الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسَجْدَة ويركع رَكْعَتي الْفجْر) ، فَتلك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة. وَأما رِوَايَة سبع وتسع فَهِيَ فِي حَالَة كبره، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأما مِقْدَار مَا يجمعه من الرَّكْعَات بِتَسْلِيمِهِ فَفِي رِوَايَة: كَانَ يسلم بَين رَكْعَتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة، وَفِي رِوَايَة:(يُوتر من ذَلِك بِخمْس لَا يجلس فِي شَيْء إلَاّ فِي آخرهَا)، وَفِي رِوَايَة:(يُصَلِّي تسع رَكْعَات لَا يجلس فِيهَا إلَاّ فِي الثَّامِنَة)، وَالْجمع بَين هَذَا الِاخْتِلَاف أَنه صلى الله عليه وسلم فعل جَمِيع ذَلِك فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة. وَمِنْهَا: أَنه اخْتلفت أَيْضا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب فِي عدد صلَاته، فَفِي حَدِيث زيد بن خَالِد وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأم سَلمَة: ثَلَاث عشرَة رَكْعَة، وَفِي حَدِيث الْفضل وَصَفوَان بن الْمُعَطل وَمُعَاوِيَة ابْن الحكم وَابْن عمر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس: إِحْدَى عشرَة، وَفِي حَدِيث أنس: ثَمَان رَكْعَات، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة: سبع رَكْعَات، وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب: أَربع رَكْعَات، وَكَذَلِكَ فِي بعض طرق حَدِيث حُذَيْفَة، وَأكْثر مَا فِيهَا حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سِتّ عشرَة رَكْعَة. الْجَواب: بِأَن ذَلِك بِحَسب مَا شَاهد الروَاة كَذَلِك، فَرُبمَا زَاد وَرُبمَا نقص، وَرُبمَا فرق قيام اللَّيْل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَمن عد ذَلِك تسعا أسقط رَكْعَة الْوتر، وم زَاد على ثَلَاث عشرَة رَكْعَة فَيكون قد عد سنة الْعشَاء أَو رَكْعَتي الْفجْر أَو عدهما جَمِيعًا، وَعَلِيهِ يحمل مَا رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي (الزّهْد وَالرَّقَائِق) فِي حَدِيث مُرْسل: أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل سبع عشرَة رَكْعَة.
8411 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّي قَالَ حَدثنَا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ مَا رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ جالِسا حَتَّى إذَا كَبِرَ قرَأ جالِسا فإذَا بَقِيَ عَلَيْهِ منَ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أوْ أرْبَعُونَ آيَة قامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من صَلَاة اللَّيْل)، وَهِي: قيام اللَّيْل الَّذِي سَمَّاهُ فِي التَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد، يعرف بالزمن. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان الْأَحول. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَهِشَام وَأَبوهُ مدنيان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن يحيى بن سعيد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَالِسا) نصب على الْحَال فِي موضِعين. قَوْله: (كبر)، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أسن، وَكَانَ ذَلِك قبل مَوته صلى الله عليه وسلم بعام، وَأما: كبر، بِضَم الْبَاء فَهُوَ بِمَعْنى: عظم. قَوْله: (أَو أَرْبَعُونَ) شكّ من الرَّاوِي.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: فِي قَوْله: (حَتَّى إِذا بَقِي عَلَيْهِ) إِلَى آخِره، رد على من اشْترط على من افْتتح النَّفْل قَاعِدا أَن يرْكَع قَاعِدا، وَإِذا افْتتح قَائِما أَن يرْكَع قَائِما، وَهُوَ محكي عَن أَشهب الْمَالِكِي. وَفِيه: جَوَاز النَّافِلَة جَالِسا، وَاخْتلف فِي كيفيته، فَعَن أبي حنيفَة: يقْعد فِي حَال الْقِرَاءَة كَمَا يقْعد فِي سَائِر الصَّلَاة، وَإِن شَاءَ تربع وَإِن شَاءَ احتبى، وَعَن أبي يُوسُف: يحتبي، وَعنهُ: يتربع إِن شَاءَ، وَعَن مُحَمَّد: يتربع وَعَن زفر: يقْعد كَمَا فِي التَّشَهُّد، وَعَن أبي حنيفَة، فِي صَلَاة اللَّيْل: يتربع من أول الصَّلَاة إِلَى آخرهَا، وَعَن أبي يُوسُف: إِذا جَاءَ وَقت الرُّكُوع وَالسُّجُود يقْعد كَمَا يقْعد فِي تشهد الْمَكْتُوبَة، وَعنهُ: يرْكَع متربعا. قَالَ فِي (الْمُغنِي) : الْأَمْرَانِ جائزان، جَاءَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم على مَا روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، والإقعاء مَكْرُوه والافتراض عِنْد الشَّافِعِيَّة أفضل من التربع على أظهر الْأَقْوَال، وَفِي رِوَايَة: ينصب ركبته اليمني كالقارىء بَين يَدي المقرىء، وَعند مَالك: يتربع، ذكره الْقَرَافِيّ فِي (الذَّخِيرَة) وَفِي (الْمُغنِي) : عِنْد أَحْمد يقْعد متربعا فِي حَال الْقيام، ويثني رجلَيْهِ فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود. وَقَالَ: الْقعُود فِي حق النَّبِي صلى الله عليه وسلم كالقيام فِي حَالَة الْقُدْرَة، تَشْرِيفًا لَهُ وتخصيصا.
71 -
(بابُ فَضْلِ الطُّهُورِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وفَضْلِ الصَّلاةِ بعْدَ الوُضُوءِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَانه فَضِيلَة الطّهُور، وَهُوَ الْوضُوء بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَاب فضل الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَفضل الصَّلَاة عِنْد الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَفِي بعض النّسخ: بعد الْوضُوء، مَوضِع: عِنْد الطّهُور، وَفِي بَعْضهَا: بَاب
فضل الصَّلَاة عِنْد الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَهُوَ الشق الثَّانِي من رِوَايَة الْكشميهني، وَعَلِيهِ اقْتصر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأكْثر الشُّرَّاح.
9411 -
حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ قَالَ حدَّثنا أبُو أُسَامةَ عنْ أبِي حَيَّانَ عَنْ أبِي زُرْعَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلاةِ الفَجْرِ يَا بِلالُ حَدِّثْنِي بِأرْجى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلَامِ فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أرْجى عِنْدِي أنِّي لَمْ أتَطَهَّرْ طُهُورا فِي ساعَةِ لَيْلٍ أوْ نَهَارٍ إلَاّ صَلَّيْتُ بِذالِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أنْ أُصَلِّيَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تتأتى إلَاّ فِي الشق الثَّانِي من رِوَايَة الْكشميهني، وَهُوَ قَوْله:(وَفضل الصَّلَاة عِنْد الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْحَاق بن نصر، وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، فَالْبُخَارِي يروي عَنهُ فِي (الْجَامِع) فِي غير مَوضِع، لكنه تَارَة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر فينسبه إِلَى جده. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة. الثَّالِث: أَبُو حَيَّان، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه يحيى بن سعيد، وَوَقع فِي (التَّوْضِيح) : يحيى بن حَيَّان وَهُوَ غلط. الرَّابِع: أَبُو زرْعَة، اسْمه هرم بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: ذكر الرَّاوِي باسم جده. وَفِيه: ثَلَاثَة من الروَاة مذكورون بالكنية وَآخر من الصَّحَابَة. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو حَيَّان وَأَبُو زرْعَة كوفيون.
وَقَالَ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) : أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبيد بن يعِيش وَأبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، كِلَاهُمَا عَن أبي أُسَامَة، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه عَن أبي حَيَّان بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي عَن أبي أُسَامَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ لِبلَال)، هُوَ: ابْن رَبَاح الْمُؤَذّن. قَوْله: (فِي صَلَاة الْفجْر) ، إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك وَقع فِي الْمَنَام، لِأَن عَادَته صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يقص مَا رَآهُ غَيره من أَصْحَابه بعد صَلَاة الْفجْر، على مَا يَأْتِي فِي كتاب التَّعْبِير. قَوْله:(بأرجى عمل) أَرْجَى: على وزن: أفعل التَّفْضِيل، بِمَعْنى الْمَفْعُول، لَا بِمَعْنى الْفَاعِل، وأضيف إِلَى الْعَمَل لِأَنَّهُ الدَّاعِي إِلَيْهِ. وَهُوَ السَّبَب فِيهِ. قَوْله:(فِي الْإِسْلَام) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (حَدثنِي بأرجى عمل عملته عنْدك فِي الْإِسْلَام مَنْفَعَة)، قَوْله:(فَإِنِّي سَمِعت دف نعليك بَين يَدي فِي الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَإِنِّي سَمِعت اللَّيْلَة خشف نعليك بَين يَدي) قَوْله: (فِي الْجنَّة)، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:(حفيف نعليك)، وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم على شَرط الشَّيْخَيْنِ:(يَا بِلَال، بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟) دخلت البارحة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي) ، وَعند أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ. (فَإِنِّي سَمِعت خشخشة نعليك) والخشخشة الْحَرَكَة الَّتِي لَهَا صَوت كصوت السِّلَاح، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: دوِي نعليك) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة، يَعْنِي: صوتهما. وَأما الدُّف فَهُوَ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء. قَالَ ابْن سَيّده: الدفيف، سير لين، دف يدف دفيفا، ودف الْمَاشِي على وَجه الأَرْض إِذا جد، ودف الطَّائِر وأدف: ضرب جَنْبَيْهِ بجناحيه. وَقيل: هُوَ إِذا حرك جناحيه وَرجلَاهُ فِي الأَرْض. وَزعم أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي (المغيث) : أَن حَدِيث بِلَال هَذَا: (سَمِعت دف نعليك) أَي: حفيفهما، وَمَا يحس من صوتهما عِنْد وطئهما، وَذكره صَاحب (التَّتِمَّة) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَأَصله: السّير السَّرِيع، وَقد يُقَال: دف نعليك، بِالدَّال الْمُهْملَة ومعناهما: قريب. قَوْله: (أَنِّي) بِفَتْح الْهمزَة، وَكلمَة: من، مقدرَة قبلهَا ليَكُون صلَة أفعل التَّفْضِيل، وَجَاز الفاصلة بالظرف بَين أفعل وصلته، هَذَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وتحريره: أَن أفعل التَّفْضِيل لَا يسْتَعْمل فِي الْكَلَام إلَاّ بِأحد الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَهِي: الْألف وَاللَّام، وَالْإِضَافَة، وَكلمَة: من. وَهَهُنَا لفظ: (أَرْجَى) ، أفعل التَّفْضِيل كَمَا قُلْنَا، وَهِي خَالِيَة عَن هَذِه الْأَشْيَاء فَقدر كلمة: من، تَقْدِيره: مَا عملت عملا أرجىء من أَنِّي لم أتطهر طهُورا، أَي: لم أتوضأ وضُوءًا، وَهُوَ يتَنَاوَل الْغسْل أَيْضا. قَوْله: وَجَاز الفاصلة بالظرف، أَرَادَ بالفاصلة هُنَا قَوْله:(عِنْدِي) فَإِنَّهُ ظرف فصل بِهِ بَين كلمة: (أرجىء) وَبَين كلمة: من، الْمقدرَة. فَافْهَم. قَوْله:(طهُورا) ، بِضَم الطَّاء، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(طهُورا تَاما)، ويحترز بالتمام عَن الْوضُوء اللّغَوِيّ وَهُوَ: غسل الْيَدَيْنِ، لِأَنَّهُ قد يفعل ذَلِك لطرد النّوم. قَوْله:(فِي سَاعَة)، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله:
(ليل)، بِالْجَرِّ بدل من: سَاعَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(من ليل أَو نَهَار) . قَوْله: (مَا كتب لي) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهُوَ جملَة فِي مَحل النصب، وَفِي رِوَايَة:(مَا كتب الله لي)، أَي: مَا قدر، وَهُوَ أَعم من الْفَرْض وَالنَّفْل. قَوْله:(أَن أُصَلِّي) فِي مَحل الرّفْع على رِوَايَة البُخَارِيّ، وعَلى رِوَايَة مُسلم فِي مَحل النصب. ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الصَّلَاة أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان، لقَوْل بِلَال: إِنَّه مَا عمل عملا أَرْجَى مِنْهُ. وَفِيه: دَلِيل على أَن الله تَعَالَى يعظم المجازاة على مَا يسر بِهِ العَبْد بَينه وَبَين ربه مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ أحد، وَقد اسْتحبَّ ذَلِك الْعلمَاء ليدخرها وليبعدها عَن الرِّيَاء. وَفِيه: فَضِيلَة الْوضُوء وفضيلة الصَّلَاة عَقِيبه لِئَلَّا يبْقى الْوضُوء خَالِيا عَن مَقْصُوده. وَفِيه: فَضِيلَة بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلذَلِك بوب عَلَيْهِ مُسلم حَيْثُ قَالَ: بَاب فَضَائِل بِلَال بن رَبَاح مولى أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور. وَفِيه: سُؤال الصَّالِحين عَن عمل تِلْمِيذه ليحضه عَلَيْهِ ويرقبه فِيهِ إِن كَانَ حسنا وإلَاّ فينهاه. وَفِيه: أَن الْجنَّة مخلوقة مَوْجُودَة الْآن، خلاف وَمِنْهُم: لمن أنكر ذَلِك من الْمُعْتَزلَة. وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز هَذِه الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، وَهُوَ عُمُوم قَوْله:(فِي سَاعَة)، بالتنكير أَي: فِي كل سَاعَة، ورد بِأَن الْأَخْذ بِعُمُوم هَذَا لَيْسَ بِأولى من الْأَخْذ بِعُمُوم النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة. وَقَالَ ابْن التِّين: لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّة فَيحمل على تَأْخِير الصَّلَاة قَلِيلا ليخرج وَقت الْكَرَاهَة، أَو أَنه كَانَ يُؤَخر الطّهُور إِلَى خُرُوج وَقت الْكَرَاهَة، وَاعْترض بَعضهم بقوله: لَكِن عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة من حَدِيث بُرَيْدَة فِي نَحْو هَذِه الْقَضِيَّة: (مَا أصابني حدث قطّ إلَاّ تَوَضَّأت عِنْده)، وَلأَحْمَد من حَدِيثه:(مَا أحدثت إلَاّ تَوَضَّأت وَصليت رَكْعَتَيْنِ) ، فَدلَّ على أَنه كَانَ يعقب الْحَدث بِالْوضُوءِ، وَالْوُضُوء بِالصَّلَاةِ فِي أَي وَقت كَانَ. انْتهى قلت: حَدِيث بُرَيْدَة الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ ذكره التِّرْمِذِيّ فِي مَنَاقِب عمر ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن حُرَيْث أَبُو عمار الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن بُرَيْدَة، قَالَ:(حَدثنِي أَبُو بُرَيْدَة، قَالَ: أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِلَالًا. فَقَالَ: يَا بِلَال بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟ مَا دخلت الْجنَّة قطّ إلَاّ سَمِعت خشخشتك أَمَامِي؟ قَالَ، دخلت البارحة الْجنَّة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي، فَأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب، فَقلت: لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لرجل من الْعَرَب. فَقلت: أَنا عَرَبِيّ، لمن هَذَا الْقصر، قَالُوا: لرجل من قُرَيْش، فَقلت: أَنا قرشي، لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لرجل من أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فَقلت: أَنا مُحَمَّد، لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَقَالَ بِلَال: يَا رَسُول الله: مَا أَذِنت قطّ إلَاّ صليت رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أصابني حدث قطّ إلَاّ تَوَضَّأت عِنْدهَا، وَرَأَيْت أَن لله عَليّ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: بهما) . وَأما جَوَاب هَذَا الْمُعْتَرض فَمَا مر ذكره الْآن، وَهُوَ قَوْلنَا: ورد بِأَن الْأَخْذ بِعُمُوم هَذَا
…
إِلَى آخِره، وَيجوز أَن تكون أَخْبَار النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة بعد هَذَا الحَدِيث.
الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا السماع لَا بُد أَن يكون فِي النّوم، إِذْ لَا يدْخل أحد الْجنَّة إلَاّ بعد الْمَوْت؟ قلت: يحْتَمل كَونه فِي حَال الْيَقَظَة، وَقد صرح فِي أول كتاب الصَّلَاة أَنه: دخل فِيهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج. انْتهى. قلت: فِي كلاميه تنَاقض لَا يخفى لِأَنَّهُ ذكر أَولا أَن دُخُوله صلى الله عليه وسلم الْجنَّة فِي حَال اليقظمة مُحْتَمل، ثمَّ قَالَ ثَانِيًا: فالتحقيق أَنه دَخلهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن قَوْله: لَا يدْخل أحد الْجنَّة إلَاّ بعد الْمَوْت، لَيْسَ على عُمُومه، أَو نقُول: هَذَا على عُمُومه وَلكنه فِي حق من كَانَ من عَالم الْكَوْن وَالْفساد وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما جَاوز السَّمَوَات السَّبع وَبلغ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى خرج من أَن يكون من أهل هَذَا الْعَالم، فَلَا يمْتَنع بعد هَذَا دُخُوله الْجنَّة قبل الْمَوْت، وَقد تفردت بِهَذَا الْجَواب. وَمِنْهَا مَا قيل: كَيفَ يسْبق بِلَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي دُخُول الْجنَّة، وَالْجنَّة مُحرمَة على من يدْخل فِيهَا قبل دُخُوله صلى الله عليه وسلم؟ وَالْجَوَاب فِيمَا ذكره الْكرْمَانِي بقوله: وَأما بِلَال فَلم يلْزم مِنْهُ أَنه دخل فِيهَا، إِذْ فِي الْجنَّة طرق السماع والدف بَين يَدَيْهِ، وَقد يكون خَارِجا عَنْهَا. واستبعد بَعضهم هَذَا الْجَواب بقوله: لِأَن السِّيَاق يشْعر بِإِثْبَات فَضِيلَة بِلَال لكَونه جعل السَّبَب الَّذِي بلغه إِلَى ذَلِك مَا ذكره من مُلَازمَة التطهر وَالصَّلَاة، وَإِنَّمَا تثبت لَهُ الْفَضِيلَة بِأَن يكون رئي دَاخل الْجنَّة لَا خَارِجا عَنْهَا، ثمَّ أكد كَلَامه بِحَدِيث بُرَيْدَة الْمَذْكُور. قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه فِي الْجنَّة حق، لِأَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء حق. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ويروى أَن رُؤْيا