الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي قيل مُجَرّد هَذَا الْقدر يَعْنِي ربطه إِلَى سَارِيَة لَا يُوجب عدم اخْتِصَاص الْملك لِسُلَيْمَان عليه الصلاة والسلام إِذْ المُرَاد بِملك لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده مَجْمُوع مَا كَانَ لَهُ من تسخير الرِّيَاح وَالطير والوحش وَنَحْوه وَأجِيب بِأَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِرَاز عَن الشَّرِيك فِي جنس ذَلِك الْملك. الثَّالِث ثَبت أَن الشَّيْطَان يفر من ظلّ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه يسْلك فجا غير فجه ففراره عَنهُ صلى الله عليه وسلم َ - بِالطَّرِيقِ الأولى وَأجِيب بِأَن المُرَاد من فراره من ظلّ عمر لَيْسَ حَقِيقَة الْفِرَار بل بَيَان قُوَّة عمر وصلابته على قهر الشَّيْطَان وَهنا صَرِيح أَنه صلى الله عليه وسلم َ - قهره وطرده غَايَة الْإِمْكَان وَفِي بعض النّسخ عقيب الحَدِيث عَن النّظر من شُمَيْل " فذعته " بِالذَّالِ أَي خنقته وفدعته من قَول الله عز وجل {يَوْم يدعونَ} أَي يدْفَعُونَ وَالصَّوَاب " فدعته " أَي بِالْمُهْمَلَةِ إِلَّا أَنه كَذَا قَالَ بتَشْديد الْعين وَالتَّاء (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد الصَّلَاة وَأخذُوا من ذَلِك جَوَاز أَخذ البرغوث والقملة وَدفع الْمَار بَين يَدَيْهِ وَالْإِشَارَة والالتفات الْخَفِيف وَالْمَشْي الْخَفِيف وَقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا كُله إِذا لم يقْصد الْمُصَلِّي بذلك الْعَبَث فِي صلَاته وَلَا التهاون بهَا وَمِمَّنْ أجَاز أَخذ القملة وقتلها فِي الصَّلَاة الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ أَبُو يُوسُف قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة وَكره اللَّيْث قَتلهَا فِي الْمَسْجِد وَلَو قَتلهَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَقَالَ مَالك لَا يَقْتُلهَا فِي الْمَسْجِد وَلَا يَطْرَحهَا فِيهِ وَلَا يدفنها فِي الصَّلَاة وَقَالَ الطَّحَاوِيّ لَو حك بدنه لم يكره كَذَلِك أَخذ القملة وطرحها وَرخّص فِي قتل الْعَقْرَب فِي الصَّلَاة ابْن عمر وَالْحسن وَالْأَوْزَاعِيّ وَاخْتلف قَول مَالك فِيهِ فَمرَّة كرهه وَمرَّة أجَازه وَقَالَ لَا بَأْس بقتلها إِذا آذته وَكَذَا الْحَيَّة وَالطير يرميه بِحجر يتَنَاوَلهُ من الأَرْض فَإِن لم يطلّ ذَلِك لم تبطل صلَاته وَأَجَازَ قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي الصَّلَاة الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَكره قتل الْعَقْرَب فِي الصَّلَاة إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسُئِلَ مَالك عَمَّن يمسك عنان فرسه فِي الصَّلَاة وَلَا يتَمَكَّن من وضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ قَالَ أَرْجُو أَن يكون خَفِيفا وَلَا يبعد ذَلِك وروى عَليّ بن زِيَاد عَن مَالك فِي الْمُصَلِّي يخَاف على صبي يقرب من نَار فَذهب إِلَيْهِ فَقَالَ إِن انحرف عَن الْقبْلَة ابتدا وَإِن لم ينحرف بنى وَسُئِلَ أَحْمد عَن رجل أَمَامه ستْرَة فَسَقَطت فَأَخذهَا وركزها قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس فَذكر لَهُ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه أَمر رجلا صنع ذَلِك بِالْإِعَادَةِ قَالَ لَا آمره بِالْإِعَادَةِ وَأَرْجُو أَن يكون خَفِيفا وَأَجَازَ مَالك وَالشَّافِعِيّ حمل الصَّبِي فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَهُوَ قَول أبي ثَوْر (قلت) عندنَا يكره حمل الصَّبِي فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ بِعُذْر لَا يكره
(بَاب إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي حَال الصَّلَاة الانفلات والإفلات والتفلت التَّخَلُّص من الشَّيْء فَجْأَة من غير تمكث وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا انفلتت الدَّابَّة وَهُوَ فِي الصَّلَاة مَاذَا يصنع
(وَقَالَ قَتَادَة إِن أَخذ ثَوْبه يتبع السَّارِق ويدع الصَّلَاة) مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن دَابَّة الْمُصَلِّي إِذا انفلتت لَهُ أَن يتبعهَا على مَا يَجِيء فَكَذَلِك إِذا أَخذ السَّارِق ثَوْبه وَهُوَ فِي الصَّلَاة لَهُ أَن يتبعهُ وَيقطع صلَاته فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تَأْخُذ الْمُطَابقَة والأثر مُعَلّق وَوَصله عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة بِمَعْنَاهُ وَزَاد " فَيرى صَبيا على بِئْر فيتخوف أَن يسْقط فِيهَا قَالَ ينْصَرف لَهُ " قَوْله " ويدع " أَي يتْرك الصَّلَاة
233 -
(حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا الْأَزْرَق بن قيس قَالَ كُنَّا بالأهواز نُقَاتِل الحرورية فَبينا أَنا على جرف نهر إِذا رجل يُصَلِّي وَإِذا لجام دَابَّته بِيَدِهِ فَجعلت الدَّابَّة تنازعه وَجعل يتبعهَا. قَالَ شُعْبَة هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فَجعل رجل من الْخَوَارِج يَقُول اللَّهُمَّ افْعَل بِهَذَا الشَّيْخ فَلَمَّا انْصَرف الشَّيْخ قَالَ إِنِّي سَمِعت قَوْلكُم وَإِنِّي غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ - سِتّ غزوات
أَو سبع غزوات أَو ثَمَان وَشهِدت تيسيره وَإِنِّي أَن كنت أَن أراجع مَعَ دَابَّتي أحب إِلَيّ من أَن أدعها ترجع إِلَى مألفها فَيشق عَليّ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَجعلت الدَّابَّة تتنازعه وَجعل يتبعهَا "(ذكر رِجَاله) فِيهِ خمس أنفس آدم بن أبي إِيَاس وَشعْبَة بن الْحجَّاج والأزرق بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي ابْن قيس الْحَارِثِيّ الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ ورجلان أَحدهمَا هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فسره شُعْبَة بقوله هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ واسْمه نَضْلَة بن عبيد أسلم قَدِيما وَنزل الْبَصْرَة وَرُوِيَ أَنه مَاتَ بهَا ورد أَنه مَاتَ بنيسابور وَرُوِيَ أَنه مَاتَ فِي مفازة بَين سجستان وهراة وَقَالَ خَليفَة بن خياط وافي خُرَاسَان وَمَات بهَا بعد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقَالَ غَيره مَاتَ فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة أَو فِي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة وَالْآخر مَجْهُول وَهُوَ قَوْله " فَجعل رجل من الْخَوَارِج " وَإسْنَاد هَذَا كُله بِالتَّحْدِيثِ بِصِيغَة الْجمع وَتفرد بِهِ البُخَارِيّ عَن الْجَمَاعَة (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " بالأهواز " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وبالزاي قَالَه الْكرْمَانِي هِيَ أَرض خوزستان وَقَالَ صَاحب الْعين الأهواز سبع كور بَين الْبَصْرَة وَفَارِس لكل كورة مِنْهَا اسْم ويجمعها الأهواز وَلَا تنفرد وَاحِدَة مِنْهَا بهوز فِي وَفِي الْمُحكم لَيْسَ للأهواز وَاحِد من لَفظه وَقَالَ ابْن خردابة هِيَ بِلَاد وَاسِعَة مُتَّصِلَة بِالْجَبَلِ وأصبهان وَقَالَ الْبكْرِيّ بلد يجمع سبع كور كورة الأهواز وجندي وسابور والسوس وسرق ونهر بَين ونهر تيرى وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يُقَال لَهَا الْآن سوق الأهواز وَقَالَ بَعضهم الأهواز بَلْدَة مَعْرُوفَة بَين الْبَصْرَة وَفَارِس فتحت أَيَّام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (قلت) قَوْله بَلْدَة لَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ بِلَاد كَمَا ذكرنَا قَوْله " الحرورية " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى المخففة نِسْبَة إِلَى حروراء اسْم قَرْيَة يمد وَيقصر وَقَالَ الرشاطي حروراء قَرْيَة من قرى الْكُوفَة والحرورية صنف من الْخَوَارِج ينسبون إِلَى حروراء اجْتَمعُوا بهَا فَقَالَ لَهُم عَليّ مَا نسميكم قَالَ أَنْتُم الحرورية لاجتماعكم بحروراء وَالنّسب إِلَى مثل حروراء أَن يُقَال حروراوي وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي آخِره ألف التَّأْنِيث الممدودة وَلكنه حذفت الزَّوَائِد تَخْفِيفًا فَقيل الحروري وَكَانَ الَّذِي يُقَاتل الحرورية إِذْ ذَاك الْمُهلب بن أبي صفرَة كَمَا فِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَذكر مُحَمَّد بن قدامَة الْجَوْهَرِي فِي كِتَابه أَخْبَار الْخَوَارِج أَن ذَلِك كَانَ فِي خمس وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَكَانَ الْخَوَارِج قد حاصروا أهل الْبَصْرَة مَعَ نَافِع بن الْأَزْرَق حَتَّى قتل وَقتل من أُمَرَاء الْبَصْرَة جمَاعَة إِلَى أَن ولي عبد الله بن الزبير بن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي على الْبَصْرَة وَولي الْمُهلب بن أبي صفرَة على قتال الْخَوَارِج وَفِي الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس الْمبرد أَن الْخَوَارِج تجمعت بالأهواز مَعَ نَافِع بن الْأَزْرَق سنة أَربع وَسِتِّينَ فَلَمَّا قتل نَافِع وَابْن عُبَيْس رَئِيس الْمُسلمين من جِهَة ابْن الزبير ثمَّ خرج إِلَيْهِم حَارِثَة بن بدر ثمَّ أرسل إِلَيْهِم ابْن الزبير عُثْمَان بن عبيد الله ثمَّ توفّي القياع فَبعث إِلَيْهِم الْمُهلب بن أبي صفرَة وكل من هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء يمكثون مَعَهم فِي الْقِتَال حينا فَلَعَلَّ ذَلِك انْتهى إِلَى سنة خمس وَهُوَ يُعَكر على من قَالَ أَن أَبَا بَرزَة توفّي سنة سِتِّينَ وَأكْثر مَا قيل سنة أَربع قَوْله " فَبينا " أَصله بَين أَشْعَث فَتْحة النُّون فَصَارَت ألفا يُقَال بَينا وبينما وهما ظرفا زمَان بِمَعْنى المفاجأة ويضافان إِلَى جملَة من مُبْتَدأ وَخبر وَفعل وفاعل ويحتاجان إِلَى جَوَاب يتم بِهِ الْمَعْنى وَالْجَوَاب هُنَا هُوَ قَوْله " إِذا رجل يُصَلِّي والأفصح فِي جوابهما أَلا يكون فِيهِ إِذا وَإِذا تَقول بَينا زيد جَالس دخل عَلَيْهِ عَمْرو وَإِذ دخل عَلَيْهِ عَمْرو وَإِذا دخل عَلَيْهِ عَمْرو " قَوْله " إِنَّا " مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " على جرف نهر جرف " بِضَم الْجِيم وَالرَّاء وبسكونها أَيْضا وَفِي آخِره فَاء وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي أكله السَّيْل وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " على حرف نهر " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء أَي على جَانِبه وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن الْأَزْرَق فِي الْأَدَب " كُنَّا على شاطيء نهر قد نضب عَنهُ المَاء " أَي زَالَ وَفِي رِوَايَة مهْدي ابْن مَيْمُون عَن الْأَزْرَق عَن مُحَمَّد بن قدامَة " كنت فِي ظلّ قصر مهْرَان بالأهواز على شط دجيل " وَبَين هَذَا تَفْسِير النَّهر فِي رِوَايَة البُخَارِيّ والدجيل بِضَم الدَّال وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخِره لَام وَهُوَ نهر ينشق من دجلة نهر بَغْدَاد قَوْله " إِذا رجل " كلمة إِذا فِي الْمَوْضِعَيْنِ للمفاجأة وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني " إِذا جَاءَ رجل " قَوْله " قَالَ شُعْبَة " هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ أَي الرجل الْمُصَلِّي وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمقَام أَن الْأَزْرَق بن قيس الَّذِي يروي عَنهُ
شُعْبَة لم يسم الرجل شُعْبَة وَلَكِن رَوَاهُ ابو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن شُعْبَة فَقَالَ فِي آخِره " فَإِذا هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ " وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فجَاء أَبُو بَرزَة " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد فِي الْأَدَب " فجَاء أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ على فرس فصلى وخلاها فَانْطَلَقت فاتبعها " وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْأَزْرَق بن قيس " أَن أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ مَشى إِلَى دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة " الحَدِيث وَبَين مهْدي بن مَيْمُون فِي رِوَايَته أَن تِلْكَ الصَّلَاة كَانَت صَلَاة الْعَصْر وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق " فمضت الدَّابَّة فِي قبلته فَانْطَلق أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذهَا ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرِي " قَوْله " افْعَل بِهَذَا الشَّيْخ " دُعَاء عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ " فَإِذا شيخ يُصَلِّي قد عمد إِلَى عنان دَابَّته فَجعله فِي يَده فنكصت الدَّابَّة فنكص مَعهَا ومعنا رجل من الْخَوَارِج فَجعل يسبه " وَفِي رِوَايَة مهْدي قَالَ " أَلا ترى إِلَى هَذَا الْحمار " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد " انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ ترك صلَاته من أجل فرس " قَوْله " أَو ثَمَانِي " بِغَيْر ألف وَلَا تَنْوِين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " أَو ثَمَانِي " وَقَالَ بن مَالك الأَصْل ثَمَانِي غزوات فَحذف الْمُضَاف وَأبقى الْمُضَاف إِلَيْهِ على حَاله وَقد رَوَاهُ عَمْرو بن مَرْزُوق بِلَفْظ " سبع غزوت " بِغَيْر شكّ قَوْله " وَشهِدت تيسيره " أَي تسهيله على النَّاس وغالب النّسخ على هَذَا قَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات كل سيره أَي سَفَره وَفِي بَعْضهَا " شهدب سيره " بِكَسْر السِّين وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع السِّيرَة وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه وَقع عِنْده " وَشهِدت تستر " بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون السِّين اسْم مَدِينَة بحوزستان من بِلَاد الْعَجم وَمَعْنَاهُ وَشهِدت فتحهَا وَكَانَت فتحت فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة قَوْله " وَإِنِّي إِن كنت أَن أرجع " نقل بَعضهم عَن السُّهيْلي أَنه قَالَ " إِنِّي " وَمَا بعْدهَا اسْم مُبْتَدأ " وَأَن أرجع " اسْم مبدل فِي الِاسْم الأول " وَأحب " خبر عَن الثَّانِي وَخبر كَانَ مَحْذُوف أَي إِنِّي إِن كنت رَاجعا أحب إِلَيّ (قلت) مَا أَظن أَن السُّهيْلي أعرب بِهَذَا الْإِعْرَاب فَكيف يَقُول إِنِّي وَمَا بعْدهَا اسْم وَهِي جملَة (فَإِن قيل) أَرَادَ أَنه جملَة اسمية مُؤَكدَة بِأَن يُقَال لَهُ الْمُبْتَدَأ اسْم مُفْرد وَالْجُمْلَة لَا تقع مُبْتَدأ وَكَذَلِكَ قَوْله " وَأَن أرجع " لَيْسَ باسم فَكيف يَقُول اسْم مبدل وَهَذَا تصرف من لم يمس شَيْئا من علم النَّحْو وَالَّذِي يُقَال أَن الْيَاء فِي إِنِّي اسْم إِن فِي إِن كنت شَرْطِيَّة وَاسم كَانَ هُوَ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ وَكلمَة أَن بِالْفَتْح مَصْدَرِيَّة تقدر لَام الْعلَّة فِيمَا قبلهَا وَالتَّقْدِير وَإِن كنت لِأَن أرجع وَقَوله " أحب " خبر كَانَ وَهَذِه الْجُمْلَة الشّرطِيَّة سدت مسد خبر أَن فِي " إِنِّي " وَذَلِكَ لِأَن رُجُوعه إِلَى دَابَّته وانطلاقه إِلَيْهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة أحب إِلَيْهِ من أَن يَدعهَا أَي يَتْرُكهَا ترجع إِلَى مألفها بِفَتْح اللَّام أَي معلفها فَيشق عَلَيْهِ وَكَانَ منزله بَعيدا إِذا صلاهَا وَتركهَا لم يكن يَأْتِي إِلَى أَهله إِلَى اللَّيْل لبعد الْمسَافَة وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة حَمَّاد فَقَالَ " إِن منزلي متراخ " أَي متباعد " فَلَو صليت وتركتها " أَي الْفرس " لم آتٍ أَهلِي إِلَى اللَّيْل لبعد الْمَكَان "(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال لَا خلاف بَين الْفُقَهَاء أَن من أفلتت دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنه يقطع الصَّلَاة ويتبعها وَقَالَ مَالك من خشِي على دَابَّته الْهَلَاك أَو على صبي رَآهُ فِي الْمَوْت فليقطع صلَاته وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي مُسَافر أفلتت دَابَّته وَخَافَ عَلَيْهَا أَو على صبي أَو أعمى أَن يَقع فِي بِئْر أَو نَار أَو ذكر مَتَاعا يخَاف أَن يتْلف فَذَلِك عذر يُبِيح لَهُ أَن يسْتَخْلف وَلَا تفْسد على من خَلفه شَيْئا وَلَا يجوز أَن يفعل هَذَا أَبُو بَرزَة دون أَن يُشَاهِدهُ من النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - وَقَالَ ابْن التِّين وَالصَّوَاب أَنه إِذا كَانَ لَهُ شَيْء لَهُ قدر يخْشَى فَوَاته يقطع وَإِن كَانَ يَسِيرا فعادته على صلَاته أولى من صِيَانة قدر يسير من مَاله هَذَا حكم الْفَذ وَالْمَأْمُوم فَأَما الإِمَام فَفِي كتاب سَحْنُون إِذا صلى رَكْعَة ثمَّ انفلتت دَابَّته وَخَافَ عَلَيْهَا أَو على صبي أَو أعمى أَن يقعا فِي الْبِئْر وَذكر مَتَاعا لَهُ يخَاف تلفه فَذَلِك عذر يُبِيح لَهُ أَن يسْتَخْلف وَلَا يفْسد على من خَلفه شَيْئا وعَلى قَول أَشهب إِن لم يعد وَاحِد مِنْهُم بني قِيَاسا على قَوْله إِذا خرج لغسل دم رَآهُ فِي ثَوْبه وَأحب إِلَيّ أَن يسْتَأْنف وَإِن بنى أَجزَاء (قلت) ذكر مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي السّير الْكَبِير حَدِيث الْأَزْرَق بن قيس أَنه رأى أَبَا بَرزَة يُصَلِّي آخِذا بعنان فرسه حَتَّى صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْسَلَّ قياد فرسه من يَده فَمضى الْفرس إِلَى الْقبْلَة فَتَبِعَهُ أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذ بقياده ثمَّ رَجَعَ ناكصا على عَقِبَيْهِ حَتَّى صلى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ قَالَ مُحَمَّد رحمه الله وَبِهَذَا نَأْخُذ الصَّلَاة تجزي مَعَ مَا صنع لَا يُفْسِدهَا الَّذِي صنع لِأَنَّهُ رَجَعَ على عَقِبَيْهِ وَلم يستدبر الْقبْلَة بِوَجْهِهِ حَتَّى لَو جعلهَا خلف ظَهره فَسدتْ صلَاته ثمَّ لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث فصل بَين الْمَشْي الْقَلِيل وَالْكثير فَهَذَا يبين لَك أَن الْمَشْي فِي الصَّلَاة مُسْتَقْبل الْقبْلَة لَا يُوجب فَسَاد الصَّلَاة وَإِن كثر وَبَعض مَشَايِخنَا أولُوا هَذَا الحَدِيث وَاخْتلفُوا فِيمَا بَينهم فِي التَّأْوِيل
فَمنهمْ من قَالَ تَأْوِيله أَنه لم يُجَاوز مَوضِع سُجُوده فإمَّا إِذا جَاوز ذَلِك فَإِن صلَاته تفْسد لِأَن مَوضِع سُجُوده فِي الفضاء مُصَلَّاهُ وَكَذَلِكَ مَوضِع الصُّفُوف فِي الْمَسْجِد وخطاه فِي مُصَلَّاهُ عَفْو وَمِنْهُم من قَالَ تَأْوِيله أَن مَشْيه لم يكن متلاصقا بل مَشى خطْوَة فسكن ثمَّ مَشى خطْوَة وَذَلِكَ قَلِيل وَأَنه لَا يُوجب فَسَاد الصَّلَاة أما إِذا كَانَ الْمَشْي متلاصقا تفْسد وَإِن لم يستدبر الْقبْلَة لِأَنَّهُ عمل كثير وَمن الْمَشَايِخ من أَخذ بِظَاهِر الحَدِيث وَلم يقل بِالْفَسَادِ قل الْمَشْي أَو كثر اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن تفْسد صلَاته إِذا كثر الْمَشْي إِلَّا أَنا تركنَا الْقيَاس بِحَدِيث أبي بَرزَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه خص بِحَالَة الْعذر فَفِي غير حَالَة الْعذر يعْمل بقضية الْقيَاس
234 -
(حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة. قَالَ قَالَت عَائِشَة خسفت الشَّمْس فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - فَقَرَأَ سُورَة طَوِيلَة ثمَّ ركع فَأطَال ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ استفتح بِسُورَة أُخْرَى ثمَّ ركع حَتَّى قَضَاهَا وَسجد ثمَّ فعل ذَلِك فِي الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ إنَّهُمَا آيتان من آيَات الله فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا حَتَّى يفرج عَنْكُم لقد رَأَيْت فِي مقَامي هَذَا كل شَيْء وعدته حَتَّى لقد رَأَيْت أُرِيد أَن آخذ قطفا من الْجنَّة حِين رَأَيْتُمُونِي جعلت أتقدم وَلَقَد رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا بَعْضًا حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت وَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي وَهُوَ الَّذِي سيب السوائب) قَالَ الْكرْمَانِي تعلق الحَدِيث بالترجمة هُوَ أَن فِيهِ مذمة تسييب السوائب مُطلقًا سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو لَا (قلت) مَا أبعد هَذَا الْوَجْه أَو تعلق الحَدِيث بالترجمة فِي قَوْله " جعلت أتقدم " وَفِي قَوْله " تَأَخَّرت " وَذَلِكَ لِأَن فِي الحَدِيث السَّابِق ذكر انفلات فرس أبي بَرزَة وَأَنه تقدم من مَوضِع سُجُوده وَمَشى ثمَّ تَأَخّر وَرجع الْقَهْقَرِي وَفِي هَذَا الحَدِيث أَيْضا التَّقَدُّم والتأخر وَهَذَا الْمِقْدَار يقنع بِهِ وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي صَلَاة الْكُسُوف بِوُجُوه مُخْتَلفَة. مِنْهَا أَنه رَوَاهُ من رِوَايَة يُونُس عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ من رِوَايَة اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء ولنذكر هَهُنَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا فَقَوله " عبد الله " هُوَ ابْن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قَوْله " حَتَّى قَضَاهَا " أَي الرَّكْعَة وَالْقَضَاء هَهُنَا بِمَعْنى الْفَرَاغ وَالْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} أَي أدّيت قَوْله " ذَلِك " أَي الْمَذْكُور من القيامين والركوعين فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَوْله " أَنَّهُمَا " قَالَ الْكرْمَانِي أَي الخسوف والكسوف (قلت) ليسَا بمذكورين غير أَن قَوْلهَا " خسفت الشَّمْس " يدل على الْكُسُوف وَالظَّاهِر أَن الضَّمِير يرجع إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر كَمَا جَاءَ صَرِيحًا " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله تَعَالَى " وَالشَّمْس مَذْكُورَة وَالْقَمَر لما كَانَ كَالشَّمْسِ فِي ذَلِك كَانَ كالمذكور قَوْله " فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك " أَي الخسوف الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْلهَا " خسفت " والخسوف يسْتَعْمل فِيهَا جَمِيعًا كَمَا مر فِي بَاب الْكُسُوف قَوْله " وعدته " بِضَم الْوَاو على صِيغَة الْمَجْهُول ويروى " وعدت " بِلَا ضمير فِي آخِره وعَلى الْوَجْهَيْنِ هِيَ جملَة فِي مَحل الْخَفْض لِأَنَّهَا صفة لقَوْله " شَيْء " وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن يُونُس فِي رِوَايَة مُسلم " وعدتم " قَوْله " حَتَّى لقد رَأَيْته " كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بالضمير الْمَنْصُوب بعد رَأَيْت وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِلَا ضمير وَفِي رِوَايَة مُسلم " لقد رَأَيْتنِي " قَوْله " أُرِيد " جملَة حَالية وَكلمَة أَن فِي أَن آخذ مَصْدَرِيَّة وَفِي رِوَايَة جَابر " حَتَّى تناولت مِنْهَا قطفا فقصرت يَدي عَنهُ " قَوْله " قطفا " بِكَسْر الْقَاف وَهُوَ العنقود من الْعِنَب ويفسر ذَلِك حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْكُسُوف وَقد تقدم قَوْله " جعلت " أَي طفقت قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) لم قَالَ هُنَا بِلَفْظ " جعلت " وَلم يقل فِي التَّأَخُّر بِهِ بل قَالَ " تَأَخَّرت "(قلت) لِأَن التَّقَدُّم كَاد أَن يَقع بِخِلَاف التَّأَخُّر فَإِنَّهُ قد وَقع وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله وَقد وَقع التَّصْرِيح بِوُقُوع التَّقَدُّم والتأخر جَمِيعًا فِي حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم وَلَفظه " لقد جِيءَ بالنَّار ودلكم حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت