الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا فِي: بَاب الصَّلَاة خلف النَّائِم، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فأوترت) الْفَاء فِيهِ تسمى: فَاء الفصيحة، فتقديره: فَقُمْت وتوضأت فأوترت.
4 -
(بابٌ لِيَجْعَلَ آخِرَ صلَاتِهِ وِتْرا)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته ليجعل إِلَى آخِره أَي: ليجعل الْمُصَلِّي آخر صلَاته بِاللَّيْلِ صَلَاة الْوتر.
899 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عنْ عَبْدِ الله عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن التَّرْجَمَة مَأْخُوذَة مِنْهُ. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله ابْن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَفِي رِوَايَته بعد قَوْله:(وترا، فَإِن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَأْمر بذلك) .
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ حكمان: الأول: اسْتِحْبَاب تَأْخِير الْوتر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. وَالثَّانِي: فِيهِ الدّلَالَة على وجوب الْوتر.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: إِن الْعلمَاء كَافَّة قَالَت: إِنَّه سنة، حَتَّى أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَحده: هُوَ وَاجِب وَلَيْسَ بِفَرْض. وَقَالَ أَبُو حَامِد فِي تَعْلِيقه: الْوتر سنة مُؤَكدَة لَيْسَ بِفَرْض وَلَا وَاجِب، وَبِه قَالَت الإئمة كلهَا إلاّ أَبَا حنيفَة. وَقَالَ بَعضهم: وَقد اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث بعض من قَالَ بِوُجُوبِهِ، وَتعقب بِأَن صَلَاة اللَّيْل لَيست وَاجِبَة
…
إِلَى آخِره، وَبِأَن الأَصْل عدم الْوُجُوب حَتَّى يقوم دَلِيله. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا مَا يشبه هَذَا. قلت: هَذَا كُله من آثَار التعصب، فَكيف يَقُول القَاضِي أَبُو الطّيب وَأَبُو حَامِد، وهما إمامان مشهوران، بِهَذَا الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا قريب من الصِّحَّة؟ وَأَبُو حنيفَة لم ينْفَرد بذلك، هَذَا القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ ذكر عَن سَحْنُون وَأصبغ بن الْفرج وُجُوبه، وَحكى ابْن حزم أَن مَالِكًا قَالَ: من تَركه أُدِّبَ، وَكَانَت جرحه فِي شَهَادَته، وَحَكَاهُ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) عَن أَحْمد، وَفِي (المُصَنّف) عَن مُجَاهِد بِسَنَد صَحِيح: هُوَ وَاجِب وَلم يكْتب، وَعَن ابْن عمر بِسَنَد صَحِيح: مَا أحب أَنِّي تركت الْوتر وَأَن لي حمر النعم، وَحكى ابْن بطال وُجُوبه عَن أهل الْقُرْآن عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَن يُوسُف بب خَالِد السَّمْتِي شيخ الشَّافِعِي وُجُوبه، وَحَكَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود وَالضَّحَّاك. انْتهى.
فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك، كَيفَ يجوز لأبي الطّيب وَلأبي حَامِد أَن يدعيا هَذِه الدَّعْوَى الْبَاطِلَة؟ فَهَذَا يدل على عدم اطلاعهما، فِيمَا ذكرنَا، فجهل الشَّخْص بالشَّيْء لَا يَنْفِي علم غَيره بِهِ.
وَقَول من ادّعى التعقب بِأَن: صَلَاة اللَّيْل لَيست بواجبة. . إِلَى آخِره، قَول واهٍ لِأَن الدَّلَائِل قَامَت على وجوب الْوتر. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الطَّالقَانِي حَدثنَا الْفضل بن مُوسَى عَن عبيد الله بن عبد الله الْعَتكِي (عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، يَقُول: الْوتر حق فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا، الْوتر حق فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا، الْوتر حق فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا) . وَهَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلِهَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَصَححهُ. فَإِن قلت: فِي إِسْنَاده أَبُو الْمُنِيب عبيد الله بن عبد الله، وَقد تكلم فِيهِ البُخَارِيّ وَغَيره. قلت: قَالَ الْحَاكِم: وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: هُوَ صَالح الحَدِيث، وَأنكر على البُخَارِيّ إِدْخَاله فِي الضُّعَفَاء، فَهَذَا ابْن معِين إِمَام هَذَا الشَّأْن وَكفى بِهِ حجَّة فِي توثيقه إِيَّاه. فَإِن قلت: قَالَ الْخطابِيّ: قد دلّت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة على أَنه لم يرد بِالْحَقِّ الْوُجُوب الَّذِي لَا يسع غَيره. مِنْهَا: خبر عبَادَة بن الصَّامِت لما بلغه أَن أَبَا مُحَمَّد، رجلا من الْأَنْصَار، يَقُول:(الْوتر حق، فَقَالَ: كذب أَبُو مُحَمَّد، ثمَّ روى عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فِي عدد الصَّلَوَات الْخمس. وَمِنْهَا: خبر طَلْحَة بن عبيد الله فِي سُؤال الْأَعرَابِي. وَمِنْهَا: خبر أنس بن مَالك فِي فرض الصَّلَوَات لَيْلَة الْإِسْرَاء قلت: سُبْحَانَ الله مَا أقرب هَذَا الْكَلَام، إِلَى السُّقُوط، فَمِنْهُ يشم أثر التعصب، وَكَيف لَا يكون وَاجِبا والشارع يَقُول الْوتر حق، أَي: وَاجِب ثَابت، وَالدَّلِيل على هَذَا الْمَعْنى. قَوْله: (فَمن لم يُوتر فَلَيْسَ منا؟) وَهَذَا وَعِيد شَدِيد، وَلَا يُقَال مثل هَذَا إلاّ فِي حق تَارِك فرض أَو وَاجِب، وَلَا سِيمَا وَقد تَأَكد ذَلِك بالتكرار ثَلَاث مَرَّات، وَمثل هَذَا الْكَلَام بِهَذِهِ التأكيدات لم يَأْتِ فِي حق السنين، فَسقط بذلك مَا قَالَه الْخطابِيّ
وَسقط أَيْضا قَوْله: الأَصْل عدم الْوُجُوب حَتَّى يقوم دَلِيله، فَهَذَا الْقَائِل وقف على دَلِيله وَلَكِن اتبع هَوَاهُ لغيره، فَالْحق أَحَق أَن يتبع، وَالْجَوَاب عَن خبر عبَادَة أَنه إِنَّمَا كذب الرجل فِي قَوْله كوجوب الصَّلَاة، وَلم يقل أحد: أَن الْوتر وَاجِب كوجوب الصَّلَاة. فَإِن قلت: قَالَ النَّجْم النَّسَفِيّ صَاحب الْمَنْظُومَة.
(وَالْوتر فرض وبدا بِذكرِهِ
…
فِي فجره فَسَاد فرض فجره)
قلت: مَعْنَاهُ: فرض عملا، سنة سَببا وَاجِب علما. وَأما خبر طَلْحَة بن عبيد الله فَكَأَنَّهُ قبل وجوب الْوتر بِدَلِيل أَنه لم يذكر فِيهِ الْحَج، فَدلَّ على أَنه مُتَقَدم على وجوب الْحَج، وَلَفْظَة:(زادكم صَلَاة) مشعرة بتأخر وجوب الْوتر، وَأما خبر أنس فَلَا نزاع فِيهِ أَنه كَانَ قبل الْوُجُوب، وَمن الدَّلِيل على وُجُوبه مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أخبرنَا عِيسَى عَن زَكَرِيَّا عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم:(يَا أهل الْقُرْآن أوتروا فَإِن الله وتر يحب الْوتر) ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن وَقَوله: (أوتروا) أَمر، وَهُوَ للْوُجُوب. فَإِن قلت: قَالَ الْخطابِيّ: تَخْصِيصه أهل الْقُرْآن بِالْأَمر فِيهِ يدل على أَن الْوتر غير وَاجِب، وَلَو كَانَ وَاجِبا لَكَانَ عَاما، وَأهل الْقُرْآن فِي عرف النَّاس هم الْقُرَّاء والحفاظ دون الْعَوام. قلت: أهل الْقُرْآن بِحَسب اللُّغَة يتَنَاوَل كل من مَعَه شَيْء من الْقُرْآن وَلَو كَانَ آيَة، فَيدْخل فِيهِ الْحفاظ وَغَيرهم، على أَن الْقُرْآن كَانَ فِي زَمَنه، صلى الله عليه وسلم، مفرقا بَين الصَّحَابَة: وَبِهَذَا التَّأْوِيل الْفَاسِد لَا يبطل مُقْتَضى الْأَمر الدَّال على الْوُجُوب، وَلَا سِيمَا تَأَكد الْأَمر بالوتر بمحبة الله إِيَّاه بقوله:(فَإِن الله وتر يحب الْوتر) .
وَمِنْهَا: مَا أخرجه الطَّحَاوِيّ قَالَ: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث عَن يزِيد ابْن أبي حبيب عَن عبد الله بن رَاشد عَن عبد الله بن أبي مرّة: عَن خَارِجَة بن حذافة الْعَدوي، أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: (إِن الله قد أمدكم بِصَلَاة هِيَ خير لكم من حمر النعم، مَا بَين صَلَاة الْعشَاء إِلَى طُلُوع الْفجْر الْوتر الْوتر، مرَّتَيْنِ) وَهَذَا سَنَد صَحِيح. فَإِن قلت: كَيفَ تَقول: صَحِيح، وَفِيه ابْن لَهِيعَة وَفِيه مقَال؟ قلت: ذكر ابْن لَهِيعَة فِي هَذَا وَعدم ذكره سَوَاء، والعمدة على اللَّيْث بن سعد، وَلِهَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَلم يذكر ابْن لَهِيعَة، فَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عبد الله بن رَاشد الزرقي (عَن خَارِجَة بن حذافة، قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (إِن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ خير لكم من حمر النعم: الْوتر، جعله الله لكم فِيمَا بَين صَلَاة الْعشَاء إِلَى أَن يطلع الْفجْر) . وَقَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث خَارِجَة بن حذافة حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إلاّ من حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، وَقد وهم بعض الْمُحدثين فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ عبد الله بن رَاشد الزرقي: وَهُوَ وهم. وَأخرجه الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرجَاهُ لِتَفَرُّد التَّابِعِيّ من الصَّحَابِيّ قلت: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن خَارجه تفرد عَنهُ ابْن أبي مرّة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن أَبَا عبيد الله مُحَمَّد بن الرّبيع الجيزي فِي (كتاب الصَّحَابَة) تأليفه، روى عَنهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن جُبَير، قَالَ: وَلم يرو عَنهُ غير أهل مصر، وَقَالَ أَبُو زيد فِي (كتاب الْأَسْرَار) : هُوَ حَدِيث مَشْهُور، وَلما أخرجه أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ، وَمن عَادَته إِذا سكت عَن حَدِيث أخرجه يدل على صِحَّته عِنْده وَرضَاهُ بِهِ، فَإِن قلت: أعل ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق هَذَا الحَدِيث بِعَبْد الله بن رَاشد، وَنقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه ضعفه، وَقَالَ البُخَارِيّ: لَا نَعْرِف لإسناد هَذَا الحَدِيث سَماع بَعضهم من بعض. قلت: عبد الله بن رَاشد وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَالدَّارَقُطْنِيّ أخرج حَدِيثه هَذَا وَلم يتَعَرَّض إِلَيْهِ بِشَيْء، وَإِنَّمَا تعرض للْحَدِيث الَّذِي أخرجه عَن ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف حَدثنَا أَبُو يحيى الْحمانِي عبد الحميد حَدثنَا النَّضر أَبُو عمر عَن عِكْرِمَة (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج إِلَيْهِم يرى الْبشر وَالسُّرُور فِي وَجهه، فَقَالَ: إِن الله أمدكم بِصَلَاة وَهِي الْوتر) . النَّضر أَبُو عمر الخراز ضَعِيف، وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا يُقَوي حَدِيث خَارِجَة الْمَذْكُور ويزيده قُوَّة فِي صِحَّته. فَإِن قلت: قَالَ الْخطابِيّ. قَوْله: (أمدكم بِصَلَاة) ، يدل على أَنَّهَا غير لَازِمَة لَهُم، وَلَو كَانَت وَاجِبَة لخرج الْكَلَام فِيهِ على صِيغَة لفظ الْإِلْزَام، فَيَقُول: ألزمكم، أَو: فرض عَلَيْكُم أَو نَحْو ذَلِك وَقد روى أَيْضا فِي الحَدِيث: (إِن الله قد زادكم صَلَاة لم تَكُونُوا تصلونها قبل ذَلِك على تِلْكَ الصُّورَة والهيئة وَهِي الْوتر) . قلت: لَا نسلم أَن قَوْله: (أمدكم بِصَلَاة) ، يدل على أَنَّهَا غير لَازِمَة، بل يدل على أَنَّهَا لَازِمَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، صلى الله عليه وسلم، نسب ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى، فَلَا يكون ذَلِك إلاّ وَاجِبا. وَتَعْيِين الْعبارَة لَيْسَ بِشَرْط فِي الْوُجُوب قَوْله: وَمَعْنَاهُ