الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلِيهِ إِعَادَتهَا خَارج الصَّلَاة. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَفِي (النَّوَادِر) : أَنه تفْسد صلَاته بِالسُّجُود فِيهَا فِي هَذِه الْحَال. قَالَ) : وَقيل: هُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن. وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: يسْجد الْمُنْفَرد لقِرَاءَة نَفسه فِي النَّافِلَة، وَكَذَا إِذا كَانَ إِمَامًا فِيهَا دون الْفَرِيضَة.
5701 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافَعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي سُجُود الْقَوْم لسجدة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان وَعبد الله بن عمر بن حَفْص ابْن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن صَدَقَة بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبيد الله بن سعيد وَمُحَمّد بن الْمثنى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
قَوْله: (حَتَّى مَا يجد أَحَدنَا) أَي: بَعْضنَا، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ كل وَاحِد وَلَا وَاحِدًا معينا.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن السَّجْدَة وَاجِبَة عِنْد قِرَاءَة آيَة السَّجْدَة، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة على القارىء وَالسَّامِع، وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: الْحِرْص على فعل الْخَيْر والمسابقة إِلَيْهِ. وَفِيه: لُزُوم مُتَابعَة أَفعاله صلى الله عليه وسلم.
9 -
(بابُ ازْدِحَامِ النَّاسِ إذَا قَرَأ الإمَامُ السَّجْدَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ازدحام النَّاس
…
إِلَى آخِره، وَذَلِكَ لضيق الْمقَام وَكَثْرَة النَّاس.
6701 -
حدَّثنا بِشْرُ بنُ آدَمَ قَالَ حدَّثنا علِيُّ بنُ مُسْهرٍ قَالَ أخبرنَا عُبَيْدُ الله عنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ ونَسْجُدُ مَعَهُ فنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعا يَسْجُدُ عَلَيْهِ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق ذكره لأجل هَذِه التَّرْجَمَة، و: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن آدم الضَّرِير أَبُو عبد الله الْبَغْدَادِيّ، بَصرِي الأَصْل وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاّ هَذَا الْموضع الْوَاحِد، وَفِي طبقته: بشر بن آدم بن يزِيد بَصرِي أَيْضا وَهُوَ ابْن بنت أَزْهَر السمان، وَفِي كل مِنْهُمَا مقَال. ومسهر، بِضَم الْمِيم: من الإسهار، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله. قَوْله:(وَنحن عِنْده)، جملَة حَالية. قَوْله:(فَيسْجد) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونسجد نَحن مَعَه. قَوْله: (يسْجد عَلَيْهِ)، جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا وَقعت صفة لقَوْله:(موضعا) . وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: من لَا يقدر على السُّجُود على الأَرْض من الزحام فِي صَلَاة الْفَرِيضَة يسْجد على ظهر أَخِيه وَبِه قَالَ الثَّوْريّ والكوفيون وَالشعْبِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ نَافِع، مولى ابْن عمر: يومىء إِيمَاء. وَقَالَ عَطاء وَالزهْرِيّ: يمسك عَن السُّجُود فَإِذا رفعوا سجد هُوَ، وَهُوَ قَول مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه، وَقَالَ مَالك: إِن سجد على ظهر أَخِيه يُعِيد الصَّلَاة، وَذكر ابْن شعْبَان فِي (مُخْتَصره) عَن مَالك قَالَ: يُعِيد فِي الْوَقْت وَبعده. وَقَالَ أَشهب: يُعِيد فِي الْوَقْت. وَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَسجد وَلَو على ظهر أَخِيك، فعلى قَول من أجَاز السُّجُود فِي صَلَاة الْفَرِيضَة من الزحام على ظهر أَخِيه فَهُوَ أجوز عِنْده فِي سُجُود الْقُرْآن، لِأَن السُّجُود فِي الصَّلَاة فرض بِخِلَافِهِ، وعَلى قَول عَطاء وَالزهْرِيّ وَمَالك: يحْتَمل أَن تجوز عِنْدهم سَجْدَة التِّلَاوَة على ظهر رجل، وَأما على غير الأَرْض فكقول الْجُمْهُور، وَيحْتَمل خلافهم، وَاحْتِمَال وفاقهم أشبه لحَدِيث ابْن عمر.
01 -
(بابُ مَنْ رأى أنَّ الله عز وجل لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من رأى أَن الله عز وجل لم يُوجب السُّجُود، وَكَأن من رأى ذَلِك يحمل الْأَمر فِي قَوْله:
(أسجدوا) . وَقَوله: (واسجد) على النّدب، أَو على أَن المُرَاد بِهِ سُجُود الصَّلَاة أَو فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة على الْوُجُوب، وَفِي سَجْدَة التِّلَاوَة على النّدب؟ قلت: الْأَمر إِذا جرد عَن الْقَرَائِن يدل على الْوُجُوب لتجرده عَن الْقَرِينَة الصارفة عَن الْوُجُوب، وَحمله على سُجُود الصَّلَاة يحْتَاج إِلَى دَلِيل، واستعماله فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة على الْوُجُوب وَفِي سَجْدَة التِّلَاوَة على النّدب اسْتِعْمَال لمفهومين مُخْتَلفين فِي حَالَة وَاحِدَة، وَهُوَ مُمْتَنع.
وقِيلَ لِعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ ولَمْ يَجْلسْ لَهَا قالَ أرَأيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا كأنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ
هَذَا وَمَا بعده من أثر سُلَيْمَان، وَمن كَلَام الزُّهْرِيّ وَفعل السَّائِب بن يزِيد دَاخِلَة فِي التَّرْجَمَة، وَلِهَذَا عطفه بِالْوَاو، وَأثر عمرَان الَّذِي علقه وَصله ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِمَعْنَاهُ قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى عَن الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء عَن مطرف قَالَ: وَسَأَلته عَن الرجل يتمادى فِي السَّجْدَة أسمعها أَو لم يسْمعهَا؟ قَالَ: وسمعها فَمَاذَا؟ ثمَّ قَالَ مطرف: سَأَلت عمرَان بن حُصَيْن عَن الرجل لَا يدْرِي أسمع السَّجْدَة أم لَا؟ قَالَ: وسمعها فَمَاذَا؟
قَوْله: (وَلم يجلس لَهَا) أَي: لقِرَاءَة السَّجْدَة قَالَ أَي عمرَان أَرَأَيْت أَي أَخْبرنِي قَوْله (الْوَقْعَة لَهَا) أَي للسجدة وَجَوَاب لَو مَحْذُوف يَعْنِي لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء قَوْله كَأَنَّهُ لَا يُوجِبهُ عَلَيْهِ من كَلَام البُخَارِيّ، أَي: كَأَن عمرَان لَا يُوجب السُّجُود على الَّذِي قعد لَهَا للاستماع، فَإِذا لم يُوجب على المستمع فعدمه على السَّامع بِالطَّرِيقِ الأولى. قلت: يُعَارض هَذَا أثر ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: السَّجْدَة على من سَمعهَا. رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، وَكلمَة: على للْإِيجَاب مُطلق عَن قيد الْقَصْد، فَتجب على كل سامع سَوَاء كَانَ قَاصِدا للسماع أَو لم يكن.
وَقَالَ سَلْمَانُ مَا لِهاذا غَدَوْنَا
سلمَان هَذَا هُوَ الْفَارِسِي، هُوَ قِطْعَة من أَثَره علقه البُخَارِيّ وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن ابْن فُضَيْل عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أبي عبد الرَّحْمَن، قَالَ: دخل سلمَان الْفَارِسِي الْمَسْجِد وَفِيه قوم يقرأون فقرأوا سَجْدَة فسجدوا، فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا أَبَا عبد الله لَو أَتَيْنَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: مَا لهَذَا غدونا) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا. وَأخرجه عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: (مر سلمَان على قوم قعُود فقرأوا السَّجْدَة فسجدوا، فَقيل لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لهَذَا غدونا) . قَوْله: (مَا لهَذَا غدونا) أَي: مَا غدونا لأجل السماع، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بَيَان إِنَّا لم نسجد لأَنا مَا كُنَّا قَاصِدين السماع.
وَقَالَ عُثْمانُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا
هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب أَن عُثْمَان مر بقاص فَقَرَأَ سَجْدَة ليسجد مَعَه عُثْمَان، فَقَالَ عُثْمَان: إِنَّمَا السُّجُود على من اسْتمع، ثمَّ مضى وَلم يسْجد. وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع عَن ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن ابْن الْمسيب عَن عُثْمَان، قَالَ: إِنَّمَا السَّجْدَة على من جلس لَهَا.
قَوْله: (على من استمعها) يَعْنِي: لَا على السَّامع. قَالَ الْكرْمَانِي: وَالْفرق بَينهمَا أَن المستمع من كَانَ قَاصِدا للسماع مصغيا إِلَيْهِ، وَالسَّامِع من اتّفق سَمَاعه من غير قصد إِلَيْهِ. قلت: هَذِه الْآثَار الثَّلَاثَة لَا تدل على نفي وجوب السَّجْدَة على التَّالِي، والترجمة تدل على الْعُمُوم، فَلَا مُطَابقَة بَينهمَا من هَذَا الْوَجْه، وَرِوَايَة ابْن أبي شيبَة تدل على وجوب السَّجْدَة عِنْد عُثْمَان على الْجَالِس لَهَا، سَوَاء قصد السماع أَو لم يَقْصِدهُ.
وقَال الزُّهْرِيُّ لَا تَسْجُدُ إلَاّ أنْ
تَكُونَ طاهِرا فإذَا سَجَدْتَ وَأنْتَ فِي حَضَرٍ فاسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فإنْ كُنْتَ رَاكِبا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كانَ وَجْهُكَ
الزُّهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وصل هَذَا عبد الله بن وهب عَن يُونُس عَنهُ بِتَمَامِهِ. قَوْله:(لَا تسْجد إِلَّا أَن تكون طَاهِرا) يدل على أَن الطَّهَارَة شَرط لأَدَاء سَجْدَة التِّلَاوَة، وَفِيه خلاف ابْن عمر وَالشعْبِيّ، وَقد ذَكرْنَاهُ. قَالَ بَعضهم: قيل: قَوْله: (لَا تسْجد إِلَّا أَن تكون طَاهِرا) ، لَيْسَ بدال على عدم الْوُجُوب، لِأَن الْمُدَّعِي يَقُول: علق على شَرط وَهُوَ وجود الطَّهَارَة، فَحَيْثُ وجد الشَّرْط لزم. قلت: هَذَا كَلَام واهٍ، كَيفَ يَنْقُلهُ من لَهُ وَجه إدرك؟ لِأَن أحدا هَل قَالَ: يلْزم من وجوب الشَّرْط وجود الْمَشْرُوط، وَالشّرط خَارج عَن الْمَاهِيّة وَالْوُجُوب، وَعدم الْوُجُوب يتَعَلَّق بالماهية لَا بِالشّرطِ، وغايته أَنه إِذا ثَبت وُجُوبه يشْتَرط لَهُ الطَّهَارَة للْأَدَاء، وَالْجَوَاب: إِن مَوضِع التَّرْجَمَة من هَذَا الْأَثر قَوْله: (فَإِن كنت رَاكِبًا فَلَا عَلَيْك حَيْثُ كَانَ وَجهك) ، لِأَن هَذَا دَلِيل النَّفْل، إِذْ الْفَرْض لَا يُؤدى على الدَّابَّة فِي الْأَمْن. قلت: كَيفَ يُطَابق هَذَا الْجَواب لقَوْل هَذَا الْقَائِل الْمَذْكُور وَبَينهمَا بعد عَظِيم؟ يظْهر بِالتَّأَمُّلِ على أَن الْحَنَفِيّ لَا يَقُول بفرضيته، حَتَّى يُقَال: الْفَرْض لَا يُؤدى على الدَّابَّة قَوْله: (وَإِن كنت رَاكِبًا)، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: فِي السّفر بِقَرِينَة كَونه قسيما لقَوْله: (فِي حضر) ، وَالرُّكُوب كِنَايَة عَن السّفر، لِأَن السّفر مُسْتَلْزم لَهُ. قلت: لَا نسلم تَقْيِيد الرَّاكِب بِالسَّفرِ، لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون رَاكِبًا فِي الْحَضَر أَو السّفر. وَقَوله: وَالرُّكُوب كِنَايَة، فِيهِ عدُول عَن الْحَقِيقَة من غير ضَرُورَة، وَقَوله: لِأَن السّفر مُسْتَلْزم لَهُ، أَي: للرُّكُوب، غير صَحِيح، لِأَنَّهُ يكون بِالْمَشْيِ أَيْضا. قَوْله:(لَا عَلَيْك) أَي: لَا بَأْس عَلَيْك أَن لَا تسْتَقْبل الْقبْلَة عِنْد السُّجُود.
وكانَ السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ القَاصِّ
السَّائِب بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أُخْت نمر الْكِنْدِيّ، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، وَيُقَال الْأَزْدِيّ، وَيُقَال: الْهُذلِيّ أَبُو يزِيد الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، مَاتَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين، وَقد مر ذكره فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، والقاص، بِالْقَافِ وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة: الَّذِي يقص النَّاس الْأَخْبَار والمواعظ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ سَببه أَنه لَيْسَ قَاصِدا لقِرَاءَة الْقُرْآن قلت: لَعَلَّ سَببه أَن لَا يكون قَصده السماع، أَو كَانَ سَمعه وَلم يكن يستمع لَهُ، أَو كَانَ لم يجلس لَهُ فَلَا يسْجد.
7701 -
حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبرنِي أبُو بَكْرِ بنُ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرحْمانِ التَّيْمِيِّ عنْ رَبِيعَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ الهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ قَالَ أبُو بَكْرٍ وكانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ منْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وسجَدَ النَّاسُ حَتَّى إذَا كانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إذَا جاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا نَمُرُّ بالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أصَابَ ومَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ولَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة غير تَامَّة لِأَن فِيهِ: (نزل فَسجدَ)، فَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يرى السَّجْدَة مُطلقًا سَوَاء كَانَ على سَبِيل الْوُجُوب أَو السّنيَّة. وَقَوله أَيْضا:(وَسجد النَّاس) ، يدل على ذَلِك، إِذْ لَو كَانَ الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك لمنعهم. فَإِن قلت: قَوْله: (وَمن لم يسْجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ)، يدل على نفي الْوُجُوب. قلت: لَا نسلم، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه لَيْسَ على الْفَوْر فَلَا يَأْثَم بِتَأْخِيرِهِ، فَلَا يلْزم من ذَلِك عدم الْوُجُوب. فَإِن قلت: قَوْله: (وَلم يسْجد عمر) يدل على خلاف مَا قلت قلت: لَا نسلم لاحْتِمَال إِنَّه لم يسْجد فِي ذَلِك الْوَقْت لعَارض، مثل انْتِقَاض الْوضُوء، أَو يكون ذَلِك مِنْهُ إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ على الْفَوْر. فَإِن قلت: مَا ذكرت من الِاحْتِمَالَات يَنْفِي مَا قلت. قلت: لَا نسلم، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن عمر مَا يُؤَكد مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو بكرَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد وروح، قَالَا: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ:(أنبأني سعد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: سَمِعت ابْن أُخْت لنا، يُقَال لَهُ عبد الله بن ثَعْلَبَة، قَالَ: صلى بِنَا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الصُّبْح فِيمَا أعلم، ثمَّ قَالَ سعد: صلى بِنَا الصُّبْح فَقَرَأَ بِالْحَجِّ وَسجد فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) . وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن غنْدر وَعَن شُعْبَة إِلَى آخِره نَحوه، وَمِمَّا يُؤَكد مَا قُلْنَا. قَوْله:(فَمن سجد فقد أصَاب السّنة) ، وَالسّنة إِذا أطلقت يُرَاد بهَا سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالسَّجْدَةِ فِي مَوَاضِع السُّجُود فِي الْقُرْآن، فَدلَّ هَذَا كُله أَنه سنة مُؤَكدَة، وَلَا فرق بَينهَا وَبَين الْوَاجِب، فَسقط بِهَذَا قَول من قَالَ: وَأقوى الْأَدِلَّة على نفي الْوُجُوب حَدِيث
عمر الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب. فَافْهَم.
ذكر رجال الْأَثر الْمَذْكُور وهم سَبْعَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير. الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة بِالْيمن. الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج أَبُو الْوَلِيد الْمَكِّيّ. الرَّابِع: أَبُو بكر بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام: واسْمه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَاسم أبي مليكَة: زُهَيْر بن عبد الله أَبُو مُحَمَّد الْأَحول كَانَ قَاضِيا لِابْنِ الزبير ومؤذنا لَهُ، مر فِي: بَاب خوف الْمُؤمن أَن يحبط عمله. الْخَامِس: عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي. السَّادِس: ربيعَة بن عبد الله بن الهدير، بِضَم الْهَاء وَفتح الدَّال: أَبُو عُثْمَان التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي. السَّابِع: عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: تَوْثِيق أحد الروَاة شيخ شَيْخه الَّذِي روى عَنهُ. وَفِيه: أَن أَبَا بكر بن أبي مليكَة لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، ولأبيه صُحْبَة وَرِوَايَة، وَكَذَلِكَ ربيعَة لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن سعد: ولد ربيعَة فِي عهد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَفِيه: رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض، وهم: أَبُو بكر وَعُثْمَان وَرَبِيعَة. وَفِيه: أَن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن من أَفْرَاد البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَمَّا حضر ربيعَة من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) يتَعَلَّق بقوله: (أَخْبرنِي) . فَإِن قلت: (عَن عُثْمَان) يتَعَلَّق بِهِ، فَإِذا تعلق بِهِ: عَمَّا حضر، يكون حرفا جر يتعلقان بِفعل وَاحِد، وَهُوَ لَا يجوز. قلت: يتَعَلَّق الأول بِمَحْذُوف تَقْدِيره: أَخْبرنِي أَبُو بكر رَاوِيا عَن عُثْمَان عَن حضورة مجْلِس عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَكلمَة: مَا، فِي عَمَّا مَصْدَرِيَّة، و: ربيعَة، بِالرَّفْع فَاعل: حضر. قَوْله: (قَرَأَ) أَي: أَنه قَرَأَ يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (بهَا) أَي: بِسُورَة النَّحْل. قَوْله: (إِنَّمَا نمر) ، رِوَايَة الْكشميهني، وَرِوَايَة غَيره (إِنَّا نمر) بِدُونِ الْمِيم. قَوْله:(السُّجُود) أَي: بِآيَة السُّجُود. قَوْله: (فَلَا إِثْم عَلَيْهِ) . قَالُوا: هَذَا دَلِيل صَرِيح فِي عدم الْوُجُوب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا كَانَ بِمحضر من الصَّحَابَة وَلم يُنكر عَلَيْهِ، وَكَانَ إِجْمَاعًا سكوتيا على ذَلِك. قلت: هَذِه إِشَارَة إِلَى أَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي تَأْخِيره من ذَلِك الْوَقْت.
ذكر من أخرجه: هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج من طَرِيقين. وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور أَيْضا وَإِسْمَاعِيل من طَرِيق ابْن جريج أَخْبرنِي أَبُو بكر بن أبي مليكَة أَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان التَّيْمِيّ أخبرهُ عَن ربيعَة بن عبد الله أَنه حضر عمر، فَذكره. وَقَوله: عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان، مقلوب وَالصَّحِيح: عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن.
وزادع نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إنَّ الله لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إلَاّ أنْ نَشَاءَ
قَالَ الْكرْمَانِي: (وَزَاد نَافِع)، أَي: قَالَ ابْن جريج: وَزَاد، وَهَذَا مَوْقُوف لَا مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الْحميدِي: هَذَا مُعَلّق، وَكَذَا علم عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي عَلامَة التَّعْلِيق. وَقَالَ بَعضهم:(زَاد نَافِع) مقول ابْن جريج، وَالْخَبَر مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الأول، وَقد بَين ذَلِك عبد الرَّزَّاق فَقَالَ فِي مُصَنفه: عَن ابْن جريج أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة، فَذكره. وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ ابْن جريج: وَزَادَنِي نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: لم يفْرض علينا السُّجُود، إلاّ أَن نشَاء، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا من طَرِيق حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج، فَذكر الْإِسْنَاد الأول. قَالَ: وَقَالَ حجاج: قَالَ ابْن جريج: وَزَاد نَافِع، فَذكره، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَفِي هَذَا رد على الْحميدِي فِي زَعمه أَن هَذَا مُعَلّق، وَلذَا علم عَلَيْهِ الْمزي عَلامَة التَّعْلِيق، وَهُوَ وهم قلت: هَذَا الْقَائِل هُوَ الَّذِي يرد عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي وهم، لِأَن الَّذِي زَعمه لَا تَقْتَضِيه رِوَايَة عبد الرَّزَّاق لِأَنَّهَا تشعر بِخِلَاف مَا قَالَه، لِأَن ابْن جريج يَقُول: زادني نَافِع عَن ابْن عمر، مَعْنَاهُ: أَنه زادني على روايتي عَن أبي بكر عَن عُثْمَان عَن ربيعَة عَن عمر بن الْخطاب رِوَايَة نَافِع عَن عبد الله بن عمر: أَن الله تَعَالَى لم يفْرض علينا السُّجُود إلاّ أَن نشَاء، والمزيد هُوَ قَول ابْن عمر، وَهُوَ قَوْله: إِن الله، عز وجل. . إِلَى آخِره. وَهَذَا يُنَادي بِصَوْت عَال: إِنَّه مَوْقُوف، مثل مَا قَالَ الْكرْمَانِي، ومعلق مثل مَا قَالَ الحافظان الكبيران: الْحميدِي والمزي، فبمثل هَذَا التَّصَرُّف يتعسف بِالرَّدِّ عَلَيْهِمَا، وَأبْعد من ذَلِك وأحق بِالرَّدِّ عَلَيْهِ مَا قَالَه عقيب هَذَا، قَوْله فِي رِوَايَة