الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر) ظَاهره أَن هَذَا قيد يخرج الكافرات، كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ وصف لتأكيد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ تَعْرِيض أَنَّهَا إِذا سَافَرت بِغَيْر محرم فَإِنَّهَا تخَالف شَرط الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، لِأَن التَّعَرُّض إِلَى وصفهَا بذلك إِشَارَة إِلَى إِلْزَام الْوُقُوف عِنْدَمَا نهيت عَنهُ، وَأَن الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يقْضِي لَهَا بذلك. قَوْله:(لَيْسَ مَعهَا حُرْمَة) جملَة حَالية، أَي: لَيْسَ مَعهَا رجل ذُو حُرْمَة مِنْهَا، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم، كَذَلِك، وَقد مر عَن قريب. وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث على: أَن الْمَرْأَة لَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة إلاّ بِذِي محرم، وَلها أَن تُسَافِر فِي أقل من ذَلِك، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
تابَعَهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ وسُهَيْلٌ ومالِكٌ عنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
أَي: تَابع ابْن أبي ذِئْب عَن أبي هُرَيْرَة يحيى وَسُهيْل وَمَالك، فَهَذِهِ الْمُتَابَعَة فِي متن الحَدِيث لَا فِي الْإِسْنَاد، لأَنهم لم يَقُولُوا عَن أَبِيه. وَقَالَ الْمُزنِيّ: يَعْنِي تَابعه فِي قَوْله: (مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة) قلت: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن مُتَابعَة هَؤُلَاءِ ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد فِي لفظ الْمَتْن لَا فِي ذكر سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَكِن لم يخْتَلف على يحيى فِي رِوَايَته عَن أبي سعيد عَن أَبِيه، لِأَن الطَّحَاوِيّ روى هَذَا الحَدِيث من طَرِيق يحيى، وَفِيه: عَن أَبِيه، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: حَدثنَا شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سعيد عَن أَبِيه أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر يَوْمًا فَمَا فَوْقه ألَاّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَة) . وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده: حَدثنَا حسن حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سعيد أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر يَوْمًا فَمَا فَوْقه إلَاّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَة) .
وَاخْتلف فِي ذَلِك على سُهَيْل وَمَالك. أما الِاخْتِلَاف على سُهَيْل فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى عَن جرير عَن سُهَيْل عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة. . الحَدِيث، وَفِيه: أَن تُسَافِر بريدا. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو بكرَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عمر الضَّرِير عَن حَمَّاد بن سَلمَة، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُسَافِر امْرَأَة بريدا إلَاّ مَعَ زوج أَو ذِي محرم) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا نَحوه، فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا ذكر: عَن أَبِيه، وروى مُسلم: حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري، قَالَ حَدثنَا بشر، يَعْنِي ابْن الْمفضل، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر ثَلَاثًا إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم عَلَيْهَا) ، فَهَذَا فِي رِوَايَته أبدل سعيدا بِأبي صَالح، وَخَالف فِي اللَّفْظ أَيْضا فَقَالَ:(أَن تُسَافِر ثَلَاثًا) ، وَيحْتَمل أَن يكون الحديثان مَعًا عِنْد سُهَيْل، وَلذَلِك صحّح ابْن حبَان الطَّرِيقَيْنِ عَنهُ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رِوَايَة سُهَيْل مضطربة فِي الْإِسْنَاد والمتن.
وَأما الِاخْتِلَاف على مَالك فقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد رَأَيْت الِاخْتِلَاف الظَّاهِر بَين الْحفاظ فِي ذكر أَبِيه، فَلَعَلَّهُ سمع من أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ سمع عَن أبي هُرَيْرَة نَفسه، فَرَوَاهُ تَارَة كَذَا وَتارَة كَذَا، وسماعه عَن أبي هُرَيْرَة صَحِيح.
5 -
(بابٌ يَقْصُرُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْإِنْسَان يقصر صلَاته الرّبَاعِيّة إِذا خرج من مَوْضِعه قَاصِدا سفرا تقصر فِي مثله الصَّلَاة.
وَخَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام فَقَصَرَ وَهْوَ يَرَى البُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هاذِهِ الكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع:
الأول: فِي مَعْنَاهُ فَقَوله: (وَخرج عَليّ) أَي: من الْكُوفَة. لِأَن قَوْله: (هَذِه الْكُوفَة) يدل عَلَيْهِ. قَوْله: (فقصر) أَي: الصَّلَاة الرّبَاعِيّة. قَوْله: (وَهُوَ يرى الْبيُوت) جملَة حَالية أَي: وَالْحَال أَنه يرى بيُوت الْكُوفَة. قَوْله: (فَلَمَّا رَجَعَ) أَي: من سَفَره هَذَا. قَوْله: (هَذِه الْكُوفَة) يَعْنِي: هَل نتم الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، أَي: لَا نتم حَتَّى ندْخلهَا.
النَّوْع الثَّانِي: إِن هَذَا التَّعْلِيق أخرجه الْحَاكِم مَوْصُولا من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن وقاء بن إِيَاس (عَن عَليّ بن ربيعَة، قَالَ: خرجنَا مَعَ على، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فقصرنا الصَّلَاة وَنحن نرى الْبيُوت، ثمَّ رَجعْنَا فقصرنا الصَّلَاة وَنحن نرى الْبيُوت) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يزِيد بن هَارُون (عَن وقاء بن إِيَاس: خرجنَا مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، متوجهين هَهُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام، فصلى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذا رَجعْنَا ونظرنا إِلَى الْكُوفَة حضرت الصَّلَاة، قَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه الْكُوفَة، أَنْتُم الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، حَتَّى ندْخلهَا) . ووقاء، بِكَسْر الْوَاو وَبعدهَا قَاف ثمَّ مُدَّة: ابْن إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف. قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : فِيهِ كَلَام. وَقَالَ أَبُو عمر: رُوِيَ مثل هَذَا عَن عَليّ من وُجُوه شَتَّى. قلت: روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن دَاوُد بن أبي هِنْد (عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلِي أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خرج من الْبَصْرَة فصلى الظّهْر أَرْبعا، ثمَّ قَالَ: إِنَّا لَو جاوزنا هَذَا الخص لصلينا رَكْعَتَيْنِ) . وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : أخبرنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد (عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود: أَن عليا لما خرج من الْبَصْرَة رأى خصا، فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا الخص لصلينا رَكْعَتَيْنِ، فَقلت: وَمَا الخص؟ قَالَ: بَيت من الْقصب) . قلت: هُوَ بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة. قَالَ أَبُو عمر: روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَغَيره عَن أبي إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، قَالَ:(خرجت مَعَ عَليّ بن أبي طَالب إِلَى صفّين، فَلَمَّا كَانَ بَين الجسر والقنطرة صلى رَكْعَتَيْنِ)، قَالَ: وَسَنَده صَحِيح.
النَّوْع الثَّالِث: فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب، فعندنا إِذا فَارق الْمُسَافِر بيُوت الْمصر يقصر، وَفِي (الْمَبْسُوط) : يقصر حِين يخلف عمرَان الْمصر، وَفِي (الذَّخِيرَة) : إِن كَانَت لَهَا محلّة منتبذة من الْمصر وَكَانَت قبل ذَلِك مُتَّصِلَة بهَا فَإِنَّهُ لَا يقصر مَا لم يجاوزها، ويخلف دورها بِخِلَاف الْقرْيَة الَّتِي تكون بِفنَاء الْمصر، فَإِنَّهُ يقصر وَإِن لم يحاوزها. وَفِي (التُّحْفَة) : الْمُقِيم إِذا نوى السّفر وَمَشى أَو ركب لَا يصير مُسَافِرًا مَا لم يخرج من عمرَان الْمصر، لِأَن بنية الْعَمَل لَا يصير عَاملا مَا لم يعْمل، لِأَن الصَّائِم إِذا نوى الْفطر لايصير مُفطرا. وَفِي (الْمُحِيط) : وَالصَّحِيح أَنه تعْتَبر مُجَاوزَة عمرَان الْمصر إلاّ إِذا كَانَ ثمَّة قَرْيَة أَو قرى مُتَّصِلَة بربض الْمصر، فَحِينَئِذٍ تعْتَبر مُجَاوزَة الْقرى. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي الْبَلَد يشْتَرط مُجَاوزَة السُّور لَا مُجَاوزَة الْأَبْنِيَة الْمُتَّصِلَة بالسور خَارِجَة، وَحكى الرَّافِعِيّ وجَهَا: أَن الْمُعْتَبر مُجَاوزَة الدّور، وَرجح الرَّافِعِيّ هَذَا الْوَجْه فِي (الْمُجَرّد) ، وَالْأول فِي الشَّرْح وَإِن لم يكن فِي جِهَة خُرُوجه سور، أَو كَانَ فِي قَرْيَة يشْتَرط مُفَارقَة الْعمرَان. وَفِي (الْمُغنِي) لِابْنِ قدامَة: لَيْسَ لمن نوى السّفر الْقصر حَتَّى يخرج من بيُوت مصره أَو قريته، ويخلفها وَرَاء ظَهره. قَالَ: وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع كل من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم على هَذَا، وَعَن عَطاء وَسليمَان بن مُوسَى: إنَّهُمَا كَانَا يبيحان الْقصر فِي الْبَلَد لمن نوى السّفر، وَعَن الْحَارِث بن أبي ربيعَة: إِنَّه أَرَادَ سفرا فصلى بِالْجَمَاعَة فِي منزله رَكْعَتَيْنِ، وَفِيهِمْ الْأسود بن يزِيد وَغير وَاحِد من أَصْحَاب عبد الله، وَعَن عَطاء أَنه قَالَ: إِذا دخل عَلَيْهِ وَقت صَلَاة بعد خُرُوجه من منزله قبل أَن يُفَارق بيُوت الْمصر يُبَاح لَهُ الْقصر، وَقَالَ مُجَاهِد: إِذا ابْتَدَأَ السّفر بِالنَّهَارِ لَا يقصر حَتَّى يدْخل اللَّيْل، وَإِذا ابْتَدَأَ بِاللَّيْلِ لَا يقصر حَتَّى يدْخل النَّهَار.
9801 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ وإبْرَاهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَلَّيْتُ الظهْرَ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ أرْبَعا وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن أنسا يخبر فِي حَدِيثه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قصر صلَاته بَعْدَمَا خرج من الْمَدِينَة، والترجمة هَكَذَا. والمناسبة بَينه وَبَين أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْمَذْكُور من حَيْثُ إِن أثر عَليّ يدل على أَن الْقصر يشرع بِفِرَاق الْحَضَر، وَحَدِيث أنس كَذَلِك، لِأَنَّهُ يدل على أَنه صلى الله عليه وسلم مَا قصر حَتَّى فَارق الْمَدِينَة، وَكَانَ قصره فِي ذِي الحليفة، لِأَنَّهُ كَانَ أول منزل نزله وَلم تحضر قبله صَلَاة، وَلَا يَصح اسْتِدْلَال من اسْتدلَّ بِهِ على إِبَاحَة الْقصر فِي السّفر الْقصير لكَون بَين الْمَدِينَة وَذي الحليفة سِتَّة أَمْيَال، لِأَن ذَا الحليفة لم تكن مُنْتَهى سفر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا خرج إِلَيْهَا يُرِيد مَكَّة، فاتفق نُزُوله بهَا وَكَانَت صَلَاة الْعَصْر أول صَلَاة حضرت بهَا فقصرها، وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن رَجَعَ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ، نَص عَلَيْهِ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) . الثَّالِث: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الانكدار، ابْن عبد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، قَالَه الْوَاقِدِيّ. الرَّابِع: إِبْرَاهِيم بن ميسرَة ضد الميمنة الطَّائِفِي الْمَكِّيّ. الْخَامِس: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف
إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: تابعيان يرويان عَن صَحَابِيّ. وَفِيه: أَن شَيْخه كُوفِي وَشَيخ شيحه كَذَلِك وَالثَّالِث مدنِي وَالرَّابِع مكي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر فِي الْحَج أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن هِشَام بن يُوسُف. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَهنا أخرجه البُخَارِيّ: عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن أنس. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن سعيد بن مَنْصُور. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. وَكَذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ لَكِن ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَرْبعا) أَي: أَربع رَكْعَات، هَذَا الَّذِي على هَذِه الصُّورَة رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره:(صليت الظّهْر مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا وبذي الحليفة رَكْعَتَيْنِ) . قَالَ ابْن حزم، وَالْمرَاد بِرَكْعَتَيْنِ: هِيَ الْعَصْر، كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي رِوَايَة أُخْرَى. قَالَ: وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس لست لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وَابْن سعيد يَقُول: يَوْم السبت لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَذَلِكَ لسِتَّة عشر لِلْحَجِّ. قَوْله:(وَالْعصر) بِالنّصب أَي: صَلَاة الْعَصْر. قَوْله: (بِذِي الحليفة) ، ذُو الحليفة مَاء لبني جشم، قَالَ عِيَاض: على سَبْعَة أَمْيَال من الْمَدِينَة. قَالَ ابْن قرقول: سِتَّة، وَقَالَ الْبكْرِيّ: هِيَ تَصْغِير حلفة، وَهِي مِيقَات أهل الْمَدِينَة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَفِي (التَّوْضِيح) : أورد الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث مستدلاً على أَن من أَرَادَ سفرا وَصلى قبل خُرُوجه فَإِنَّهُ يتم، كَمَا فعله الشَّارِع فِي الظّهْر بِالْمَدِينَةِ، وَقد نوى السّفر، ثمَّ صلى الْعَصْر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، وَالْحَاصِل أَن من نوى السّفر فَلَا يقصر حَتَّى يُفَارق بيُوت مصره، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ عَن قريب مستقصىً. وَفِيه: حجَّة على من يَقُول: يقصر إِذا أَرَادَ السّفر، وَلَو فِي بَيته، وعَلى مُجَاهِد فِي قَوْله: لَا يقصر حَتَّى يدْخل اللَّيْل.
0901 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ الصَّلاةُ أوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَانِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ فقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بالُ عائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأوَّلَتْ مَا تَأوَّلَ عُثْمَانُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
(أنظر الحَدِيث 053 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بتوجيهه، وَإِن كَانَ فِيهِ بعض التعسف، وَهُوَ أَن ذكر السّفر يصدق على الْمُسَافِر فَيدل على أَنه إِذا خرج من مَوْضِعه يقصر عِنْد وجود شَرط الْقصر. فَافْهَم.
وَرِجَاله ذكرُوا غير مرّة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري وسُفْيَان مكي وَالزهْرِيّ وَعُرْوَة مدنيان.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن خشرم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن سُفْيَان، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي أول كتاب الصَّلَاة،. أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. ونتكلم فِيهِ بِمَا لم يذكر هُنَاكَ.
قَوْله: (أول) بِالرَّفْع على أَنه بدل من الصَّلَاة، أَو: مُبْتَدأ ثَان وَخَبره. قَوْله: (رَكْعَتَانِ) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَيجوز نصب: أول، على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي أول. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة كَرِيمَة: (رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) فَأَيْنَ الْخَبَر على هَذَا؟ قلت: على هَذِه الرِّوَايَة تكون الرَّكْعَتَيْنِ مَنْصُوبًا على الْحَال، وَقد سد مسد الْخَبَر. قَوْله:(فرضت) قَالَ أَبُو عمر: كل من رَوَاهُ عَن عَائِشَة قَالَ فِيهِ: فرضت الصَّلَاة إلاّ مَا حدث بِهِ أَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن الْحجَّاج حَدثنَا ابْن الْمُبَارك حَدثنَا ابْن عجلَان عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة قَالَت: فرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ)، الحَدِيث. انْتهى كَلَامه. قلت: فِي مُسْند عبد الله بن وهب بِسَنَد صَحِيح، (عَن عُرْوَة عَنْهَا: فرض الله الصَّلَاة حِين فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ. .) الحَدِيث. وَعند السراج، بِسَنَد صَحِيح:
(فرض الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول مَا فَرضهَا رَكْعَتَيْنِ)(ح) وَفِي لفظ: (كَانَ أول مَا افْترض على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب) ، وَسَنَده صَحِيح. وَعند الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر (عَن عَائِشَة، قَالَت: افْترض الله الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ الْمغرب، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة زَاد إِلَى كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلاّ صَلَاة الْغَدَاة) . وَقَالَ الدولابي: نزل إتْمَام صَلَاة الْمُقِيم فِي الظّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء إثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الآخر بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم بِشَهْر، وأقرت صَلَاة السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الْمُهلب: إلاّ الْمغرب فرضت وَحدهَا ثَلَاثًا، وَمَا عَداهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ الْأصيلِيّ: أول مَا فرضت الصَّلَاة أَرْبعا على هيئتها الْيَوْم، وَأنكر قَول من قَالَ: فرضت رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: لَا يقبل فِي هَذَا خبر الْآحَاد. وَأنكر حَدِيث عَائِشَة. وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَاهُ مَالك عَن صَالح بن كيسَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عِنْد جمَاعَة أهل النَّقْل، لَا يخْتَلف أهل الحَدِيث فِي صِحَة إِسْنَاده إلاّ أَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة،. وَلم يروه مَالك عَن ابْن شهَاب وَلَا عَن هِشَام إلاّ أَن شَيخا يُسمى مُحَمَّد بن يحيى بن عباد بن هانىء رَوَاهُ عَن مَالك وَابْن أخي الزُّهْرِيّ جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَهَذَا لَا يَصح عَن مَالك، وَالصَّحِيح فِي إِسْنَاده عَن مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) وطرقه عَن عَائِشَة متواترة، وَهُوَ عَنْهَا صَحِيح لَيْسَ فِي إِسْنَاده مقَال.
إلاّ أَن أهل الْعلم اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى ظَاهره وعمومه وَمَا يُوجِبهُ لَفظه، فأوجبوا الْقصر فِي السّفر فرضا. وَقَالُوا: لَا يجوز لأحد أَن يُصَلِّي فِي السّفر إلاّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الرباعيات، وَحَدِيث عَائِشَة وَاضح فِي أَن الرَّكْعَتَيْنِ للْمُسَافِر فرض، لِأَن الْفَرْض الْوَاجِب لَا يجوز خِلَافه، وَلَا الزِّيَادَة عَلَيْهِ ألَا ترى أَن الْمُصَلِّي فِي الْحَضَر لَا يجوز لَهُ أَن يزِيد فِي صَلَاة من الْخمس، وَلَو زَاد لفسدت، فَكَذَلِك الْمُسَافِر لَا يجوز لَهُ أَن يُصَلِّي فِي السّفر أَرْبعا، لِأَن فَرْضه فِيهِ رَكْعَتَانِ. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز، إِن صَحَّ عَنهُ. وَعنهُ: الصَّلَاة فِي السّفر رَكْعَتَانِ لَا يَصح غَيرهمَا، ذكره ابْن حزم محتجا بِهِ، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَقَول بعض أَصْحَاب مَالك، وروى عَن مَالك أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، أَنه قَالَ: من أتم فِي السّفر أعَاد فِي الْوَقْت، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث عمر بن الْخطاب:(صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر على لِسَان نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح، وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عِنْد مُسلم: (إِن الله فرض الصَّلَاة على نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ) . وَفِي (التَّمْهِيد) من حَدِيث أبي قلَابَة: (عَن رجل من بني عَامر أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة) ، وَعَن أنس بن مَالك الْقشيرِي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثله، وَعند ابْن حزم صَحِيحا عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(صَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ من ترك السّنة كفر)، وَعَن ابْن عَبَّاس: من صلى فِي السّفر أَرْبعا كمن صلى فِي الْحَضَر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي (مُسْند السراج) بِسَنَد جيد: عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي يرفعهُ: (إِن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر الصّيام وَنصف الصَّلَاة) ، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَالثَّوْري، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِن قَامَ إِلَى الثَّالِثَة ألغاها وَسجد للسَّهْو. وَقَالَ الْحسن بن حَيّ: إِذا صلى أَرْبعا مُتَعَمدا أَعَادَهَا إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ الشَّيْء الْيَسِير، فَإِن طَال ذَلِك مِنْهُ وَكثر فِي سَفَره لم يعد، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: من صلى أَرْبعا عمدا بئس مَا صنع، وقضيت عَنهُ. ثمَّ قَالَ: لَا أَبَا لَك، أَتَرَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم تركوها لِأَنَّهَا ثقلت عَلَيْهِم؟ وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: الرجل يُصَلِّي أَرْبعا فِي السّفر؟ قَالَ: لَا، مَا يُعجبنِي. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا قَول أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ الْخطابِيّ: الأولى الْقصر ليخرج من الْخلاف. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْعَمَل على مَا فعله النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث دَلِيل صَرِيح للحنفية فِي وجوب الْقصر؟ قلت: لَا دلَالَة لَهُم فِيهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهِرَة لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن وَهُوَ:{أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} (النِّسَاء: 101) . الصَّرِيح فِي أَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل زَائِدَة عَلَيْهِ، إِذْ الْقصر مَعْنَاهُ التنقيص، ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وبالصبح، وحجية الْعَام الْمُخَصّص مُخْتَلف فِيهَا، ثمَّ إِن راوية الحَدِيث عَائِشَة قد خَالَفت رِوَايَتهَا، وَإِذا خَالف الرَّاوِي رِوَايَته لَا يجب الْعَمَل بروايته عِنْدهم قلت: لَا نسلم أَنه لَا دلَالَة لنا فِيهِ لِأَنَّهُ ينبىء بِأَن صَلَاة الْمُسَافِر الَّتِي هِيَ الركعتان فرضت فِي الأَصْل هَكَذَا، وَالزِّيَادَة عَلَيْهِمَا طارئة، وَلم تَسْتَقِر الزِّيَادَة إلاّ فِي الْحَضَر، وَبقيت صَلَاة الْمُسَافِر فرضا على أَصْلهَا، وَهُوَ الركعتان، فَكَمَا لَا تجوز الزِّيَادَة فِي الْحَضَر بِالْإِجْمَاع، فَكَذَا الْمُسَافِر لَا تجوز لَهُ
الزِّيَادَة، وَلَفظ: فرضت، وَإِن كَانَ على صِيغَة الْمَجْهُول، لَكِن يدل على أَن الله هُوَ الَّذِي فرض، كَمَا مر صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة آنِفا. وَقَوله: لِأَنَّهُ لَو كَانَ الحَدِيث مجْرى على ظَاهره لما جَازَ لعَائِشَة إِتْمَامهَا، جَوَابه فِي نفس الحَدِيث، وَهُوَ قَول عُرْوَة: تأولت مَا تَأَول عُثْمَان، لِأَن الزُّهْرِيّ لما روى هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة ظهر لَهُ أَن الرَّكْعَتَيْنِ هُوَ الْفَرْض فِي حق الْمُسَافِر، لَكِن أشكل عَلَيْهِ إتْمَام عَائِشَة من حَيْثُ إِنَّهَا أخْبرت بفرضية الرَّكْعَتَيْنِ فِي حق الْمُسَافِر، ثمَّ إِنَّهَا كَيفَ أتمت؟ فَسَأَلَ عُرْوَة بقوله: مَا بَال عَائِشَة تتمّ؟ فَأجَاب عُرْوَة بقوله: (تأولت مَا تَأَول عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد ذكرنَا الْوُجُوه الَّتِي ذكرت فِي تَأَول عُثْمَان، وَقد ذكر بَعضهم الْوُجُوه الْمَذْكُورَة، ثمَّ قَالَ: وَالْمَنْقُول فِي ذَلِك أَن سَبَب إتْمَام عُثْمَان أَنه كَانَ يرى الْقصر مُخْتَصًّا بِمن كَانَ شاخصا سائرا، وَأما من أَقَامَ فِي مَكَان فِي أثْنَاء سَفَره فَلهُ حكم الْمُقِيم فَيتم، وَالْحجّة فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن عَن عباد بن عبد الله ابْن الزبير، قَالَ: لما قدم علينا مُعَاوِيَة حَاجا صلى بِنَا الظّهْر رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّة، ثمَّ انْصَرف إِلَى دَار الندوة، فَدخل عَلَيْهِ مَرْوَان وَعَمْرو بن عُثْمَان فَقَالَا: لقد عبت أَمر ابْن عمك لِأَنَّهُ كَانَ قد أتم الصَّلَاة، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَان حَيْثُ أتم الصَّلَاة إِذا قدم مَكَّة يُصَلِّي بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء أَرْبعا أَرْبعا ثمَّ إِذا خرج إِلَى منى وعرفة قصر الصَّلَاة، فَإِذا فرغ من الْحَج وَأقَام بمنى أتم الصَّلَاة انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره يُؤَيّد مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ من وجوب الْقصر، لِأَنَّهُ قَالَ: كَانَ يرى الْقصر مُخْتَصًّا بِمن كَانَ شاخصا سائرا، وَظَاهره أَنه كَانَ يرى الْقصر وَاجِبا للْمُسَافِر، وَكَانَ يرى حكم الْمُقِيم لمن أَقَامَ، وَنحن أَيْضا نرى ذَلِك، غير أَن الْمُسَافِر مَتى يكون مُقيما فِيهِ: فِيهِ خلاف قد ذَكرْنَاهُ، فَلَا يضرنا هَذَا الْخلاف، ودعوانا فِي وجوب الْقصر فِي حق الْمُسَافِر، ثمَّ إِن هَذَا الْقَائِل ادّعى أَن إِسْنَاد حَدِيث أَحْمد حسن، وَلم يذكر رُوَاته حَتَّى ينظر فيهم، وَقَول الْكرْمَانِي: ثمَّ إِنَّه خبر وَاحِد لَا يُعَارض لفظ الْقُرْآن. . إِلَى آخِره، قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك على الْوَجْه الَّذِي ذكرْتُمْ، لِأَن نفي الْجنَاح فِي الْقصر إِنَّمَا هُوَ فِي الزِّيَادَة على الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَن الصَّلَاة فرضت بِمَكَّة: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وزيدت عَلَيْهِمَا: رَكْعَتَانِ فِي الْمَدِينَة، وَالْآيَة مَدَنِيَّة نزلت فِي إِبَاحَة الْقصر للضاربين فِي الأَرْض وهم: المسافرون، فَدلَّ على أَن إِبَاحَة الْقصر فِي الزِّيَادَة لَا فِي الأَصْل، لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن الْمُسَافِر لَا يُصَلِّي فِي سَفَره أقل من رَكْعَتَيْنِ إلاّ مَا شَذَّ، قَول من قَالَ: إِن الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَة عِنْد الْخَوْف، فَلَا يعْتد بِهَذَا القَوْل، على أَنا نقُول أَيْضا: جَاءَ فِي الحَدِيث الْمَشْهُور أَنه صلى الله عليه وسلم صلى الظّهْر بِأَهْل مَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أَمر مناديا يُنَادي: يَا أهل مَكَّة أَتموا صَلَاتكُمْ فَإنَّا قوم سفر. وَلَو كَانَ فرض الْمُسَافِر أَرْبعا لم يحرمهم فَضِيلَة الْجَمَاعَة مَعَه، وَعند مُسلم فِي رِوَايَة: (صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بمنى صَلَاة الْمُسَافِر، وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ثَمَانِي سِنِين، أَو قَالَ سِتّ سِنِين) . وَفِي رِوَايَة لَهُ: (صلى فِي السّفر)، وَلم يقل: بمنى، وَفِي رِوَايَة لَهُ: صَحِبت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي السّفر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله، وصحبت أَبَا بكر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله، وصحبت عمر فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ، وصحبت عُثْمَان، فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله) . وَهَكَذَا لفظ رِوَايَة أبي دَاوُد. وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه:(صَحِبت عُثْمَان فَلم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى) .
فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْعَلَاء بن زُهَيْر عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْأسود (عَن عَائِشَة أَنَّهَا، اعْتَمَرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا قدمت مَكَّة قَالَت: يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي: قصرت فأتممت، وَأَفْطَرت فَصمت، قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة، وَمَا عَابَ عَليّ) . انْتهى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مَوْصُول، فَهَذَا يدل على أَن الْقصر غير وَاجِب، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لأنكر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، على عَائِشَة فِي إِتْمَامهَا. قلت: قد اخْتلف فِيهِ على الْعَلَاء بن زُهَيْر، فَرَوَاهُ أَبُو نعيم عَنهُ هَكَذَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن الْعَلَاء بن زُهَيْر عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن عَائِشَة، فعلى هَذَا الْإِسْنَاد غير مَوْصُول. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) : هَذِه اللَّفْظَة مشكلة، فَإِن الْمَعْرُوف أَنه، صلى الله عليه وسلم، لم يعْتَمر إلاّ أَربع عمر، كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة. فَإِن قلت: روى الْبَزَّار من رِوَايَة الْمُغيرَة بن زِيَاد عَن عَائِشَة أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُسَافر فَيتم الصَّلَاة وَيقصر، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَوَافَقَهُ الْبَيْهَقِيّ على صِحَة إِسْنَاده. قلت: كَيفَ يحكم بِصِحَّتِهِ وَقد قَالَ أَحْمد: الْمُغيرَة بن زِيَاد مُنكر الحَدِيث أَحَادِيثه مَنَاكِير؟ وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة: شيخ لَا يحْتَج بحَديثه؟ وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء، وَعَادَة الْبَيْهَقِيّ التَّصْحِيح عِنْد الِاحْتِجَاج لإمامه والتضعيف عِنْد الِاحْتِجَاج لغيره.
وَقَول الْكرْمَانِي: ثمَّ إِن الحَدِيث عَام مَخْصُوص بالمغرب وَالصُّبْح غير سديد، لِأَن المُرَاد من قَوْلهَا: فرضت الصَّلَاة، هِيَ الصَّلَاة الْمَعْهُودَة