الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ أبُو عَبْدِ الله كانَ ابنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ هُوَ صاحِبُ الأذَانِ ولاكِنَّهُ وَهَمٌ لأنَّ هاذَا عَبْدُ الله بنُ زَيْدِ بنِ عاصِمٍ المَازِنِيُّ الأنْصَارِي
أَبُو عبد الله: هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (كَانَ ابْن عُيَيْنَة) أَي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول هُوَ أَي: رَاوِي حَدِيث الاسْتِسْقَاء صَاحب الْأَذَان، هَذَا يحْتَمل أَن يكون تَعْلِيقا، وَيحْتَمل أَن يكون البُخَارِيّ سمع ذَلِك من شَيْخه عَليّ بن عبد الله الْمَذْكُور، وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ وهم ابْن عُيَيْنَة فِي قَوْله فِي عبد الله بن زيد الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: أَنه صَاحب الْأَذَان، يَعْنِي الَّذِي أرِي النداء، وَهُوَ عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثَعْلَبَة بن زيد بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج، وراوي حَدِيث الاسْتِسْقَاء هُوَ: عبد الله ابْن عَاصِم بن عَمْرو بن عَوْف بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن، وَهُوَ معنى قَوْله: لِأَن هَذَا، أَي: رَاوِي حَدِيث الاسْتِسْقَاء عبد الله بن زيد بن عَاصِم، وَلم يذكر البُخَارِيّ مُقَابِله حَيْثُ لم يقل: وَذَاكَ عبد الله بن زيد بن عبد ربه، كَأَنَّهُ اكْتفى بِالَّذِي ذكره، وَقد اتّفق كِلَاهُمَا فِي الِاسْم وَاسم الْأَب وَالنِّسْبَة إِلَى الْأَنْصَار، ثمَّ إِلَى الْخَزْرَج والصحبة وَالرِّوَايَة، وافترقا فِي الْجد والبطن الَّذِي من الْخَزْرَج، لِأَن حفيد عَاصِم بن مَازِن، وحفيد عبد ربه من بلحارث بن الْخَزْرَج. قَوْله:(الْمَازِني الْأنْصَارِيّ) وَفِي بعض النّسخ: عبد الله بن زيد بن عَاصِم مَازِن الْأنْصَارِيّ، وَاحْترز بِهِ عَن مَازِن تَمِيم وَغَيره، والموازن كَثِيرَة: مَازِن فِي قيس غيلَان وَهُوَ مَازِن بن الْمَنْصُور بن الْحَارِث بن حَفْصَة بن قيس غيلَان، وَفِي قيس غيلَان أَيْضا: مَازِن بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن قيس غيلَان، ومازن فِي فَزَارَة وَهُوَ: مَازِن بن فَزَارَة، ومازن فِي ضبة وَهُوَ: مَازِن بن كَعْب بن ربيعَة بن ثَعْلَبَة بن سعد بن ضبة. ومازن فِي مدحج وَهُوَ: مَازِن بن ربيعَة بن زيد بن صَعب بن سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج، ومازن فِي الْأَنْصَار وَهُوَ: مَازِن بن النجار بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج، ومازن فِي تَمِيم وَهُوَ: مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم، ومازن فِي شَيبَان وَهُوَ: مَازِن بن ذهل بن ثَعْلَبَة بن شَيبَان، ومازن فِي خذيل وَهُوَ: مَازِن بن مُعَاوِيَة بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل، ومازن فِي الأزد وَهُوَ: مَازِن بن الأزد. وَقَالَ الرشاطي: مَازِن فِي الْقَبَائِل كثير، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: المازن بيض النَّمْل، وَوَقع فِي (مُسْند الطَّيَالِسِيّ) وَغَيره مثل مَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَهُوَ غلط.
(بَابُ انْتِقَامِ الرَّبِّ عز وجل منْ خَلْقِهِ بالقَحْطِ إذَا انْتُهِكَ مَحَارِمُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان انتقام الله، عز وجل، من عباده بإيقاع الْقَحْط فيهم إِذا انتهك محارم الله، الانتهاك: للْمُبَالَغَة فِي خرق محارم الشَّرْع وإتيانها، وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَحده خَالِيَة من حَدِيث وَأثر، قيل: كَأَنَّهَا كَانَت فِي رقْعَة مُفْردَة أهملها الْبَاقُونَ، وَالظَّاهِر أَنه وَضعهَا ليذكر فِيهَا أَحَادِيث مُطَابقَة لَهَا، فعاقه عَن ذَلِك عائق، وَالله تَعَالَى أعلم.
6 -
(بابُ الاسْتِسْقَاءِ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الاسْتِسْقَاء فِي الْمَسْجِد الْجَامِع، وَأَشَارَ بذلك إِلَى أَن الْخُرُوج إِلَى الْمصلى لَيْسَ بِشَرْط فِي الاسْتِسْقَاء، لِأَن الْمَقْصُود فِي الْخُرُوج إِلَى الصَّحرَاء تَكْثِير النَّاس، وَذَلِكَ يحصل فِي الْجَوَامِع، وَإِنَّمَا كَانُوا يخرجُون إِلَى الصَّحرَاء لعدم تعدد الْجَوَامِع بِخِلَاف هَذَا الزَّمَان.
3101 -
حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا أبُو ضَمْرَةَ أنَسُ بنُ عِيَاضٍ قَالَ حدَّثنا شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله ابنِ أبِي نمِرٍ أنَّهُ سَمِعَ مالِكٍ يَذْكُرُ أنَّ رَجُلاً دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بابٍ كانَ وِجاهَ المِنْبَرِ وَرسُولُ الله قائِمٌ يَخْطُبُ فاسْتَقْبَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائِما فَقَالَ يَا رسولَ الله هَلَكَتِ المَوَاشِي وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُ الله يُغِيثُنَا قَالَ فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا قَالَ أنَسٌ وَلَا وَالله مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ ولَا قَزَعَةٍ ولَا شَيْئا وَمَا بَيْنَنَا
وبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ ولَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّماءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ قَالَ وَالله مَا رأيْنَا الشَّمْسَ سِتّا ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذالِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ ورَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قائِمٌ يَخْطُبُ فاسْتَقْبَلَهُ قائِما فَقَالَ يَا رسولَ الله هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُ الله يُمْسِكْهَا قَالَ فرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ اللَّهُمَّ حوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ والآجَامِ والظِّرَابِ والأوْدِيَةِ ومنَابِتَ الشَّجَرِ. قَالَ فانْقَطَعَتْ وخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ قَالَ شرِيكٌ فسَألْتُ أنَسا أهُوَ الرَّجُلُ الأوَّلُ قَالَ لَا أدْرِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَن رجلا دخل يَوْم الْجُمُعَة من بَاب كَانَ وجاه الْمِنْبَر وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَائِم يخْطب)، وَفِي قَوْله:(فَرفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسقنا) فَفِي الأول: ذكر الْجَامِع، وَفِي الثَّانِي: استسقاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَهُوَ على الْمِنْبَر.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُحَمَّد بن سَلام البُخَارِيّ البيكندي. الثَّانِي: أَبُو ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء: وَهُوَ أنس بن عِيَاض، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة، مر فِي: بَاب التبرز فِي الْبيُوت. الثَّالِث: شريك بن عبد الله بن أبي نمر، بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم، مر فِي: بَاب الْقِرَاءَة على الْمُحدث. الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَنه مَذْكُور بِغَيْر نِسْبَة. وَفِيه: من هُوَ مَذْكُور بكنيته وباسمه، وَهُوَ من الرباعيات.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء: عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَعَن القعْنبِي وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَعبد الله بن يُوسُف، فرقهم، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِسْقَاء عَن يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر، أربعتهم عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عِيسَى ابْن حَمَّاد عَن اللَّيْث عَن سعيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن عِيسَى بن حَمَّاد وَعَن عَليّ بن حجر بِهِ وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن رجلا)، لم يدر اسْمه. قيل: روى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث كَعْب بن مرّة مَا يُمكن أَن يُفَسر هَذَا الْمُبْهم بِأَنَّهُ: كَعْب، الْمَذْكُور قلت: حَدِيث كَعْب بن مرّة رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، فَانْظُر فِيهِ هَل ترى مَا قَالَه مِمَّا يُمكن من حَيْثُ التَّرْكِيب؟ فَإِن أَرَادَ الْإِمْكَان الْعقلِيّ فَلَا دخل لَهُ هَهُنَا، وَقيل: إِنَّه أَبُو سُفْيَان بن حَرْب. قلت: هَذَا غير صَحِيح لِأَن قَوْله فِي الحَدِيث: (فَقَالَ: يَا رَسُول الله) يدل على أَن السَّائِل كَانَ مُسلما، وَأَبُو سُفْيَان إِذْ ذَاك لم يكن مُسلما. قَوْله:(وَجَاء الْمِنْبَر)، بِكَسْر الْوَاو وَضمّهَا أَي: مواجهه. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) نَاقِلا عَن ابْن التِّين، وجاه الْمِنْبَر يَعْنِي مستدبر الْقبْلَة، ثمَّ قَالَ: إِن كَانَ يُرِيد بالمستدبر الْمِنْبَر، فَصَحِيح، وَلَكِن لَا معنى لذكره، وَإِن كَانَ أَرَادَ الْبَاب فَلَا يتَّجه لباب يواجه الْمِنْبَر أَن يستدبر الْقبْلَة، وَوَقع فِي رِوَايَة اسماعيل بن جَعْفَر: من بَاب كَانَ نَحْو دَار الْقَضَاء، وَهِي دَار عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسميت: دَار الْقَضَاء، لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاء دينه فَكَانَ يُقَال لَهَا: دَار قَضَاء دين عمر، ثمَّ لما طَال ذَلِك قيل لَهَا: دَار الْقَضَاء، وَقد صَارَت إِلَى مَرْوَان بعد ذَلِك وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة. وَقَالَ عِيَاض: كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أنْفق من بَيت المَال وَكتبه على نَفسه، وَأوصى ابْنه عبد الله أَن يُبَاع فِيهِ مَاله، فَإِن عجز مَاله اسْتَعَانَ ببني عدي ثمَّ بِقُرَيْش، فَبَاعَ عبد الله هَذِه الدَّار لمعاوية، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقضى دينه، وَكَانَ: ثَمَانِيَة وَعشْرين ألفا، انْتهى. وَفِي قَوْله: ثَمَانِيَة وَعشْرين ألفا، غرابة، وَالَّذِي فِي (الصَّحِيح) وَغَيره من كتب المؤرخين: كَانَ سِتَّة وَثَمَانِينَ ألفا. قَوْله: (وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَائِم)، جملَة إسمية وَقعت حَالا. وَقَوله:(يخْطب) ، جملَة فعلية حَالية أَيْضا، أما حَال مترادفة أَو متداخلة. قَوْله:(هَلَكت الْمَوَاشِي) ، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي ذَر جَمِيعًا عَن الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهم:(هَلَكت الْأَمْوَال)، وَالْمرَاد بالأموال: الْمَوَاشِي أَيْضا لَا الصَّامِت، وَتقدم فِي كتاب الْجُمُعَة بِلَفْظ:(قَامَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله هلك المَال وجاع الْعِيَال)، قيل: وَقد تقدم فِي كتاب الْجُمُعَة بِلَفْظ: (هلك الكراع)، وَهُوَ بِضَم الْكَاف: يُطلق على الْخَيل وَغَيرهَا، وَفِي رِوَايَة يحيى بن سعيد
الْآتِيَة: (هَلَكت الْمَوَاشِي هلك الْعِيَال هلك النَّاس) ، وَهُوَ من قبيل ذكر الْعَام بعد الْخَاص، وَالْمرَاد بهلاكهم عدم وجود مَا يعيشون بِهِ من الأقوات المفقودة بِحَبْس الْمَطَر. قَوْله:(وانقطعت السبل)، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:(وتقطعت) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الطَّاء، فَالْأول من بَاب الانفعال، وَالثَّانِي من بَاب التفعل، وَالْمرَاد من السبل: الطّرق، وَهُوَ بِضَم السِّين وَالْبَاء جمع: سَبِيل، وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل: ضعفت الْإِبِل لقلَّة الْكلأ أَن يُسَافر بهَا، وَقيل: إِنَّهَا لَا تَجِد فِي سفرها من الْكلأ مَا يبلغهَا، وَقيل: إِن النَّاس أَمْسكُوا مَا عِنْدهم من الطَّعَام وَلم يجلبوه إِلَى الْأَسْوَاق، وَقيل: نفاد مَا عِنْدهم من الطَّعَام أَو قلته فَلَا يَجدونَ مَا يحملونه إِلَى الْأَسْوَاق، وَوَقع فِي رِوَايَة قَتَادَة الْآتِيَة عَن أنس:(قحط الْمَطَر)، أَي: قل أَو لم ينزل أصلا. وَفِي رِوَايَة ثَابت الْآتِيَة عَن أنس: (واحمرت الشّجر) ، واحمرارها كِنَايَة عَن يبس وَرقهَا لعدم شربهَا المَاء أَو لانتشاره، فَيصير الشّجر أعوادا بِغَيْر ورق، وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة قَتَادَة:(وانحلت الأَرْض) . فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون السَّائِل قَالَ ذَلِك كُله، وَيحْتَمل أَن يكون بعض الروَاة روى شَيْئا مِمَّا قَالَه بِالْمَعْنَى، فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَة. قَوْله:(فَادع الله أَن يغيثنا) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين (فَادع الله يغيثنا)، وَوَجهه أَن كلمة: أَن، مقدرَة قبل، أَي: فَهُوَ يغيثنا، وَفِيه بعد. وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل ابْن جَعْفَر الْآتِيَة للكشميهني:(يغثنا) ، بِالْجَزْمِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر.
ثمَّ إعلم أَن لفظ: يغيثنا، بِضَم الْيَاء فِي جَمِيع النّسخ، و: اللَّهُمَّ أغثنا، بِالْألف من بَاب أغاث يغيث إغاثة من مزِيد الثلاثي، وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة أَنه يُقَال فِي الْمَطَر: غاث الله النَّاس وَالْأَرْض يغيثهم، بِفَتْح الْيَاء. قَالَ عِيَاض: قَالَ بَعضهم: هَذَا الْمَذْكُور فِي الحَدِيث من الإغاثة بِمَعْنى المعونة وَلَيْسَ من طلب الْغَيْث، وَإِنَّمَا يُقَال فِي طلب الْغَيْث: أللهم أغثنا. قَالَ أَبُو الفهل: وَيحْتَمل أَن يكون من طلب الْغَيْث، أَي: هَب لنا غيثا أَو ارزقنا غيثا، كَمَا يُقَال: سقَاهُ وأسقاه، أَي: جعل لَهُ سقيا على لُغَة من فرق بَينهمَا. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: (أللهم أغثنا) أَي: فرج عَنَّا وأدركنا، فعلى هَذَا يجوز مَا وَقع فِي عَامَّة النّسخ. وَقَالَ أَبُو الْمعَانِي فِي (الْمُنْتَهى) : يُقَال أغاثه الله يغيثه، والغياث مَا أغاثك الله بِهِ إسم من أغاث واستغاثني فأغثته. وَقَالَ الْقَزاز: غاثه يغوثه غوثا وأغاثه يغيثه إغاثة، فأميت: غاث، وَاسْتعْمل: أغات. وَيَقُول الْوَاقِع فِي بلية: أللهم أَغِثْنِي، أَي: فرج عني. وَقَالَ الْفراء: الْغَيْث والغوث متقاربان فِي الْمَعْنى، وَالْأَصْل، وَفِي (كتاب النَّبَات) لأبي حنيفَة: وَقد غيثت الأَرْض فَهِيَ مغيثة ومغيوثة. وَقَالَ أَبُو الْحسن اللحياني: أَرض مغيثة ومغيوثة أَي مسقية ومغيرة ومغيورة، والإسم الْغيرَة والغيث. وَقَالَ الْفراء: الْغَيْث يغورنا ويغيرنا، وَقد غارنا الله بِخَير: أغاثنا.
قَوْله: (فَرفع يَدَيْهِ) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن شريك: (فَرفع يَدَيْهِ حذاء وَجهه)، وَتقدم فِي الْجُمُعَة بِلَفْظ:(فَمد يَدَيْهِ ودعا)، وَزَاد فِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب:(فَنظر إِلَى السَّمَاء) . قَوْله: (فَقَالَ: أللهم اسقنا ثَلَاث مَرَّات)، وَوَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة:(اللَّهُمَّ اسقنا ثَلَاث مَرَّات)، وَوَقع فِي رِوَايَة ثَابت الْآتِيَة عَن أنس:(أللهم إسقنا مرَّتَيْنِ) . قَوْله: (فَلَا وَالله) ، بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره:(لَا وَالله) بِالْوَاو، وَفِي رِوَايَة ثَابت الْآتِيَة:(وأيم الله)، وَالتَّقْدِير: فَلَا نرى وَالله، فَحذف الْفِعْل مِنْهُ لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ. قَوْله:(من سَحَاب) أَي: من سَحَاب مُجْتَمع وَلَا قزعة أَي من سَحَاب متفرق، وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : القزعة، مِثَال شَجَرَة قِطْعَة من السَّحَاب رقيقَة كَأَنَّهَا ظلّ إِذا مرت من تَحت السَّحَاب الْكثير. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: القزع: السَّحَاب المتفرق. وَقَالَ يَعْقُوب عَن الْبَاهِلِيّ: يُقَال: مَا على السَّحَاب قزعة أَي: شَيْء من غيم، ذكره فِي (الموعب) وَفِي (تَهْذِيب الْأَزْهَرِي) : كل شَيْء متفرق فَهُوَ قزع. وَفِي (الْمُحكم) : أَكثر مَا يكون ذَلِك فِي الخريف. قَوْله: (وَلَا شَيْئا) بِالنّصب تَقْدِيره أَي: وَلَا نرى شَيْئا من الكدورة الَّتِي تكون مَظَنَّة للمطر. قَوْله: (وَبَين سلع) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَفِي آخِره عين مُهْملَة: وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَوَقع عِنْد ابْن سهل، بِفَتْح اللَّام وسكونها: وَقيل: بغين مُعْجمَة، وَكله خطأ. وَفِي (الْمُحكم) و (الْجَامِع) : سلع مَوضِع، وَقيل: جبل. وَقَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ جبل مُتَّصِل بِالْمَدِينَةِ، وَزعم الْهَرَوِيّ أَن سلعا معرفَة لَا يجوز إِدْخَال اللَّام عَلَيْهِ. قلت: وَفِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) للبيهقي، وَكتاب أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ، وَأبي سعيد الْوَاعِظ و (الإكليل) للْحَاكِم:(فطلعت سَحَابَة من وَرَاء السّلع) . قَوْله: (من بَيت وَلَا دَار) أَي: تحجبنا عَن رُؤْيَته، وَأَرَادَ بذلك أَن السَّحَاب كَانَ مفقودا لَا مستترا بِبَيْت وَلَا غَيره، وَوَقع فِي رِوَايَة ثَابت فِي (عَلَامَات النُّبُوَّة) :(وَإِن السَّمَاء لفي مثل الزجاجة أَي لشدَّة صفائها وَذَلِكَ أَيْضا مشْعر بقدم السَّحَاب أصلا قَوْله (فطلعت) أَي: ظَهرت من وَرَائه أَي من وَرَاء سلع. قَوْله: (مثل
الترس) ، أَي: مستديرة، والتشبيه فِي الاستدارة لَا فِي الْقدر يدل عَلَيْهِ مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة:(فَنَشَأَتْ سَحَابَة مثل رجل الطَّائِر وَأَنا أنظر إِلَيْهَا) . فَهَذَا يشْعر بِأَنَّهَا كَانَت صَغِيرَة، وَفِي رِوَايَة ثَابت:(فهاجت ريح أنشأت سحابا ثمَّ اجْتمع)، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب:(فَنَشَأَ السَّحَاب بعضه إِلَى بعض)، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة:(حَتَّى ثار السَّحَاب أَمْثَال الْجبَال) أَي: لكثرته وَفِيه: (ثمَّ ينزل عَن منبره حَتَّى رَأينَا الْمَطَر يتحادر على لحيته)، وَهَذَا يدل على أَن السّقف وكف لكَونه كَانَ من جريد النّخل. قَوْله:(فَلَمَّا توسطت السَّمَاء) أَي: بلغت إِلَى وسط السَّمَاء وَهِي على هَيْئَة مستديرة ثمَّ انتشرت. قَوْله: (ثمَّ أمْطرت)، قد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الاسْتِسْقَاء فِي الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (مَا رَأينَا الشَّمْس سبتا) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَرَادَ بِهِ الْيَوْم الَّذِي بعد الْجُمُعَة، وَلَكِن المُرَاد بِهِ الْأُسْبُوع، وَهُوَ من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم بعضه، كَمَا يُقَال: جُمُعَة، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. فَإِن قلت: كَيفَ عبر أنس بالسبت؟ قلت: لِأَنَّهُ كَانَ من الْأَنْصَار، وَكَانُوا قد جاوروا الْيَهُود فَأخذُوا بِكَثِير من اصطلاحهم، وَإِنَّمَا سموا الْأُسْبُوع سبتا لِأَنَّهُ أعظم الْأَيَّام عِنْدهم، كَمَا أَن الْجُمُعَة أعظم الْأَيَّام عِنْد الْمُسلمين، وَوَقع فِي رِوَايَة الدَّاودِيّ: سِتا، بِكَسْر السِّين وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَأَرَادَ بِهِ: سِتَّة أَيَّام، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ تَصْحِيف، ورد عَلَيْهِ بِأَن الدَّاودِيّ لم ينْفَرد بِهِ، فقد وَقع فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي كَذَا، يَعْنِي: سِتا، وَكَذَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور عَن الدَّرَاورْدِي عَن شريك، وَوَافَقَهُ أَحْمد من رِوَايَة ثَابت عَن أنس. فَإِن قلت: وَجه التَّصْحِيف أَنه مستبعد لرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الْآتِيَة: سبعا. قلت: لَا استبعاد فِي ذَلِك، لِأَن من روى سبعا أضَاف إِلَى السبت يَوْمًا مُلَفقًا من الجمعتين، وَوَقع فِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة:(فمطرنا يَوْمنَا ذَلِك وَمن الْغَد وَمن بعد الْغَد وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَة الْأُخْرَى)، وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك عَن شريك:(فمطرنا من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة)، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة الْآتِيَة:(فمطرنا فَمَا كدنا نصل إِلَى مَنَازلنَا)، أَي: من كَثْرَة الْمَطَر، وَقد تقدم فِي كتاب الْجُمُعَة من وَجه آخر:(فخرجنا نَخُوض المَاء حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازلنَا)، وَلمُسلم فِي رِوَايَة ثَابت:(فأمطرنا حَتَّى رَأَيْت الرجل تهمه نَفسه أَن يَأْتِي أَهله)، وَلابْن خُزَيْمَة فِي رِوَايَة حميد:(حَتَّى أهم الشَّبَاب الْقَرِيب الدَّار الرُّجُوع إِلَى أَهله)، وللبخاري فِي (الْأَدَب) من طَرِيق قَتَادَة:(حَتَّى سَالَتْ مثاعب الْمَدِينَة)، المثاعب: جمع مثعب، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: مسيل المَاء. قَوْله: (ثمَّ دخل رجل من ذَلِك الْبَاب) الظَّاهِر: أَن هَذَا غير ذَاك الرجل الأول، لِأَن النكرَة إِذا أُعِيدَت نكرَة تكون غَيره، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق عَن أنس:(فَقَامَ ذَلِك الرجل أَو غَيره) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون هَذَا هُوَ الرجل الأول، وَلكنه شكّ فِيهِ بقوله:(أَو غَيره)، أَي: أَو غير ذَلِك الرجل، وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة يحيى بن سعيد:(فَأتى الرجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن هَذَا هُوَ الأول، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق حَفْص عَن أنس بِلَفْظ:(فَمَا زلنا نمطر حَتَّى جَاءَ ذَلِك الْأَعرَابِي فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى)، وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك. قَوْله:(وَرَسُول الله قَائِم) ، جملَة إسمية حَالية، قَوْله:(فَاسْتَقْبلهُ قَائِما) انتصاب: قَائِما، على أَنه حَال من الضَّمِير الْمَرْفُوع الَّذِي فِي: اسْتقْبل، لَا من الضَّمِير الْمَنْصُوب. قَوْله:(هَلَكت الْأَمْوَال وانقطعت السبل)، يَعْنِي: بِسَبَب كَثْرَة المياة، لِأَنَّهُ انْقَطع المرعى فَهَلَكت الْمَوَاشِي من عدم الرَّعْي، أَو لعدم مَا يكنها من الْمَطَر، وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي رِوَايَة سعيد عَن شريك أخرجهَا النَّسَائِيّ:(من كَثْرَة المَاء)، وَفِي رِوَايَة حميد عِنْد ابْن خُزَيْمَة:(وَاحْتبسَ الركْبَان)، وَفِي رِوَايَة مَالك عَن شريك:(تهدمت الْبيُوت)، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْآتِيَة:(هدم الْبناء وغرق المَال) . قَوْله: (فَادع الله أَن يمْسِكهَا) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني. وَفِي رِوَايَة غَيره: (فَادع الله يمْسِكهَا)، بِدُونِ كلمة: إِن، وَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب والجزم إِمَّا الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَأما النصب فبكلمة: إِن، الْمقدرَة، وَأما الْجَزْم فعلى أَنه جَوَاب الْأَمر، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الأمطار الَّتِي يدل عَلَيْهِ. قَوْله:(ثمَّ أمْطرت) ، أَو إِلَى السحابة، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد عَن شريك:(أَن يمسك عَنَّا المَاء)، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق ثَابت:(أَن يرفعها عَنَّا)، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة فِي الْأَدَب:(فَادع رَبك أَن يحبسها عَنَّا، فَضَحِك) . وَفِي رِوَايَة ثَابت: (فَتَبَسَّمَ)، وَزَاد حميد:(لسرعة ملال ابْن آدم) . قَوْله: (حوالينا) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (حولنا) ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، والحول والحوال بِمَعْنى الْجَانِب، وَالَّذِي فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: تَثْنِيَة، حوال، وَهُوَ ظرف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف، تَقْدِيره: اللَّهُمَّ أنزل أَو أمطر حوالينا وَلَا تنزل علينا. فَإِن قلت: إِذا أمْطرت حول الْمَدِينَة فالطريق تكون ممتنعة، وَإِذن لم يزل شكواهم؟ قلت: أَرَادَ بقوله: (حوالينا) : الآكام والظراب، وشبههما كَمَا فِي الحَدِيث، فَتبقى الطَّرِيق على هَذَا مسلوكة، كَمَا سَأَلُوا. وَأَيْضًا أخرج الطّرق بقوله:
(وَلَا علينا) وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي إِدْخَال: الْوَاو، هَهُنَا معنى لطيف، وَذَلِكَ أَنه لَو أسقطها لَكَانَ مستسقيا للأكام وَمَا مَعهَا فَقَط، وَدخُول: الْوَاو، يَقْتَضِي أَن طلب الْمَطَر على الْمَذْكُورَات لَيْسَ مَقْصُودا لعَينه، وَلَكِن ليَكُون وقاية من أَذَى الْمَطَر، فَلَيْسَتْ: الْوَاو، مخلصة للْعَطْف، وَلكنهَا: للتَّعْلِيل. وَهُوَ كَقَوْلِهِم: تجوع الْحرَّة وَلَا تَأْكُل بثدييها، فَإِن الْجُوع لَيْسَ مَقْصُودا لعَينه، وَلَكِن لكَونه مَانِعا من الرَّضَاع بِأُجْرَة، إِذْ كَانُوا يكْرهُونَ ذَلِك. قَوْله:(على الأكام)، فِيهِ بَيَان للمراد بقوله:(حوالينا)، رُوِيَ:(الإكام) ، بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا، ممدودة وَهُوَ جمع: أكمة بِفَتَحَات، قَالَ ابْن البرقي: هُوَ التُّرَاب الْمُجْتَمع. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أكبر من الكدية. وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ الَّتِي من حجر وَاحِد. وَقَالَ الْخطابِيّ: هِيَ الهضبة الضخمة. وَقيل: الْجَبَل الصَّغِير. وَقيل: مَا ارْتَفع من الأَرْض. قَوْله: (والظراب) بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: جمع ظرب، بِسُكُون الرَّاء. قَالَه الْقَزاز، وَقَالَ: هُوَ جبل منبسط على الأَرْض، وَقيل بِكَسْر الرَّاء، وَيُقَال: ظراب وظرب، كَمَا يُقَال: كتاب وَكتب. وَيُقَال: ظرب، بتسكين الرَّاء. قَالُوا: أصل الظراب مَا كَانَ من الْحِجَارَة أَصله ثَابت فِي جبل أَو أَرض حزنة، وَكَانَ أَصله الثَّانِي محدودا، وَإِذا كَانَت خلقَة الْجَبَل كَذَلِك سمي ظربا. وَفِي (الْمُحكم) : الظرب كل مَا كَانَ نتأً من الْحِجَارَة وحدٌ طرفه. وَقيل: هُوَ الْجَبَل الصَّغِير. وَفِي (الْمُنْتَهى) للبرمكي: الظراب: الروابي الصغار دون الْجَبَل، وَفِي (الغريبين) : الأظراب جمع ظرب. قَوْله: (والأودية) جمع وادٍ وَفِي رِوَايَة مَالك: (بطُون الأودية) ، وَالْمرَاد بهَا مَا يتَحَصَّل فِيهِ المَاء لينْتَفع بِهِ، قَالُوا: وَلم يسمع أفعلة جمع فَاعل إلاّ أَوديَة جمع وَاد، وَزَاد مَالك فِي رِوَايَته:(ورؤوس الْجبَال) . قَوْله: (ومنابت الشّجر) أَرَادَ بِالشَّجَرِ: المرعى ومنابته الَّتِي تنْبت الزَّرْع والكلأ. قَوْله: (فَانْقَطَعت) أَي: السَّمَاء، ويروى:(فأقلعت)، ويروى:(فانقلعت) ، وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي رِوَايَة مَالك:(فانجابت عَن الْمَدِينَة انجياب الثَّوْب)، أَي: خرجت عَنْهَا كَمَا يخرج الثَّوْب عَن لابسه، وَفِي رِوَايَة سعيد عَن شريك:(فَمَا هُوَ إِلَّا أَن تكلم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بذلك تمزق السَّحَاب حَتَّى مَا نرى مِنْهُ شَيْئا)، وَالْمرَاد بقوله:(مَا نرى شَيْئا)، أَي: فِي الْمَدِينَة، وَلمُسلم من رِوَايَة حَفْص:(فَلَقَد رَأَيْت السَّحَاب يتمزق كَأَنَّهُ الملا حِين يطوى) ، والملا، بِضَم مَقْصُور وَقد يمد جمع: ملاءة، وَهُوَ ثوب مَعْرُوف. وَفِي رِوَايَة قَتَادَة عِنْد البُخَارِيّ:(فَلَقَد رَأَيْت السَّحَاب يتقطع يَمِينا وَشمَالًا يمطرون) أَي: أهل النواحي وَلَا يمطرون أهل الْمَدِينَة، وَله فِي الْأَدَب:(فَجعل الله السَّحَاب يتصدع عَن الْمَدِينَة)، وَزَاد فِيهِ:(يُرِيهم الله كَرَامَة نبيه وَإجَابَة دَعوته) . وَله فِي رِوَايَة ثَابت عَن أنس: (فتكشطت)، أَي: تكشفت، (فَجعلت تمطر حول الْمَدِينَة وَلَا تمطر بِالْمَدِينَةِ قَطْرَة، فَنَظَرت إِلَى الْمَدِينَة وَإِنَّهَا لفي مثل الإكليل) . وَفِي مُسْند أَحْمد من هَذَا الْوَجْه: (فتقور مَا فَوق رؤوسنا من السَّحَاب حَتَّى كأنا فِي إكليل)، وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة: التَّاج، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق عَن أنس:(فَمَا يُشِير بِيَدِهِ إِلَى نَاحيَة من السَّمَاء إِلَّا تفرجت حَتَّى صَارَت الْمَدِينَة فِي مثل الجوبة) ، والجوبة، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: هِيَ الحفرة المستديرة الواسعة، وَالْمرَاد بهَا هَهُنَا الفرجة فِي السَّحَاب، وَقَالَ الْخطابِيّ: الجوبة هُنَا الترس، وَضبط بَعضهم: الجونة بالنُّون ثمَّ فسره: بالشمس إِذا ظَهرت فِي خلل السَّحَاب. وَقَالَ عِيَاض: فقد صحف من قَالَ بالنُّون. وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق من الزِّيَادَة أَيْضا: (وسال الْوَادي وَادي قناة شهرا)، وَقد فسرنا هَذَا فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب الاسْتِسْقَاء فِي الْخطْبَة فِي الْجُمُعَة، وَأكْثر مَا ذكرنَا هُنَا ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ، وَإِن كَانَ مكررا لزِيَادَة الْإِيضَاح ولسرعة وقُوف الطَّالِب للمعاني. قَوْله:(فَسَأَلت أنسا أهوَ الرجل الأول؟ قَالَ: لَا أَدْرِي) وَفِي مَوضِع آخر: (فَأتى الرجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله)، وَفِي لفظ:(جَاءَ رجل فَقَالَ: ادْع الله يغثنا، ثمَّ جَاءَ فَقَالَ:) وَفِي لفظ فِي الأول: (قَامَ أَعْرَابِي)، ثمَّ قَالَ فِي آخِره:(فَقَامَ ذَلِك الْأَعرَابِي)، قَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ أنسا تذكر بعد أَو نسي بعد ذكره إِن كَانَ هَذَا الحَدِيث قبل قَوْله: (لَا أَدْرِي أهوَ الأول أم لَا؟) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز مكالمة الإِمَام فِي الْخطْبَة للْحَاجة. وَفِيه: الْقيام للخطبة، وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِع بالْكلَام وَلَا تقطع بالمطر وَفِيه: قيام الْوَاحِد بِأَمْر الْجَمَاعَة. وَفِيه: سُؤال الدُّعَاء من أهل الْخَيْر وَمن يُرْجَى مِنْهُ الْقبُول وإجابتهم لذَلِك. وَفِيه: تكْرَار الدُّعَاء ثَلَاثًا. وَفِيه: إِدْخَال دُعَاء الاسْتِسْقَاء فِي خطْبَة الْجُمُعَة وَالدُّعَاء على الْمِنْبَر. وَفِيه: لَا تَحْويل وَلَا اسْتِقْبَال. وَفِيه: الاجتزاء بِصَلَاة الْجُمُعَة عَن صَلَاة الاسْتِسْقَاء. وَفِيه: امْتِثَال الصَّحَابَة بِمُجَرَّد الْإِشَارَة. وَفِيه: الْأَدَب فِي الدُّعَاء حَيْثُ لم يدع بِرَفْع الْمَطَر مُطلقًا لاحْتِمَال الِاحْتِيَاج إِلَى استمراره، فاحترز فِيهِ مَا يَقْتَضِي رفع الضَّرَر وإبقاء النَّفْع. وَفِيه: أَن الدُّعَاء بِدفع الضَّرَر لَا يُنَافِي