الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي (الْأَدَب) عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن زَائِدَة. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم) يَعْنِي ابْن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَذكر جُمْهُور أهل السّير أَنه مَاتَ فِي السّنة الْعَاشِرَة من الْهِجْرَة، قيل: فِي ربيع الأول، وَقيل: فِي رَمَضَان. وَقيل: فِي ذِي الْحجَّة، وَالْأَكْثَر على أَنَّهَا وَقعت فِي عَاشر الشَّهْر، وَقيل: فِي رابعه، وَقيل: فِي رَابِع عشره، وَلَا يَصح شَيْء مِنْهَا على قَول ذِي الْحجَّة لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذْ ذَاك بِمَكَّة فِي الْحَج، وَقد ثَبت أَنه شهد وَفَاته وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خلاف فلعلها كَانَت فِي آخر الشَّهْر. فَإِن قلت: الْكُسُوف فِي الشَّمْس إِنَّمَا يكون فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين أَو التَّاسِع وَالْعِشْرين من آخر الشَّهْر الْعَرَبِيّ، فَكيف تكون وَفَاته فِي الْعَاشِر؟ قلت: هَذَا التَّارِيخ يَحْكِي عَن الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ ذكر ذَلِك بِغَيْر إِسْنَاد، فقد تكلمُوا فِيمَا يسْندهُ الْوَاقِدِيّ، فَكيف فِيمَا يُرْسِلهُ؟ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي بَاب مَا يحول على جَوَاز الِاجْتِمَاع للعيد وللخسوف لجَوَاز وُقُوع الخسوف فِي الْعَاشِر، ثمَّ رُوِيَ عَن الْوَاقِدِيّ مَا ذَكرْنَاهُ عَن تَارِيخ وَفَاة إِبْرَاهِيم. وَقَالَ الذَّهَبِيّ، فِي (مُخْتَصر السّنَن) : لم يَقع ذَلِك وَلنْ يَقع، وَالله قَادر على كل شَيْء، لَكِن امْتنَاع وُقُوع ذَلِك كامتناع رُؤْيَة الْهلَال لَيْلَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر، وَأم إِبْرَاهِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة، ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان، وَتُوفِّي وعمره ثَمَانِيَة عشر شهرا، هَذَا هُوَ الْأَشْهر. وَقيل: سِتَّة عشر شهرا. وَقيل: سَبْعَة عشر شهرا وَثَمَانِية أَيَّام. وَقيل: سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام، وَدفن بِالبَقِيعِ. قَوْله:(فَإِذا رَأَيْتُمْ) ، مَفْعُوله مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك.
2 -
(بابُ الصَّدَقَةِ فِي الكُسُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّدَقَة فِي حَالَة الْكُسُوف، ذكر البُخَارِيّ فِيمَا قبل هَذَا الْبَاب أَرْبَعَة أَحَادِيث فِي ثَلَاثَة مِنْهَا الْأَمر بِمُجَرَّد الصَّلَاة من غير بَيَان هيئتها، وَذكر الحَدِيث الْوَاحِد الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بكرَة مُبينًا بِرَكْعَتَيْنِ، ثمَّ ذكر فِي هَذَا الْبَاب هَيْئَة لصَلَاة الْكُسُوف غير هَيْئَة ذَاك، وَالظَّاهِر أَن تَقْدِيمه حَدِيث أبي بكرَة على غَيره لميله إِلَيْهِ لموافقته الْقيَاس.
4401 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أنَّهَا قالَتْ خَسفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ فَقَامَ فأطَالَ القِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فأطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قامَ فأطَالَ القِيامَ وَهْوَ دُونَ القِيامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فأطَالَ الرُكُوعَ وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ فأطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأولَى ثُمَّ انْصَرَفَ وقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ الله وَأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فإذَا رأيْتُمْ ذالِكَ فادْعُوا الله وكبِّرُوا وَصَلُّوا وتَصَدَّقُوا ثُمَّ قالَ يَا أمَّةَ مُحَمَّدٍ وَالله مَا مِنْ أحَدٍ أغْيَرُ مِنَ الله أنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أوْ تَزْنِي أمتُهُ يَا أمَّةَ مُحَمَّدٍ وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وتصدقوا) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي عَن مَالك مُخْتَصرا على قَوْله:(الشَّمْس وَالْقَمَر لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فادعو الله عز وجل وَكَبرُوا وتصدقوا) وَاعْلَم أَن صَلَاة الْكُسُوف رويت على أوجه كَثِيرَة ذكر أَبُو دَاوُد مِنْهَا جملَة، وَذكر البُخَارِيّ وَمُسلم جملَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه كَذَلِك.
وَقَالَ الْخطابِيّ: اخْتلفت الرِّوَايَات فِي هَذَا الْبَاب، فَروِيَ أَنه: ركع رَكْعَتَيْنِ فِي أَربع ركوعات وَأَرْبع سَجدَات، وَرُوِيَ أَنه: ركعهما فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات، وَرُوِيَ
أَنه: ركع رَكْعَتَيْنِ فِي سِتّ ركوعات وَأَرْبع سَجدَات، وَرُوِيَ إِنَّه ركع رَكْعَتَيْنِ فِي عشر ركوعات وَأَرْبع سَجدَات، وَقد ذكر أَبُو دَاوُد أنواعا مِنْهَا، وَيُشبه أَن يكون الْمَعْنى فِي ذَلِك أَنه صلاهَا مَرَّات وكرات، وَكَانَ إِذا طَالَتْ مُدَّة الْكُسُوف مد فِي صلَاته، وَزَاد فِي عدد الرُّكُوع، وَإِذا قصرت نقص من ذَلِك وحذا بِالصَّلَاةِ حذوها، وكل ذَلِك جَائِز يُصَلِّي على حسب الْحَال وَمِقْدَار الْحَاجة فِيهِ.
ذكر مَا فِيهِ من الْمَعْنى واستنباط الْأَحْكَام: قَوْله: (فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي: فِي زَمَنه. قَوْله: (فصلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يحافظ على الْوضُوء، فَلهَذَا لم يحْتَج إِلَى الْوضُوء فِي تِلْكَ الْحَال. وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن السِّيَاق حذفا لِأَن فِي رِوَايَة ابْن شهَاب (خسفت فَخرج إِلَى الْمَسْجِد فَصف النَّاس وَرَاءه) . وَفِي رِوَايَة عمْرَة: (فخسفت فَرجع ضحى فَمر بَين الْحجر ثمَّ قَامَ يُصَلِّي) . قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَا يدل على أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ على الْوضُوء أَو لم يكن، وَلَكِن حَاله يَقْتَضِي وجلالة قدره تستدعي كَونه على مُحَافظَة الْوضُوء. قَوْله:(فَأطَال الْقيام) أَي: يطول الْقِرَاءَة فِيهِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة ابْن شهَاب:(فاقترأ قِرَاءَة طَوِيلَة)، وَمن وَجه آخر عَنهُ:(فَقَرَأَ سُورَة طَوِيلَة)، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس على مَا سَيَأْتِي:(فَقَرَأَ نَحوا من سُورَة الْبَقَرَة فِي الرَّكْعَة الأولى) ، وَنَحْوه لأبي دَاوُد من طَرِيق سُلَيْمَان بن يسَار عَن عُرْوَة، وَزَاد أَنه قَرَأَ فِي الْقيام الأول من الرَّكْعَة الثَّانِيَة نَحوا من آل عمرَان، وَعند الشَّافِعِيَّة يستفتح الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى وَالثَّانيَِة بِأم الْقُرْآن، وَأما الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فَيقْرَأ بهَا أَيْضا عِنْدهم، وَعند مَالك يقْرَأ السُّورَة، وَفِي الْفَاتِحَة قَولَانِ: قَالَ مَالك: نعم، وَقَالَ ابْن مسلمة: لَا. قَوْله: (ثمَّ قَامَ فَأطَال الْقيام) وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب: (ثمَّ قَالَ: سمع الله لمن حَمده)، وَزَاد من وَجه آخر:(رَبنَا وَلَك الْحَمد)، وَقيل: اسْتدلَّ بِهِ على اسْتِحْبَاب الذّكر الْمَشْرُوع فِي الِاعْتِدَال فِي أول الْقيام الثَّانِي من الرَّكْعَة الأولى وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتَشْكَلَهُ بعض متأخري الشَّافِعِيَّة من جِهَة كَونه قيام قِرَاءَة لَا قيام اعْتِدَال، بِدَلِيل اتِّفَاق الْعلمَاء مِمَّن قَالَ بِزِيَادَة الرُّكُوع فِي كل رَكْعَة على قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِيهِ. قلت: هَذَا المستشكل هُوَ صَاحب الْمُهِمَّات، وَقَوله بِدَلِيل اتِّفَاق الْعلمَاء فِيهِ نظر، لِأَن مُحَمَّد بن مسلمة من الْمَالِكِيَّة مِمَّن قَالَ بِزِيَادَة الرُّكُوع فِي كل رَكْعَة، وَلم يقل بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة كَمَا قُلْنَا عَن قريب. وَأجَاب عَن ذَلِك شَيخنَا الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ، رحمه الله بقوله: فَفِي استشكاله نظر لصِحَّة الحَدِيث فِيهِ، بل لَو زَاد الشَّارِع عَلَيْهِ ذكرا آخر لما كَانَ مستشكلاً. قَوْله:(وَهُوَ دون الْقيام الأول) أَرَادَ بِهِ أَن الْقيام الأول أطول من الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الأولى، وَأَرَادَ أَن الْقيام فِي الثَّانِيَة دون الْقيام الأول فِي الأولى، وَالرُّكُوع الأول فِيهَا دون الرُّكُوع الأول فِي الأولى. وَأَرَادَ بقوله: فِي الْقيام الثَّانِي فِي الثَّانِيَة أَنه دون الْقيام الأول فِيهَا، وَكَذَلِكَ رُكُوعه الثَّانِي فِيهَا دون رُكُوعه الأول فِيهَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اتَّفقُوا على أَن الْقيام الثَّانِي وَالرُّكُوع الثَّانِي من الأولى أقصر من الْقيام الأول وَالرُّكُوع، وَكَذَا الْقيام الثَّانِي وَالرُّكُوع الثَّانِي من الثَّانِيَة أقصر من الأول مِنْهُمَا من الثَّانِيَة. وَاخْتلفُوا فِي الْقيام الأول وَالرُّكُوع الأول من الثَّانِيَة، هَل هما أقصر من الْقيام الثَّانِي وَالرُّكُوع الثَّانِي من الرَّكْعَة الأولى؟ وَيكون هَذَا معنى قَوْله: وَهُوَ دون الْقيام الأول، وَدون الرُّكُوع الأول، أم يكونَانِ سَوَاء وَيكون قَوْله: دون الْقيام أَو الرُّكُوع الأول أَي أول قيام وَأول رُكُوع؟ قَوْله: (ثمَّ ركع فَأطَال الرُّكُوع) يَعْنِي أَنه خَالف بِهِ عَادَته فِي سَائِر الصَّلَوَات كَمَا فِي الْقيام وَقَالَ مَالك: وَيكون رُكُوعه نَحوا من قِيَامه وقراءته. قَوْله: (ثمَّ سجد فَأطَال السُّجُود) ، وَهُوَ ظَاهر فِي تطويله، قَالَ أَبُو عمر عَن مَالك: لم أسمع أَن السُّجُود يطول فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَرَأَتْ فرقة من أهل الحَدِيث تَطْوِيل السُّجُود فِي ذَلِك. قلت: حكى التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه يُقيم فِي كل سَجْدَة من الرَّكْعَة الأولى نَحوا مِمَّا قَامَ فِي رُكُوعه، وَقَالَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة: ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَلم يصف مِقْدَار إِقَامَته فيهمَا، فَيحْتَمل أَن يُرِيد مثل مَا تقدم فِي سُجُود الرَّكْعَة الأولى، وَيحْتَمل أَنه كسجود سَائِر الصَّلَوَات، وَقَالَ الرَّافِعِيّ: وَهل يطول السُّجُود فِي هَذِه الصَّلَاة؟ فِيهِ قَولَانِ، وَيُقَال: وَجْهَان: أظهرهمَا: لَا، كَمَا لَا يزِيد فِي التَّشَهُّد وَلَا يطول الْقعدَة بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَالثَّانِي: وَبِه قَالَ ابْن شُرَيْح: نعم، ويحكى عَن الْبُوَيْطِيّ: وَقد صحّح النَّوَوِيّ خِلَافه فِي (الرَّوْضَة) فَقَالَ: الصَّحِيح الْمُخْتَار أَنه يطول، وَكَذَا صَححهُ فِي (شرح الْمُهَذّب) وَفِي (الْمِنْهَاج) من زياداته، وَاقْتصر فِي (تَصْحِيح التَّنْبِيه على الْمُخْتَار) قَالَ شَيخنَا الْحَافِظ زين الدّين،: إِن قُلْنَا بتطويل السُّجُود فِي صَلَاة الْكُسُوف فَمَا مِقْدَار الْإِقَامَة فِيهِ؟ فَالَّذِي ذكره التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ تامتين، وَيُقِيم فِي كل سَجْدَة نَحوا مماأقام فِي رُكُوعه، وَهِي رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي أَيْضا إلاّ أَنه زَاد بعد. قَوْله: (تامتين
طويلتين) وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج. قَوْله: (ثمَّ انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة. قَوْله: (وَقد تجلت الشَّمْس) أَي: انكشفت، وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب، (وَقد انجلت الشَّمْس قبل أَن ينْصَرف)، وَفِي رِوَايَة:(ثمَّ تشهد وَسلم) . قَوْله: (فَخَطب النَّاس) صَرِيح فِي إستحبابها، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَإِسْحَاق وَابْن جرير وفقهاء أَصْحَاب الحَدِيث، وَتَكون بعد الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا خطْبَة فِيهَا، قَالُوا: لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمرهم بِالصَّلَاةِ وَالتَّكْبِير وَالصَّدَََقَة، وَلم يَأْمُرهُم بِالْخطْبَةِ، وَلَو كَانَت سنة لأمرهم بهَا، وَلِأَنَّهَا صَلَاة كَانَ يَفْعَلهَا الْمُنْفَرد فِي بَيته فَلم يشرع لَهَا خطْبَة، وَإِنَّمَا خطب صلى الله عليه وسلم بعد الصَّلَاة ليعلمهم حكمهَا وَكَأَنَّهُ مُخْتَصّ بِهِ، وَقيل: خطب بعْدهَا لَا لَهَا، بل ليردهم عَن قَوْلهم: إِن الشَّمْس كسفت لمَوْت إِبْرَاهِيم، كَمَا فِي الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: وَالْعجب أَن مَالِكًا روى حَدِيث هِشَام هَذَا، وَفِيه التَّصْرِيح بِالْخطْبَةِ، وَلم يقل بِهِ أَصْحَابه؟ قلت: لَيْسَ بعجب ذَلِك، فَإِن مَالِكًا وَإِن كَانَ قد رَوَاهَا فِيهِ وعللها بِمَا قُلْنَا فَلم يقل بهَا، وَتَبعهُ أَصْحَابه فِيهَا. قَوْله:(فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ) زَاد النَّسَائِيّ فِي حَدِيث سَمُرَة: (وَيشْهد أَنه عبد الله وَرَسُوله) . قَوْله: (فَادعوا الله) رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:(فاذكروا الله) . قَوْله: (أغير) أفعل التَّفْضِيل من الْغيرَة، وَهِي تغير يحصل من الحمية والأنفة، وَأَصلهَا فِي الزَّوْجَيْنِ والأهلين، وكل ذَلِك مخال على الله عز وجل، وَهُوَ مجَاز مَحْمُول على غَايَة إِظْهَار غَضَبه على الزَّانِي. قيل: لما كَانَت ثَمَرَة الْغيرَة صون الْحَرِيم ومنعهم وزجرهم من يقصدهم وزجر من يقْصد إِلَيْهِم، أطلق ذَلِك لكَونه منع من فعل ذَلِك وزجر فَاعله وتوعده، فَهُوَ من بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن فورك: الْمَعْنى: مَا أحد أَكثر زجرا عَن الْفَوَاحِش من الله تَعَالَى. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: أهل التَّنْزِيه فِي مثل هَذَا على قَوْلَيْنِ: إِمَّا سَاكِت وَإِمَّا مؤول، على أَن المُرَاد من الْغيرَة شدَّة الْمَنْع والحماية، وَقيل: مَعْنَاهُ لَيْسَ أحدا منع من الْمعاصِي من الله وَلَا أَشد كَرَاهَة لَهَا مِنْهُ. قلت: يجوز أَن يكون هَذَا اسْتِعَارَة مصرحة تَبَعِيَّة قد شبه حَال مَا يفعل الله مَعَ عَبده الزَّانِي من الانتقام وحلول الْعقَاب بِحَالَة مَا يَفْعَله العَبْد لعَبْدِهِ الزَّانِي من الزّجر وَالتَّعْزِير. فَإِن قلت: كَيفَ إِعْرَاب: أغير؟ قلت: بِالنّصب خبر: مَا، النافية، وَيجوز الرّفْع على أَن يكون خَبرا للمبتدأ، أَعنِي قَوْله:(أحد) . وَكلمَة: من، زَائِدَة لتأكيد الْعُمُوم. وَقَوله:(أَن يَزْنِي) يتَعَلَّق بأغير، وَحذف الْجَار وَهِي: فِي، أَو: على فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص العَبْد وَالْأمة بِالذكر؟ قلت: رِعَايَة لحسن الْأَدَب مَعَ الله تَعَالَى لتنزهه عَن الزَّوْجَة والأهل مِمَّن تعلق بهم الْغيرَة غَالِبا. فَإِن قلت: مَا وَجه اتِّصَال هَذَا الْكَلَام بِمَا قبله من قَوْله: (فاذكروا الله) إِلَى آخِره؟ قلت: قَالَ الطَّيِّبِيّ: الْمُنَاسبَة من جِهَة أَنهم لما أمروا باستدفاع الْبلَاء بِالذكر وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة ناسب ردعهم عَن الْمعاصِي الَّتِي هِيَ من أَسبَاب جلب الْبلَاء، وَخص مِنْهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ أعظمها فِي ذَلِك. وَقيل: لما كَانَت هَذِه الْمعْصِيَة من أقبح الْمعاصِي وأشدها تَأْثِيرا فِي إثارة النُّفُوس وَغَلَبَة الْغَضَب، ناسب ذَلِك تخويفهم فِي هَذَا الْمقَام من مُؤَاخذَة رب الْغيرَة وخالقها. قَوْله:(يَا أمة مُحَمَّد) قيل: فِيهِ معنى الإشفاق كَمَا يُخَاطب الْوَالِد وَلَده، إِذا أشْفق عَلَيْهِ بقوله:(يَا بني) قلت: لَيْسَ هَذَا مثل الْمِثَال الَّذِي ذكره، فَلَو كَانَ قَالَ: يَا أمتِي، بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لَكَانَ من هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا هَذَا يشبه أَن يكون من بَاب التَّجْرِيد، كَأَنَّهُ أبعدهم عَنهُ فخاطبهم بِهَذَا الْخطاب، لِأَن الْمقَام مقَام التخويف والتحذير. قَوْله:(وَالله لَو تعلمُونَ) أَي: من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وَشدَّة عِقَابه وأهوال الْقِيَامَة وَأَحْوَالهَا كَمَا عَلمته لما ضحكتم أصلا، إِذْ الْقَلِيل بِمَعْنى العديم على مَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاق، فَإِن قلت: لَا يرتاب فِي صدق النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلم صدر كَلَامه بقوله (وَالله) فِي الْمَوْضِعَيْنِ؟ قلت: لإِرَادَة التَّأْكِيد لخبره، وَإِن كَانَ لَا يشك فِيهِ، لِأَن الْمقَام مقَام الْإِنْكَار عَمَّا يَلِيق فعله فَيَقْتَضِي التَّأْكِيد. وَقيل: معنى هَذَا الْكَلَام: لَو علمْتُم من سَعَة رَحْمَة الله وحلمه ولطفه وَكَرمه مَا أعلم لبكيتم على مَا فاتكم من ذَلِك. وَقيل: إِنَّمَا خص نَفسه صلى الله عليه وسلم بِعلم لَا يُعلمهُ غَيره لِأَنَّهُ لَعَلَّه أَن يكون مَا رَآهُ فِي عرض الْحَائِط من النَّار، وَرَأى فِيهَا منْظرًا شَدِيدا لَو علمت أمته من ذَلِك مَا علم صلى الله عليه وسلم لَكَانَ ضحكهم قَلِيلا وبكاؤهم كثيرا، إشفاقا وخوفا. وَقد حكى ابْن بطال عَن الْمُهلب: أَن سَبَب ذَلِك مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْصَار من محبَّة اللَّهْو والغناء، وَأَطْنَبَ فِيهِ ورد عَلَيْهِ ذَلِك بِأَنَّهُ قَول بِلَا دَلِيل وَلَا حجَّة فِي تخصيصهم بذلك والقضية كَانَت فِي أَوَاخِر زَمَنه صلى الله عليه وسلم مَعَ كَثْرَة الْأَصْنَاف من الْخَلَائق فِي الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ.