الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أمرنَا نجينا هودا وَالَّذين آمنُوا مَعَه} (هود: 85) . وَكَانَت الرّيح تقلع الشّجر وتهدم الْبيُوت، وَمن لم يكن فِي بَيته مِنْهُم أهلكته فِي البراري وَالْجِبَال، وَكَانَت ترفع الظعينة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى ترى كَأَنَّهَا جَرَادَة، وترميهم بِالْحِجَارَةِ فتدق أَعْنَاقهم. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: دخلُوا الْبيُوت وَأَغْلقُوا أَبْوَابهَا فَجَاءَت الرّيح ففتحت الْأَبْوَاب وَسَفتْ عَلَيْهِم الرمل فبقوا تَحْتَهُ سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام، وَكَانَ يسمع أنينهم تَحت الرمل، وماتوا. وَقَالَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لم تجر الرِّيَاح قطّ بِمِكْيَال إلاّ فِي قصَّة عَاد، فَإِنَّهَا عَصَتْ عل الْخزَّان فَغَلَبَتْهُمْ فَلم يعلمُوا مِقْدَار مكيالها، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى:{فأهلكوا برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} (الحاقة: 6) . والصرصر ذَات الصَّوْت الشَّديد {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} (الحاقة: 7) . منقعرا من أَصله.
وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذَا الحَدِيث تَفْضِيل الْمَخْلُوقَات بَعْضهَا على بعض. وَفِيه: إِخْبَار الْمَرْء عَن نَفسه بِمَا فَضله الله بِهِ على جِهَة التحديث بِنِعْمَة الله وَالشُّكْر لَهُ لَا على الْفَخر. وَفِيه: الْإِخْبَار عَن الْأُمَم الْمَاضِيَة وإهلاكها.
72 -
(بابُ مَا قِيلَ فِي الزَّلَازِلِ وَالآيَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي الزلازل، وَهُوَ جمع الزلزلة، والآيات جمع آيَة، وَهِي الْعَلامَة وَأَرَادَ بهَا: عَلَامَات الْقِيَامَة أَو عَلَامَات قدرَة الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا الْبَاب فِي أَبْوَاب الاسْتِسْقَاء، لِأَن وجود الزلزلة وَنَحْوهَا يَقع غَالِبا مَعَ نزُول الْمَطَر.
6301 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ أخبرنَا أبُو الزِّنَادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وتَظْهَرَ الفِتَنُ ويَكْثُرَ الهَرْجُ وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ حتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المالُ فَيَفِيضُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة أَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث مطولا فِي كتاب الْفِتَن، وَذكر مِنْهُ قطعا هُنَا وَفِي الزَّكَاة وَفِي الرقَاق.
قَوْله: (لَا تقوم السَّاعَة) أَرَادَ بهَا يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (حَتَّى يقبض الْعلم) ، وَذَلِكَ بِمَوْت الْعلمَاء وَكَثْرَة الجهلاء، وَقَالَ السفاقسي: يَعْنِي أَكْثَرهم، لقَوْله صلى الله عليه وسلم:(لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق حَتَّى يَأْتِي أَمر الله) . قَوْله: (وتكثر الزلازل)، قَالَ الْمُهلب: ظُهُور الزلازل والآيات وَعِيد من الله تَعَالَى لأهل الأَرْض، قَالَ الله تَعَالَى:{وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إلاّ تخويفا} (الْإِسْرَاء: 95) . والتخويف والوعيد بِهَذِهِ الْآيَات إِنَّمَا يكون عِنْد المجاهرة والإعلان بِالْمَعَاصِي، أَلا ترى أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين زلزلت الْمَدِينَة فِي أَيَّامه، قَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة مَا أسْرع مَا أحدثتم، وَالله لَئِن عَادَتْ لأخْرجَن من بَين أظْهركُم، فخشي أَن تصيبه الْعقُوبَة مَعَهم، كَمَا قيل لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(أنهلك وَفينَا الصالحون؟ قَالَ: نعم إِذا كثر الْخبث، وَيبْعَث الله الصَّالِحين على نياتهم) . قَوْله: (ويتقارب الزَّمَان) . قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه قرب الْقِيَامَة، ثمَّ الْمَعْنى: إِذا قربت الْقِيَامَة كَانَ من شَرطهَا الشُّح والهرج. وَالثَّانِي: أَنه قصر مُدَّة الْأَزْمِنَة عَمَّا جرت بِهِ الْعَادة، كَمَا جَاءَ: حَتَّى تكون السّنة كالشهر، والشهر كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَة كَالْيَوْمِ. قيل: وَالْيَوْم كالساعة، والساعة كالضرمة بالنَّار. وَالثَّالِث: أَنه قصر الْأَعْمَار بقلة الْبركَة فِيهَا. وَالرَّابِع: تقَارب أَحْوَال النَّاس فِي غَلَبَة الْفساد عَلَيْهِم، وَيكون الْمَعْنى: ويتقارب أهل الزَّمَان، أَي تتقارب صفاتهم فِي القبائح، وَلِهَذَا ذكر على أَثَره الْهَرج وَالشح. وَقَالَ ابْن التِّين: معنى ذَلِك قرب الْآيَات بَعْضهَا من بعض، وَفِي (حَوَاشِي الْمُنْذِرِيّ) قيل: مَعْنَاهُ تطيب تِلْكَ الْأَيَّام حَتَّى لَا تكَاد تستطال، بل تقصر، قَالَ: وَقيل: على ظَاهره من قصر مددها. وَقيل: تقَارب أَحْوَال أَهله فِي قلَّة الدّين حَتَّى لَا يكون فيهم من يَأْمر بِمَعْرُوف وَلَا ينْهَى عَن مُنكر لغَلَبَة الْفسق وَظُهُور أَهله. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقد يكون مَعْنَاهُ فِي ترك طلب الْعلم خَاصَّة. وَقيل: يتقارب اللَّيْل وَالنَّهَار فِي عدم ازدياد السَّاعَات وانتقاصها بِأَن يتساويا طولا وقصرا. قَالَ أهل الْهَيْئَة: تنطبق دَائِرَة منْطقَة البروج على دَائِرَة معدل النَّهَار، فَحِينَئِذٍ يلْزم تساويهما ضَرُورَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: حَتَّى يقرب الزَّمَان من الْقِيَامَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: حَاصِل تَفْسِيره أَنه لَا تكون الْقِيَامَة حَتَّى تقرب، وَهَذَا كَلَام مهمل لَا طائل تَحْتَهُ. قلت: هَذِه جرْأَة من غير طَريقَة، وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي ذكره حَاصِل تَفْسِيره، بل معنى كَلَامه:
يقرب الزَّمَان الْعَام بَين الْخلق من الْقِيَامَة الَّتِي هِيَ الزَّمَان الْخَاص، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: أَو يُرَاد أَن تتسارع الدول إِلَى الِانْقِضَاء فتقارب أَيَّام الْمُلُوك. قَوْله: (وَيكثر الْهَرج)، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره جِيم: وَهُوَ الْقِتَال، والاختلاط، ورأيتهم يتهارجون أَي: يتسافدون، قَالَه صَاحب (الْعين) . وَقَالَ يَعْقُوب: الْهَرج الْقَتْل. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الْهَرج الْفِتْنَة فِي آخر الزَّمَان. قَالَ: وَرُوِيَ: (أَمَام السَّاعَة هرج) . وَأَصله الْإِكْثَار من الشَّيْء. وَفِي (الْمُحكم) : الْهَرج شدَّة الْقَتْل وكثرته، كَثْرَة الْكَذِب وَكَثْرَة النّوم، والهرج شَيْء ترَاهُ فِي النّوم وَلَيْسَ بصادق. قَوْله:(حَتَّى يكثر)، وَذَلِكَ لقلَّة الرِّجَال وَقلة الرغبات ولقصر الآمال لعلمهم بِقرب السَّاعَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لِمَ ترك: الْوَاو، وَلم يعْطف على مَا قبله؟ يَعْنِي: لم يقل: وَحَتَّى يكثر؟ قلت: لِأَنَّهُ لَا غَايَة لِكَثْرَة الْهَرج، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على مَا قبله، وَالْوَاو محذوفة، وَحذف الْوَاو جَائِز فِي اللُّغَة. قَوْله:(فيفيض) بِفَتْح حرف المضارعة، وَيجوز فِي الضَّاد الرّفْع وَالنّصب: أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: فَهُوَ يفِيض، وَأما النصب فعلى أَنه عطف على: أَن يكثر، يُقَال: فاض المَاء يفِيض إِذا كثر حَتَّى سَالَ على ضفة الْوَادي أَي جَانِبه، وَيُقَال: أَفَاضَ الرجل إناءه أَي ملأَهُ حَتَّى فاض، وَيُقَال: فيض المَال كثرته حَتَّى يفضل مِنْهُ بأيدي ملاكه مَا لَا حَاجَة لَهُم بِهِ، وَقيل: بل ينتشر فِي النَّاس ويعمهم، وَهُوَ الْأَظْهر.
7301 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا حُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ قَالَ حَدثنَا ابنُ عَوْنٍ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِي شامِنَا وَفِي يَمِنِنَا قَالَ قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا قَالَ قَالَ اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِي شامِنَا وَفِي يَمِنِنا قَالَ قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا قَالَ قَالَ هُنَاكَ الزَّلازِلُ والفِتَنُ وبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ.
(الحَدِيث 7301 طرفه فِي: 4907) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هُنَالك الزلازل والفتن) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد أَبُو مُوسَى، يعرف بالزمن الْعَنْبَري من أهل الْبَصْرَة. الثَّانِي: حُسَيْن بن الْحسن بن يسَار من آل مَالك بن يسَار ضد الْيَمين الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الثَّالِث: عبد الله بن عون بن أرطبان، بِفَتْح الْهمزَة: الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون مَا خلا نَافِعًا. وَفِيه: أَن هَذَا مَوْقُوف على ابْن عمر، قَالَ الْحميدِي: اخْتلف على ابْن عون فِيهِ، فروى عَنهُ مُسْندًا، وروى عَنهُ مَوْقُوفا على ابْن عمر من قَوْله، وَالْخلاف إِنَّمَا وَقع من حُسَيْن بن الْحسن فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي روى الْوَقْف، وَأما أَزْهَر السمان وَعبيد الله بن عبد الله بن عون فروياه عَن ابْن عون فروياه عَن ابْن عون عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. . فَذكره، وَفِي رِوَايَة: ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَذكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن التِّين: قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن: سقط من سَنَده ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا لفظ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لِأَن مثل هَذَا لَا يدْرِي بِالرَّأْيِ وَقَالَ النَّسَفِيّ: قَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا الحَدِيث مَرْفُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم إلاّ أَن ابْن عون كَانَ يوقفه.
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي الْفِتَن عَن عَليّ بن عبد الله عَن أَزْهَر بن سعد مُصَرحًا فِيهِ بِذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بشر بن آدم بن بنت أَزْهَر السمان عَن جده أَزْهَر مَرْفُوعا، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ مُسْندًا، وَفِيه: فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة قَالَ: أَظُنهُ قَالَ: وَفِي نجدنا. قَالَ الدَّاودِيّ: وَإِنَّمَا لم يقل: فِي نجدنا، لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو بِمَا سبق فِي علم الله تَعَالَى خِلَافه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي شامنا) ، قَالَ ابْن هِشَام فِي (التيجان) هُوَ اسْم أعجمي من لُغَة بني حام، وَتَفْسِيره بالعربي: خير طيب، وَذكر الْكَلْبِيّ فِي (كتاب الْبلدَانِ) عَن الشرفي: إِنَّمَا سميت بسام بن نوح لِأَنَّهُ أول من نزلها. قَالَ الْكَلْبِيّ: وَلم ينزلها سَام قطّ، قَالَ: وَلما أخرج النَّاس من بابل أَخذ بَعضهم يمنة فسميت الْيمن، وتشاءم آخَرُونَ فسميت الشَّام. وَكَانَت الشَّام يُقَال لَهَا: أَرض كنعان، قَالَ: وَكَانَ فالخ بن عَامر هُوَ الَّذِي قسم الأَرْض بَين بني نوح، عليه السلام، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجي فِي كَلَامه على الزَّاهِر: سميت بذلك لِكَثْرَة قراها وتداني بَعْضهَا من بعض، فشبهت بالشامات، وَقَالَ أهل الْأَثر: سميت بذلك لِأَن قوما من كنعان بن حام خَرجُوا عِنْد التَّفَرُّق فتشأموا إِلَيْهَا: أَي أخذُوا ذَات الشمَال، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي (تَارِيخ دمشق) :