَانَت خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم مَاتَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاخْتلف فِي وَقت وَفَاته، فَقيل: يَوْم الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة لثمان لَيَال بَقينَ من جمادي الْآخِرَة من سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة، وَلما فرغ خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وقْعَة الْيَمَامَة أرْسلهُ أَبُو بكر إِلَى الْعرَاق فَفتح فِي الْعرَاق فتوحات مِنْهَا: الْحيرَة والأيلة والأنبار وَغَيرهَا، وَلما انْتقل خَالِد بالأنبار استناب عَلَيْهَا الزبْرِقَان بن بدر وَقصد هُوَ عين التَّمْر، وَبهَا يَوْمئِذٍ مهْرَان بن بهْرَام فِي جمع عَظِيم من الْعَرَب، وَعَلَيْهِم عفة بن أبي عفة، فَتلقى خَالِدا فَكَسرهُ خَالِد وَانْهَزَمَ جَيش عفة من غير قتال، وَلما بلغ ذَلِك مهْرَان نزل من الْحصن وهرب وَتَركه، وَرجعت قلال نَصَارَى الْأَعْرَاب إِلَى الْحصن فدخلوه واحتموا بِهِ، فَجَاءَهُمْ خَالِد فأحاط بهم وحاصرهم أَشد الْحصار، فآخر الْأَمر سَأَلُوا الصُّلْح فَأبى خَالِد إلَاّ أَن ينزلُوا على حكمه، فنزلوا على حكمه فجعلهم فِي السلَاسِل وتسلم الْحصن، فَضرب عنق عفة وَمن كَانَ أسر مَعَه وَالَّذين نزلُوا على حكمه أَيْضا أَجْمَعِينَ، وغنم جَمِيع مَا كَانَ فِي الْحصن، وَوجد فِي الْكَنِيسَة الَّتِي بِهِ أَرْبَعِينَ غُلَاما يتعلمون الْإِنْجِيل وَعَلَيْهِم بَاب مغلق، فَكَسرهُ خَالِد وفرقهم فِي الْأُمَرَاء فَكَانَ فيهم: حمْرَان، صَار إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمِنْهُم: سِيرِين وَالِد مُحَمَّد بن سِيرِين أَخذه أنس بن مَالك وَجَمَاعَة آخَرُونَ من الموَالِي إِلَى آخَرين من الْمَشَاهِير أَرَادَ الله بهم وبذراريهم خيرا. قَوْله: (وَوَجهه من ذَا الْجَانِب) أَي: من هَذَا الْجَانِب، وَلم يبين فِي هَذِه الرِّوَايَة كَيْفيَّة صَلَاة أنس، وَذكره فِي (الْمُوَطَّأ) (عَن يحيى بن سعيد قَالَ: رَأَيْت أنسا وَهُوَ يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى غير الْقبْلَة يرْكَع وَيسْجد إِيمَاء من غير أَن يضع جَبهته على شَيْء) . قَوْله: (رَأَيْتُك تصلي لغير الْقبْلَة؟) فِيهِ أَنه لم يُنكر على أنس صلَاته على الْحمار وَلَا غير ذَلِك من هَيْئَة أنس، وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ تَركه اسْتِقْبَال الْقبْلَة فَقَط، وَأجَاب عَنهُ أنس بقوله:(لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) . قَوْله: (يَفْعَله) جملَة حَالية، أَي: حَال كَونه يفعل من صلَاته على الْحمار وَوَجهه من يسَار الْقبْلَة. قَوْله: (لم أَفعلهُ) أَي: لم أفعل مَا فعلته من ترك اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَقَالَ