الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَإِذا كسل أَو فتر فليقعد)، ظَاهر السِّيَاق يدل على أَن الْمَعْنى أَنه: إِذا عيى عَن الْقيام، وَهُوَ يُصَلِّي فليقعد. فيستفاد مِنْهُ جَوَاز الْقعُود فِي أثْنَاء الصَّلَاة بعد افتتاحها قَائِما. وَقَالَ بَعضهم: وَيحْتَمل أَن يكون أَمر بالقعود عَن الصَّلَاة، يَعْنِي ترك مَا عزم عَلَيْهِ من التَّنَفُّل قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد غير ناشيء عَن دَلِيل، وَظَاهر الْكَلَام يُنَافِيهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْحَث على الاقتصاد فِي الْعِبَادَة وَالنَّهْي عَن التعمق وَالْأَمر بالإقبال عَلَيْهَا بنشاطه. وَفِيه: أَنه إِذا فتر فِي الصَّلَاة يقْعد حَتَّى يذهب عَنهُ الفتور. وَفِيه: إِزَالَة الْمُنكر بِالْيَدِ لمن يتَمَكَّن مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز تنفل النِّسَاء فِي الْمَسْجِد، فَإِن زَيْنَب كَانَت تصلي فِيهِ فَلم يُنكر عَلَيْهَا. وَفِيه: كَرَاهَة التَّعَلُّق بالحبل فِي الصَّلَاة. وَفِيه: دَلِيل على أَن الصَّلَاة جَمِيع اللَّيْل مَكْرُوهَة، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف أَنه: لَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى، إِذا لم ينم عَن الصُّبْح.
1511 -
قَالَ وقَال عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَتْ عِنْدِي امْرَأةٌ مِنْ بَنِي أسَدٍ فدَخَلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ هاذِهِ قُلْتُ فُلَانَةُ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأعْمَالِ فإنَّ الله لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا.
(أنظر الحَدِيث 34) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ زجرهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله:(مَه) إِلَى آخِره، فَإِن حَاصِل مَعْنَاهُ النَّهْي عَن التَّشْدِيد فِي الْعِبَادَة، وَرِجَاله على هَذَا الْوَجْه قد مروا غير مرّة، وَهَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب أحب الدّين إِلَى الله أَدْوَمه، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا يحيى عَن هِشَام، قَالَ: أَخْبرنِي أبي (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل عَلَيْهَا وَعِنْدهَا امْرَأَة. .) الحَدِيث. قَوْله: قَالَ عبد الله) هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: حَدثنَا عبد الله، وَهَكَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) رِوَايَة القعْنبِي. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: تفرد القعْنبِي بروايته عَن مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) دون بَقِيَّة رُوَاته، فَإِنَّهُم اقتصروا مِنْهُ على طرف مُخْتَصر، وَرَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث مُحَمَّد بن غَالب عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك، وَوَقع فِي آخِره: رَوَاهُ البُخَارِيّ، قَالَ: قَالَ عبد الله بن مسلمة، وأسنده الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يُونُس عَن ابْن وهب عَن مَالك، وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. قَوْله:(فُلَانَة) ، غير منصرف، وَاسْمهَا: حولاء، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد. وَكَانَت عطارة. قَوْله:(اللَّيْل) نصب على الظَّرْفِيَّة، ويروى:(بِاللَّيْلِ) أَي: فِي اللَّيْل. قَوْله: (فَذكر) ، بفاء الْعَطف، و: ذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِصِيغَة الْمَعْلُوم من الْمُضَارع، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ على صِيغَة الْمَجْهُول للمذكر من الْمُضَارع، وَلكُل وَاحِد مِنْهَا وَجه، فرواية الْمُسْتَمْلِي من قَول عُرْوَة أَو من دونه، وَفِي رِوَايَة الآخرين يحْتَمل أَن يكون من كَلَام عَائِشَة، وعَلى كل حَال هُوَ تَفْسِير لقولها:(لَا تنام اللَّيْل) . قَوْله: (مَه) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء، وَمَعْنَاهُ: أكفف،. قَوْله:(عَلَيْكُم)، اسْم فعل مَعْنَاهُ: الزموا. قَوْله: (مَا تطيقون)، مَرْفُوع أَو مَنْصُوب بِهِ. قَوْله:(الْأَعْمَال) عَام فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، وَحمله الْبَاجِيّ وَغَيره على الصَّلَاة خَاصَّة، لِأَن الحَدِيث ورد فِيهَا، وَحمله على الْعُمُوم أولى. لِأَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ. قَوْله:(لَا يمل)، بِفَتْح الْمِيم: أَي لَا يتْرك الثَّوَاب حَتَّى تتركوا الْعَمَل بالملل، وَهُوَ من بَاب المشاكلة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب الْمَذْكُور مُسْتَوفى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الاقتصاد فِي الْعِبَادَة والحث عَلَيْهِ. وَفِيه: النَّهْي عَن التعمق. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تغلوا فِي دينكُمْ} (النِّسَاء: 171، الْمَائِدَة: 77) . وَالله أرْحم بِالْعَبدِ من نَفسه وَإِنَّمَا كره التَّشْدِيد فِي الْعِبَادَة خشيَة الفتور، والملالة. وَقَالَ تَعَالَى:{لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} (الْبَقَرَة: 682) . وَقَالَ: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} (الْحَج: 87) . وَفِيه: مدح الشَّخْص بِالْعَمَلِ الصَّالح.
91 -
(بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة ترك قيام اللَّيْل، وَهُوَ الصَّلَاة فِيهِ لمن كَانَ لَهُ عَادَة بِالْقيامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يشْعر بِالْإِعْرَاضِ عَن الْعِبَادَة.
2511 -
حدَّثنا عَبَّاسُ بنُ الحُسَيْنِ قَالَ حدَّثَنَا مُبَشِّرٌ عنِ الأَوْزَاعِيِّ ح وحدَّثني مُحَمَّدُ بنُ
مُقَاتِلٍ أبُو الحَسَنِ قَالَ أخبرناعَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرحْمانِ قَالَ حدَّثنِي عَبْدُ الله بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَا عَبْدَ الله لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان. .) إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن الْحُسَيْن، بِالتَّصْغِيرِ: أَبُو الْفضل الْبَغْدَادِيّ الْقَنْطَرِي، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: مُبشر، بِلَفْظ إسم الْفَاعِل، ضد الْمُنْذر ابْن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي، مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي المجاور بِمَكَّة. الْخَامِس: عبد الله بن الْمُبَارك. السَّادِس: يحيى بن أبي كثير. السَّابِع: أَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الثَّامِن: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: إسنادان أَحدهمَا عَن عَبَّاس وَالْآخر عَن مُحَمَّد بن مقَاتل. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: فِي سِيَاق عبد الله التَّصْرِيح بِالْحَدِيثِ فِي جَمِيع الْإِسْنَاد فَحصل الْأَمْن من تَدْلِيس الْأَوْزَاعِيّ وَشَيْخه. وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه عَبَّاس بغدادي، ومبشر حَلَبِيّ، وَالْأَوْزَاعِيّ شَامي، وَمُحَمّد بن مقَاتل وَشَيْخه عبد الله مروزيان وَيحيى بن أبي كثير يمامي وطائي، وَاسم أبي كثير: صَالح، وَقيل: دِينَار، وَقيل غير ذَلِك، وَأَبُو سَلمَة مدنِي. وَفِيه: أَن البُخَارِيّ أخرج عَن عَبَّاس ابْن الْحُسَيْن هُنَا وَفِي الْجِهَاد فَقَط. وَفِيه: أَن شَيْخه مُحَمَّد بن مقَاتل من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أَحْمد بن يُوسُف الْأَزْدِيّ عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ، وَعَن الْحَارِث بن أَسد عَن بشر بن بكر عَن الْأَوْزَاعِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مثل فلَان) ، لم يدر من هُوَ، وَالظَّاهِر أَن الْإِبْهَام من أحد الروَاة. وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ إِبْهَام مثل هَذَا لقصد السّتْر عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يقْصد شَيخا معينا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تنفير عبد الله بن عَمْرو من الصَّنِيع الْمَذْكُور. قلت: كل ذَلِك غير موجه. أما قَوْله: السّتْر عَلَيْهِ، فَغير سديد، لِأَن قيام اللَّيْل لم يكن فرضا على فلَان الْمَذْكُور، فَلَا يكون بِتَرْكِهِ عَاصِيا حَتَّى يستر عَلَيْهِ. وَأما قَوْله: وَيحْتَمل إِلَى آخِره، فأبعد من الأول على مَا لَا يخفى، لِأَن الشَّخْص إِذا لم يكن معينا كَيفَ ينفر غَيره من صَنِيعه؟ وَأما قَوْله: أَرَادَ تنفير عبد الله، فَكَانَ الْأَحْسَن فِيهِ أَن يُقَال: أَرَادَ ترغيب عبد الله فِي قيام اللَّيْل حَتَّى لَا يكون مثل من كَانَ قَائِما مِنْهُ ثمَّ تَركه. قَوْله: (من اللَّيْل)، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: من، مَوْجُودا، بل اللَّفْظ: كَانَ يقوم اللَّيْل، أَي: فِي اللَّيْل، وَالْمرَاد فِي جُزْء من أَجْزَائِهِ فَتكون: من، بِمَعْنى: فِي، نَحْو قَوْله تَعَالَى:{إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: 9) . أَي: فِي يَوْم الْجُمُعَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن قيام اللَّيْل لَيْسَ بِوَاجِب، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لم يكتف لتاركه بِهَذَا الْقدر، بل كَانَ يذمه أبلغ الذَّم، وَقَالَ ابْن حبَان: فِيهِ جَوَاز ذكر الشَّخْص بِمَا فِيهِ من عيب إِذا قصد بذلك التحذير من صَنِيعه. وَفِيه: اسْتِحْبَاب الدَّوَام على مَا اعتاده الْمَرْء من الْخَيْر من غير تَفْرِيط. وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة قطع الْعِبَادَة وَإِن لم تكن وَاجِبَة.
وَقَالَ هِشَامٌ حدَّثنا ابنُ أبي العِشْرِين قَالَ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيى عنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بِهاذا مِثْلَهُ
هِشَام: هُوَ ابْن عمار الدِّمَشْقِي الْحَافِظ، خطيب دمشق، مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَاسم ابْن أبي الْعشْرين: عبد الحميد بن حبيب ضد الْعَدو كَاتب الْأَوْزَاعِيّ، كنيته أَبُو سعيد الدِّمَشْقِي ثمَّ الْبَيْرُوتِي، وَقد تكلم فِيهِ غير وَاحِد. وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير الْمَذْكُور فِي السَّنَد الأول، وَعمر بن الحكم، بِفَتْح الْكَاف: ابْن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون