الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب التَّطَوُّعِ)
أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام التَّطَوُّع من الصَّلَوَات وَلَا تُوجد هَذِه التَّرْجَمَة فِي غَالب نسخ البُخَارِيّ، وَهِي تَنْفَع وَلَا تضر.
92 -
(بابُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّطَوُّع من الصَّلَوَات بعد الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة، أَي: الْفَرِيضَة، وَاكْتفى بِقَيْد البعيدية مَعَ أَن فِي أَحَادِيث هَذِه الْأَبْوَاب بَيَان التَّطَوُّع قبل الْفَرِيضَة أَيْضا إِلَى شدَّة احْتِيَاج الاهتمام فِي أَدَاء التطوعات بعد الْفَرَائِض، أَو هُوَ من بَاب الِاكْتِفَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 18) . .
2711 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخبرنَا نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وسَجْدَتَيْنِ بعْدَ الظهْرِ وسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ وسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ وسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ فأمَّا المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ. قَالَ ابنُ أبي الزِّنَادِ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ نافِعٍ بَعْدَ العِشَاءِ فِي أهْلِهِ. تابَعَهُ كَثِيرُ بنُ فَرْقَدٍ وأيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ. وحدَّثتني أُخْتِي حَفْصَةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الفَجْرُ وكانَتْ سَاعَةً لَا أدْخُلُ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا.
(أنظر الحَدِيث 816 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن البعدية مَذْكُورَة فِيهِ فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
وَأخرجه مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبيد الله بن سعيد، قَالَا: حَدثنَا يحيى وَهُوَ ابْن سعيد عَن عبيد الله قَالَ أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر وحَدثني أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع (عَن ابْن عمر قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل الظّهْر سَجْدَتَيْنِ وَبعدهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبعد الْمغرب سَجْدَتَيْنِ وَبعد الْعشَاء سَجْدَتَيْنِ، وَبعد الْجُمُعَة سَجْدَتَيْنِ، فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء وَالْجُمُعَة فَصليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي بَيته) . وَقد مر حَدِيث ابْن عمر أَيْضا فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى، رَوَاهُ عَن يحيى بن بكير عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم (عَن عبد الله بن عمر قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. .) الحَدِيث، وَسَيَأْتِي بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي: بَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع (عَن ابْن عمر قَالَ: حفظت من النَّبِي صلى الله عليه وسلم عشر رَكْعَات. .) الحَدِيث، وَقد مر حَدِيث ابْن عمر أَيْضا فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة وَقبلهَا، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قبل الظّهْر رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، المُرَاد من الْمَعِيَّة هَذِه مُجَرّد الْمُتَابَعَة فِي الْعدَد، وَهُوَ أَن ابْن عمر صلى رَكْعَتَيْنِ وَحده كَمَا صلى صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ لَا أَنه اقْتدى بِهِ، صلى الله عليه وسلم، فيهمَا. قَوْله: (سَجْدَتَيْنِ) أَي: رَكْعَتَيْنِ، عبر عَن الرُّكُوع بِالسُّجُود. قَوْله:(فَأَما الْمغرب) أَي: فَأَما سنة الْمغرب، وَكلمَة: أما، للتفصيل وقسيمها مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق أَي: وَأما الْبَاقِيَة فَفِي الْمَسْجِد. فَإِن قلت: فِي رِوَايَته عَن ابْن عمر فِي: بَاب الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة. (وَكَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة حَتَّى ينْصَرف فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ)، وَهَهُنَا:(وسجدتين بعد الْجُمُعَة)، يَعْنِي: وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة، فَبين الرِّوَايَتَيْنِ تنافٍ ظَاهرا؟ قلت: قَوْله: (حَتَّى ينْصَرف) ، من الِانْصِرَاف عَن الشَّيْء وَهُوَ أَعم من الِانْصِرَاف إِلَى الْبَيْت، وَلَئِن سلمنَا فالاختلاف إِنَّمَا كَانَ لبَيَان جَوَاز الْأَمريْنِ. قَوْله:(وحدثتني أُخْتِي حَفْصَة) أَي: قَالَ ابْن عمر: حَدَّثتنِي أُخْتِي حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (سَجْدَتَيْنِ) فِي رِوَايَة الْكشميهني: (رَكْعَتَيْنِ) . قَوْله: (وَكَانَت سَاعَة) أَي: كَانَت السَّاعَة
الَّتِي بعد طُلُوع الْفجْر سَاعَة لَا يدْخل أحد على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهَا، وَقَائِل ذَلِك هُوَ ابْن عمر أَيْضا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يكن يشْتَغل فِيهَا بالخلائق.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السّنة قبل الظّهْر رَكْعَتَانِ، وَلَكِن روى البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر) . وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة خَالِد الْحذاء (عَن عبد الله بن شَقِيق، قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن تطوعه؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قبل الظّهْر أَرْبعا) . وروى التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عَاصِم بن حَمْزَة (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قبل الظّهْر أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث عَليّ حَدِيث حسن، وَقَالَ أَيْضا: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَمن بعده يختارون أَن يُصَلِّي الرجل قبل الظّهْر أَربع رَكْعَات، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَإِسْحَاق، وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه حَدِيث أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (من صلى فِي يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة تَطَوّعا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة)، وَزَاد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ:(أَرْبعا قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْغَدَاة) . وللنسائي فِي رِوَايَة: (وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر) بدل: (وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) ، وَكَذَلِكَ عِنْد ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَرَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة بِسَنَدِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَجمع الْحَاكِم فِي لَفظه بَين الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ فِيهِ:(وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء) . وَكَذَلِكَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) وَاحْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث أَن السّنَن الْمُؤَكّدَة فِي الصَّلَوَات الْخمس اثْنَتَا عشرَة: رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر وَأَرْبع قبل الظّهْر وَبعدهَا رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وركعتان بعد الْمغرب وَبعد الْعشَاء، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: ذهب الْأَكْثَرُونَ، يَعْنِي من أَصْحَاب الشَّافِعِي، إِلَى أَن الرَّوَاتِب عشر رَكْعَات، وَهِي: رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح، وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا، وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء. قَالَ: وَمِنْهُم من زَاد على الْعشْر رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قبل الظّهْر بقوله صلى الله عليه وسلم: (من ثابر على اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة من السّنة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) .
وَفِيه: (سَجْدَتَيْنِ بعد الظّهْر) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ، وَقد روى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان، قَالَ قَالَت أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(من حَافظ على أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر وَأَرْبع بعْدهَا حرم على النَّار)، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، والتوفيق بَين الْحَدِيثين أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى بعد الظّهْر رَكْعَتَيْنِ مرّة، وَصلى بعد الظّهْر أَرْبعا مرّة، بَيَانا للْجُوَاز، وَاخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي الْأَعْدَاد مَحْمُول على توسعة الْأَمر فِيهَا، وَأَن لَهَا أقل وَأكْثر فَيحصل أقل السّنة بِالْأَقَلِّ، وَلَكِن الِاخْتِيَار فعل الْأَكْثَر الْأَكْمَل، وَقد عد جمع من الشَّافِعِيَّة الْأَرْبَع قبل الظّهْر من الرَّوَاتِب وَحكى عَن الرَّافِعِيّ أَنه حكى عَن الْأَكْثَرين أَن راتبة الظّهْر رَكْعَتَانِ قبلهَا وركعتان بعْدهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: رَكْعَتَانِ من الْأَرْبَع بعْدهَا راتبة وركعتان مُسْتَحبَّة بِاتِّفَاق الْأَصْحَاب. وَمذهب الشَّافِعِي فِي هَذَا الْبَاب أَن السّنَن عِنْد الصَّلَوَات الْخمس عشر رَكْعَات: قبل الظّهْر رَكْعَتَانِ، وَقد مر عَن قريب، وَبِه قَالَ أَحْمد وَمن الشَّافِعِيَّة من قَالَ أدنى الْكَمَال ثَمَان فأسقط سنة الْعشَاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ، وَمِنْهُم من قَالَ: اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة، فَجعل قبل الظّهْر أَرْبعا، والأكمل عِنْد الشَّافِعِيَّة ثَمَانِي عشرَة رَكْعَة، زادوا: قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ وأربعا قبل الْعَصْر. وَفِي (الْمُهَذّب) : أدنى الْكَمَال عشر رَكْعَات، وَأتم الْكَمَال ثَمَانِي عشرَة، وَفِي اسْتِحْبَاب الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب وَجْهَان: قيل باستحبابهما وَقيل لَا تستحبان، وَبِه قَالَ أَصْحَابنَا، ثمَّ الْأَرْبَع قبل الظّهْر بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة عندنَا لما روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(أَربع قبل الظّهْر لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيم تفتح لَهُنَّ أَبْوَاب السَّمَاء)، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يُصليهَا بتسليمتين، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يصليهن بتسليمتين)، وَالْجَوَاب عَنهُ أَن معنى قَوْله:(بتسليمتين) يَعْنِي بتشهدين، فَسمى التَّشَهُّد تَسْلِيمًا لما فِيهِ من السَّلَام، كَمَا سمى التَّشَهُّد لما فِيهِ من الشَّهَادَة، وَقد رُوِيَ هَذَا التَّأْوِيل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه (وسجدتين بعد الْمغرب) أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْمغرب، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث، وَاخْتلف السّلف فِي النَّفْل قبل الْمغرب، فَأَجَازَهُ طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء وحجتهم
هَذَا الحَدِيث، وَرُوِيَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَغَيرهم أَنهم كَانُوا لَا يصلونها، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: هِيَ بِدعَة، والْحَدِيث مَحْمُول على أَنه كَانَ فِي أول الْإِسْلَام ليتبين خُرُوج الْوَقْت الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهِ بمغيب الشَّمْس.
وَفِيه: (وسجدتين بعد الْعشَاء)، أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْعشَاء، وَرُوِيَ سعيد بن مَنْصُور فِي (سنَنه) من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى قبل الظّهْر أَرْبعا كَانَ كَأَنَّمَا تهجد من ليلته، وَمن صَلَّاهُنَّ بعد الْعشَاء كَانَ كمثلهن من لَيْلَة الْقدر) . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من قَول عَائِشَة: (قَالَت: من صلى أَرْبعا بعد الْعشَاء كَانَ كمثلهن من لَيْلَة الْقدر) . وَفِي (الْمَبْسُوط) : لَو صلى أَرْبعا بعد الْعشَاء فَهُوَ أفضل، لحَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا وموقوفا أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:(من صلى بعد الْعشَاء أَربع رَكْعَات كن كمثلهن من لَيْلَة الْقدر) .
وَفِيه (وسجدتين بعد الْجُمُعَة)، أَي: وَرَكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة: وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل أَرْبعا)، قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا وَبَقِيَّة الْأَرْبَعَة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا، وَقد رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه أَمر أَن يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَرْبعا، وَذهب سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك إِلَى قَول ابْن مَسْعُود، وَقَالَ إِسْحَاق: إِن صلى فِي الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة صلى أَرْبعا، وَإِن صلى فِي بَيته صلى رَكْعَتَيْنِ، وَمِمَّنْ فعل من الصَّحَابَة رَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة عمرَان بن حُصَيْن، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي وَأحمد، قَالَ شَيخنَا: وَلم يرد الشَّافِعِي وَأحمد بذلك إلَاّ بَيَان أقل مَا يسْتَحبّ وإلَاّ فقد استحبها أَكثر من ذَلِك، فنص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) على أَنه يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة أَربع رَكْعَات، ذكره فِي: بَاب صَلَاة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ من اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود، وَلَيْسَ ذَلِك اخْتِلَاف قَول عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان الأولى والأكمل كَمَا فِي سنة الظّهْر، وَقد صرح بِهِ صَاحب (الْمُهَذّب) وَالنَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) وَفِي (التَّحْقِيق) . وَأما أَحْمد فَنقل عَنهُ ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) أَنه قَالَ: إِن شَاءَ صلى بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَإِن شَاءَ صلى أَرْبعا، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: وَإِن شَاءَ سِتا وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَالنَّخَعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي يرَوْنَ أَن يُصَلِّي بعْدهَا أَرْبعا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَعَن عَليّ وَأبي مُوسَى وَعَطَاء وَمُجاهد وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وَالثَّوْري أَنه يُصَلِّي سِتا.
وَفِيه: قَول ابْن عمر: (فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء فَفِي بَيته أَرْبعا) وَقد اخْتلف فِي ذَلِك، فروى قوم من السّلف، مِنْهُم: زيد بن ثَابت وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَنَّهُمَا كَانَا يركعان رَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بيوتهما، وَقَالَ الْعَبَّاس بن سهل بن سعد: لقد أدْركْت زمن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،. وَإِنَّا لنسلم من الْمغرب فَلَا أرى رجلا وَاحِدًا يُصَلِّيهمَا فِي الْمَسْجِد: كَانُوا يبتدرون أَبْوَاب الْمَسْجِد فيصلونهما فِي بُيُوتهم. وَقَالَ مَيْمُون بن مهْرَان: إِنَّهُم كَانُوا يؤخرون الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب إِلَى بُيُوتهم، وَكَانُوا يؤخرونها حَتَّى تشتبك النُّجُوم،، وَرُوِيَ عَن طَائِفَة أَنهم كَانُوا يتنفلون النَّوَافِل كلهَا فِي بُيُوتهم دون الْمَسْجِد، وَرُوِيَ عَن عُبَيْدَة أَنه كَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْفَرِيضَة شَيْئا حَتَّى يَأْتِي أَهله، وَقَالَ ابْن بطال: قيل: إِنَّمَا كره الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد لِئَلَّا يرى جَاهِل عَالما يُصليهَا فِيهِ فيراها فَرِيضَة، أَو لِئَلَّا يخلي منزله من الصَّلَاة فِيهِ، أَو حذرا على نَفسه من الرِّيَاء، فَإِذا سلم من ذَلِك فَالصَّلَاة فِي الْمَسْجِد حَسَنَة، وَقد بَين بَعضهم عِلّة كَرَاهَة من كرهه، وَمن ذَلِك مَا قَالَه مَسْرُوق، قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ فِي الْمَسْجِد فنقوم نصلي فِي الصَّفّ، قَالَ عبد الله: صلوا فِي بُيُوتكُمْ لَا يرونكم النَّاس فيرون أَنَّهَا سنة.
فَائِدَة: لَيْسَ فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الْمَذْكُور النَّفْل قبل الْعَصْر، وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب حسن، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(كَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات يفصل بَينهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ على الْمَلَائِكَة المقربين وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ) . وَقَالَ: حَدِيث عَليّ حَدِيث حسن، وَأخرجه بَقِيَّة أَصْحَاب السّنَن مَعَ اخْتِلَاف، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُجَاهِد، (عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: جِئْت وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَاعد فِي أنَاس من أَصْحَابه، مِنْهُم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فأدركت آخر الحَدِيث وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: من صلى أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر لم تمسه النَّار) ، وَفِيه عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق ضَعِيف، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى قبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات غفر الله عز وجل لَهُ مغْفرَة عزما) ، وَالْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة على الصَّحِيح، وروى أَبُو يعلى من حَدِيث عبد الله بن عَنْبَسَة، يَقُول: