الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّين: حَدِيث عَائِشَة لَهُ طرق، وَلَكِن الَّذِي ذكر فِيهِ الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ ثَلَاث طرق: رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ، وَقد انْفَرد التِّرْمِذِيّ بوصلها وَذكرهَا البُخَارِيّ تَعْلِيقا، وَرِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن نمر عَن الزُّهْرِيّ، وَقد اتّفق على إخْرَاجهَا البُخَارِيّ وَمُسلم، وَرِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَقد انْفَرد بهَا أَبُو دَاوُد. قلت: لَهُ طرق أَرْبَعَة أخرجهَا الطَّحَاوِيّ: عَن عقيل بن خَالِد الْأَيْلِي قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن خَالِد، قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن عقيل بن شهَاب عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جهر بِالْقِرَاءَةِ فِي كسوف الشَّمْس) ، وَله طَرِيق خَامِسَة أخرجهَا الدَّارَقُطْنِيّ عَن إِسْحَاق بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ، وَهَذِه طرق متعاضدة يحصل بهَا الْجَزْم فِي ذَلِك، فَحِينَئِذٍ لَا يلْتَفت إِلَى تَعْلِيل من أعله بسفيان بن حُسَيْن وَغَيره، فَلَو لم تكن فِي ذَلِك إلاّ رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ لكَانَتْ كَافِيَة، وَقد رُوِيَ الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الْكُسُوف عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن شيبَة حَدثنَا قبيصَة، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن الشَّيْبَانِيّ عَن الحكم (عَن حَنش: أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جهر بِالْقِرَاءَةِ فِي كسوف الشَّمْس) . وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة أَيْضا، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقد صلى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَا روينَاهُ عَن فَهد بن سُلَيْمَان عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن زُهَيْر عَن الْحسن بن الْحر، قَالَ:(وَحدثنَا الحكم عَن رجل يدعى حنشا عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه صلى بِالنَّاسِ فِي كسوف الشَّمْس كَذَلِك، ثمَّ حَدثهمْ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَذَلِك فعل) ، وَلَو لم يجْهر النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، حِين صلى عَليّ مَعَه لما جهر عَليّ أَيْضا، لِأَنَّهُ علم أَن السّنة فَلم يتْرك الْجَهْر، وَالله أعلم.
71 -
(كتابُ سُجُودِ القُرْآن)
1 -
(أبْوَابُ سُجُودُ القُرآن)
أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي سُجُود الْقُرْآن، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره:(بَاب مَا جَاءَ فِي سُجُود الْقُرْآن وسنتها) أَي: سنة سَجْدَة التِّلَاوَة، وَوَقع للأصيلي:(وسنته)، بتذكير الضَّمِير أَي: سنة السُّجُود، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر الْبَسْمَلَة.
7601 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الأسْودَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَرَأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ بِمَكَّةَ سْجَدَ فِيهَا وسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرُ شَيْخٍ أخَذَ كَفَّا منْ حَصًى أوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِيني هاذا فَرَأيْتُهُ بَعْدَ ذالِكَ قُتِلَ كافِرا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة فِيمَا جَاءَ فِي سُجُود الْقُرْآن وَهَذِه السُّورَة أَعنِي سُورَة النَّجْم مِمَّا جَاءَت فِيهَا السَّجْدَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة: الملقب ببندار الْبَصْرِيّ وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة على الْأَصَح وبالراء: وَهُوَ لقب مُحَمَّد ابْن جَعْفَر، مر فِي: بَاب ظلم دون ظلم. الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي. الْخَامِس: الْأسود بن زيد النَّخعِيّ. السَّادِس: عبد الله بن مَسْعُود.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وغندر بَصرِي أَيْضا وَشعْبَة واسطي وَأَبُو إِسْحَاق وَالْأسود كوفيان. وَفِيه: غنْدر مَذْكُور بلقبه، وَأَبُو إِسْحَاق بكنيته، وَشعْبَة وَالْأسود مذكوران بِغَيْر نِسْبَة، وَكَذَلِكَ عبد الله. وَفِيه: من يروي عَن زوج أمه وَهُوَ: غنْدر، لِأَنَّهُ ابْن امْرَأَة شُعْبَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب عَن حَفْص بن عمر الحوضي، وَفِي مبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الْمَغَازِي عَن عبد الله عَن أَبِيه، وَفِي التَّفْسِير عَن نصر بن عَليّ، وَأخرجه مُسلم
فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الحوضي بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود عَن خَالِد عَن شُعْبَة بِهِ مُخْتَصرا قَرَأَ النَّجْم فَسجدَ فِيهَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَرَأَ النَّجْم) أَي: سُورَة والنجم. قَوْله: (بِمَكَّة) أَي: فِي مَكَّة، ومحلها النصب على الْحَال. قَوْله:(وَسجد من مَعَه) أَي: مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكلمَة: من، مَوْصُولَة بِمَعْنى: الَّذِي. قَوْله: (غير شيخ) سَمَّاهُ فِي تَفْسِير سُورَة النَّجْم من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق أُميَّة بن خلف، وَوَقع فِي سير ابْن إِسْحَاق أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لم يقتل، وَقيل: عتبَة بن ربيعَة، وَقيل: أَبُو أحيجة سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي النَّسَائِيّ:(عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم سجد فِي النَّجْم وَسجد النَّاس مَعَه، قَالَ الْمطلب فَلم أَسجد مَعَهم وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرك)، وَفِي لفظ:(فأبيت أَن أَسجد مَعَهم، وَلم يكن يَوْمئِذٍ أسلم، فَلَمَّا أسلم قَالَ: لَا أدع السُّجُود فِيهَا أبدا) . وَقَالَ ابْن بزيزة: كَانَ منافقا، وَفِيه نظر، لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة وَإِنَّمَا المُنَافِقُونَ فِي الْمَدِينَة، وَفِي (المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح (عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: سجد النَّبِي صلى الله عليه وسلم والمسلمون فِي النَّجْم إلاّ رجلَيْنِ من قُرَيْش، أَرَادَ بذلك الشُّهْرَة) . قَوْله: (فرأيته) الرَّائِي هُوَ عبد الله بن مَسْعُود، أَي: رَأَيْت الشَّيْخ الْمَذْكُور (بعد ذَلِك قتل كَافِرًا) ببدر، ويروى:(فرأيته بعدُ قتل كَافِرًا) بِضَم الدَّال، أَي: بعد ذَلِك.
ذكر مَا يتَعَلَّق بِحكم هَذَا الْبَاب: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِي أَن سَبَب وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة، التِّلَاوَة فِي حق التَّالِي وَالسَّمَاع فِي حق السَّامع، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَا خلاف فِي كَون التِّلَاوَة سَببا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي سَبَبِيَّة السماع، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ سَبَب لقَولهم السَّجْدَة على من سَمعهَا، وَهُوَ اخْتِيَار شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ السماع بِسَبَب، وَقَالَ الوبري: سَبَب وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة ثَلَاثَة: التِّلَاوَة وَالسَّمَاع والاقتداء بِالْإِمَامِ وَإِن لم يسْمعهَا وَلم يَقْرَأها، وللشافعية ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَنه فِي حق السَّامع من غير قصد يسْتَحبّ، وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص فِي الْبُوَيْطِيّ وَغَيره، وَلَا يتَأَكَّد فِي حَقه. الْوَجْه الثَّانِي: هُوَ كالمستمع. وَالثَّالِث: لَا يسن لَهُ، وَبِه قطع أَبُو حَامِد والبندنيجي.
الثَّانِي: أَن سَجْدَة التِّلَاوَة أسنة أم وَاجِبَة؟ فَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى وُجُوبهَا على التَّالِي وَالسَّامِع، سَوَاء قصد سَماع الْقُرْآن، أَو لم يقْصد، وَاسْتدلَّ صَاحب (الْهِدَايَة) على الْوُجُوب بقوله صلى الله عليه وسلم:(السَّجْدَة على من سَمعهَا، السَّجْدَة على من تَلَاهَا) . ثمَّ قَالَ كلمة: على، للْإِيجَاب، والْحَدِيث غير مُقَيّد بِالْقَصْدِ. قلت: هَذَا غَرِيب لم يثبت، وَإِنَّمَا روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه)(عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: السَّجْدَة على من سَمعهَا) . وَفِي البُخَارِيّ (قَالَ عُثْمَان: إِنَّمَا السُّجُود على من اسْتمع) . وَاسْتدلَّ أَيْضا بِالْآيَاتِ: {فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ وَإِذا قرىء عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} (الانشقاق: 02، 12) . {فاسجدوا لله واعبدوا} (النَّجْم: 26) . واسجد واقترب} (العلق: 91) . وَقَالُوا: الذَّم لَا يتَعَلَّق إلاّ بترك وَاجِب، وَالْأَمر فِي الْآيَتَيْنِ للْوُجُوب، وروى ابْن أبي شيبَة (عَن حَفْص عَن حجاج عَن إِبْرَاهِيم وَنَافِع وَسَعِيد ابْن جُبَير: أَنهم قَالُوا: من سمع السَّجْدَة فَعَلَيهِ أَن يسْجد) . وَعَن إِبْرَاهِيم بِسَنَد صَحِيح: (إِذا سمع الرجل السَّجْدَة وَهُوَ يُصَلِّي فليسجد)، وَعَن الشّعبِيّ:(كَانَ أَصْحَاب عبد الله إِذا سمعُوا السَّجْدَة سجدوا، فِي صَلَاة كَانُوا أَو غيرهآ) . وَقَالَ شُعْبَة: (سَأَلت حمادا عَن الرجل يُصَلِّي فَيسمع السَّجْدَة؟ قَالَ: يسْجد) . وَقَالَ الحكم مثل ذَلِك، وَحدثنَا هشيم: أخبرنَا مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يَقُول فِي الْجنب: (إِذا سمع السَّجْدَة يغْتَسل، ثمَّ يقْرؤهَا فيسجدها، فَإِن كَانَ لَا يحسنها قَرَأَ غَيرهَا ثمَّ يسْجد) . وَحدثنَا حَفْص (عَن حجاج عَن فُضَيْل عَن إِبْرَاهِيم وَعَن حَمَّاد وَسَعِيد بن جُبَير قَالُوا: إِذا سمع الْجنب السَّجْدَة اغْتسل ثمَّ سجد) . وَحدثنَا عبيد الله ابْن مُوسَى عَن أبان الْعَطَّار عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب (عَن عُثْمَان فِي الْحَائِض تسمع السَّجْدَة؟ قَالَ: تومىء برأسها، وَتقول: اللَّهُمَّ لَك سجدت) . (وَعَن الْحسن فِي رجل نسي السَّجْدَة من أول صلَاته فَلم يذكرهَا حَتَّى كَانَ فِي آخر رَكْعَة من صلَاته، قَالَ: يسْجد فِيهَا ثَلَاث سَجدَات، فَإِن لم يذكرهَا حَتَّى يقْضِي صلَاته غير أَنه لم يسلم مَعَه، قَالَ: يسْجد سَجْدَة وَاحِدَة مَا لم يتَكَلَّم، فَإِن تكلم اسْتَأْنف الصَّلَاة) . وَعَن إِبْرَاهِيم: (إِذا نسي السَّجْدَة فليسجدها مَتى مَا ذكرهَا فِي صلَاته)، وَسُئِلَ مُجَاهِد فِي رجل شكّ فِي سَجْدَة وَهُوَ جَالس لَا يدْرِي سجدها أم لَا؟ قَالَ مُجَاهِد: إِن شِئْت فاسجدها، فَإِذا قضيت صَلَاتك فاسجد سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس، وَإِن شِئْت فَلَا تسجدها واسجد سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس فِي آخر صَلَاتك) . وَذهب الشَّافِعِي وَمَالك فِي أحد قوليه وَأحمد وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاوُد إِلَى: أَنَّهَا سنة، وَهُوَ قَول عمر وسلمان وَابْن عَبَّاس وَعمْرَان بن الْحصين، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَدَاوُد. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند الْمَالِكِيَّة خلاف فِي كَونهَا سنة أَو فَضِيلَة، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي:
(إِن الله لم يكْتب علينا السُّجُود إلاّ أَن نشَاء)، وَهَذَا يَنْفِي الْوُجُوب. قَالُوا: قَالَ عمر هَذَا القَوْل وَالصَّحَابَة حاضرون، وَالْإِجْمَاع السكوتي حجَّة عِنْدهم، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث زيد بن ثَابت الْآتِي، (قَالَ: قرىء على النَّبِي صلى الله عليه وسلم والنجم فَلم يسْجد فِيهَا) . وَبِحَدِيث الْأَعرَابِي: (هَل عَليّ غَيرهَا؟ قَالَ: لَا، إلاّ أَن تطوع) . أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَبِحَدِيث سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؛ (أَنه دخل الْمَسْجِد وَفِيه قوم يقرأون فقرأوا السَّجْدَة، فسجدوا فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا أَبَا عبد الله لَوْلَا أَتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم؟ فَقَالَ مَا لهَذَا غدونا) . رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة.
وَاسْتَدَلُّوا بالمعقول من وُجُوه: الأول: أَنَّهَا لَو كَانَت وَاجِبَة لما جَازَت بِالرُّكُوعِ كالصلبية. الثَّانِي: أَنَّهَا لَو كَانَت وَاجِبَة لما تداخلت. الثَّالِث: لما أدّيت بِالْإِيمَاءِ من رَاكب يقدر على النُّزُول. الرَّابِع: أَنَّهَا تجوز على الرَّاحِلَة، فَصَارَ كالتأمين. الْخَامِس: لَو كَانَت وَاجِبَة لبطلت الصَّلَاة بِتَرْكِهَا كالصلبية.
الْجَواب عَن حَدِيث زيد بن ثَابت أَن مَعْنَاهُ: أَنه لم يسْجد على الْفَوْر، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَنه لَيْسَ فِي النَّجْم سَجْدَة، وَلَا فِيهِ نفي الْوُجُوب. وَعَن حَدِيث الْأَعرَابِي: أَنه فِي الْفَرَائِض، وَنحن لم نقل: إِن سَجْدَة التِّلَاوَة فرض، وَمَا رُوِيَ عَن سلمَان وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فموقوف وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم.
وَالْجَوَاب: عَن دليلهم الْعقلِيّ. أما عَن الأول: فلَان أداءها فِي ضمن شَيْء لَا يُنَافِي وُجُوبهَا فِي نَفسهَا، كالسعي إِلَى الْجُمُعَة يتَأَدَّى بالسعي إِلَى الْجُمُعَة يتَأَدَّى بالسعي إِلَى التِّجَارَة. وَعَن الثَّانِي: إِنَّمَا جَازَ التَّدَاخُل لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا إِظْهَار الخضوع والخشوع، وَذَلِكَ يحصل بِمرَّة وَاحِدَة. وَعَن الثَّالِث: لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبت، فَإِن تلاوتها على الدَّابَّة مَشْرُوعَة فَكَانَ كالشروع على الدَّابَّة فِي التَّطَوُّع. وَعَن الرَّابِع: كَانَت تلاوتها مَشْرُوعَة على الرَّاحِلَة فَلَا يُنَافِي الْوُجُوب. وَعَن الْخَامِس: أَن الْقيَاس على الصلبية فَاسد، لِأَنَّهَا جُزْء فِي الصَّلَاة، وَسجْدَة التِّلَاوَة لَيست بِجُزْء الصَّلَاة.
الثَّالِث: فِي أَنهم اخْتلفُوا فِي عدد سُجُود الْقُرْآن على اثْنَي عشر قولا: الأول: مَذْهَبنَا أَنَّهَا: أَربع عشرَة سَجْدَة: فِي آخر الْأَعْرَاف، والرعد، والنحل، وَبني إِسْرَائِيل، وَمَرْيَم، وَالْأولَى فِي الْحَج، وَالْفرْقَان، والنمل، وآلم تَنْزِيل، وص، وحم السَّجْدَة، والنجم، وَإِذا السَّمَاء انشقت، واقرأ باسم رَبك. الثَّانِي: إِحْدَى عشرَة، بِإِسْقَاط الثَّلَاث من الْمفصل، وَبِه قَالَ الْحسن وَابْن الْمسيب وَابْن جُبَير وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَعَطَاء وطاووس وَمَالك فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. الثَّالِث: خمس عشرَة، وَبِه قَالَ المدنيون عَن مَالك، فكملتها: ثَانِيَة الْحَج، وَهُوَ مَذْهَب عمر وَابْنه عبد الله وَاللَّيْث وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَرِوَايَة عَن أَحْمد، وَاخْتَارَهُ الْمروزِي وَابْن شُرَيْح الشافعيان. الرَّابِع: أَربع عشرَة، بِإِسْقَاط ص وَهُوَ أصح قولي الشَّافِعِي وَأحمد. الْخَامِس: أَربع عشرَة بِإِسْقَاط سَجْدَة النَّجْم، وَهُوَ قَول أبي ثَوْر. السَّادِس: ثنتا عشرَة، بِإِسْقَاط: ثَانِيَة الْحَج، وص، والانشقاق، وَهُوَ قَول مَسْرُوق، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ. السَّابِع: ثَلَاث عشرَة، بِإِسْقَاط ثَانِيَة الْحَج والإنشقاق، وَهُوَ قَول عَطاء الْخُرَاسَانِي. الثَّامِن: أَن عزائم السُّجُود خمس: الْأَعْرَاف، وَبَنُو إِسْرَائِيل، والنجم، والإنشقاق، واقرأ باسم رَبك، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن أبراهيم عَنهُ. التَّاسِع: عَزَائِمه أَربع: آلم تَنْزِيل، وحم تَنْزِيل، والنجم، واقرأ باسم رَبك، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عَفَّان عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن عبد الله بن عَبَّاس عَنهُ. الْعَاشِر: ثَلَاث، قَالَه سعيد بن جُبَير، وَهِي: آلم تَنْزِيل، وحم تَنْزِيل، والنجم، واقرأ باسم رَبك، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن دَاوُد يَعْنِي ابْن أبي إِيَاس عَن جَعْفَر عَنهُ. الْحَادِي عشر: عزائم السُّجُود: آلم تَنْزِيل، والأعراف، وحم تَنْزِيل، وَبَنُو إِسْرَائِيل، وَهُوَ مَذْهَب عبد بن عُمَيْر. الثَّانِي عشر: عشر سَجدَات، قالته جمَاعَة. قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا أُسَامَة حَدثنَا ثَابت بن عمَارَة عَن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي أَن أشياخا من الهجيم بعثوا رَسُولا لَهُم إِلَى الْمَدِينَة وَإِلَى مَكَّة يسْأَل لَهُم عَن سُجُود الْقُرْآن، فَأخْبرهُم أَنهم أَجمعُوا على عشر سَجدَات، وَذهب ابْن حزم إِلَى أَنَّهَا تسْجد للْقبْلَة ولغير الْقبْلَة، وعَلى طَهَارَة وعَلى غير طَهَارَة، قَالَ: وثانية الْحَج لَا نقُول بهَا أصلا فِي الصَّلَاة، وَتبطل الصَّلَاة بهَا، يَعْنِي: إِذا سجدت. قَالَ لِأَنَّهَا لم تصح بهَا سنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أجمع عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا أثر مُرْسل. قلت: الظَّاهِر أَنه غفل وَذهل، بل فِيهَا حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الْحَاكِم، (عَن عَمْرو بن الْعَاصِ: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة فِي الْقُرْآن الْعَظِيم، مِنْهَا ثَلَاثَة فِي الْمفصل. الرَّابِع: السَّجْدَة فِي آخر الْأَعْرَاف: {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ} (الْأَعْرَاف: 602) . وَفِي الرَّعْد عِنْد: {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وظلالهم بِالْغُدُوِّ