الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 - كِتَاب الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَات
[3969]
(عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) فَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (قَرَأَ وَاتَّخِذُوا) أى بصيغة الأمر كما هو الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ
وَقَدْ جَاءَتِ الْقِرَاءَةُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْضًا وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا فَقَرَأَ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ الْحَدِيثَ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ كَانُوا يقرؤون (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قَالَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا
وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَرَأَهَا (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلى) بِخَفْضِ الْخَاءِ انْتَهَى
وَفِي غَيْثِ النَّفْعِ فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ (وَاتَّخِذُوا) قَرَأَ نَافِعٌ وَالشَّامِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ فِعْلًا مَاضِيًا وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى الْأَمْرِ انْتَهَى
وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَاتَّخِذُوا) الْآيَةَ هُوَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قِيلَ الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَقِيلَ أَرَادَ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعَ مَشَاهِدِ الْحَجِّ مِثْلَ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَالرَّمْيِ وَسَائِرِ الْمَشَاهِدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي يُصلِّي عِنْدَهُ الْأَئِمَّةُ وَذَلِكَ الْحَجَرُ هُوَ الَّذِي قام إبراهيم عليه السلام عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ عِنْدَهَ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ وَتَقْبِيلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أن رسول الله اعْتَمَرَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رسول الله لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[3970]
(حَمَّادٌ) هُوَ بن سَلَمَةَ ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ (يَقْرَأُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ سمع رسول الله رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ (كَائِنٍ) عَلَى وَزْنِ قَائِمٍ كَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي كَأَيٍّ وَفِي بَعْضِهَا كَأَيِّنْ وَفِي بَعْضِهَا كَأَيٍّ
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّمُودِ أَيْ كَمْ مِنْ آيَةٍ وَفِيهَا لُغَاتٌ أَشْهَرُهَا كَأَيٍّ بِالتَّشْدِيدِ وَمِنْهَا كَائِنْ بِوَزْنِ قَائِمٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي غَيْثِ النَّفْعِ تَحْتَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ) الآية وكأئن قرئ المسكى بِالْأَلِفِ وَبَعْدَهُ هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَيَاءٍ مَكْسُورَةٍ مُشَدَّدَةٍ انْتَهَى (أَذْكَرَنِيهَا اللَّيْلَةَ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ سَمِعَ النبي رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً مِنْ سُورَةِ كَذَا
قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ (كُنْتُ قَدْ أُسْقِطْتُهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوِ الْمَعْرُوفِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا
وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ أُسْقِطْتُهَا فَكَأَنَّهُ قَالَهُ أُسْقِطْتُهَا نِسْيَانًا لَا عَمْدًا قَالَ الْحَافِظُ
قَالَ الْعُلَمَاءُ ويجوز النسيان على رسول الله فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَالتَّعْلِيمُ قَالَهُ عِيَاضٌ والنووي وبن حَجَرٍ رحمه الله
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (أَيْ فِي أَبْوَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ) انْتَهَى
[3971]
(نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ هَكَذَا روي عن عكرمة ومقسم عن بن عَبَّاسٍ
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ نَزَلَتْ فِي غَنَائِمِ أُحُدٍ حِينَ تَرَكَ الرُّمَاةُ الْمَرْكَزَ لِلْغَنِيمَةِ وَقَالُوا نخشى أن يقول
رسول الله مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَأَنْ لَا يَقْسِمَ الْغَنَائِمَ كَمَا لَمْ يَقْسِمْهَا يَوْمَ بَدْرٍ فَتَرَكُوا الْمَرْكَزَ وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ فَقَالَ لَهُمُ النبي أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ أَنْ لَا تَتْرُكُوا الْمَرْكَزَ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمْرِي قَالُوا تَرَكْنَا بَقِيَّةَ إِخْوَانِنَا وقوفا فقال بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنَّا نَغُلُّ وَلَا نَقْسِمُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أن يغل) قرأ بن كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ يَغُلَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ مَعْنَاهُ أَنْ يَخُونَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأُمَّةُ
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ وَلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغُلُولِ أيضا ومعناه وما كان لنبي أَنْ يُخَانَ أَيْ تَخُونُهُ أُمَّتُهُ
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِغْلَالِ وَمَعْنَاهُ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَوَّنَ أَيْ يُنْسَبَ إِلَى الْخِيَانَةِ كَذَا فِي الْمَعَالِمِ وَالْخَازِنِ
وَفِي غَيْثِ النَّفْعِ أَنْ يَغُلَّ قَرَأَ نَافِعٌ وَالشَّامِيُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ انْتَهَى (قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَغُلَّ مَفْتُوحَةَ الْيَاءِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ وُجِدَتْ فِي النُّسْخَتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مِقْسَمٍ وَلَمْ يذكر فيه عن بن عَبَّاسٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ خُصَيْفٌ وَهُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى
[3972]
(مِنَ الْبُخْلِ) بِضَمِّ الْبَاءِ كَذَا بِخَطِّ الْخَطِيبِ هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْبَخَلُ مَفْتُوحَةُ الْبَاءِ وَالْخَاءِ انْتَهَى
وَفِي سورة الحديد (ويأمرون بالبخل) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الخاء وقرىء بفتحتين وهي لغة الأنصار وقرىء بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَضَمِّهِمَا كُلُّهَا لُغَاتٌ
وَفِي الْقَامُوسِ وَشَرْحُهُ أَنَّهُ قُرِئَ بِاللُّغَاتِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْبُخْلُ وَالْبُخُلُ كَقُفْلٍ وَعُنُقٍ وَالْبَخْلُ وَالْبَخَلُ كَنَجْمٍ وَجَبَلٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِطُولِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَتَمَّ مِنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الدُّعَاءِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ انْتَهَى
لَا تَحْسِبَنَّ) يَعْنِي بِكَسْرِ السِّينِ (وَلَمْ يَقُلْ لَا تَحْسَبَنَّ) أَيْ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الِاسْتِنْثَارِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ [3973](لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) فَالشَّامِيُّ وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ قَرَأَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ كَذَا فِي الْغَيْثِ وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ وقرىء قَوْلُهُ تَعَالَى (لَا تَحْسَبَنَّ وَلَا تَحْسِبَنَّ) أَيْ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[3974]
(فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ) تَصْغِيرُ غَنَمٍ أَيْ فِي غَنَمٍ قَلِيلٍ لَهُ (فَنَزَلَتِ) الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ) بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ يَعْنِي التَّحِيَّةَ يَعْنِي لَا تَقُولُوا لِمَنْ حَيَّاكُمْ بِهَذِهِ التَّحِيَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا فَتُقْدِمُوا عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ لِتَأْخُذُوا مَالَهُ وَلَكِنْ كُفُّوا عَنْهُ وَاقْبَلُوا مِنْهُ مَا أَظْهَرَهُ لَكُمْ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ هذا الحديث
وفيه قال قرأ بن عباس السلام كذا في الدر المنثور وقرىء السَّلَمَ بِفَتْحِ السِّينِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ أَيِ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ لَكُمْ وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (لَسْتَ مُؤْمِنًا) يَعْنِي لَسْتَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ قتقتلوه بِذَلِكَ
قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا رَأَى الْغُزَاةُ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ شِعَارَ الْإِسْلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ وَلَا يُغِيِرُوا عَلَيْهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِصَامٍ المزني قال كان رسول الله إِذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (تَبْتَغُونَ عرض الحياة الدنيا) أَيْ تَطْلُبُونَ الْغَنِيمَةَ الَّتِي هِيَ سَرِيعَةُ النَّفَادِ وَالذَّهَابِ وَعَرَضُ الدُّنْيَا مَنَافِعُهَا وَمَتَاعُهَا (تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ) هو تفسير من بن عباس لقوله تعالى (عرض الحياة الدنيا
قُلْتُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عن عمرو عن عطاء عن بن عباس فذكر نحوه
[3975]
(بن أَبِي الزِّنَادِ) بِالنُّونِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (وَهُوَ أَشْبَعُ) أَيْ حَدِيثُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ أَتَمُّ مِنْ غَيْرِهِ
وَقَدْ أَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ حَدِيثَهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فَقَالَ أخرج سعيد بن منصور وبن سعد وأحمد وأبو داود وبن المنذر وبن الْأَنْبَارِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله عَلَى فَخِذِي فَمَا وَجَدْتُ ثِقَلَ شَيْءٍ أَثْقَلَ من فخذ رسول الله ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ اكْتُبْ فَكَتَبْتُ فِي كَتِفٍ (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ في سبيل الله) إلى آخر الآية فقال بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَمَّا سَمِعَ فضل المجاهدين يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا قَضَى كَلَامَهُ غَشِيَتْ رسول الله السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَوَجَدْتُ ثِقَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا وَجَدْتُ فِي الْمَرَّةِ الأولى ثم سري عن رسول الله فَقَالَ اقْرَأْ يَا زَيْدُ فَقَرَأْتُ (لَا يَسْتَوِي القاعدون من المؤمنين) فقال رسول الله اكتب (غير أولى الضرر) الْآيَةَ قَالَ زَيْدٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَحْدَهَا فَأَلْحَقْتُهَا
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِفٍ انْتَهَى (كَانَ يَقْرَأُ غير أولى الضرر) غير بالحركات الثلاث قرأ بالرفع بن كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَعَاصِمٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْقَاعِدُونَ لِأَنَّ الْقَاعِدُونَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَوْ بدل منه
وقرأ نافع وبن عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَوِ الِاسْتِثْنَاءِ
وقرىء فِي الرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ
كَذَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حديث بن شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَذَكَرَهُ
[3976]
(وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) أَيْ بِالرَّفْعِ لَا بِالنَّصْبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
قال محمد يعني البخاري تفرد بن الْمُبَارَكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ انْتَهَى
[3977]
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) يَعْنِي وَفَرَضْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ نَفْسَ الْقَاتِلِ بِنَفْسِ الْمَقْتُولِ وِفَاقًا فَيُقْتَلُ بِهِ (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) بِالرَّفْعِ
وَسَيَجِيءُ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالْمَعْنَى أَيْ تُفْقَأُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ
وَتَمَامُ الْآيَةِ (وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ) يَعْنِي يُجْدَعُ بِهِ (وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ) يَعْنِي تُقْطَعُ بِهَا (وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ) يَعْنِي تُقْلَعُ بِهَا وَأَمَّا سَائِرُ الْأَطْرَافِ وَالْأَعْضَاءِ فَيَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ كَذَلِكَ (وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ) يَعْنِي فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهَذَا تَعْمِيمٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ النَّفْسَ وَالْعَيْنَ وَالْأَنْفَ وَالْأُذُنَ فَخَصَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ ثُمَّ قال تعالى والجروح قصاص عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ كَرَضٍّ فِي لَحْمٍ أَوْ كَسْرٍ فِي عَظْمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فِي بَطْنٍ يُخَافُ مِنْهَا التَّلَفُ فَلَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ الْأَرْشُ وَالْحُكُومَةُ
قَالَهُ الْخَازِنُ
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْعَيْنُ وما بعدها بالرفع
وقرأ بن كثير وبن عامر وأبو جعفر وعمرو وَالْجُرُوحُ بِالرَّفْعِ فَقَطْ
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ كَالنَّفْسِ انْتَهَى
[3978]
(عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الرُّومِ (اللَّهُ الَّذِي خلقكم من ضعف) أَيْ بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمَعْنَى أَيْ بَدَأَكُمْ وَأَنْشَأَكُمْ عَلَى ضَعْفٍ وَقِيلَ مِنْ مَاءٍ ضَعِيفٍ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ كَانَ جَنِينًا ثُمَّ طِفْلًا مَوْلُودًا وَمَفْطُومًا فَهَذِهِ أَحْوَالٌ غَايَةُ الضعف (فقال) بن عُمَرَ (مِنْ ضُعْفٍ) أَيْ بِضَمِّ الضَّادِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
قَالَ الْبَغَوَيُّ قُرِئَ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا
فَالضَّمُّ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَالْفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ
انْتَهَى
وَقَالَ النَّسَفِيُّ فَتَحَ الضَّادَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَضَمَّ غَيْرُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ حَفْصٍ وَهُمَا لُغَتَانِ وَالضَّمُّ أقوى في القراءة لما روي عن بن عمر قال قرأتها على رسول الله من ضعف فأقر أني مِنْ ضُعْفٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
[3979]
(عن أبي سعيد عن النبي مِنْ ضُعْفٍ) أَيْ بِضَمِّ الضَّادِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِيهِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَشْرَافِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
وَالَّذِي شَاهَدْنَاهُ فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ إِنَّمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ انْتَهَى
[3980]
(قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) أَيْ قَرَأَ أُبَيٌّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ هَكَذَا (بِفَضْلِ الله وبرحمته فبذلك) أَيْ بِذَلِكَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْعِظَةِ وَالشِّفَاءِ الْقُرْآنُ وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنَى الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ أَيْ فَبِذَلِكَ التَّطَوُّلِ وَالْإِنْعَامِ (فَلْتَفْرَحُوا) أَيْ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بِالتَّاءِ انْتَهَى
قُلْتُ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ (فليفرحوا) بِالْيَاءِ أَيْ لِيَفْرَحِ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ بِالتَّاءِ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3981]
(عَنِ الْأَجْلَحِ) هُوَ أَبُو حُجِّيَّةَ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) قَالَ السندي بالمثناة الفوقية على الخطاب وقد جاء صيغَةُ الْأَمْرِ لِلْمُخَاطَبِ بِاللَّامِ عَلَى قِلَّةٍ وَهَذَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ انْتَهَى (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا تجمعون) قال البغوي قرأ أبو جعفر وبن عَامِرٍ فَلْيَفْرَحُوا بِالْيَاءِ وَتَجْمَعُونَ بِالتَّاءِ وَقَرَأَ يَعْقُوبُ كِلَاهُمَا بِالتَّاءِ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فِيهِمَا أَيِ الْقُرْآنُ وَالْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَجْلَحٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
[3982]
(يَقْرَأُ) أَيْ فِي سُورَةِ هُودٍ (إِنَّهُ عَمِلَ) بِلَفْظِ الْمَاضِي (غَيْرَ صَالِحٍ) بِالنَّصْبِ قَالَ الْخَازِنُ
قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ عَمِلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَغَيْرَ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى عَوْدِ الْفِعْلِ عَلَى الِابْنِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَمِلَ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ وَكُلُّ هَذَا غَيْرُ صَالِحٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ عَمَلٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ اللَّامِ مَعَ التَّنْوِينِ وَغَيْرُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ أَنْ أُنْجِيَهُ مِنَ الْغَرَقِ عَمَلٌ غير صالح لأن طلب نجاة الكافر بعد ما حكم بِالْهَلَاكِ بَعِيدٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَوَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ
[3983]
(هَذِهِ الآية إنه عمل غير صالح) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ اللَّامِ مَعَ التَّنْوِينِ وَغَيْرُ بِضَمِّ الرَّاءِ (قَرَأَهَا إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَغَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عِنْدِي وَاحِدٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ هَذِهِ خَطِيبَةَ النِّسَاءِ
وَقَدْ رَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زوج النبي عِدَّةَ أَحَادِيثَ
[3984]
(لَوْ صَبَرَ) أَيْ مُوسَى عليه السلام (مِنْ صَاحِبِهِ) أَيِ الْخَضِرِ (الْعَجَبَ) وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رسول الله رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنِ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ (أَيْ حَيَاءٌ وَإِشْفَاقٌ)(فَلَا تُصَاحِبْنِي) بِالْأَلِفِ أَيْ فَارِقْنِي وَلَا تُصَاحِبْنِي
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فَلَا تُصَاحِبْنِي وَإِنْ سَأَلْتُكَ صُحْبَتَكَ
وَعَنْ يَعْقُوبَ فَلَا تَصْحَبْنِي أَيْ فَلَا تَجْعَلْنِي صاحبك (قد بلغت من لدني عُذْرًا أَيْ قَدْ وَجَدْتَ) عُذْرًا مِنْ قِبَلِي لَمَّا خَالَفْتُكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ لَدُنِي خَفِيفَةَ النُّونِ وَقَرَأَ آخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا انْتَهَى
وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ وَقَرَأَ نَافِعٌ (لَدُنِي) بِتَحْرِيكِ النُّونِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا عَنْ نُونِ الْوِقَايَةِ
وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ (لَدْنِي) بِتَحْرِيكِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ انْتَهَى
(طَوَّلَهَا) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ قَرَأَ جُمْلَةَ مِنْ لَدُنِّي مُثَقَّلَةً أَيْ بِضَمِّ الدَّالِ وَبِتَشْدِيدِ النُّونِ (حَمْزَةُ) الزَّيَّاتُ هُوَ فَاعِلُ طَوَّلَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[3978]
(أَنَّهُ قَرَأَهَا) أَيْ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي وَثَقَّلَهَا) أَيْ قَرَأَ النُّونَ فِي لَدُنِّي مُثَقَّلَةً مُشَدَّدَةً فَبِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو الْجَارِيَةِ الْعَبْدِيُّ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَلَا يُعْرَفُ اسْمُهُ
[3987]
(فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ ذَاتُ حَمْأَةٍ وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ وَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ كَعْبًا كَيْفَ تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَأَيْنَ تَغْرُبُ قَالَ نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهَا تَغْرُبُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ
وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أَيْ عِنْدَهَا عَيْنٌ حَمِئَةٌ أَوْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ مَوْضِعًا مِنَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعُمْرَانِ فَوَجَدَ الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغْرُبُ فِي وَهْدَةٍ مُظْلِمَةٍ كَمَا أَنَّ رَاكِبَ الْبَحْرِ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ قَالَهُ الْخَازِنُ
وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أَيْ ذَاتِ حَمْأَةٍ مِنْ حَمِيَتِ الْبِئْرُ إِذَا صَارَتْ ذَاتَ حَمْأَةٍ
وقرأ بن عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ حَامِيَةٍ أَيْ حارة ولا تنافي بينهما لجواز أن
تكون الْعَيْنُ جَامِعَةً لِلْوَصْفَيْنِ أَوْ حَمِئَةٌ عَلَى أَنَّ يَاءَهَا مَقْلُوبَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ بِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا (مُخَفَّفَةٌ) أَيْ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْحَاءِ أَيْ لا حامية كمافي قِرَاءَةٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ والصحيح ما روي عن بن عباس قراءته
ويروى أن بن عَبَّاسٍ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ وَارْتَفَعَا إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي ذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ لَاسْتَغْنَى بِرِوَايَتِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى كَعْبٍ انْتَهَى
[3987]
(إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ) أَيْ مِنْ أَهْلِ أَشْرَفِ الْجِنَانِ وَأَعْلَاهَا مِنَ الْعُلُوِّ وَكُلَّمَا عَلَا الشَّيْءُ وَارْتَفَعَ عَظُمَ قَدْرُهُ (لَيُشْرِفُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَالْإِشْرَافُ الِاطِّلَاعُ يُقَالُ أَشْرَفْتُ عَلَيْهِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (عَلَى) مَنْ تَحْتَهُ مِنْ (أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ) أَيْ تَسْتَنِيرُ اسْتِنَارَةً مُفْرِطَةً (بِوَجْهِهِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ إِشْرَاقِ إِضَاءَةِ وَجْهِهِ عَلَيْهَا (كَأَنَّهَا) أَيْ كَأَنَّ وُجُوهَ أَهْلِ عِلِّيِّينَ (كَوْكَبٌ) أَيْ كَكَوْكَبٍ (دُرِّيُّ) نِسْبَةً لِلدُّرِّ لِبَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ أَيْ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ مِنْ دُرٍّ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَالْإِشْرَاقِ وَالضِّيَاءِ
قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ (دُرِّيٌّ مَرْفُوعَةُ الدَّالِ لَا تُهْمَزُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ
قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ
دُرِّيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ أَيْ شَدِيدُ الْإِنَارَةِ نُسِبَ إِلَى الدُّرِّ فِي صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْكَوْكَبُ أَكْثَرَ ضَوْءًا مِنَ الدر
وقرأ أبو عمر وَالْكِسَائِيُّ دِرِّيءٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْهَمْزَةِ
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الدَّالِ وَالْهَمْزَةِ فَمَنْ كَسَرَ الدال فهو فعيل من الدر أو هو الدَّفْعُ لِأَنَّ الْكَوْكَبَ يَدْفَعُ الشَّيَاطِينَ مِنَ السَّمَاءِ وَشَبَّهَهُ بِحَالَةِ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَضْوَأُ وَأَنْوَرُ وَيُقَالُ هُوَ مِنْ دَرَأَ الْكَوْكَبُ إِذَا انْدَفَعَ مُنْقَضًّا فَيَتَضَاعَفُ ضَوْءُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
وَقِيلَ دِرِّيءٌ أَيْ طَالِعٌ يُقَالُ دَرَأَ النَّجْمُ إِذَا طَلَعَ وَارْتَفَعَ وَيُقَالُ دَرَأَ عَلَيْنَا فُلَانٌ أَيْ طَلَعَ وَظَهَرَ
فَأَمَّا رَفْعُ
الدَّالِ مَعَ الْهَمْزَةِ كَمَا قَرَأَ حَمْزَةُ قَالَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ هُوَ لَحْنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ انْتَهَى (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ (وَأَنْعَمَا) أَيْ وَزَادَا وَفَضُلَا عَنْ كَوْنِهِمَا أَهْلَ عِلِّيِّينَ
وَمِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِلَخْ مِنْ أَلْفَاظِ بقية الحديث
قال بن الْأَثِيرِ أَيْ زَادَا وَفَضُلَا يُقَالُ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنْعَمْتَ أَيْ زِدْتَ عَلَى الْإِنْعَامِ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ صَارَا إِلَى النَّعِيمِ وَدَخَلَا فِيهِ كَمَا يُقَالُ أَشْمَلَ إِذَا دَخَلَ فِي الشِّمَالِ انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ انْتَهَى
[3988]
(فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) وَتَمَامُ الْحَدِيثِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سبأ قال أتيت النبي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِهِمْ وَأَمَرَنِي فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ سَأَلَ عَنِّي مَا فَعَلَ الْغُطَيْفِيُّ فَأُخْبِرَ أَنِّي قَدْ سِرْتُ قَالَ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرَدَّنِي فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ ادْعُ الْقَوْمَ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَاقبَلْ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَلَا تَعْجَلْ حَتَّى أُحْدِّثَ إِلَيْكَ
قَالَ وَأُنْزِلَ فِي سَبَأٍ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثَ (فَتَيَامَنَ) مِنْهُمْ (سِتَّةٌ) أَيْ أَخَذُوا نَاحِيَةَ الْيَمَنِ وَسَكَنُوا بِهَا (وَتَشَاءَمَ) مِنْهُمْ (أَرْبَعَةٌ) أَيْ قَصَدُوا جِهَةَ الشَّأْمِ
زَادَ التِّرْمِذِيُّ فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ وَجُذَامُ وَغَسَّانُ وَعَامِلَةُ وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرُونَ وَحِمْيَرٌ وَكِنْدَةُ وَمَذْحِجٌ وَأَنْمَارٌ
فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَنْمَارٌ قَالَ الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ انْتَهَى
وَهَكَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُنْذِرِيِّ (وَقَالَ) عُثْمَانُ فِي رِوَايَتِهِ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَكَمِ) أَيْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَمَّا هَارُونُ فَقَالَ حَدَّثَنِي بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[3989]
(فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى) أَيْ فِي سُورَةِ سَبَأٍ (حتى إذا فزع عن قلوبهم) بصيغا الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْزِيعِ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ هُوَ فِي نُسْخَتِي بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ انْتَهَى
وَفِي الدر المنثور أخرج الحاكم وصححه وبن مردويه عن أبي هريرة أن النبي قَرَأَ فُرِّغَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يَعْنِي بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ المعجمة انتهى
وقال البغوي قرأ بن عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالزَّايِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ أَيْ كُشِفَ الْفَزَعُ
وَأُخْرِجَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَالتَّفْزِيعُ إِزَالَةُ الْفَزَعِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَالَ قَوْمٌ هُمُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ السَّبَبِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا يُفَزَّعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ مِنْ غَشْيَةٍ تُصِيبُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ عز وجل انْتَهَى
وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي الْمَدَارِكِ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أَيْ كُشِفَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِ الشَّافِعِينَ وَالْمَشْفُوعِ لَهُمْ بِكَلِمَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا رَبُّ الْعِزَّةِ فِي إِطْلَاقِ الْإِذْنِ وَفَزَّعَ شَامِيٌّ أَيِ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّفْزِيعُ إِزَالَةُ الْفَزَعِ انْتَهَى
وَفِي الْغَيْثِ فُزِّعَ قَرَأَ الشَّامِيُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالزَّايِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي قَالَ إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ
وَلِلتِّرْمِذِيِّ إِذَا قَضَى اللَّهُ فِي السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِتَمَامِهِ انْتَهَى
[3990]
(عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ) هُوَ الْبَكْرِيُّ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْخُرَاسَانِ رُوِيَ عَنْ أنس والحسن
وَأَرْسَلَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ صَدُوقٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ
(قَالَتْ قِرَاءَةُ النبي) أَيْ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ (بَلَى قَدْ جَاءَتْكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (آيَاتِي) أَيِ الْقُرْآنُ (فَكَذَّبْتِ بِهَا) بِكَسْرِ التَّاءِ وَقُلْتِ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَاسْتَكْبَرْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ تَكَبَّرْتِ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا (وَكُنْتِ مِنَ الْكَافِرِينَ) بِكَسْرِ التَّاءِ كَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى خِطَابِ النَّفْسِ
والمعنى كأنه بَلَى قَدْ جَاءَتْكِ آيَاتِي وَبَيَّنْتُ لَكِ الْهِدَايَةَ مِنَ الْغِوَايَةِ وَسَبِيلَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ وَمَكَّنْتُكِ مِنَ اخْتِيَارِ الْهِدَايَةِ عَلَى الْغِوَايَةِ وَاخْتِيَارِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ وَلَكِنْ تَرَكْتِ ذَلِكَ وَضَيَّعْتِهِ وَاسْتَكْبَرْتِ عَنْ قَبُولِهِ وَآثَرْتِ الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى وَاشْتَغَلْتِ بِضِدِّ مَا أُمِرْتِ بِهِ فَإِنَّمَا جَاءَ التَّضْيِيعُ مِنْ قِبَلِكِ فَلَا عُذْرَ لَكِ قَالَهُ النَّسَفِيُّ
وقال البيضاوي وتذكير الخطاب على المعنى وقرىء بِالتَّأْنِيثِ لِلنَّفْسِ انْتَهَى وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي بِنَصْبِ الْكَافِ فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِنَصْبِ التَّاءِ فِيهِنَّ كُلِّهنَّ انْتَهَى
وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا السَّيِّدُ مَحْمُودٌ الْأَلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ رُوحُ الْمَعَانِي وَتَذْكِيرُ الْخِطَابِ فِي جَاءَتْكَ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ الشَّخْصُ وَإِنَّ لفظها مؤنث سماعي وقرأ بن يعمر والجحدري وأبو حيوة والزعفراني وبن مقسم ومسعود بن صالح والشافعي عن بن كَثِيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى فِي اخْتِيَارِهِ وَالْعَبْسِيِّ جَاءَتِكِ إِلَخْ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ أبي بكر الصديق وابنته عائشة رضي الله عنه وروتها أم سلمة عن النبي وقرأ الحسن والأعمش والأعرج جاءتك بِالْهَمْزَةِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ بِوَزْنِ فَعَتْكَ وَهُوَ عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَيَّانَ مَقْلُوبٌ مِنْ جَاءَتْكَ قُدِّمَتْ لَامُ الْكَلِمَةِ وَأُخِّرَتِ الْعَيْنُ فَسَقَطَتِ الْأَلِفُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مُرْسَلٌ الرَّبِيعُ لَمْ يُدْرِكْ أُمَّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا أَيْ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ فَرُوحٌ أَيْ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ يَعْقُوبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا فَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَاهُ يَخْرُجُ رُوحُهُ فِي الرَّيْحَانِ وَقَالَ قَتَادَةُ الرَّوْحُ الرَّحْمَةُ أَيْ لَهُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَحَيَاةٌ وَبَقَاءٌ لَهُمْ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ فَلَهُ رَوْحٌ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَرَحٌ وَقَالَ الضَّحَّاكُ مَغْفِرَةٌ وَرَحْمَةٌ انْتَهَى وَرَيْحَانُ أَيْ وَلَهُ اسْتِرَاحَةٌ وَقِيلَ رِزْقٌ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي النَّوَادِرِ وَالْحَاكِمُ وصححه وأبو نعيم في الحلية وبن مَرْدَوْيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ بِرَفْعِ الرَّاءِ انْتَهَى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَبُو عِيسَى أَيِ الرَّمْلِيُّ أَحَدُ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ بَلَغَنِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ الْأَعْوَرِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَهَارُونُ الْأَعْوَرُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أَبُو مُوسَى هَارُونُ بْنُ مُوسَى المقرئ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى
[3992]
(قَالَ) أَحْمَدُ (بْنُ حَنْبَلٍ يَعْنِي عَنْ عَطَاءٍ) أَيْ يَرْوِي عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ فَكَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ لَمْ يَتَيَقَّنْ على ذَلِكَ وَشَكَّ بِأَنَّ عَمْرًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ (لَمْ أَفْهَمْ جَيِّدًا) أَيْ لَمْ أَفْهَمْ فَهْمًا كَامِلًا إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُفْيَانَ بِأَنَّ عَمْرًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ لَمْ أَفْهَمْ جَيِّدًا أَيْ لَمْ أَفْهَمْ كَامِلًا إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُفْيَانَ بِأَنَّ عَمْرًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَكِنْ رَوَى الْحَدِيثَ سِتَّةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ سُفْيَانَ وَكُلُّهمْ رَوَوْهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ بِلَا شَكٍّ
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ سمعت النبي يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي صِفَةِ النَّارِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَفِي التَّفْسِيرِ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَفِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْحُرُوفِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ قُتَيْبَةَ وَفِي التَّفْسِيرِ أيضا عن إسحاق بن إبراهيم سبعتهم عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ قَالَ بن حَنْبَلٍ لَمْ أَفْهَمْهُ جَيِّدًا عَنْهُ انْتَهَى (عَنْ صَفْوَانَ) يَرْوِي عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ (قَالَ) أَحْمَدُ (بن عبدة) في روايته (بن يَعْلَى) أَيْ صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى وَلَمْ يَنْسِبْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَبِيهِ يَعْلَى (عَنْ أبيه) يعلى بن مية التميمي قاله الزي (نَادَوْا يَا مَالِكُ) أَيْ بِإِثْبَاتِ الْكَافِ بِلَا تَرْخِيمٍ وَفِي قِرَاءَةٍ يَا مَالِ بِالتَّرْخِيمِ وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ (ونادوا يا مالك) وقرىء يَا مَالُ عَلَى التَّرْخِيمِ مَكْسُورًا وَمَضْمُومًا انْتَهَى
وفي روح المعاني وقرأعلي وبن مسعود رضي الله عنهما وبن وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ يَا مَالِ بِالتَّرْخِيمِ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَيْ يَدْعُونَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ يَسْتَغِيثُونَ بِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ
[3993]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود (أقرأ ني رسول الله) أَيْ فِي سُورَةِ وَالذَّارِيَاتِ (إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذو القوة المتين) شديدة الْقُوَّةِ
وَالْمَتِينُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِذُو وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِلْقُوَّةِ
قَالَهُ النَّسَفِيُّ
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَقُرِئَ إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ وَقُرِئَ الْمَتِينُ بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِلْقُوَّةِ انْتَهَى
قُلْتُ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ (إِنَّ الله هو الرزاق) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَأَخْرَجَ أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وبن الأنباري في المصاحف وبن حبان والحاكم وصححه وبن مردوية والبيهقي في الأسماء والصفات عن بن مَسْعُودٍ قَالَ أَقْرَأَنِي فَذَكَرَهُ
[3994]
(عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ (كَانَ يَقْرَأُهَا) أَيْ سُورَةَ الْقَمَرِ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأَصْلُهُ مُذْتَكِرٍ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَاسْتُثْقِلَ الْخُرُوجُ مِنْ حَرْفٍ مَجْهُورٍ وَهُوَ الذَّالُ إِلَى حَرْفٍ مَهْمُوسٍ وَهُوَ التَّاءُ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا مُهْمَلَةً لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْمُعْجَمَةُ فِي الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ قَلْبِ الْمُعْجَمَةِ إِلَيْهَا لِلتَّقَارُبِ
وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ مُذَّكِرٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَلِذَا قَالَ بن مسعود رضي الله عنه إن النبي قَرَأَهَا مُدَّكِرٍ يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
وَقَالَ النَّسَفِيُّ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أَيْ مُتَّعِظٍ يَتَّعِظُ وَيَعْتَبِرُ وَأَصْلُهُ مُذْتَكِرٍ بِالذَّالِ وَالتَّاءِ وَلَكِنَّ التَّاءَ أُبْدِلَتْ مِنْهَا الدَّالُ
وَالدَّالُ وَالذَّالُ مِنْ مَوْضِعٍ فَأُدْغِمَتِ الذَّالُ فِي الدَّالِ انْتَهَى
قَالَ الْخَازِنُ أَيْ مُتَّعِظٍ بِمَوْعِظَةٍ وَمُتَذَكِّرٍ معتبر
وأخرج الشيخان عن بن مسعود
قال قرأت على رسول الله مُذَّكِرٍ فَرَدَّهَا عَلَيَّ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سَمِعْتُهُ يَقُولُ مُدَّكِرٍ دَالًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
[3991]
(سمعت رسول الله يَقْرَؤُهَا) أَيْ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ (فَرُوحٌ) أَيْ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ
قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ يَعْقُوبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا فَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَاهُ يَخْرُجُ رُوحُهُ فِي الرَّيْحَانِ وَقَالَ قَتَادَةُ الرَّوْحُ الرَّحْمَةُ أَيْ لَهُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَحَيَاةٌ وَبَقَاءٌ لَهُمْ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ فَلَهُ رَوْحٌ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَرَحٌ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ مَغْفِرَةٌ وَرَحْمَةٌ انْتَهَى (وَرَيْحَانُ) أَيْ وَلَهُ اسْتِرَاحَةٌ وَقِيلَ رِزْقٌ
قَالَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ
أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي النَّوَادِرِ وَالْحَاكِمُ وصححه وأبو نعيم في الحلية وبن مَرْدَوْيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ يَقْرَأُ (فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ) بِرَفْعِ الرَّاءِ انْتَهَى
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَبُو عِيسَى أَيِ الرَّمْلِيُّ أَحَدُ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ بَلَغَنِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ الْأَعْوَرِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَهَارُونُ الْأَعْوَرُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أَبُو مُوسَى هارون بن موسى المقرئ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بحديثه انْتَهَى
[3995]
(الذِّمَارِيُّ) بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ وَرَاءٍ مَنْسُوبٌ إِلَى ذِمَارٍ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ كَذَا فِي لُبِّ اللُّبَابِ (عن جابر) هو بن عبد الله (قال رأيت النبي يَقْرَأُ أَيْ فِي) سُورَةِ الْهُمَزَةِ (أَيَحْسَبُ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِإِثْبَاتِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ يَحْسَبُ لَكِنْ مَا وَجَدْنَا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ فِي كُتُبِ التَّجْوِيدِ وَالتَّفْسِيرِ بَلِ الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ وَنُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ مِنِ السُّنَنِ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ أخرج بن حبان والحاكم وصححه وبن مَرْدَوْيهِ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ قَرَأَ (يَحْسِبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) بِكَسْرِ السِّينِ انْتَهَى
وَفِي غَيْثِ النَّفْعِ فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ يَحْسَبُ قَرَأَ الشَّامِيُّ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ انْتَهَى (أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَخْلُدُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَمُوتُ لِيَسَارِهِ وَغِنَاهُ
قَالَ الْحَسَنُ مَا رَأَيْتُ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍّ لَا يَقِينَ فِيهِ مِنَ الْمَوْتِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ لَا يَشُكُّونَ فِي الْمَوْتِ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ عَمَلَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَخْلُدُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَمُوتُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو هِشَامٍ الذِّمَارِيُّ الْأَنْبَارِيُّ وَثَّقَهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَانَ يُصَحِّفُ وَلَا يُحْسِنُ يَقْرَأُ كِتَابَهُ
وقَالَ أبو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ أَحَادِيثُهُ عَنْ سُفْيَانَ منا كبر انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَامِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَرَوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ضَعَّفَهُ الْفَلَّاسُ جِدًّا وَقِيلَ إِنَّهُ كَذَّبَهُ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ عَبْدِ الملك بن عبد الرحمن الصنعاني الذمار الْأَنْبَارِيِّ أَبُو هِشَامٍ الَّذِي وُلِّيَ الْقَضَاءَ فَقَتَلَهُ الْخَوَارِجُ يَرْوِي أَيْضًا عَنِ الثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْلَةَ وَثَّقَهُ الْفَلَّاسُ وَحَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حنبل وبن رَاهَوَيْهِ نَزَلَ الْبَصْرَةَ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّهْذِيبِ وَفَرَّقَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ بَيْنَ الشَّامِيِّ وَالذِّمَارِيِّ وَكِلَاهُمَا يَرْوِي عَنْهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَالشَّامِيُّ هُوَ الضَّعِيفُ انْتَهَى
[3996]
(عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَمَّنْ أَقْرَأَهُ رسول الله) أَيْ أَبُو قِلَابَةَ يَرْوِي عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الذي أقرأه رسول الله فَجَهَالَةُ الصَّحَابَةِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ (فيومئذ لا يعذب) بِفَتْحِ الذَّالِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (عَذَابَهُ أَحَدٌ ولا يوثق) بِفَتْحِ الثَّاءِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (أَحَدٌ) وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ فِيهِمَا
قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ لَا يُعَذَّبُ وَلَا يُوثَقُ بِفَتْحِ الذَّالِ وَالثَّاءِ عَلَى مَعْنَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الذَّالِ وَالثَّاءِ أَيْ لَا يُعَذِّبُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ الْكَافِرَ يَوْمَئِذٍ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ يَعْنِي لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ كَبَلَاغِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَذَابِ وَالْوَثَاقِ وَهُوَ الْإِسَارُ فِي السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ انْتَهَى
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ بن أبي حاتم عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَبَارَكَ (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يوثق وثاقه أحد) قَالَ لَا يُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَ اللَّهِ أَحَدٌ
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ منصور وعبد بن حميد وبن مردوية وبن جَرِيرٍ وَالْبَغَوِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أبي قلابة عمن أقرأه النبي
وَفِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ أَقْرَأهُ وَفِي لَفْظٍ أَقْرَأَ إِيَّاهُ (فَيَوْمَئِذٍ لَا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) مَنْصُوبَةَ الذَّالِ وَالثَّاءِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري
[3997]
(عن حماد) هو بن زَيْدٍ قَالَهُ الْمِزِّيُّ (أَوْ مَنْ أَقْرَأَهُ مَنْ أقرأه النبي) وَهَذَا شَكٌّ مِنَ
الرَّاوِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَنْ أَقْرَأَهُ فِي الْأَوَّلِ التَّابِعِيُّ وَبِالثَّانِي الصَّحَابِيُّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ وَبَيْنَ الصَّحَابَةِ وَاسِطَةٌ وَاحِدَةٌ
[3998]
(ذَكَرَ فِيهِ جِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) هَكَذَا فِي عِدَّةٍ مِنَ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَفِي نُسْخَةٍ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ (فَقَالَ) وفي أكثر النسخ فقرأ أي النبي (جبرائيل وَمِيكَائِلَ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَفَاجِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي جِبْرِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لُغَةً أَشْهَرُهَا وَأَفْصَحُهَا جِبْرِيلُ كَقِنْدِيلٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو ونافع وبن عَامِرٍ وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ
الثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ قراءة بن كَثِيرٍ وَالْحَسَنِ وَتَضْعِيفُ الْفَرَّاءِ لَهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فَعْلِيلٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّ إِذَا عُرِّبَ قَدْ يُلْحِقُونَهُ بِأَوْزَانِهِمْ وَقَدْ لَا يلحقونه مع أنه سمع سمويل الطائر
الثالثة جبرائيل كَسَلْسَبِيلٍ وَبِهَا قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَهِيَ لُغَةُ قَيْسٍ وَتَمِيمٍ
الرَّابِعَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا بِدُونِ يَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَتُرْوَى عَنْ عَاصِمٍ
الْخَامِسَةُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ اللَّامَ مُشَدَّدَةٌ وَتُرْوَى عَنْ عَاصِمٍ أَيْضًا وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ فِي لُغَتِهِمْ
السَّادِسَةُ جِبْرَائِلُ بِأَلِفٍ وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا مَكْسُورَةٍ بِدُونِ يَاءٍ وَبِهَا قَرَأَ عِكْرِمَةُ
السَّابِعَةُ مِثْلُهَا مَعَ زِيَادَةِ يَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ
الثَّامِنَةُ جِبْرَايِيلُ بِيَاءَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَبِهَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ
التَّاسِعَةُ جبرال
العاشرة وجبريل بِالْيَاءِ وَالْقَصْرِ وَهِيَ قِرَاءَةُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ جَبْرِينُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا بِكَسْرِ الْجِيمِ
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ جِبْرَاينُ
وَفِي الْكَشَّافِ جِبْرَايِيلُ بِوَزْنِ جِبْرَاعِيلَ انْتَهَى
وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ وَفِي جِبْرِيلَ ثَمَانِي لُغَاتٍ قرئ بهن أربع في المشهورة جبرائيل كَسَلْسَبِيلٍ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَجَبْرِيلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وحذف الهمزة قراءة بن كثير وجبريل كَجَحْمَرِشٍ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَجِبْرِيلُ كَقِنْدِيلٍ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ وَأَرْبَعٌ فِي الشَّوَاذِّ
جَبْرَئِلُ وَجَبْرَائِيلُ كَجَبْرَاعِيلَ وَجَبْرَائِلُ وَجَبْرَائِنُ وَمُنِعَ صَرْفُهُ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ وَمَعْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ انْتَهَى
وَفِي غَيْثِ النَّفْعِ قَرَأَ نَافِعٌ وَالْبَصْرِيُّ وَالشَّامِيُّ وَحَفْصٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بِلَا هَمْزَةٍ كَقِنْدِيلٍ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَكِّيُّ مِثْلُهُمْ إِلَّا أَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَشُعْبَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَالْأَخَوَانِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُمَا يَزِيدَانِ يَاءً تَحْتِيَّةً بَعْدَ الْهَمْزَةِ انْتَهَى
وَاخْتِلَافُ الْقِرَاءَةِ فِي مِيكَالَ سَيَأْتِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ [3999] قَالَ ذُكِرَ
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ الْأَعْمَشِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ ذُكِرَ (فَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ) هَذِهِ مَقُولَةٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ خَازِمٍ (ذَكَرَ رَسُولُ الله صَاحِبَ الصُّورِ) وَهُوَ إِسْرَافِيلُ عليه السلام
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ في البعث عن أبي سعيد الخدري قالقال رسول الله إِسْرَافِيلُ صَاحِبُ الصُّورِ وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (وَعَنْ يَسَارِهِ مِيكَائِلُ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَرَأَ نَافِعٌ مِيكَائِلُ كَمِيكَاعِلٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَعَاصِمٌ بِرِوَايَةِ حَفْصٍ مِيكَالُ كَمِيعَادٍ وَالْبَاقُونَ مِيكَائِيلُ بِالْهَمْزَةِ والياء بعدها وقرىء مِيكِئْلُ كِمِيكِعْلٍ وَمِيكَئِيلَ كَمِيكَعِيلٍ وَمِيكَاءِلُ انْتَهَى
وَفِي الْغَيْثِ قَرَأَ نَافِعٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ وَحَفْصٌ وَالْبَصَرِيُّ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ
وَلَا يَاءٍ كَمِيزَانٍ وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ وَالْيَاءِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ فِيهِ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ إِلَى آخِرِهَا وُجِدَتْ فِي نُسْخَتَيْنِ عَنِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ لَكِنْ لَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ (قَالَ خَلَفٌ) هُوَ بن هِشَامٍ الْبَغْدَادِيُّ لَهُ اخْتِيَارَاتٌ فِي الْقِرَاءَاتِ (مَا أعياني جبريل ومكائل) أَيْ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَمَا عَرَفْتَ
[4000]
(أَخْبَرَنَا معمر عن الزهري) عن النبي (قَالَ مَعْمَرٌ وَرُبَّمَا ذَكَرَ) أَيِ الزُّهْرِيُّ فِي سنده
(بن الْمُسَيَّبِ) مَفْعُولُ ذَكَرَ وَهُوَ سَعِيدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هذا الحديث عن الزهري أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤن (مالك يوم الدين) انتهى كلام الترمذي (يقرؤون مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْمِيمِ
قَالَ فِي الْغَيْثِ قَرَأَ عَاصِمٌ وَعَلِيٌّ بِإِثْبَاتِ أَلِفٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا انْتَهَى
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ (مَالِكِ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (مَلِكِ) قَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ مِثْلَ فَرِهِينَ وَفَارِهِينَ وَحَذِرِينَ وَحَاذِرِينَ انْتَهَى (وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَهَا مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْمِيمِ (مَرْوَانُ) بْنُ الْحَكَمِ وَهَذِهِ مَقُولَةٌ لِلزُّهْرِيِّ وَفِي الدُّرِّ أَخْرَجَ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُهُ عن الزهري أن رسول الله وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤونها (مالك يوم الدين) وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَهَا مَلِكِ بِغَيْرِ أَلِفٍ مَرْوَانُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وَقَرَأَ آخَرُونَ (مَالِكِ) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ فِي السَّبْعِ وَيُقَالُ مَالِكِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِإِسْكَانِهَا وَيُقَالُ مَلِيكِ أَيْضًا وَأَشْبَعَ نَافِعٌ كَسْرَةَ الْكَافِ فَقَرَأَ مَلِكِي يَوْمِ الدِّينِ
وَقَدْ رَجَّحَ كُلًّا مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَجِّحُونَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحَةٌ حَسَنَةٌ
وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَلِكِ لِأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ ولقوله (لمن الملك اليوم)(قوله الحق وله الملك) وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَرَأَ (مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ) عَلَى أَنَّهُ فَعِلٌ وَفَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ جِدًّا
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا غَرِيبًا حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الفضل عن أبي المطرف عن بن شهاب أنه بلغه أن رسول الله وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَابْنَهُ يَزِيدَ بن معاوية كانوا يقرأون (مالك يوم الدين) قال بن شِهَابٍ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ (مَلِكِ) مَرْوَانُ
قُلْتُ مروان عنده علم بصحتها قرأه لم يطلع عليه بن شِهَابٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ متعددة أوردها بن مردويه أن رسول الله كان يقرأها (مالك يوم الدين) انتهى كلام الحافظ بن كَثِيرٍ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا) أَيْ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ الْمُرْسَلُ (أَصَحُّ مِنْ) حَيْثُ الْإِسْنَادِ مِنْ (حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ) الْمُتَّصِلِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عن أنس أن النبي وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرَاهُ قَالَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يقرؤون (مالك يوم الدين) هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيِّ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمَلِكِ ارْمِ بِهِ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أخرج أحمد في الزهد والترمذي وبن أبي داود وبن الأنباري عن أنس أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون (مالك يوم الدين) بِالْأَلِفِ انْتَهَى (وَالزُّهْرِيِّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ الزُّهْرِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُتَّصِلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ انْتَهَى
وَفِي الدُّرِّ وَأَخْرَجَ سعيد بن منصور وبن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عن أبيه أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرأون (مالك يوم الدين) وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن بن مسعود أنه قال قرأ رسول الله (مالك يوم الدين) بالألف
وأخرج وكيع والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وبن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ (مالك يوم الدين) بالألف وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وبن أبي داود عن أبي هريرة أنه كان يقرؤها (مالك يوم الدين) بِالْأَلِفِ انْتَهَى
[4001]
(حَدَّثَنِي أَبِي) يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ (أَنَّهَا ذَكَرَتْ) أَيْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها (أَوْ كَلِمَةً غَيْرَهَا) هَذَا شَكٌّ من بن جُرَيْجٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ هَلْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ لَفْظَ ذَكَرَتْ أَوْ غَيْرَ هَذَا اللَّفْظِ
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أم سلمة قالت كان رسول الله (قراءة رسول الله) مَفْعُولُ ذَكَرَتْ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْمِيمِ وَأَمَّا فِي التِّرْمِذِيِّ فَبِحَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَأَخْرَجَ الترمذي وبن أبي الدنيا وبن الْأَنْبَارِيِّ كِلَاهُمَا فِي الْمَصَاحِفِ
عن أم سلمة أن النبي كَانَ يَقْرَأُ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بِغَيْرِ أَلِفٍ انْتَهَى (يَقْطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً) أَيْ يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأموي عن بن جريج عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ رسول الله يَقْطِّعُ قِرَاءَتَهُ يَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف وكان يقرؤها (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَبِهِ يَقْرَأُ أَبُو عُبَيْدٍ وَيَخْتَارُهُ
هَكَذَا رَوَى يَحْيَى بن سعيد الأموي وغيره عن بن جريج عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الحديث عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ عَنْ أم سلمة أنها وصفت قراءة النبي حَرْفًا حَرْفًا وَحَدِيثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ وَكَانَ يَقْرَأُ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ كَلَامُ الْإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ وَحَدِيثُ الليث أصح يعني أصح من رواية بن جريج عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أن بن أَبِي مُلَيْكَةَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ كَمَا حَدَّثَ بِهِ اللَّيْثُ
وَأَقُولُ لَا مَانِعَ أَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ يَعْلَى فَحَدَّثَ بِهِ اللَّيْثَ كَمَا سَمِعَهُ وَسَمِعَهُ مِنْ أم سلمة فحدث به بن جُرَيْجٍ فَإِنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَرَّحَ أَنَّهُ رَوَى عن عائشة وأم سلمة وأسماء وبن عَبَّاسٍ وَأَدْرَكَ ثَلَاثِينَ مِنِ الصَّحَابَةِ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ انْتَهَى فَمَعَ ثِقَتِهِ فَمَا الْمَانِعُ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ فقد وثق يعلى بن مملك بن حِبَّانَ فَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ تَقْديرٍ كذَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْمِيَةَ وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ رحمه الله
[4002]
(تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ) بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْحَاءِ
قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ حَامِيَةٍ بِالْأَلِفِ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ أَيْ حَارَّةٍ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (حَمِئَةٍ) مَهْمُوزًا بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ ذَاتِ حَمْأَةٍ وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أَيْ عِنْدَ عَيْنٍ حَمِئَةٍ أَوْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ انْتَهَى
وتقدم شرح هذا القول تحت حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ بَيَانِ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ
وفي الدر المنثور أخرج بن أبي شيبة وبن المنذر وبن مَرْدَوْيهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كنت ردف رسول الله وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ فَرَأَى الشَّمْسَ حِينَ غَرَبَتْ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ منصور وبن جرير وبن المنذر وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حاضر أن بن عَبَّاسٍ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ (تغرب في عين حامية) قال بن عباس فقلت لمعاوية ما نقرؤها إِلَّا حَمِئَةٍ فَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمرو وكيف نقرؤها فقال عبد الله كما قرأتها
قال بن عَبَّاسٍ فَقُلْنَا لِمُعَاوِيَةَ فِي بَيْتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبٍ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ سَلْ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ بِهَا وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ
وأخرج سعيد بن منصور وبن المنذر من طريق عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ خَالَفْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي حَمِئَةٍ وَحَامِيَةٍ قَرَأْتُهَا فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ فَقَالَ عَمْرٌو حَامِيَةٍ فَسَأَلْنَا كَعْبًا فَقَالَ إِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ تَغْرُبُ فِي طِينَةٍ سَوْدَاءَ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4003]
(أَنَّ مَوْلًى لِابْنِ الْأَسْقَعِ) وَصَفَهُ عُمَرُ بْنُ عطاء بالصدق وقال المنذري مولى بن الأسقع مجهول (عن بن الأسقع) قال المنذري ذكر بن أبي حاتم عن أبيه أن بن الْأَسْقَعِ هَذَا فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ
وَقَالَ فِيهِ الْبَكْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ
وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّهُ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ
وَذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَرْجَمَةِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَقَالَ هُوَ وَاثِلَةُ بِغَيْرِ شَكٍّ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَمِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ هَذَا آخَرُ كَلَامِهِ (هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قال البغوي قرأ عمر وبن مَسْعُودٍ الْقَيَّامُ وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ الْقَيِّمُ وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى
وَفِي رُوحِ الْمَعَانِي الْقَيُّومُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لِلْقِيَامِ وَأَصْلُهُ قَيْوُومٌ عَلَى فَيْعُولٍ فَاجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعُولًا وَإِلَّا لَكَانَ قَوُومًا لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ وَيَجُوزُ فِيهِ قَيَّامٌ وَقَيِّمٌ وَبِهِمَا قُرِئَ وَرُوِيَ أَوَّلُهُمَا عن عمر رضي الله عنه وقرىء الْقَائِمُ وَالْقَيُّومُ بِالنَّصْبِ انْتَهَى
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ في المعرفة بسند رجاله ثقات عن بن الأسقع البكري أن النبي جَاءَهُمْ فِي صِفَةِ الْمُهَاجِرِينَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وأبو داود في كتاب الصلاة قوله لأبي بن كعب رضي الله عنه يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيَّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَعَكَ أَعْظَمُ الْحَدِيثَ
[4004]
(أَنَّهُ قَرَأَ) أَيْ فِي سُورَةِ يُوسُفَ (هَيْتَ لَكَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ
قَالَ الْبَغَوِيُّ أَيْ هَلُمَّ وَأَقْبِلْ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ
وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ بِكَسْرِ الهاء وفتح التاء
وقرأ بن كَثِيرٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ
وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَقَتَادَةُ هِئْتُ لَكَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مَهْمُوزًا يَعْنِي تَهَيَّأْتُ لَكَ وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَقَالَا لَمْ يُحْكَ هَذَا عَنِ الْعَرَبِ والأول هو المعروف عند العرب
قال بن مسعود رضي الله عنه أقرأني النبي (هَيْتَ لَكَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَأَنَّ الْكِسَائِيَّ يَقُولُ هِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ حُورَانَ وَقَعَتْ إِلَى الْحِجَازِ مَعْنَاهَا تَعَالَ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَيْضًا بِالْحُورَانِيَّةِ هَلُمَّ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ هِيَ لُغَةٌ غَرِيبَةٌ وهي كلمة حث وإقبال على الشيء
مال أَبُو عُبَيْدَةَ إِنَّ الْعَرَبَ لَا تُثَنِّي هَيْتَ وَلَا تَجْمَعُ وَلَا تُؤَنِّثُ وَإِنَّهَا بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ حَالٍ انْتَهَى
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود قالت (هَيْتَ لَكَ) قَالَ وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْنَاهَا انْتَهَى
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ والبخاري وبن جرير وبن المنذر وبن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وبن مَرْدَوْيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَرَأَهَا عَبْدُ اللَّهِ (هَيْتَ لَكَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ فَقُلْنَا إِنَّ نَاسًا يَقْرَءُونَهَا (هِيْتَ لَكَ) فَقَالَ دَعُونِي فإني أقرأكما أقرئت أحب إلي
وأخرج بن جرير والحاكم وصححه عن بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَرَأَ (هَيْتَ لَكَ) يَنْصِبُ الْهَاءَ وَالتَّاءَ وَلَا يَهْمِزُ
وَأَخْرَجَ أبو عبيدة وبن الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا (هِيْتُ لَكَ) يَعْنِي بِكَسْرِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ يَعْنِي تَهَيَّأْتُ لَكَ
وَأَخْرَجَ أَبُو عبيدة وبن جرير وبن أبي حاتم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (هِئْتُ لَكَ) مَكْسُورَةَ الْهَاءِ مَضْمُومَةَ التَّاءِ مَهْمُوزَةً قَالَ تَهَيَّأْتُ لَكَ
وَأَخْرَجَ بن جرير وبن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (هِئْتُ لَكَ) رَفَعَ أَيْ تَهَيَّأْتُ لَكَ
وَأَخْرَجَ بن جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (هَيْتَ لَكَ) نَصْبًا أَيْ هلم لك
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَذَلِكَ كَانَ الْكِسَائِيُّ يَحْكِيهَا قَالَ هِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَقَعَتْ إِلَى الحجاز معناها تعاله
وأخرج أبو عبيد وبن المنذر عن عبد الله بن عامر البحصي أَنَّهُ قَرَأَ هِيتَ لَكَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ انْتَهَى
قُلْتُ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظَانِ بْنُ كثير وبن حَجَرٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ إِنِّي سمعت القراءة فسمعتهم متقاربين فاقرأوا كَمَا عُلِّمْتُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالِاخْتِلَافَ فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ هَلُمَّ وَتَعَالَ ثُمَّ قَرَأَ وَقَالَتْ (هيت لك) فقلت إن ناسا يقرأونها (هِيتَ لَكَ) قَالَ لَأَنْ أَقْرَأهَا كَمَا عُلِّمْتُ أحب إلي
وكذا أخرجه بن مَرْدَوْيهِ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أبي وائل أن بن مَسْعُودٍ قَرَأَهَا (هَيْتَ لَكَ) بِالْفَتْحِ
وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ لَكِنْ قَالَ بِالضَّمِّ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَرَأَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِالْفَتْحِ فقلت له إن الناس يقرأونها بِالضَّمِّ فَذَكَرَهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَقْوَى وقراءة بن مَسْعُودٍ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبِالضَّمِّ أَوْ بِالْفَتْحِ بِغَيْرِ هَمْزٍ
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي وائل أنه يقرأها كَذَلِكَ لَكِنْ بِالْهَمْزِ
وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ خَمْسُ قراءات فنافع وبن ذَكْوَانَ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وتاء مفتوحة وبن كَثِيرٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَتَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَهِشَامٌ بِهَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ أَوْ مَضْمُومَةٍ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وتاء مفتوحة
وعن بن مُحَيْصِنٍ فَتْحُ الْهَاءِ وَسُكُونُ الْيَاءِ وَكَسْرُ التَّاءِ وَكَسْرُ الْهَاءِ وَالتَّاءِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَكَسْرُ الهاء وسكون الياء وضم التاء
وعن بن عباس (هييت) بضم الهاء وكسر الياء ياء بَعْدَهَا سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مَضْمُومَةٍ بِوَزْنِ حُيِيتُ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي الشَّاذِّ فَصَارَتْ تِسْعَةً
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
(إِنَّا نَقْرَؤُهَا هِيتَ لَكَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ ثُمَّ يَاءٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هِئْتُ (كَمَا عُلِّمْتُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ
[4006]
(أَخْبَرَنَا بن وَهْبٍ) فَأَحْمَدُ وَسُلَيْمَانُ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ (ادْخُلُوا
الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْقَرْيَةِ وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ (سُجَّدًا) أَيْ سَاجِدِينَ لِلَّهِ تَعَالَى شُكْرًا عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنَ التِّيهِ (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أَيْ مَسْأَلَتُنَا حطة وهي فعلة من الحط كالجلسة
وقرىء بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَصْلِ بِمَعْنَى حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا حِطَّةً أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ قُولُوا أَيْ قُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ (تُغْفَرُ لَكُمْ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ فِي الْمَعَالِمِ قَرَأَ نَافِعٌ بالياء وضمها وفتح الفاء وقرأها بن عَامِرٍ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ انْتَهَى
وَفِي البيضاوي قرأ نافع بالياء وبن عَامِرٍ بِالتَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ انْتَهَى
وَفِي الْغَيْثِ قَرَأَ نَافِعٌ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالشَّامِيُّ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ مَوْضِعَ التَّحْتِيَّةِ تَاءً فَوْقِيَّةً وَالْبَاقُونَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ هُنَا أَنَّ خَطَايَاكُمْ عَلَى وَزْنِ قَضَايَاكُمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[4008]
(فَقَرَأَ عَلَيْنَا) أَيْ فِي سُورَةِ النُّورِ (سُورَةٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا) صِفَةٌ لَهَا
وَقَرَأَ طَلْحَةُ بِالنَّصْبِ أَيِ اتْلُ سُورَةً (وَفَرَضْنَاهَا) أَيْ وَفَرَضْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَلْزَمْنَاكُمُ الْعَمَلَ بِهَا (يَعْنِي مُخَفَّفَةً) كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِينَ
قال البغوي قرأ بن كَثِيرٍ وَأَبُو عُمَرَ (وَفَرَضْنَاهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَمَّا التَّشْدِيدُ فَمَعْنَاهُ فَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ انْتَهَى (حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ) الَّتِي بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَفَرَضْنَاهَا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
فَائِدَةٌ وَأَمَّا إِخْرَاجُ الضَّادِ مِنْ مَخْرَجِهَا فَعَسِيرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَوَامُّ
وَفِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ الْمَوْسُومِ بِكَنْزِ الْمَعَانِي شَرْحِ حِرْزِ الْأَمَانِيِّ لِلشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ المعروف بشعلة
الْمَوْصِلِيِّ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّ الضَّادَ وَالظَّاءَ وَالذَّالَ مُتَشَابِهَةٌ فِي السَّمْعِ وَالضَّادُ لَا تَفْتَرِقُ عَنِ الظَّاءِ إِلَّا بِاخْتِلَافِ الْمَخْرَجِ وَزِيَادَةِ الِاسْتِطَالَةِ فِي الضَّادِ وَلَوْلَاهُمَا لَكَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَيْنَ الْأُخْرَى انْتَهَى
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَزَرِيُّ فِي التَّمْهِيدِ فِي عِلْمِ التَّجْوِيدِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي النُّطْقِ بِالضَّادِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ ظَاءً لِأَنَّ الضَّادَ يُشَارِكُ الظَّاءَ فِي صِفَاتِهَا كُلِّهَا وَيَزِيدُ عَلَى الظَّاءِ بِالِاسْتِطَالَةِ فَلَوْلَا الِاسْتِطَالَةُ وَاخْتِلَافُ الْمَخْرَجَيْنِ لَكَانَتْ ظَاؤُهُمْ أكثر الشاميين وبعض أهل الشرق
وحكى بن جِنِّيٍّ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ الضَّادَ ظَاءً مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ كَلَامِهِمْ وَهَذَا قَرِيبٌ وَفِيهِ
تَوَسُّعٌ لِلْعَامَّةِ انْتَهَى
وَقَالَ فَخْرٌ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ اشْتِبَاهَ الضَّادِ بِالظَّاءِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشَابَهَةَ حَاصِلَةٌ فِيهِمَا جِدًّا وَالتَّمَيُّزَ عَسِيرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ التَّكْلِيفُ بِالْفَرْقِ
وَبَيَانُ الْمُشَابَهَةِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا مِنَ الْحُرُوفِ الرَّخْوَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُمَا مِنَ الْحُرُوفِ الْمُطْبَقَةِ وَالرَّابِعُ أَنَّ الظَّاءَ وَإِنْ كَانَ مَخْرُجُهُ مِنْ طَرْفِ اللِّسَانِ وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا وَمَخْرَجُ الضَّادِ مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ إِلَّا أَنَّهُ حَصَلَ فِي الضَّادِ انْبِسَاطٌ لِأَجْلِ رَخَاوَتِهَا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَقْرَبُ مَخْرَجُهُ الظَّاءَ وَالْخَامِسُ أَنَّ النُّطْقَ بِحَرْفِ الضَّادِ مَخْصُوصٌ بِالْعَرَبِ مُثْبَتٌ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ شَدِيدَةٌ وَأَنَّ التَّمَيُّزَ عَسِيرٌ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ لَوْ كَانَ الْفَرْقُ مُعْتَبَرًا لَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي أَزْمِنَةِ الصَّحَابَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ دُخُولِ الْعَجَمِ فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ وُقُوعُ السُّؤَالِ عَنْ هَذَا الْبَتَّةَ عَلِمْنَا أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ لَيْسَ فِي مَحَلِّ التَّكْلِيفِ انْتَهَى
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ قَرَأَ الضَّالِّينَ بِالظَّاءِ مَكَانَ الضَّادِ أَوْ بِالذَّالِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَرَأَ الدَّالِّينَ بِالدَّالِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ انْتَهَى
وَقَدْ طَالَ النِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا
فَقِيلَ لَا يُقْرَأُ الضَّادُ مُشَابَهَةً بِالظَّاءِ وَمَنْ قَرَأَ هَكَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بَلْ يُقْرَأُ الضَّادُ مُشَابَهَةً بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِخْرَاجِ الضَّادِ مِنْ مَخْرَجِهَا فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ الضَّادَ مُشَابَهَةً بِالظَّاءِ لِأَنَّ الضَّادَ تُشَارِكُ الظَّاءَ فِي صِفَاتِهَا كُلِّهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِالِاسْتِطَالَةِ فَلَوْلَا اخْتِلَافُ الْمَخْرَجَيْنِ وَالِاسْتِطَالَةُ فِي الضَّادِ لَكَانَتْ ظَاءً وَلَا يُقْرَأُ الضَّادُ مُشَابَهَةً بِالدَّالِ أَبَدًا وَهَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ السَّيِّدِ نَذِيرٌ حُسَيْنُ الدَّهْلَوِيِّ وَشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْقَاضِي بَشِيرِ الدِّينِ الْقِنَّوْجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ قِرَاءَةَ الدَّالِ مَكَانَ الضَّادِ تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ قَطْعًا لفساد المعنى
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الظَّاءِ مَكَانَ الضَّادِ لَا تَفْسُدُ بِهَا الصَّلَاةُ أَصْلًا لِمُشَارَكَةِ الظَّاءِ بِالضَّادِ وَأَمَّا مَنْ سَعَى وَاجْتَهَدَ فِي أَدَاءِ الضَّادِ مِنْ مَخْرَجِهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَرَأَ بَيْنَ الدَّالِ وَالضَّادِ بِحَيْثُ لَمْ يَنْطِقْ بِالدَّالِ الْخَالِصِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْضًا
وَهَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ شُيُوخِنَا الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ